المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[سورة المائدة (5): آية 42] - تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن - جـ ٦

[القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌[سُورَةُ النساء (4): الآيات 148 الى 149]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 150 الى 151]

- ‌[سورة النساء (4): آية 152]

- ‌[سورة النساء (4): آية 153]

- ‌[سورة النساء (4): آية 154]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 155 الى 156]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 157 الى 158]

- ‌[سورة النساء (4): آية 159]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 160 الى 161]

- ‌[سورة النساء (4): آية 162]

- ‌[سورة النساء (4): آية 163]

- ‌[سورة النساء (4): آية 164]

- ‌[سورة النساء (4): آية 165]

- ‌[سورة النساء (4): آية 166]

- ‌[سورة النساء (4): آية 167]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 168 الى 169]

- ‌[سورة النساء (4): آية 170]

- ‌[سورة النساء (4): آية 171]

- ‌[سورة النساء (4): الآيات 172 الى 173]

- ‌[سورة النساء (4): آية 174]

- ‌[سورة النساء (4): آية 175]

- ‌[سورة النساء (4): آية 176]

- ‌تفسير سورة المائدة

- ‌[سورة المائدة (5): آيَةً 1]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 2]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 3]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 4]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 5]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 6]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 7]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 11]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 12]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 13]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 14 الى 16]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 17]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 18]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 19]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 20 الى 26]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 27]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 28 الى 29]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 30]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 31]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 32]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 35 الى 36]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 37]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 38]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 40]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 41]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 42]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 43]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 44]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 45]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 46 الى 47]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 48]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 49]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 50]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 51]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 52 الى 53]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 54]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 55]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 56]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 57]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 58]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 59 الى 60]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 61 الى 63]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 64]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 65 الى 66]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 67]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 68]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 69]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 70]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 71]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 72]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 73 الى 74]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 75]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 76]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 77]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 78]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 79]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 80]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 81]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 82]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 83]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 84]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 85 الى 86]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 87]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 88]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 89]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 90 الى 92]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 93]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 94]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 95]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 96]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 97]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 98]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 99]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 100]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 101 الى 102]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 103]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 104]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 105]

- ‌[سورة المائدة (5): الآيات 106 الى 108]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 109]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 110]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 111]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 112]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 113]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 114]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 115]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 116]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 117]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 118]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 119]

- ‌[سورة المائدة (5): آية 120]

- ‌تفسير سورة الأنعام

- ‌[سورة الأنعام (6): آيَةً 1]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 2]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 3 الى 5]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 6]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 7]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 8 الى 10]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 11 الى 12]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 13 الى 16]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 17]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 18 الى 19]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 20]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 21 الى 22]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 23]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 24]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 25]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 26]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 27]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 28]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 29]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 30]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 31]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 32]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 33 الى 34]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 35]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 36 الى 37]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 38]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 39 الى 41]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 42]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 43 الى 45]

- ‌[سورة الأنعام (6): الآيات 46 الى 47]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 48]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 49]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 50]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 51]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 52]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 53]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 54]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 55]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 56]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 57]

- ‌[سورة الأنعام (6): آية 58]

الفصل: ‌[سورة المائدة (5): آية 42]

