الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة المائدة (5): آية 98]
اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ) تَخْوِيفٌ (وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) تَرْجِيَةٌ. وَقَدْ تقدم هذا المعنى.
[سورة المائدة (5): آية 99]
مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَاّ الْبَلاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَما تَكْتُمُونَ (99)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) أَيْ لَيْسَ لَهُ الْهِدَايَةُ وَالتَّوْفِيقُ وَلَا الثَّوَابُ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْبَلَاغُ وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ. وأصله الْبَلَاغِ الْبُلُوغُ، وَهُوَ الْوُصُولُ. بَلَغَ يَبْلُغُ بُلُوغًا، وَأَبْلَغَهُ إِبْلَاغًا، وَتَبَلَّغَ تَبَلُّغًا، وَبَالَغَهُ مُبَالَغَةً، وَبَلَّغَهُ تَبْلِيغًا، وَمِنْهُ الْبَلَاغَةُ، لِأَنَّهَا إِيصَالُ الْمَعْنَى إِلَى النَّفْسِ فِي حُسْنِ صُورَةٍ مِنَ اللَّفْظِ. وَتَبَالَغَ الرَّجُلُ إِذَا تَعَاطَى الْبَلَاغَةَ وَلَيْسَ بِبَلِيغٍ، وَفِي هَذَا بَلَاغٌ أَيْ كِفَايَةٌ، لِأَنَّهُ يَبْلُغُ مِقْدَارَ الْحَاجَةِ. (وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ) أَيْ تُظْهِرُونَهُ، يُقَالُ: بَدَا السِّرُّ وَأَبْدَاهُ صَاحِبُهُ يُبْدِيهِ. (وَما تَكْتُمُونَ) أَيْ مَا تُسِرُّونَهُ وَتُخْفُونَهُ فِي قُلُوبِكُمْ من الكفر والنفاق.
[سورة المائدة (5): آية 100]
قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (100)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ). فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى: قَالَ الْحَسَنُ:" الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ" الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ. وَقَالَ السُّدِّيُّ: الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ. وَقِيلَ: الْمُطِيعُ وَالْعَاصِي. وَقِيلَ: الرَّدِيءُ وَالْجَيِّدُ، وَهَذَا عَلَى ضَرْبِ الْمِثَالِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ الْأُمُورِ، يُتَصَوَّرُ فِي الْمَكَاسِبِ وَالْأَعْمَالِ، وَالنَّاسِ، وَالْمَعَارِفِ مِنَ الْعُلُومِ وَغَيْرِهَا، فَالْخَبِيثُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ لَا يُفْلِحُ وَلَا يُنْجِبُ، وَلَا تَحْسُنُ لَهُ عَاقِبَةٌ وَإِنْ كَثُرَ، وَالطَّيِّبُ وَإِنْ قَلَّ نَافِعٌ «1» جَمِيلُ الْعَاقِبَةِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ
(1). في ج: نافع حميد جميل. إلخ.
وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً" «1»] الأعراف: 58]. وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ تَعَالَى:" أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ" «2»] ص: 28] وَقَوْلُهُ" أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ
" «3» ] الجاثية: 21]، فَالْخَبِيثُ لَا يُسَاوِي الطَّيِّبَ مِقْدَارًا وَلَا إِنْفَاقًا، وَلَا مَكَانًا وَلَا ذَهَابًا، فَالطَّيِّبُ يَأْخُذُ جِهَةَ الْيَمِينِ، وَالْخَبِيثُ يَأْخُذُ جِهَةَ الشِّمَالِ، وَالطَّيِّبُ فِي الْجَنَّةِ، وَالْخَبِيثُ فِي النَّارِ وَهَذَا بَيِّنٌ. وَحَقِيقَةُ الِاسْتِوَاءِ الِاسْتِمْرَارُ فِي جِهَةٍ «4» وَاحِدَةٍ، وَمِثْلُهُ الِاسْتِقَامَةُ وَضِدُّهَا الِاعْوِجَاجُ. وَلَمَّا كَانَ هَذَا وَهِيَ: الثَّانِيَةُ- قَالَ بَعْضُ عُلَمَائِنَا: إِنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ يُفْسَخُ وَلَا يُمْضَى بِحَوَالَةِ سُوقٍ، وَلَا بِتَغَيُّرِ بَدَنٍ، فَيَسْتَوِي فِي إِمْضَائِهِ مَعَ الْبَيْعِ الصَّحِيحِ، بَلْ يُفْسَخُ أَبَدًا، وَيُرَدُّ الثَّمَنُ عَلَى الْمُبْتَاعِ إِنْ كَانَ قَبَضَهُ، وَإِنْ تَلِفَ فِي يَدِهِ ضَمِنَهُ، لِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْهُ عَلَى الْأَمَانَةِ، وَإِنَّمَا قَبَضَهُ بِشُبْهَةِ عَقْدٍ. وَقِيلَ: لَا يُفْسَخُ نَظَرًا إِلَى أَنَّ الْبَيْعَ إِذَا فُسِخَ وَرُدَّ بَعْدَ الْفَوْتِ يَكُونُ فِيهِ ضَرَرٌ وَغَبْنٌ عَلَى الْبَائِعِ، فَتَكُونُ السِّلْعَةُ تُسَاوِي مِائَةً وَتُرَدُّ عَلَيْهِ وَهِيَ تُسَاوِي عِشْرِينَ، وَلَا عُقُوبَةَ فِي الْأَمْوَالِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِعُمُومِ الْآيَةِ، وَلِقَوْلِهِ عليه السلام:] مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ [. قُلْتُ: وَإِذَا تُتُبِّعَ هَذَا الْمَعْنَى فِي عَدَمِ الِاسْتِوَاءِ فِي مَسَائِلَ الْفِقْهِ تَعَدَّدَتْ وَكَثُرَتْ، فَمِنْ ذَلِكَ الْغَاصِبِ وَهِيَ: الثَّالِثَةُ- إِذَا بَنَى فِي الْبُقْعَةِ المغصوبة أو غرس إنه يَلْزَمُهُ قَلْعُ ذَلِكَ الْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ، لِأَنَّهُ خَبِيثٌ، وَرَدُّهَا، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي قَوْلِهِ: لَا يُقْلَعُ وَيَأْخُذُ صَاحِبُهَا الْقِيمَةَ. وَهَذَا يَرُدُّهُ قَوْلُهُ عليه السلام:] لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ «5» حَقٌّ [. قَالَ هِشَامٌ: الْعِرْقُ الظَّالِمُ أَنْ يَغْرِسَ الرَّجُلُ فِي أَرْضِ غَيْرِهِ لِيَسْتَحِقَّهَا بِذَلِكَ. قَالَ مَالِكٌ: الْعِرْقُ الظَّالِمُ كُلُّ مَا أُخِذَ وَاحْتُفِرَ وَغُرِسَ فِي غَيْرِ حَقٍّ. قَالَ مَالِكٌ: مَنْ غَصَبَ أَرْضًا فزرعها، أو إكراها، أو دارا فسكنها
(1). راجع ج 7 ص 231.
(2)
. راجع ج 15 ص 191.
(3)
. راجع ج 16 ص 165.
(4)
. في ب وج وك وهـ وع: حرمة.
(5)
. الرواية (لعرق) بالتنوين، وهو على حذف مضاف أي لذي عرق ظالم، فجعل العرق نفسه ظالما والحق لصاحبه، أو يكون الظالم من صفة صاحب العرق. وإن روى (عرق) بالإضافة فيكون الظالم صاحب العرق والحق للعرق وهو أحد عروق الشجرة. (غاية النهاية).
