المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة النساء (4): الآيات 148 الى 149] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ٦

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَةُ النساء (4): الآيات 148 الى 149]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 150 الى 151]

- ‌[سورة النساء (4): آية 152]

- ‌[سورة النساء (4): آية 153]

- ‌[سورة النساء (4): آية 154]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 155 الى 156]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 157 الى 158]

- ‌[سورة النساء (4): آية 159]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 160 الى 161]

- ‌[سورة النساء (4): آية 162]

- ‌[سورة النساء (4): آية 163]

- ‌[سورة النساء (4): آية 164]

- ‌[سورة النساء (4): آية 165]

- ‌[سورة النساء (4): آية 166]

- ‌[سورة النساء (4): آية 167]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 168 الى 169]

- ‌[سورة النساء (4): آية 170]

- ‌[سورة النساء (4): آية 171]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 172 الى 173]

- ‌[سورة النساء (4): آية 174]

- ‌[سورة النساء (4): آية 175]

- ‌[سورة النساء (4): آية 176]

- ‌تفسير سورة المائدة

- ‌[سورة المائدة (5): آيَةً 1]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 2]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 3]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 4]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 5]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 6]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 7]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 11]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 12]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 13]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 14 الى 16]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 17]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 18]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 19]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 27]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 30]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 31]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 32]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 37]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 38]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 40]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 41]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 42]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 43]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 44]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 45]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 46 الى 47]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 48]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 49]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 50]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 51]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 52 الى 53]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 54]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 55]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 56]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 57]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 58]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 59 الى 60]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 61 الى 63]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 64]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 67]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 68]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 69]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 70]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 71]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 72]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 73 الى 74]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 75]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 76]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 77]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 78]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 79]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 80]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 81]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 82]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 83]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 84]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 85 الى 86]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 87]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 88]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 89]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 90 الى 92]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 93]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 94]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 95]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 96]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 97]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 98]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 99]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 100]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 101 الى 102]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 103]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 104]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 105]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 109]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 110]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 111]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 112]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 113]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 114]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 115]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 116]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 117]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 118]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 119]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 120]

- ‌تفسير سورة الأنعام

- ‌[سورة الأنعام (6): آيَةً 1]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 2]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 3 الى 5]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 6]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 7]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 11 الى 12]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 17]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 18 الى 19]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 20]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 23]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 24]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 25]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 26]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 27]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 28]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 29]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 30]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 31]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 32]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 35]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 38]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 39 الى 41]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 42]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 43 الى 45]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 46 الى 47]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 48]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 49]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 50]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 51]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 52]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 53]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 54]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 55]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 56]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 57]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 58]

الفصل: ‌[سورة النساء (4): الآيات 148 الى 149]

الجزء السادس

[تتمة تفسير سُورَةُ النِّسَاءِ]

بسم الله الرحمن الرحيم

[سُورَةُ النساء (4): الآيات 148 الى 149]

لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَاّ مَنْ ظُلِمَ وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً (148) إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ عَفُوًّا قَدِيراً (149)

فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ) وَتَمَّ الكلام. ثم قال جل وعز" إِلَّا مَنْ ظُلِمَ" اسْتِثْنَاءٌ لَيْسَ مِنَ الْأَوَّلِ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ، أَيْ لَكِنْ مَنْ ظُلِمَ فَلَهُ أَنْ يَقُولَ ظَلَمَنِي فُلَانٌ. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ أَنْ يَجْهَرَ أَحَدٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ. وَقِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ" ظُلِمَ" بِضَمِّ الظَّاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ، وَيَجُوزُ إِسْكَانُهَا. وَمَنْ قَرَأَ" ظَلَمَ" بِفَتْحِ الظَّاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَهُوَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَابْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُمَا عَلَى مَا يَأْتِي، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُسَكِّنَ اللَّامَ لِخِفَّةِ الْفَتْحَةِ. فَعَلَى الْقِرَاءَةِ الْأُولَى قَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمَعْنَى لَا يُحِبُّ اللَّهُ أَنْ يَجْهَرَ أَحَدٌ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ فَلَا يُكْرَهُ لَهُ الْجَهْرُ بِهِ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْجَهْرِ بِالسُّوءِ وَمَا هُوَ الْمُبَاحُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ الْحَسَنُ: هُوَ الرَّجُلُ يَظْلِمُ الرَّجُلَ فَلَا يَدْعُ «1» عَلَيْهِ، وَلَكِنْ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ اسْتَخْرِجْ حَقِّي، اللَّهُمَّ حُلْ بَيْنَهُ «2» وَبَيْنَ مَا يُرِيدُ مِنْ ظُلْمِي. فَهَذَا دُعَاءٌ فِي الْمُدَافَعَةِ وَهِيَ أَقَلُّ مَنَازِلِ السُّوءِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ: الْمُبَاحُ لِمَنْ ظُلِمَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ، وَإِنْ صَبَرَ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، فَهَذَا إِطْلَاقٌ فِي نَوْعِ الدُّعَاءِ عَلَى الظَّالِمِ. وَقَالَ أَيْضًا هُوَ وَالسُّدِّيُّ: لَا بَأْسَ لِمَنْ ظُلِمَ أَنْ يَنْتَصِرَ مِمَّنْ ظَلَمَهُ بِمِثْلِ ظُلْمِهِ وَيَجْهَرَ لَهُ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ. وَقَالَ ابْنُ الْمُسْتَنِيرِ:" إِلَّا مَنْ ظُلِمَ" مَعْنَاهُ، إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ عَلَى أَنْ يَجْهَرَ بِسُوءٍ مِنَ الْقَوْلِ كُفْرٍ أَوْ نَحْوِهِ فَذَلِكَ مُبَاحٌ. وَالْآيَةُ عَلَى هَذَا فِي الْإِكْرَاهِ، وَكَذَا قَالَ قطرب:

