المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة المائدة (5): آية 64] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ٦

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَةُ النساء (4): الآيات 148 الى 149]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 150 الى 151]

- ‌[سورة النساء (4): آية 152]

- ‌[سورة النساء (4): آية 153]

- ‌[سورة النساء (4): آية 154]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 155 الى 156]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 157 الى 158]

- ‌[سورة النساء (4): آية 159]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 160 الى 161]

- ‌[سورة النساء (4): آية 162]

- ‌[سورة النساء (4): آية 163]

- ‌[سورة النساء (4): آية 164]

- ‌[سورة النساء (4): آية 165]

- ‌[سورة النساء (4): آية 166]

- ‌[سورة النساء (4): آية 167]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 168 الى 169]

- ‌[سورة النساء (4): آية 170]

- ‌[سورة النساء (4): آية 171]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 172 الى 173]

- ‌[سورة النساء (4): آية 174]

- ‌[سورة النساء (4): آية 175]

- ‌[سورة النساء (4): آية 176]

- ‌تفسير سورة المائدة

- ‌[سورة المائدة (5): آيَةً 1]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 2]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 3]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 4]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 5]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 6]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 7]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 11]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 12]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 13]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 14 الى 16]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 17]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 18]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 19]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 27]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 30]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 31]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 32]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 37]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 38]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 40]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 41]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 42]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 43]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 44]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 45]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 46 الى 47]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 48]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 49]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 50]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 51]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 52 الى 53]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 54]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 55]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 56]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 57]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 58]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 59 الى 60]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 61 الى 63]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 64]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 67]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 68]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 69]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 70]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 71]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 72]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 73 الى 74]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 75]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 76]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 77]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 78]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 79]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 80]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 81]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 82]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 83]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 84]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 85 الى 86]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 87]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 88]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 89]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 90 الى 92]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 93]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 94]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 95]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 96]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 97]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 98]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 99]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 100]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 101 الى 102]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 103]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 104]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 105]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 109]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 110]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 111]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 112]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 113]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 114]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 115]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 116]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 117]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 118]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 119]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 120]

- ‌تفسير سورة الأنعام

- ‌[سورة الأنعام (6): آيَةً 1]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 2]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 3 الى 5]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 6]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 7]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 11 الى 12]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 17]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 18 الى 19]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 20]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 23]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 24]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 25]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 26]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 27]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 28]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 29]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 30]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 31]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 32]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 35]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 38]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 39 الى 41]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 42]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 43 الى 45]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 46 الى 47]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 48]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 49]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 50]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 51]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 52]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 53]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 54]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 55]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 56]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 57]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 58]

الفصل: ‌[سورة المائدة (5): آية 64]

قوله تعالى: (وَإِذا جاؤُكُمْ قالُوا آمَنَّا) الآية. هَذِهِ صِفَةُ الْمُنَافِقِينَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِشَيْءٍ مِمَّا سَمِعُوهُ، بَلْ دَخَلُوا كَافِرِينَ وَخَرَجُوا كَافِرِينَ." وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما كانُوا يَكْتُمُونَ

