الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا. قَالَ: (لَكِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَدْرِي وَسَيَقْضِي بَيْنَهُمَا) وَهَذَا نَصٌّ، وَقَدْ زِدْنَاهُ بَيَانًا فِي كِتَابِ (التَّذْكِرَةِ بِأَحْوَالِ الْمَوْتَى وَأُمُورِ الْآخِرَةِ). وَاللَّهُ أعلم.
[سورة الأنعام (6): الآيات 39 الى 41]
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُماتِ مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (39) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللَّهِ أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (40) بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ (41)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا صُمٌّ وَبُكْمٌ) ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ، أَيْ عَدِمُوا الِانْتِفَاعَ بِأَسْمَاعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ، فَكُلُّ أُمَّةٍ مِنَ الدَّوَابِّ وَغَيْرِهَا تَهْتَدِي لِمَصَالِحِهَا وَالْكُفَّارُ لَا يَهْتَدُونَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي (الْبَقَرَةِ) «1». (فِي الظُّلُماتِ) أَيْ ظُلُمَاتِ الْكُفْرِ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى (صُمٌّ وَبُكْمٌ) فِي الْآخِرَةِ، فَيَكُونُ حَقِيقَةً دُونَ مَجَازِ اللُّغَةِ. (مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ) دَلَّ عَلَى أَنَّهُ شَاءَ ضَلَالَ الْكَافِرِ وَأَرَادَهُ لِيُنَفِّذَ فيه عدله. ألا ترى أنه قال:(وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) أَيْ عَلَى دِينِ الْإِسْلَامِ لِيُنَفِّذَ فِيهِ فَضْلَهُ. وَفِيهِ إِبْطَالٌ لِمَذْهَبِ الْقَدَرِيَّةِ. وَالْمَشِيئَةُ رَاجِعَةٌ إِلَى الَّذِينَ كَذَّبُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يُضِلُّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَهْدِيهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:" قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ" وَقَرَأَ نَافِعٌ بِتَخْفِيفِ الْهَمْزَتَيْنِ، يُلْقِي حَرَكَةَ الْأُولَى عَلَى مَا قَبْلَهَا، وَيَأْتِي بِالثَّانِيَةِ بَيْنَ بَيْنَ. وَحَكَى أَبُو عُبَيْدٍ عَنْهُ أَنَّهُ يُسْقِطُ الْهَمْزَةَ وَيُعَوِّضُ مِنْهَا أَلِفًا. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ غَلَطٌ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْيَاءَ سَاكِنَةٌ وَالْأَلِفَ سَاكِنَةٌ وَلَا يَجْتَمِعُ سَاكِنَانِ. قَالَ مَكِّيٌّ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ وَرْشٍ أَنَّهُ أَبْدَلَ مِنَ الْهَمْزَةِ أَلِفًا، لِأَنَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُ أَنَّهُ يَمُدُّ الثَّانِيَةَ، وَالْمَدُّ لَا يتمكن إلا مع البدل، والبدل فرع عن الأصول، والأصل أن تجعل
(1). راجع ج 1 ص 214.