(1). كذا في الأصول: نهى، والظاهر ثبوت الواو: خبر.

(2)

. في و، ا: حل بيني.

ص: 1

" إِلَّا مَنْ ظُلِمَ" يُرِيدُ الْمُكْرَهَ، لِأَنَّهُ مَظْلُومٌ فَذَلِكَ مَوْضُوعٌ عَنْهُ وَإِنْ كَفَرَ، قَالَ: وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى" إِلَّا مَنْ ظُلِمَ" عَلَى الْبَدَلِ، كَأَنَّهُ قَالَ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ، أَيْ لَا يُحِبُّ اللَّهُ الظَّالِمَ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: يُحِبُّ مَنْ ظُلِمَ أَيْ يَأْجُرُ مَنْ ظُلِمَ. وَالتَّقْدِيرُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ ذَا الْجَهْرِ بِالسُّوءِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ، عَلَى الْبَدَلِ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: نَزَلَتْ فِي الضِّيَافَةِ فَرُخِّصَ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ ضاف رجلا بفلاة من الأرض فلم يضيفه فَنَزَلَتْ" إِلَّا مَنْ ظُلِمَ" وَرَوَاهُ ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ" لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ" فِي الرَّجُلِ يَمُرُّ بِالرَّجُلِ فَلَا يُضِيفُهُ فَرُخِّصَ لَهُ أَنْ يَقُولَ فِيهِ: إِنَّهُ لَمْ يُحْسِنْ ضِيَافَتَهُ. وَقَدِ اسْتَدَلَّ مَنْ أَوْجَبَ الضِّيَافَةَ بِهَذِهِ الْآيَةِ، قَالُوا: لِأَنَّ الظُّلْمَ مَمْنُوعٌ مِنْهُ فَدَلَّ عَلَى وُجُوبِهَا، وَهُوَ قَوْلُ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا مِنْ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهَا فِي" هُودٍ"«1» وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ ظَاهِرُ الْآيَةِ أَنَّ لِلْمَظْلُومِ أَنْ ينتصر من ظالمه- ولكن مع اقتصاد- إن كَانَ مُؤْمِنًا كَمَا قَالَ الْحَسَنُ، فَأَمَّا أَنْ يُقَابِلَ الْقَذْفَ بِالْقَذْفِ وَنَحْوِهِ فَلَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي" الْبَقَرَةِ"«2» . وَإِنْ كَانَ كَافِرًا فَأَرْسِلْ لِسَانَكَ وَادْعُ بِمَا شِئْتَ مِنَ الْهَلَكَةِ وَبِكُلِّ دُعَاءٍ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ قَالَ:(اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرٍ وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ) وَقَالَ: (اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِفُلَانٍ وَفُلَانٍ) سَمَّاهُمْ. وَإِنْ كَانَ مُجَاهِرًا بِالظُّلْمِ دُعِيَ «3» عَلَيْهِ جَهْرًا، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِرْضٌ مُحْتَرَمٌ وَلَا بَدَنٌ مُحْتَرَمٌ وَلَا مَالٌ مُحْتَرَمٌ. وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ قال: سرق لها شي فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَيْهِ «4» ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:(لَا تُسَبِّخِي عَنْهُ)«5» أَيْ لَا تُخَفِّفِي عَنْهُ الْعُقُوبَةَ بِدُعَائِكِ عَلَيْهِ. وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَيُّ الْوَاجِدِ «6» ظُلْمٌ يُحِلُّ عِرْضَهُ وَعُقُوبَتَهُ). قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: يُحِلُّ عِرْضَهُ يُغَلِّظُ لَهُ، وَعُقُوبَتُهُ يُحْبَسُ] لَهُ [«7» . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ (مَطْلُ الْغَنِيِّ ظُلْمٌ). فَالْمُوسِرُ الْمُتَمَكِّنُ إِذَا طُولِبَ بِالْأَدَاءِ ومطل ظلم، وذلك يبيح من

(1). راجع ج 9 ص 64.