" أَيْ مِنْ نِفَاقِهِمْ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْيَهُودُ الَّذِينَ قَالُوا: آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ إِذَا دَخَلْتُمْ الْمَدِينَةَ، وَاكْفُرُوا آخِرَهُ إِذَا رَجَعْتُمْ إِلَى بُيُوتِكُمْ، يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ مِنْ ذِكْرِهِمْ وَمَا يَأْتِي. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَتَرى كَثِيراً مِنْهُمْ) يَعْنِي مِنَ الْيَهُودِ." يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ" أَيْ يُسَابِقُونَ فِي الْمَعَاصِي وَالظُّلْمِ" وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ" قَوْلُهُ تعالى: (لَوْلا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ) (لَوْلا) بمعنى أفلا. (يَنْهاهُمُ) يَزْجُرُهُمْ. (الرَّبَّانِيُّونَ) عُلَمَاءُ النَّصَارَى. (وَالْأَحْبارُ) عُلَمَاءُ الْيَهُودِ قَالَهُ الْحَسَنُ. وَقِيلَ الْكُلُّ فِي الْيَهُودِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ فِيهِمْ. ثُمَّ وَبَّخَ عُلَمَاءَهُمْ فِي تَرْكِهِمْ نَهْيَهُمْ فَقَالَ: (لَبِئْسَ مَا كانُوا يَصْنَعُونَ) كَمَا وَبَّخَ مَنْ يُسَارِعُ فِي الْإِثْمِ بِقَوْلِهِ:" لَبِئْسَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ" وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ تَارِكَ النَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ كَمُرْتَكِبِ الْمُنْكَرِ، فَالْآيَةُ تَوْبِيخٌ لِلْعُلَمَاءِ فِي تَرْكِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ في هذا المعنى في (البقرة) «1» و (وآل عمران) «2». وروى سفيان ابن عُيَيْنَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مِسْعَرٍ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ مَلَكًا أُمِرَ أَنْ يَخْسِفَ بِقَرْيَةٍ فَقَالَ: يَا رَبِّ فِيهَا فُلَانٌ الْعَابِدُ فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: (أَنْ بِهِ فَابْدَأْ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَمَعَّرْ «3» وَجْهُهُ فِي سَاعَةٍ قَطُّ). وَفِي صَحِيحِ التِّرْمِذِيِّ: (إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الظَّالِمَ وَلَمْ يَأْخُذُوا على يديه أو شك أَنْ يَعُمَّهُمُ اللَّهُ بِعِقَابٍ مِنْ عِنْدِهِ). وَسَيَأْتِي. وَالصُّنْعُ بِمَعْنَى الْعَمَلِ إِلَّا أَنَّهُ يَقْتَضِي الْجَوْدَةَ، يقال: سيف صنيع إذا جود عمله.

[سورة المائدة (5): آية 64]

وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْياناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ (64)

(1). راجع ج 1 ص 365 وما بعدها.

(2)

. راجع ج 4 ص 47.

(3)

. تمعر وجهه: تغير.

ص: 237

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ). قَالَ عِكْرِمَةُ: إِنَّمَا قَالَ هَذَا فِنْحَاصُ بْنُ عَازُورَاءَ] لَعَنَهُ اللَّهُ [«1»، وَأَصْحَابُهُ، وَكَانَ لَهُمْ أَمْوَالٌ فَلَمَّا كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم قل ما لهم، فقالوا: إن الله بخيل، وئد اللَّهِ مَقْبُوضَةٌ عَنَّا فِي الْعَطَاءِ، فَالْآيَةُ خَاصَّةً فِي بَعْضِهِمْ. وَقِيلَ: لَمَّا قَالَ قَوْمٌ هَذَا وَلَمْ يُنْكِرِ الْبَاقُونَ صَارُوا كَأَنَّهُمْ بِأَجْمَعِهِمْ قَالُوا هَذَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْمَعْنَى يَدُ اللَّهِ مَقْبُوضَةٌ عَنْ عَذَابِنَا. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ لَمَّا رَأَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي فَقْرٍ وَقِلَّةِ مَالٍ وَسَمِعُوا (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً) «2» وَرَأَوُا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَدْ كَانَ يَسْتَعِينُ بِهِمْ فِي الدِّيَاتِ قَالُوا: إِنَّ إِلَهَ مُحَمَّدٍ فَقِيرٌ، وَرُبَّمَا قَالُوا: بَخِيلٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ) فَهَذَا عَلَى التَّمْثِيلِ كَقَوْلِهِ: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) «3»] الاسراء: 29]. وَيُقَالُ لِلْبَخِيلِ: جَعْدُ الْأَنَامِلِ، وَمَقْبُوضُ الْكَفِّ، وَكَزُّ الْأَصَابِعِ، وَمَغْلُولُ الْيَدِ، قَالَ الشَّاعِرُ:

