المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة الأنعام (6): آية 38] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ٦

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَةُ النساء (4): الآيات 148 الى 149]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 150 الى 151]

- ‌[سورة النساء (4): آية 152]

- ‌[سورة النساء (4): آية 153]

- ‌[سورة النساء (4): آية 154]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 155 الى 156]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 157 الى 158]

- ‌[سورة النساء (4): آية 159]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 160 الى 161]

- ‌[سورة النساء (4): آية 162]

- ‌[سورة النساء (4): آية 163]

- ‌[سورة النساء (4): آية 164]

- ‌[سورة النساء (4): آية 165]

- ‌[سورة النساء (4): آية 166]

- ‌[سورة النساء (4): آية 167]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 168 الى 169]

- ‌[سورة النساء (4): آية 170]

- ‌[سورة النساء (4): آية 171]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 172 الى 173]

- ‌[سورة النساء (4): آية 174]

- ‌[سورة النساء (4): آية 175]

- ‌[سورة النساء (4): آية 176]

- ‌تفسير سورة المائدة

- ‌[سورة المائدة (5): آيَةً 1]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 2]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 3]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 4]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 5]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 6]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 7]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 11]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 12]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 13]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 14 الى 16]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 17]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 18]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 19]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 27]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 30]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 31]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 32]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 37]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 38]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 40]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 41]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 42]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 43]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 44]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 45]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 46 الى 47]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 48]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 49]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 50]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 51]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 52 الى 53]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 54]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 55]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 56]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 57]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 58]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 59 الى 60]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 61 الى 63]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 64]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 67]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 68]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 69]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 70]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 71]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 72]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 73 الى 74]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 75]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 76]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 77]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 78]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 79]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 80]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 81]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 82]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 83]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 84]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 85 الى 86]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 87]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 88]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 89]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 90 الى 92]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 93]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 94]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 95]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 96]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 97]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 98]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 99]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 100]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 101 الى 102]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 103]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 104]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 105]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 109]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 110]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 111]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 112]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 113]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 114]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 115]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 116]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 117]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 118]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 119]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 120]

- ‌تفسير سورة الأنعام

- ‌[سورة الأنعام (6): آيَةً 1]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 2]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 3 الى 5]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 6]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 7]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 11 الى 12]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 17]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 18 الى 19]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 20]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 23]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 24]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 25]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 26]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 27]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 28]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 29]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 30]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 31]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 32]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 35]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 38]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 39 الى 41]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 42]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 43 الى 45]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 46 الى 47]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 48]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 49]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 50]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 51]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 52]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 53]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 54]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 55]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 56]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 57]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 58]

الفصل: ‌[سورة الأنعام (6): آية 38]

وَكَانَ هَذَا مِنْهُمْ تَعَنُّتًا بَعْدَ ظُهُورِ الْبَرَاهِينِ، وَإِقَامَةِ الْحُجَّةِ بِالْقُرْآنِ الَّذِي عَجَزُوا أَنْ يَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ، لِمَا فِيهِ مِنَ الْوَصْفِ «1» وَعِلْمِ الْغُيُوبِ. (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) أَيْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ عز وجل إِنَّمَا يُنَزِّلُ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ مَصْلَحَةٌ لِعِبَادِهِ، وَكَانَ فِي عِلْمِ اللَّهِ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ أَصْلَابِهِمْ أَقْوَامًا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَلَمْ يُرِدْ اسْتِئْصَالَهُمْ. وَقِيلَ:(وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) أَنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى إِنْزَالِهَا. الزَّجَّاجُ: طَلَبُوا أَنْ يَجْمَعَهُمْ عَلَى الهدى أي جمع إلجاء.