أَوْ أَكْرَاهَا، ثُمَّ اسْتَحَقَّهَا رَبُّهَا أَنَّ عَلَى الْغَاصِبِ كِرَاءَ مَا سَكَنَ وَرَدَّ مَا أَخَذَ فِي الْكِرَاءِ. وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ إِذَا لَمْ يَسْكُنْهَا أَوْ لَمْ يَزْرَعِ الْأَرْضَ وَعَطَّلَهَا، فَالْمَشْهُورُ مِنْ مذهبه أنه ليس عليه فيه شي، وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ عَلَيْهِ كِرَاءُ ذَلِكَ كُلِّهِ. وَاخْتَارَهُ الْوَقَّارُ «1» ، وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ، لِقَوْلِهِ عليه السلام:] لَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ حَقٌّ [وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: غَرَسَ أَحَدُهُمَا نَخْلًا فِي أَرْضِ الْآخَرِ، فَقَضَى لِصَاحِبِ الْأَرْضِ بِأَرْضِهِ، وَأَمَرَ صَاحِبَ النَّخْلِ أَنْ يُخْرِجَ نَخْلَهُ مِنْهَا، قَالَ: فَلَقَدْ رَأَيْتُهَا، وأنها لتضرب أصولها بالفؤوس حَتَّى أُخْرِجَتْ مِنْهَا وَإِنَّهَا لَنَخْلٌ عُمٌّ «2». وَهَذَا نَصٌّ. قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُ الْأَرْضِ مُخَيَّرًا عَلَى الظَّالِمِ، إِنْ شَاءَ حَبَسَ ذَلِكَ فِي أَرْضِهِ بِقِيمَتِهِ مَقْلُوعًا، وَإِنْ شَاءَ نَزَعَهُ مِنْ أَرْضِهِ، وَأَجْرُ النَّزْعِ عَلَى الْغَاصِبِ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:] مَنْ بَنَى فِي رِبَاعِ «3» قَوْمٍ بِإِذْنِهِمْ فَلَهُ الْقِيمَةُ وَمَنْ بَنَى بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَلَهُ النَّقْضُ [قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إِنَّمَا تَكُونُ لَهُ الْقِيمَةُ، لِأَنَّهُ بَنَى فِي مَوْضِعٍ يَمْلِكُ مَنْفَعَتَهُ. وَذَلِكَ كَمَنْ بَنَى أَوْ غَرَسَ بِشُبْهَةٍ فَلَهُ حَقٌّ، إِنْ شَاءَ رَبُّ الْمَالِ أَنْ يَدْفَعَ إِلَيْهِ قِيمَتَهُ قَائِمًا، وَإِنْ أَبَى قِيلَ لِلَّذِي بَنَى أَوْ غَرَسَ: ادْفَعْ إِلَيْهِ قِيمَةَ أَرْضِهِ بَرَاحًا «4» ، فَإِنْ أَبَى كَانَا شَرِيكَيْنِ. قَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: وَتَفْسِيرُ اشْتِرَاكِهِمَا أَنْ تُقَوَّمَ الْأَرْضُ بَرَاحًا، ثُمَّ تُقَوَّمُ بِعِمَارَتِهَا فَمَا زَادَتْ قِيمَتُهَا بِالْعِمَارَةِ عَلَى قِيمَتِهَا بَرَاحًا كَانَ الْعَامِلُ شَرِيكًا لِرَبِّ الْأَرْضِ فِيهَا، إِنْ أَحَبَّا قَسَمَا أَوْ حَبَسَا. قَالَ ابْنُ الْجَهْمِ «5»: فَإِذَا دَفَعَ رَبُّ الْأَرْضِ قِيمَةَ الْعِمَارَةِ وَأَخَذَ أَرْضَهُ كَانَ لَهُ كِرَاؤُهَا فِيمَا مَضَى مِنَ السِّنِينَ. وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ إِذَا بَنَى رَجُلٌ فِي أَرْضِ رَجُلٍ بِإِذْنِهِ ثُمَّ وَجَبَ لَهُ إِخْرَاجُهُ، فَإِنَّهُ يُعْطِيهِ قِيمَةَ بِنَائِهِ مَقْلُوعًا. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِقَوْلِهِ عليه السلام:(فَلَهُ الْقِيمَةُ) وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ) قِيلَ: الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُرَادُ أُمَّتُهُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَا يُعْجِبُهُ الْخَبِيثُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهِ النبي
(1). هو زكريا بن يحيى المصري.
(2)
. عم: أي تامة. في طولها والتفافها، واحدتها عميمة واصلها عمم فسكن وأدغم.
(3)
. رباع (جمع ربع): وهو المنزل.
(4)
. البراح: (بالفتح): المتسع من الأرض لا زرع فيه ولا شجر.
(5)
. في ك: أبو الجهم.