كَانَتْ خُرَاسَانُ أَرْضًا إِذْ يَزِيدُ بِهَا

وَكُلُّ بَابٍ مِنَ الْخَيْرَاتِ مَفْتُوحُ

فَاسْتَبْدَلَتْ بَعْدَهُ جَعْدًا أَنَامِلُهُ

كَأَنَّمَا وَجْهَهُ بِالْخَلِّ مَنْضُوحٌ

وَالْيَدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ تَكُونُ لِلْجَارِحَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً"«4» ] ص: 44] هذا مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَتَكُونُ لِلنِّعْمَةِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: كَمْ يَدٍ لِي عِنْدَ فُلَانٍ، أَيْ كَمْ مِنْ نِعْمَةٍ لِي قَدْ أَسْدَيْتُهَا لَهُ، وَتَكُونُ لِلْقُوَّةِ، قَالَ اللَّهُ عز وجل:" وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ"«5» ] ص: 17]، أي ذا القوة وتكون يد الملك وَالْقُدْرَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ"«6» ] آل عمران: 73]. وَتَكُونُ بِمَعْنَى الصِّلَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً"«7» ] يس: 71] أي مما عملنا نحن. وقال:" أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ"«8» ] الْبَقَرَةِ: 237] أَيِ الذِي لَهُ عُقْدَةُ النِّكَاحِ. وَتَكُونُ بِمَعْنَى التَّأْيِيدِ وَالنُّصْرَةِ، وَمِنْ قَوْلِهِ عليه السلام:(يَدُ اللَّهِ مَعَ الْقَاضِي حَتَّى يَقْضِيَ وَالْقَاسِمِ حَتَّى يَقْسِمَ). وَتَكُونُ لاضافة الفعل إلى المخبر عند تَشْرِيفًا لَهُ وَتَكْرِيمًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ"«9» ] ص: 75] فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْجَارِحَةِ، لِأَنَّ الْبَارِيَ جَلَّ وَتَعَالَى وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التبعيض، ولا على القوة والملك

(1). من ع.

(2)

. راجع ج 3 ص 237، 04 2.

(3)

. راجع ج 10 ص 249.

(4)

. راجع ج 15 ص 212، 158، 55، 228.

(5)

. راجع ج 15 ص 212، 158، 55، 228.

(6)

. راجع ج 4 ص 11 2.

(7)

. راجع ج 15 ص 212، 158، 55، 228.

(8)

. راجع ج 3 ص 237، 04 2.

(9)

. راجع ج 15 ص 212، 158، 55، 228.