شَرْعُهُ تَرْكُ الرَّجْمِ، وَجَعْلُهُمْ بَدَلَ رَجْمِ الْمُحْصَنِ جَلْدَ أَرْبَعِينَ تَغْيِيرًا لِحُكْمِ اللَّهِ عز وجل. و" يُحَرِّفُونَ" فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِقَوْلِهِ" سَمَّاعُونَ" وَلَيْسَ بِحَالٍ مِنَ الضَّمِيرِ الَّذِي فِي" يَأْتُوكَ" لِأَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَأْتُوا لَمْ يَسْمَعُوا، وَالتَّحْرِيفُ إِنَّمَا هُوَ مِمَّنْ يَشْهَدُ وَيَسْمَعُ فَيُحَرِّفُ. وَالْمُحَرِّفُونَ مِنَ الْيَهُودِ بَعْضُهُمْ لَا كُلُّهُمْ، وَلِذَلِكَ كَانَ حَمْلُ الْمَعْنَى عَلَى" مِنَ الَّذِينَ هادُوا" فَرِيقٌ سَمَّاعُونَ أَشْبَهَ. (يَقُولُونَ) فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الْمُضْمَرِ فِي" يُحَرِّفُونَ". (إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ) أَيْ إِنْ أَتَاكُمْ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم بِالْجَلْدِ فَاقْبَلُوا وَإِلَّا فَلَا. الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ) أَيْ ضَلَالَتَهُ فِي الدُّنْيَا وَعُقُوبَتَهُ فِي الْآخِرَةِ. (فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً) أَيْ فَلَنْ تَنْفَعَهُ. (أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ) بَيَانٌ مِنْهُ عز وجل أَنَّهُ قَضَى عَلَيْهِمْ بِالْكُفْرِ. وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الضَّلَالَ بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ خِلَافَ ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ، أَيْ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ مِنَ الطَّبْعِ عَلَيْهَا وَالْخَتْمِ كَمَا طَهَّرَ قُلُوبَ الْمُؤْمِنِينَ ثَوَابًا لَهُمْ. (لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ) قِيلَ: هُوَ فَضِيحَتُهُمْ حِينَ أَنْكَرُوا الرَّجْمَ، ثُمَّ أُحْضِرَتِ التَّوْرَاةُ فَوُجِدَ فِيهَا الرَّجْمُ. وَقِيلَ: خِزْيُهُمْ فِي الدُّنْيَا أَخْذُ الْجِزْيَةِ والذل. والله أعلم.

[سورة المائدة (5): آية 42]

سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)

فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ) كَرَّرَهُ تَأْكِيدًا وَتَفْخِيمًا، وَقَدْ تَقَدَّمُ «1». الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) عَلَى التَّكْثِيرِ. وَالسُّحْتُ فِي اللُّغَةِ أَصْلُهُ الْهَلَاكُ وَالشِّدَّةُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" فَيُسْحِتَكُمْ بعذاب"«2» . وقال الفرزدق:

(1). راجع ج 11 ص 211.

(2)

. في ج وز: وقد تقدم في البقرة.

ص: 182

وَعَضُّ زَمَانٍ يَا ابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدَعْ

مِنَ المال إلا مسحتا «1» أو مجلف «2»