[سورة الأنعام (6): آية 38]

وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَاّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ مَا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ) تَقَدَّمَ مَعْنَى الدَّابَّةِ وَالْقَوْلُ فِيهِ فِي" الْبَقَرَةِ"«2» وَأَصْلُهُ الصِّفَةُ، مِنْ دَبَّ يَدِبُّ فَهُوَ دَابٌّ إِذَا مَشَى مَشْيًا فِيهِ تَقَارُبُ خَطْوٍ. (وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ) بِخَفْضِ" طائِرٍ" عَطْفًا عَلَى اللَّفْظِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ (وَلَا طَائِرٌ) بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الموضع، و (مِنْ) زائدة، التقدير: وما دَابَّةٍ." بِجَناحَيْهِ" تَأْكِيدٌ وَإِزَالَةٌ لِلْإِبْهَامِ، فَإِنَّ الْعَرَبَ تستعمل الطيران لغير الطائر، تقول للرجل: طرفي حَاجَتِي، أَيْ أَسْرِعْ، فَذَكَرَ (بِجَناحَيْهِ) لِيَتَمَحَّضَ الْقَوْلُ فِي الطَّيْرِ، وَهُوَ فِي غَيْرِهِ مَجَازٌ. وَقِيلَ: إِنَّ اعْتِدَالَ جَسَدِ الطَّائِرِ بَيْنَ الْجَنَاحَيْنِ يُعِينُهُ عَلَى الطَّيَرَانِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُعْتَدِلٍ لَكَانَ يَمِيلُ، فَأَعْلَمَنَا أَنَّ الطَّيَرَانَ بِالْجَنَاحَيْنِ وَ" مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ" «3»] النحل: 79]. وَالْجَنَاحُ أَحَدُ نَاحِيَتَيِ الطَّيْرِ الَّذِي يَتَمَكَّنُ بِهِ مِنَ الطَّيَرَانِ فِي الْهَوَاءِ، وَأَصْلُهُ الْمَيْلُ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ النَّوَاحِي، وَمِنْهُ جَنَحَتِ السَّفِينَةُ إِذَا مَالَتِ إِلَى نَاحِيَةِ الْأَرْضِ لَاصِقَةً بِهَا فَوَقَفَتْ. وَطَائِرُ الْإِنْسَانِ عَمَلُهُ، وَفِي التَّنْزِيلِ" وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ" «4»] الاسراء: 13]. (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) أَيْ هُمْ جَمَاعَاتٌ مِثْلُكُمْ فِي أَنَّ اللَّهَ عز وجل خَلَقَهُمْ، وَتَكَفَّلَ بأرزاقهم، وعدل عليهم، فلا ينبغي

(1). في ب وع: الرصف. وهو نظم الشيء بعضه إلى بعض.

(2)

. راجع ج 2 ص 196.

(3)

. راجع ج 10 ص 151، ص 229. [ ..... ]

(4)

. راجع ج 10 ص 151، ص 229.