(2)

. راجع ج 2 ص 360.

(3)

. في ج وز: دعا.

(4)

. أي السارق.

(5)

. في ى: المعنى.

(6)

. اللي: المطل. الواجد: القادر على أداء دينه.

(7)

. من ج وز وك.

ص: 2

عِرْضِهِ أَنْ يُقَالَ فِيهِ: فُلَانٌ يَمْطُلُ النَّاسَ وَيَحْبِسُ حُقُوقَهُمْ وَيُبِيحُ لِلْإِمَامِ أَدَبَهُ وَتَعْزِيرَهُ حَتَّى يَرْتَدِعَ عَنْ ذَلِكَ، حُكِيَ مَعْنَاهُ عَنْ سُفْيَانَ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ الْمُبَارَكِ رضي الله عنهما. الثَّانِيةُ- وَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ قَوْلِ الْعَبَّاسِ فِي عَلِيٍّ رضي الله عنهما بِحَضْرَةِ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا الْكَاذِبِ الْآثِمِ الْغَادِرِ الْخَائِنِ. الْحَدِيثَ. وَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، لِأَنَّهَا كَانَتْ حُكُومَةً، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْتَقِدُهَا لِنَفْسِهِ، حَتَّى أَنْفَذَ فِيهَا عَلَيْهِمْ عُمَرُ الْوَاجِبَ، قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذَا إِنَّمَا يَكُونُ فِيمَا إِذَا اسْتَوَتِ الْمَنَازِلُ أَوْ تَقَارَبَتْ، وَأَمَّا إِذَا تَفَاوَتَتْ، فَلَا تُمَكَّنُ الْغَوْغَاءُ مِنْ أَنْ تَسْتَطِيلَ «1» عَلَى الْفُضَلَاءِ، وَإِنَّمَا تَطْلُبُ حَقَّهَا بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى مِنْ غَيْرِ تَصْرِيحٍ بِظُلْمٍ وَلَا غَضَبٍ، وَهَذَا صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الْآثَارُ. وَوَجْهٌ آخَرُ- وَهُوَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ أَخْرَجَهُ مِنَ الْعَبَّاسِ الْغَضَبُ وَصَوْلَةُ سُلْطَةِ الْعُمُومَةِ! فَإِنَّ الْعَمَّ صِنْوُ «2» الْأَبِ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْأَبَ إِذَا أَطْلَقَ هَذِهِ الْأَلْفَاظَ عَلَى وَلَدِهِ إِنَّمَا يَحْمِلُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ الْإِغْلَاظَ وَالرَّدْعَ مُبَالَغَةً فِي تَأْدِيبِهِ، لَا أَنَّهُ مَوْصُوفٌ بِتِلْكَ الْأُمُورِ، ثُمَّ انْضَافَ إِلَى هَذَا أَنَّهُمْ فِي مُحَاجَّةِ وِلَايَةٍ دِينِيَّةٍ، فَكَانَ الْعَبَّاسُ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُخَالَفَتَهُ فِيهَا لَا تَجُوزُ، وَأَنَّ مُخَالَفَتَهُ فِيهَا تُؤَدِّي إِلَى أَنْ يَتَّصِفَ الْمُخَالِفُ بِتِلْكَ الْأُمُورِ، فَأَطْلَقَهَا بِبَوَادِرِ الْغَضَبِ عَلَى هَذِهِ الْأَوْجُهِ، وَلَمَّا عَلِمَ الْحَاضِرُونَ ذَلِكَ لَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِ، أَشَارَ إِلَى هَذَا الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُمَا. الثَّالِثَةُ- فَأَمَّا مَنْ قَرَأَ" ظَلَمَ" بِالْفَتْحِ فِي الظَّاءِ وَاللَّامِ- وَهِيَ قِرَاءَةُ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، وَكَانَ مِنَ الْعُلَمَاءِ بِالْقُرْآنِ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَقِرَاءَةُ ابْنِ أَبِي إِسْحَاقَ وَالضَّحَّاكِ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَعَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ- فَالْمَعْنَى: إِلَّا مَنْ ظَلَمَ فِي فِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ فَاجْهَرُوا لَهُ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ، فِي مَعْنَى النَّهْيِ عَنْ فِعْلِهِ وَالتَّوْبِيخِ لَهُ وَالرَّدِّ عَلَيْهِ، الْمَعْنَى لَا يُحِبُّ اللَّهُ أَنْ يُقَالَ لِمَنْ تَابَ مِنَ النِّفَاقِ: أَلَسْتَ نَافَقْتَ؟ إِلَّا مَنْ ظَلَمَ، أَيْ أَقَامَ عَلَى النِّفَاقِ، وَدَلَّ عَلَى هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِلَّا الَّذِينَ تابُوا". قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: وَذَلِكَ أَنَّهُ سبحانه لما أخبر عن المنافقين