ص: 238

وَالنِّعْمَةِ وَالصِّلَةِ، لِأَنَّ الِاشْتِرَاكَ يَقَعُ حِينَئِذٍ بَيْنَ وَلِيِّهِ آدَمَ وَعَدُوِّهِ إِبْلِيسَ، وَيَبْطُلُ مَا ذُكِرَ مِنْ تَفْضِيلِهِ عَلَيْهِ، لِبُطْلَانِ مَعْنَى التَّخْصِيصِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ تُحْمَلَ «1» عَلَى صِفَتَيْنِ تَعَلَّقَتَا بِخَلْقِ آدَمَ تَشْرِيفًا لَهُ دُونَ خَلْقِ إِبْلِيسَ تَعَلُّقَ الْقُدْرَةِ بِالْمَقْدُورِ، لَا مِنْ طَرِيقِ الْمُبَاشَرَةِ وَلَا مِنْ حَيْثُ الْمُمَاسَّةُ، وَمِثْلُهُ مَا رُوِيَ أنه] عز اسمه وتعالى علاه وجد أَنَّهُ [«2» كَتَبَ التَّوْرَاةَ بِيَدِهِ، وَغَرَسَ دَارَ الْكَرَامَةِ] بِيَدِهِ [«3» لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، وَغَيْرُ ذَلِكَ تَعَلُّقُ الصِّفَةِ بِمُقْتَضَاهَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: (غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا) حُذِفَتِ الضَّمَّةُ مِنَ الْيَاءِ لِثِقَلِهَا، أَيْ غُلَّتْ فِي الْآخِرَةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ دُعَاءً عَلَيْهِمْ، وَكَذَا" وَلُعِنُوا بِما قالُوا" وَالْمَقْصُودُ تَعْلِيمُنَا كَمَا قَالَ:" لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ" «4»] الفتح: 27]، عَلَّمَنَا الِاسْتِثْنَاءَ كَمَا عَلَّمَنَا الدُّعَاءَ عَلَى أَبِي لهب بقوله:" تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ"«5» ] المسد: 1] وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَنَّهُمْ أَبْخَلُ الْخَلْقِ، فَلَا تَرَى يَهُودِيًّا غَيْرَ لَئِيمٍ. وَفِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ إِضْمَارُ الْوَاوِ، أَيْ قَالُوا: يَدُ اللَّهِ مغلولة وغلت أيديهم. واللعن بالابعاد، وَقَدْ تَقَدَّمَ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ، أَيْ بَلْ نِعْمَتُهُ مَبْسُوطَةٌ، فَالْيَدُ بِمَعْنَى النِّعْمَةِ. قَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا غَلَطٌ، لِقَوْلِهِ:" بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ" فَنِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى فَكَيْفَ تَكُونُ بَلْ نِعْمَتَاهُ مَبْسُوطَتَانِ؟ وَأُجِيبُ بِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا تَثْنِيَةَ جِنْسٍ لَا تَثْنِيَةَ وَاحِدٍ مُفْرَدٍ، فَيَكُونُ مِثْلَ قَوْلِهِ عليه السلام:(مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَالشَّاةِ الْعَائِرَةِ «6») 6 (بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ). فَأَحَدُ الْجِنْسَيْنِ نِعْمَةُ الدُّنْيَا، وَالثَّانِي نِعْمَةُ الْآخِرَةِ. وَقِيلَ: نِعْمَتَا الدُّنْيَا النِّعْمَةُ الظَّاهِرَةُ وَالنِّعْمَةُ الْبَاطِنَةُ، كَمَا قَالَ:" وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً"«7» ] لقمان: 20]. وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ فِيهِ: (النِّعْمَةُ الظَّاهِرَةُ مَا حَسُنَ مِنْ خُلُقِكَ، وَالْبَاطِنَةُ مَا سُتِرَ عَلَيْكَ مِنْ سَيِّئِ عَمَلِكَ). وَقِيلَ: نِعْمَتَاهُ الْمَطَرُ وَالنَّبَاتُ اللَّتَانِ النِّعْمَةُ بِهِمَا وَمِنْهُمَا. وَقِيلَ: إِنَّ النِّعْمَةَ «8» لِلْمُبَالَغَةِ، كَقَوْلِ الْعَرَبِ:(لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ) وَلَيْسَ يُرِيدُ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَرَّتَيْنِ، وَقَدْ يَقُولُ الْقَائِلُ: ما لي بهذا الامر يد أو قُوَّةٌ. قَالَ السُّدِّيُّ، مَعْنَى قَوْلِهِ (يَداهُ) قُوَّتَاهُ بالثواب

(1). كذا في الأصول إلا في ج، ز: تحملا. ولا وجه للتثنية هنا.

(2)

. من ز. [ ..... ]

(3)

. من ع.

(4)

. راجع ج 16 ص 289.

(5)

. راجع ج 20 ص 234.

(6)

. العائرة بين الغنمين: أي المترددة بين قطيعين، لا تدرى أيهما تتبع.

(7)

. راجع ج 14 ص 73.

(8)

. تلك عبارة الأصول، أو صوابها ما في الجصاص: إن التثنية للمبالغة في صفة النعمة كقولك إلخ. راجع ج 2 ص 448.