كَذَا الرِّوَايَةُ. أَوْ مُجَلَّفٌ بِالرَّفْعِ عَطْفًا عَلَى الْمَعْنَى، لِأَنَّ مَعْنَى لَمْ يَدَعْ لَمْ يُبْقِ. وَيُقَالُ لِلْحَالِقِ: أَسْحَتَ أَيِ اسْتَأْصَلَ. وَسُمِّيَ الْمَالُ الْحَرَامُ سُحْتًا لِأَنَّهُ يَسْحَتُ الطَّاعَاتِ أَيْ يُذْهِبُهَا وَيَسْتَأْصِلُهَا. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَصْلُهُ كَلَبُ الْجُوعِ، يُقَالُ رَجُلٌ مَسْحُوتُ الْمَعِدَةِ أَيْ أَكُولٌ، فَكَأَنَّ بِالْمُسْتَرْشِي وَآكِلِ الْحَرَامِ مِنَ الشَّرَهِ إِلَى مَا يُعْطَى مِثْلَ الَّذِي بِالْمَسْحُوتِ الْمَعِدَةِ مِنَ النَّهَمِ. وَقِيلَ: سُمِّيَ الْحَرَامُ سُحْتًا لِأَنَّهُ يَسْحَتُ مُرُوءَةَ الْإِنْسَانِ. قُلْتُ: وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ بِذَهَابِ الدِّينِ تَذْهَبُ الْمُرُوءَةُ، وَلَا مُرُوءَةَ لِمَنْ لَا دِينَ لَهُ. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ: السُّحْتُ الرُّشَا. وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: رِشْوَةُ الْحَاكِمِ مِنَ السُّحْتِ. وَعَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ بِالسُّحْتِ فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ) قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا السُّحْتُ؟ قَالَ: (الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ). وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: السُّحْتُ أَنْ يَقْضِيَ الرَّجُلُ لِأَخِيهِ حَاجَةً فَيُهْدِيَ إِلَيْهِ هَدِيَّةً فَيَقْبَلُهَا. وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: مِنَ السُّحْتِ أَنْ يَأْكُلَ الرَّجُلُ بِجَاهِهِ، وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ جَاهٌ عِنْدَ السُّلْطَانِ فَيَسْأَلُهُ إِنْسَانٌ حَاجَةً فَلَا يَقْضِيهَا إِلَّا بِرِشْوَةٍ يَأْخُذُهَا. وَلَا خِلَافَ بَيْنَ السَّلَفِ أَنَّ أَخْذَ الرِّشْوَةِ عَلَى إِبْطَالِ حَقٍّ أَوْ مَا لَا يَجُوزُ سُحْتٌ حَرَامٌ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا ارْتَشَى الْحَاكِمُ انْعَزَلَ فِي الْوَقْتِ وَإِنْ لَمْ يُعْزَلْ، وَبَطَلَ كُلُّ حُكْمٍ حَكَمَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ. قُلْتُ: وَهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُخْتَلَفَ فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لِأَنَّ أَخْذَ الرِّشْوَةِ مِنْهُ فِسْقٌ، وَالْفَاسِقُ لَا يَجُوزُ حُكْمُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وقال عليه الصلاة والسلام:(لعن اله الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ). وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: السُّحْتُ الرِّشْوَةُ وَحُلْوَانُ «3» الْكَاهِنِ وَالِاسْتِجْعَالُ فِي الْقَضِيَّةِ «4» . وَرُوِيَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: الرِّشْوَةُ حَرَامٌ فِي كُلِّ شي؟ فَقَالَ: لَا، إِنَّمَا يُكْرَهُ مِنَ الرِّشْوَةِ أَنْ تَرْشِيَ لِتُعْطَى مَا لَيْسَ لَكَ، أَوْ تَدْفَعُ حقا فد لَزِمَكَ، فَأَمَّا أَنْ تَرْشِيَ لِتَدْفَعَ عَنْ دِينِكَ ودمك ومالك

(1). ويروى: (إلا مسحت) ومن رواه كذلك جعل (معنى لم يدع) لم يتقار. (اللسان) مادة سحت.

(2)

. المجلف: الذي بقيت منه بقية.

(3)

. هو ما يعطي على الكهانة.

(4)

. في ج، ك، ع، ز: الاستعجال في المعصية.

