الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة المائدة (5): الآيات 28 الى 29]
لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِباسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخافُ اللَّهَ رَبَّ الْعالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ (29)
فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ) الْآيَةَ. أَيْ لَئِنْ قَصَدْتَ قَتْلِي فَأَنَا لَا أَقْصِدُ قَتْلَكَ، فَهَذَا اسْتِسْلَامٌ مِنْهُ. وَفِي الْخَبَرِ:(إِذَا كَانَتِ الْفِتْنَةُ فَكُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ). وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ قُلْتُ يَا رسول: إِنْ دَخَلَ عَلَيَّ بَيْتِي وَبَسَطَ يَدَهُ] إِلَيَّ [«1» لِيَقْتُلَنِي؟ قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (كُنْ كَخَيْرِ ابْنَيْ آدَمَ) وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ" لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي". قَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَ الْفَرْضُ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ أَلَّا يَسْتَلَّ أَحَدٌ سَيْفًا، وَأَلَّا يَمْتَنِعَ مِمَّنْ يُرِيدُ قَتْلَهُ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: وَذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ وُرُودُ التَّعَبُّدِ بِهِ، إِلَّا أَنَّ فِي شَرْعِنَا يَجُوزُ دَفْعُهُ إِجْمَاعًا. وَفِي وُجُوبٍ ذَلِكَ عَلَيْهِ خِلَافٌ، وَالْأَصَحُّ وُجُوبُ ذَلِكَ، لِمَا فِيهِ مِنَ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ. وَفِي الْحَشْوِيَّةِ قَوْمٌ لَا يُجَوِّزُونَ لِلْمَصُولِ عَلَيْهِ الدَّفْعَ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ «2» ، وَحَمَلَهُ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَرْكِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ، وَكَفِّ الْيَدِ عِنْدَ الشُّبْهَةِ، عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ" التَّذْكِرَةِ". وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَجُمْهُورُ النَّاسِ: كَانَ هَابِيلُ أَشَدَّ قُوَّةً مِنْ قَابِيلَ وَلَكِنَّهُ تَحَرَّجَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وهذا هو الأظهر، ومن ها هنا يَقْوَى أَنَّ قَابِيلَ إِنَّمَا هُوَ عَاصٍ لَا كَافِرٌ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَافِرًا لَمْ يَكُنْ لِلتَّحَرُّجِ هُنَا وَجْهٌ، وَإِنَّمَا وَجْهُ التَّحَرُّجِ فِي هَذَا أَنَّ الْمُتَحَرِّجَ يَأْبَى أَنْ يُقَاتِلَ مُوَحِّدًا، وَيَرْضَى بِأَنْ يُظْلَمَ لِيُجَازَى فِي الْآخِرَةِ، وَنَحْوَ هَذَا فَعَلَ عُثْمَانُ رضي الله عنه. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا أَقْصِدُ قَتْلَكَ بَلْ أَقْصِدُ الدَّفْعَ عَنْ نَفْسِي، وَعَلَى هَذَا قِيلَ: كَانَ نَائِمًا فَجَاءَ قَابِيلُ وَرَضَخَ رَأْسَهُ بِحَجَرٍ عَلَى مَا يَأْتِي وَمُدَافَعَةُ الْإِنْسَانِ عَمَّنْ يُرِيدُ ظُلْمَهُ جَائِزَةٌ وَإِنْ أَتَى عَلَى نَفْسِ الْعَادِي. وَقِيلَ: لَئِنْ بَدَأْتَ بِقَتْلِي فَلَا أَبْدَأُ بِالْقَتْلِ. وَقِيلَ: أَرَادَ لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ ظُلْمًا فَمَا أَنَا بظالم، إني أخاف الله رب العالمين.
(1). من ج وى وز ك.
(2)
. حديث أبي ذر: راجع أحكام الجصاص ج 1 ص 402 ط الاستانة. ففيه الحديث بتمامه.
الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) قِيلَ: مَعْنَاهُ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: (إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: (إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ) وَكَانَ هَابِيلُ أَرَادَ أَنِّي لَسْتُ بِحَرِيصٍ عَلَى قَتْلِكَ، فَالْإِثْمُ الَّذِي كَانَ يَلْحَقُنِي لَوْ كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِكَ أُرِيدُ أَنْ تَحْمِلَهُ أَنْتَ مَعَ إِثْمِكَ فِي قَتْلِي. وَقِيلَ: الْمَعْنَى" بِإِثْمِي" الَّذِي يَخْتَصُّ بِي فِيمَا فَرَّطْتُ «1» ، أَيْ يُؤْخَذُ مِنْ سَيِّئَاتِي فَتُطْرَحُ عَلَيْكَ بِسَبَبِ ظُلْمِكَ لِي، وَتَبُوءَ بِإِثْمِكَ فِي قَتْلِكَ، وَهَذَا يُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام:(يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالظَّالِمِ وَالْمَظْلُومِ فَيُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِ الظَّالِمِ فَتُزَادُ فِي حَسَنَاتِ الْمَظْلُومِ حَتَّى يَنْتَصِفَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ فَتُطْرَحُ عَلَيْهِ (. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ «2» (. وَهَذَا بَيِّنٌ لَا إِشْكَالَ فِيهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى إِنِّي أُرِيدُ أَلَّا تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى:" وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ" «3»] النحل: 15] أي لئلا تميد بكم. وقول تعالى:" يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا" «4»] النساء: 176] أَيْ لِئَلَّا تَضِلُّوا فَحَذَفَ" لَا". قُلْتُ: وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِقَوْلِهِ عليه السلام: (لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ)، فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ إِثْمَ الْقَتْلِ حَاصِلٌ، وَلِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ الْمَعْنَى، تَرْجِعُ بِإِثْمِ قَتْلِي وَإِثْمِكَ الَّذِي عَمِلْتُهُ قَبْلَ قَتْلِي. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. وَقِيلَ: هُوَ اسْتِفْهَامٌ، أَيْ أَوَ إِنِّي أُرِيدُ؟ عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَتِلْكَ نِعْمَةٌ"«5» أَيْ أَوَ تِلْكَ نِعْمَةٌ؟ وَهَذَا لِأَنَّ إِرَادَةَ القتل معصية.] حكاه القشيري [«6» وسيل أَبُو الْحَسَنِ بْنُ كَيْسَانَ: كَيْفَ يُرِيدُ الْمُؤْمِنُ أَنْ يَأْثَمَ أَخُوهُ وَأَنْ يَدْخُلَ النَّارَ؟ فَقَالَ: إنما وقعت الإرادة بعد ما بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهِ بِالْقَتْلِ، وَالْمَعْنَى: لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي لَأَمْتَنِعَنَّ مِنْ ذَلِكَ مُرِيدًا لِلثَّوَابِ، فَقِيلَ لَهُ: فَكَيْفَ قَالَ: بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ، وَأَيُ إِثْمٍ لَهُ إِذَا قُتِلَ؟ فَقَالَ: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ، أَحَدُهَا- أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِ قَتْلِي وإثم ذنبك الذي من
(1). في ج وى: فرط لي.
(2)
. راجع ج 13 ص 330.
(3)
. راجع ج 10 ص 90. [ ..... ]
(4)
. راجع عن 29 من هذا الجزء.
(5)
. راجع ج 13 ص 93.
(6)
. من ج وى وك وز وهـ.