ص: 239

وَالْعِقَابِ، بِخِلَافِ مَا قَالَتِ الْيَهُودُ: إِنَّ يَدَهُ مَقْبُوضَةٌ عَنْ عَذَابِهِمْ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِي أَنْفِقْ أُنْفِقُ عَلَيْكَ). وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (يَمِينُ اللَّهِ مَلْأَى لَا يَغِيضُهَا سَحَّاءُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ «1» أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْفَقَ مذ خلق السموات وَالْأَرْضَ فَإِنَّهُ لَمْ يَغِضْ مَا فِي يَمِينِهِ- قَالَ- وَعَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَبِيَدِهِ الْأُخْرَى الْقَبْضُ «2» يرفع ويخفض (. السح الصب الكثير. وبغيض يَنْقُصُ، وَنَظِيرُ هَذَا الْحَدِيثِ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ:" وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ" «3»] البقرة: [. وَأَمَّا هَذِهِ الْآيَةُ فَفِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ" بل يداه بسطان" «4» [المائدة:] حَكَاهُ الْأَخْفَشُ، وَقَالَ يُقَالُ: يَدٌ بُسْطَةٌ، أَيْ مُنْطَلِقَةٌ مُنْبَسِطَةٌ.) يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) أَيْ يَرْزُقُ كَمَا يُرِيدُ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْيَدُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِمَعْنَى الْقُدْرَةِ، أَيْ قُدْرَتُهُ شَامِلَةٌ، فَإِنْ شَاءَ وَسَّعَ وَإِنْ شَاءَ قَتَّرَ. (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ) لَامُ قَسَمٍ. (مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) أَيْ بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ. (طُغْياناً وَكُفْراً) أي إذا نزل شي مِنَ الْقُرْآنِ فَكَفَرُوا ازْدَادَ كُفْرُهُمْ. (وَأَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ) قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَ هَذَا" لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ"] المائدة: 51]. وَقِيلَ: أَيْ أَلْقَيْنَا بَيْنَ طَوَائِفِ الْيَهُودِ، كَمَا قال:" تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى"«5» ] الحشر: 14] فهم متباغضون مُتَّفِقِينَ، فَهُمْ أَبْغَضُ خَلْقِ اللَّهِ إِلَى النَّاسِ. (كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ) يريد اليهود. و" كُلَّما" ظَرْفٌ أَيْ كُلَّمَا جَمَعُوا وَأَعَدُّوا شَتَّتَ اللَّهُ جَمْعَهُمْ. وَقِيلَ: إِنَّ الْيَهُودَ لَمَّا أَفْسَدُوا وَخَالَفُوا كتاب الله- التوراة- أرسل الله عليهم بخت نصر، ثُمَّ أَفْسَدُوا فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ بُطْرُسَ الرُّومِيَّ، ثُمَّ أَفْسَدُوا فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ الْمَجُوسَ، ثُمَّ أَفْسَدُوا فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانُوا كُلَّمَا اسْتَقَامَ أَمْرُهُمْ شَتَّتَهُمُ اللَّهُ فَكُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا أَيْ أَهَاجُوا شَرًّا، وَأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ عَلَى حَرْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم" أَطْفَأَهَا اللَّهُ" وَقَهَرَهُمْ وَوَهَّنَ أَمْرَهُمْ فَذِكْرُ النَّارِ مُسْتَعَارٌ. قَالَ قَتَادَةُ: أَذَلَّهُمُ اللَّهُ عز وجل، فَلَقَدْ بَعَثَ اللَّهُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ تَحْتَ أَيْدِي

(1)." الليل والنهار" قال النووي: هو بنصب الليل والنهار ورفعهما، النصب على الظرف، والرفع على الفاعل. قال في هامش مسلم: لكن على تقدير النصب ماذا يكون الفاعل في (لا يغيضها) لم يذكره، ولو كانت الرواية (لا يغيضها سح الليل والنهار) بالإضافة لبان الفاعل كما في رواية زهير بن حرب" لا يغيضها شي".

(2)

. الفيض: ضبطوه (بالفاء والياء) ومعناه الإحسان، و (بالقاف والباء) ومعناه الموت.

(3)

. راجع ج 3 ص 237.

(4)

. كذا في البحر وفي الشواذ لابن خالويه: بسطتان. بضم السين.

(5)

. راجع ج 18 ص 35.

ص: 240