ص: 419

أَنْ تَظْلِمُوهُمْ، وَلَا تُجَاوِزُوا فِيهِمْ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ. وَ (دَابَّةٌ) تَقَعُ عَلَى جَمِيعِ مَا دَبَّ، وَخَصَّ بِالذِّكْرِ مَا فِي الْأَرْضِ دُونَ السَّمَاءِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَعْرِفُونَهُ وَيُعَايِنُونَهُ. وَقِيلَ: هِيَ أَمْثَالٌ لَنَا فِي التَّسْبِيحِ وَالدَّلَالَةِ، وَالْمَعْنَى: وَمَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَا طَائِرٍ إِلَّا وَهُوَ يُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى، وَيَدُلُّ عَلَى وَحْدَانِيَّتِهِ لَوْ تَأَمَّلَ الْكُفَّارُ. وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: هِيَ أَمْثَالٌ لَنَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ يَحْشُرُ الْبَهَائِمَ غَدًا وَيَقْتَصُّ لِلْجَمَّاءِ مِنَ الْقَرْنَاءِ ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ لَهَا: كُونِي تُرَابًا. وَهَذَا اخْتِيَارُ الزَّجَّاجِ فَإِنَّهُ قَالَ: (إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ) فِي الْخَلْقِ وَالرِّزْقِ وَالْمَوْتِ وَالْبَعْثِ وَالِاقْتِصَاصِ، وَقَدْ دَخَلَ فِيهِ مَعْنَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَيْضًا. وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: أَيْ مَا مِنْ صِنْفٍ مِنَ الدَّوَابِّ وَالطَّيْرِ إِلَّا فِي النَّاسِ شِبْهٌ مِنْهُ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَعْدُو كَالْأَسَدِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَشْرَهُ كَالْخِنْزِيرِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَعْوِي كَالْكَلْبِ، وَمِنْهُمْ مِنْ يَزْهُو كَالطَّاوُسِ، فَهَذَا مَعْنَى الْمُمَاثَلَةِ. وَاسْتَحْسَنَ الْخَطَّابِيُّ هَذَا وَقَالَ: فَإِنَّكَ تُعَاشِرُ الْبَهَائِمَ وَالسِّبَاعَ فَخُذْ حِذْرَكَ. وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ عز وجل:" إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ" قَالَ أَصْنَافٌ لَهُنَّ أَسْمَاءٌ تُعْرَفُ بِهَا كَمَا تُعْرَفُونَ. وَقِيلَ غَيْرُ هَذَا مِمَّا لَا يَصِحُّ مِنْ أَنَّهَا مِثْلُنَا فِي الْمَعْرِفَةِ، وَأَنَّهَا تُحْشَرُ وَتُنَعَّمُ فِي الْجَنَّةِ، وَتُعَوَّضُ مِنَ الْآلَامِ الَّتِي حَلَّتْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَأَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَسْتَأْنِسُونَ بِصُوَرِهِمْ، وَالصَّحِيحُ" إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ" فِي كَوْنِهَا مَخْلُوقَةً دَالَّةً عَلَى الصَّانِعِ مُحْتَاجَةً إِلَيْهِ مَرْزُوقَةً مِنْ جِهَتِهِ، كَمَا أَنَّ رِزْقَكُمْ عَلَى اللَّهِ. وَقَوْلُ سُفْيَانَ أَيْضًا حَسَنٌ، فَإِنَّهُ تَشْبِيهٌ وَاقِعٌ فِي الْوُجُودِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(مَا فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ) أَيْ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ فَإِنَّهُ أَثْبَتَ فِيهِ مَا يَقَعُ مِنَ الْحَوَادِثِ. وَقِيلَ: أَيْ فِي الْقُرْآنِ أَيْ مَا تَرَكْنَا شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الدِّينِ إِلَّا وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ، إِمَّا دَلَالَةً مُبَيَّنَةً مَشْرُوحَةً، وَإِمَّا مُجْمَلَةً يُتَلَقَّى بَيَانُهَا مِنَ الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام، أَوْ مِنَ الْإِجْمَاعِ، أَوْ مِنَ الْقِيَاسِ الَّذِي ثَبَتَ بِنَصِ الْكِتَابِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ"«1» ] النحل: 89] وَقَالَ:" وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ"«2» ] النحل: 44] وَقَالَ:" وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا"«3» ] الحشر: 7] فَأَجْمَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَآيَةِ (النَّحْلِ) مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ مِمَّا لَمْ يَذْكُرْهُ، فَصَدَقَ خَبَرُ اللَّهِ بِأَنَّهُ مَا فَرَّطَ فِي الْكِتَابِ من شي إِلَّا ذَكَرَهُ، إِمَّا تَفْصِيلًا وَإِمَّا تَأْصِيلًا، وَقَالَ:" الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ"«4» ] المائدة: 3].

(1). راجع ج 10 ص 164، ص 108.

(2)

. راجع ج 10 ص 164، ص 108.

(3)

. راجع ج 18 ص 17.

(4)

. راجع ص 61 من هذا الجزء.