(1). في ز: تسلط. [ ..... ]

(2)

. الصنو: المثل.

ص: 3

أَنَّهُمْ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ كَانَ ذَلِكَ جَهْرًا بِسُوءٍ مِنَ الْقَوْلِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ:" مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُمْ"] النساء: 147] عَلَى مَعْنَى التَّأْنِيسِ وَالِاسْتِدْعَاءِ إِلَى الشُّكْرِ وَالْإِيمَانِ. ثُمَّ قَالَ لِلْمُؤْمِنِينَ:" لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ" فِي إِقَامَتِهِ عَلَى النِّفَاقِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُ: أَلَسْتَ الْمُنَافِقَ الْكَافِرَ الَّذِي لَكَ فِي الْآخِرَةِ الدَّرْكُ الْأَسْفَلُ مِنَ النَّارِ؟ وَنَحْوَ هَذَا مِنَ الْقَوْلِ. وَقَالَ قَوْمٌ: مَعْنَى الْكَلَامِ: لَا يُحِبُّ اللَّهُ أَنْ يَجْهَرَ أَحَدٌ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ، ثُمَّ اسْتَثْنَى اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا، أَيْ لَكِنْ مَنْ ظُلِمَ فَإِنَّهُ يَجْهَرُ بِالسُّوءِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا وَهُوَ ظَالِمٌ فِي ذَلِكَ. قُلْتُ: وَهَذَا شَأْنُ كَثِيرٍ مِنَ الظَّلَمَةِ وَدَأْبِهِمْ، فَإِنَّهُمْ مَعَ ظُلْمِهِمْ يَسْتَطِيلُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ وَيَنَالُونَ مِنْ عِرْضِ مَظْلُومِهِمْ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى" إِلَّا مَنْ ظُلِمَ" فَقَالَ سُوءًا، فَإِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ تَأْخُذُوا عَلَى يَدَيْهِ، وَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ لَيْسَ مِنَ الْأَوَّلِ. قُلْتُ: وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَحَادِيثُ مِنْهَا قَوْلُهُ عليه السلام: (خُذُوا عَلَى أَيْدِي سُفَهَائِكُمْ). وَقَوْلُهُ: (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا) قَالُوا: هَذَا نَنْصُرُهُ مَظْلُومًا فَكَيْفَ نَنْصُرُهُ ظَالِمًا؟ قَالَ: (تَكُفُّهُ عَنِ الظُّلْمِ). وَقَالَ الْفَرَّاءُ:" إِلَّا مَنْ ظُلِمَ" يَعْنِي وَلَا مَنْ ظَلَمَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً) تَحْذِيرٌ لِلظَّالِمِ حَتَّى لَا يَظْلِمَ، وَلِلْمَظْلُومِ حَتَّى لَا يَتَعَدَّى الْحَدَّ فِي الِانْتِصَارِ. ثُمَّ أَتْبَعَ هَذَا بِقَوْلِهِ:" إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ" فَنَدَبَ إِلَى الْعَفْوِ وَرَغَّبَ فِيهِ. وَالْعَفْوُ مِنْ صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الِانْتِقَامِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي" آلِ عِمْرَانَ" «1» فَضْلُ الْعَافِينَ] عَنِ النَّاسِ [«2». فَفِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْيَسِيرَةِ مَعَانٍ كَثِيرَةٌ لِمَنْ تَأَمَّلَهَا. وَقِيلَ: إِنْ عَفَوْتَ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْفُو عَنْكَ. رَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ الْحَسَنَ يقول: إذا جئت الْأُمَمُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نُودِيَ لِيَقُمْ مَنْ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فَلَا يَقُومُ إِلَّا مَنْ عَفَا فِي الدُّنْيَا، يُصَدِّقُ هَذَا الْحَدِيثَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ"[الشورى: 40]«3»

(1). راجع ج 4 ص 207.

(2)

. من ز.

(3)

. راجع ج 16 ص 38.

ص: 4