الْهَمْزَةُ بَيْنَ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْأَلِفِ، وَعَلَيْهِ كُلُّ مَنْ خَفَّفَ الثَّانِيَةَ غَيْرَ وَرْشٍ، وَحَسُنَ جَوَازُ الْبَدَلِ فِي الْهَمْزَةِ وَبَعْدَهَا سَاكِنٌ لِأَنَّ الْأَوَّلَ حَرْفُ مَدٍّ وَلِينٍ، فَالْمَدُّ الَّذِي يَحْدُثُ مَعَ السَّاكِنِ يَقُومُ مَقَامَ حَرَكَةٍ يُوصَلُ بِهَا إِلَى النُّطْقِ بِالسَّاكِنِ الثَّانِي. وَقَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ (أَرَأَيْتَكُمْ) بِتَحْقِيقِ الْهَمْزَتَيْنِ وَأَتَوْا بِالْكَلِمَةِ عَلَى أَصْلِهَا، وَالْأَصْلُ الْهَمْزُ، لِأَنَّ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ دَخَلَتْ عَلَى (رَأَيْتَ) فَالْهَمْزَةُ عَيْنُ الْفِعْلِ، وَالْيَاءُ سَاكِنَةٌ لِاتِّصَالِ الْمُضْمَرِ الْمَرْفُوعِ بِهَا. وَقَرَأَ عِيسَى بْنُ عُمَرَ وَالْكِسَائِيُّ (أَرَيْتَكُمْ) بِحَذْفِ الْهَمْزَةِ الثَّانِيَةِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا بَعِيدٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ، وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِي الشِّعْرِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَرَأَيْتَكَ زَيْدًا مَا شَأْنُهُ. وَمَذْهَبُ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ الْكَافَ وَالْمِيمَ لِلْخِطَابِ، لا حظ لهما في الاعراب، وهو اختبار الزَّجَّاجِ. وَمَذْهَبُ الْكِسَائِيِّ وَالْفَرَّاءِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّ الْكَافَ وَالْمِيمَ نُصِبَ بِوُقُوعِ الرُّؤْيَةِ عَلَيْهِمَا، وَالْمَعْنَى أَرَأَيْتُمْ أَنْفُسَكُمْ، فَإِذَا كَانَتْ لِلْخِطَابِ- زَائِدَةٌ لِلتَّأْكِيدِ- كَانَ (إِنْ) مِنْ قَوْلِهِ" إِنْ أَتاكُمْ" فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْمَفْعُولِ لَرَأَيْتَ، وَإِذَا كَانَ اسْمًا فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ فَ (- إِنْ) فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي، فَالْأَوَّلُ مِنْ رُؤْيَةِ الْعَيْنِ لِتَعَدِّيهَا لِمَفْعُولٍ وَاحِدٍ، وَبِمَعْنَى الْعِلْمِ تَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ. وَقَوْلُهُ:(أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ) الْمَعْنَى: أَوْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ الَّتِي تُبْعَثُونَ فِيهَا. ثُمَّ قَالَ: (أَغَيْرَ اللَّهِ تَدْعُونَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) وَالْآيَةُ فِي مُحَاجَّةِ الْمُشْرِكِينَ مِمَّنِ اعْتَرَفَ أَنَّ لَهُ صَانِعًا، أَيْ أَنْتُمْ عِنْدَ الشَّدَائِدِ تُرْجَعُونَ إِلَى اللَّهِ، وَسَتَرْجِعُونَ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْضًا فَلِمَ تُصِرُّونَ عَلَى الشِّرْكِ فِي حَالِ الرَّفَاهِيَةِ؟! وَكَانُوا يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ وَيَدْعُونَ اللَّهَ فِي صَرْفِ الْعَذَابِ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ)" بَلْ" إِضْرَابٌ عَنِ الْأَوَّلِ وَإِيجَابٌ لِلثَّانِي." إِيَّاهُ" نُصِبَ. بِ"- تَدْعُونَ"(فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ) أَيْ يَكْشِفُ الضُّرَّ الَّذِي تَدْعُونَ إِلَى كَشْفِهِ إِنْ شَاءَ كَشْفَهُ. (وَتَنْسَوْنَ مَا تُشْرِكُونَ) قِيلَ: عِنْدَ نُزُولِ الْعَذَابِ. وَقَالَ الْحَسَنُ: أَيْ تُعْرِضُونَ عَنْهُ إِعْرَاضَ النَّاسِي، وَذَلِكَ لِلْيَأْسِ مِنَ النَّجَاةِ مِنْ قَبْلِهِ إِذْ لَا ضَرَرَ فِيهِ وَلَا نَفْعَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى وَتَتْرُكُونَ. قَالَ النَّحَّاسُ: مِثْلَ قَوْلِهِ:" وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ"«1» ] طه: 115].
(1). راجع ج 11 ص 251.