ص: 420

قَوْلُهُ تَعَالَى: (ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) أَيْ لِلْجَزَاءِ، كَمَا سَبَقَ فِي خَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال (لتودن «1» الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ «2» مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ). وَدَلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّ الْبَهَائِمَ تُحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي ذَرٍّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَالْحَسَنِ وَغَيْرِهِمْ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ في رواية: حشر الدواب والطير موتها، وقاله الضَّحَّاكُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِظَاهِرِ الْآيَةِ وَالْخَبَرِ الصَّحِيحِ، وفي التنزيل" وَإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ" «3»] التكوير: 5] وَقَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ فِيمَا رَوَى جَعْفَرُ بْنُ برقان «4» عن يزيد ابن الْأَصَمِّ عَنْهُ: يَحْشُرُ اللَّهُ الْخَلْقَ كُلَّهُمْ يَوْمَ القيامة، البهائم والدواب والطير وكل شي، فَيَبْلُغُ مِنْ عَدْلِ اللَّهِ تَعَالَى يَوْمَئِذٍ أَنْ يَأْخُذَ لِلْجَمَّاءِ مِنَ الْقَرْنَاءِ ثُمَّ يَقُولُ:(كُونِي ترابا) فذلك قوله تعالى:"- يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً

" «5» ] النبأ: 40]. وَقَالَ عَطَاءٌ: فَإِذَا رَأَوْا بَنِي آدَمَ وَمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْجَزَعِ قُلْنَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْنَا مِثْلَكُمْ، فَلَا جَنَّةَ نَرْجُو وَلَا نَارَ نَخَافُ، فَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُنَّ:(كُنَّ تُرَابًا) فَحِينَئِذٍ يَتَمَنَّى الْكَافِرُ أَنْ يَكُونَ تراب. وَقَالَتْ جَمَاعَةٌ: هَذَا الْحَشْرُ الَّذِي فِي الْآيَةِ يَرْجِعُ إِلَى الْكُفَّارِ وَمَا تَخَلَّلَ كَلَامٌ مُعْتَرِضٌ وَإِقَامَةُ حُجَجٍ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّمْثِيلُ عَلَى جِهَةِ تَعْظِيمِ أَمْرِ الْحِسَابِ وَالْقِصَاصِ وَالِاعْتِنَاءِ فِيهِ حَتَّى يُفْهَمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا بُدَّ لِكُلِّ أَحَدٍ مِنْهُ، وَأَنَّهُ لَا مَحِيصَ لَهُ عَنْهُ، وَعَضَّدُوا هَذَا بِمَا فِي الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ الصَّحِيحِ عَنْ بَعْضِ رُوَاتِهِ مِنَ الزِّيَادَةِ فَقَالَ: حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الْقَرْنَاءِ، وَلِلْحَجَرِ لِمَا رَكِبَ عَلَى الْحَجَرِ، وَلِلْعُودِ لِمَا خَدَشَ الْعُودَ، قَالُوا: فَظَهَرَ مِنْ هَذَا أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ التَّمْثِيلُ الْمُفِيدُ لِلِاعْتِبَارِ وَالتَّهْوِيلِ، لِأَنَّ الْجَمَادَاتِ لَا يُعْقَلُ خِطَابُهَا وَلَا ثَوَابُهَا وَلَا عِقَابُهَا، وَلَمْ يَصِرْ إِلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ، وَمُتَخَيِّلُهُ مِنْ جُمْلَةِ الْمَعْتُوهِينَ الْأَغْبِيَاءِ، قَالُوا: وَلِأَنَّ الْقَلَمَ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤَاخَذُوا. قُلْتُ: الصَّحِيحُ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَإِنْ كَانَ الْقَلَمُ لَا يَجْرِي عَلَيْهِمْ فِي الْأَحْكَامِ وَلَكِنْ فِيمَا بَيْنَهُمْ يُؤَاخَذُونَ بِهِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: انْتَطَحَتْ شَاتَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (يَا أَبَا ذَرٍّ هَلْ تدري فيما انتطحتا؟) قلت:

(1). لتودن (بفتح الدال المشددة) وفي بعض النسخ بضمها فالحقوق بالرفع على الأول والنصب على الثاني.

(2)

. الجلحاء: التي لا قرن لها.

(3)

. راجع ج 19 ص 227 وص 186.

(4)

. برقان (بالكسر والضم). (القاموس).

(5)

. راجع ج 19 ص 227 وص 186.

ص: 421