ص: 183

فَلَيْسَ بِحَرَامٍ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ الْفَقِيهُ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، لَا بَأْسَ بِأَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ بِالرِّشْوَةِ. وَهَذَا كَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ بِالْحَبَشَةِ فَرَشَا دِينَارَيْنِ وَقَالَ: إِنَّمَا الْإِثْمُ عَلَى الْقَابِضِ دُونَ الدَّافِعِ، قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَمَنْ جَعَلَ كَسْبَ الْحَجَّامِ وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُ سُحْتًا فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَسْحَتُ مُرُوءَةَ آخِذِهِ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ أَنَّهُ طَيِّبٌ، وَمَنْ أَخَذَ طَيِّبًا لَا تَسْقُطُ مُرُوءَتُهُ وَلَا تَنْحَطُّ مَرْتَبَتُهُ. وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ أنه قال: احتج رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ فَأَمَرَ لَهُ] رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم [«1» بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَسْبَ الْحَجَّامِ طَيِّبٌ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَجْعَلُ ثَمَنًا وَلَا جُعْلًا [وَلَا]«2» عِوَضًا لِشَيْءٍ مِنَ الْبَاطِلِ. وَحَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا نَاسِخٌ لِمَا حَرَّمَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ ثَمَنِ الدَّمِ، وَنَاسِخٌ لِمَا كَرِهَهُ مِنْ إِجَارَةِ الْحَجَّامِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ، وَلَوْ كَانَ سُحْتًا لَمْ يُعْطِهِ. وَالسُّحْتُ وَالسُّحُتُ لُغَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ وَالْكِسَائِيُّ بِضَمَّتَيْنِ، وَالْبَاقُونَ بِضَمِّ السِّينِ وَحْدَهَا. وَرَوَى الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ نَافِعٍ" أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ" بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ وَهَذَا مَصْدَرٌ مِنْ سَحَتَهُ، يُقَالُ: أَسْحَتَ وَسَحَتَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: سَحَتَهُ ذَهَبَ بِهِ قَلِيلًا قَلِيلًا. قَوْلُهُ تعالى: (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) هَذَا تَخْيِيرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ، وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ مُوَادَعَةٍ لَا أَهْلَ ذِمَّةٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَادَعَ الْيَهُودَ. وَلَا يَجِبُ عَلَيْنَا الْحُكْمُ بَيْنَ الْكُفَّارِ إِذَا لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ، بَلْ يَجُوزُ الْحُكْمُ إِنْ أَرَدْنَا. فَأَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْنَا الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ إِذَا تَرَافَعُوا إِلَيْنَا؟ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ، وَإِنِ ارْتَبَطَتِ الْخُصُومَةُ بِمُسْلِمٍ يَجِبُ الْحُكْمُ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ. وَاخْتَلَفُوا فِي الذِّمِّيِّينَ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ وَأَنَّ الْحَاكِمَ مُخَيَّرٌ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وهو مذهب مالك

(1). من ج وك وهـ وع.

(2)

. من ج وك وهـ وع.

ص: 184

وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا، سِوَى مَا رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ فِي تَرْكِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الزِّنَى، فَإِنَّهُ إِنْ زَنَى الْمُسْلِمُ بِالْكِتَابِيَّةِ حُدَّ وَلَا حَدَّ عَلَيْهَا، فَإِنْ كَانَ الزَّانِيَانِ ذِمِّيَّيْنِ فَلَا حَدَّ عَلَيْهِمَا، وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِمَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: يُجْلَدَانِ وَلَا يُرْجَمَانِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو يُوسُفَ وَأَبُو ثَوْرٍ وَغَيْرُهُمْ: عَلَيْهِمَا الْحَدُّ إِنْ أَتَيَا رَاضِيَيْنِ بِحُكْمِنَا. قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: وَلَا يُرْسِلُ الْإِمَامُ إِلَيْهِمْ إِذَا اسْتَعْدَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَا يُحْضِرُ الْخَصْمَ مَجْلِسَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَظَالِمِ الَّتِي يَنْتَشِرُ مِنْهَا الْفَسَادُ كَالْقَتْلِ وَنَهْبِ الْمَنَازِلِ وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا الدُّيُونُ وَالطَّلَاقُ وَسَائِرُ الْمُعَامَلَاتِ فَلَا يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ إِلَّا بَعْدَ التَّرَاضِي، وَالِاخْتِيَارُ لَهُ أَلَّا يَحْكُمَ وَيَرُدَّهُمْ إِلَى حُكَّامِهِمْ. فَإِنْ حَكَمَ بَيْنَهُمْ حَكَمَ بِحُكْمِ الْإِسْلَامِ. وَأَمَّا إِجْبَارُهُمْ عَلَى حُكْمِ الْمُسْلِمِينَ فِيمَا يَنْتَشِرُ مِنْهُ الْفَسَادُ فَلَيْسَ عَلَى الْفَسَادِ عَاهَدْنَاهُمْ، وَوَاجِبُ قَطْعِ الْفَسَادِ عَنْهُمْ، مِنْهُمْ وَمِنْ غَيْرِهِمْ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ حِفْظَ أَمْوَالِهِمْ وَدِمَائِهِمْ، وَلَعَلَّ فِي دِينِهِمِ اسْتِبَاحَةَ ذَلِكَ فَيَنْتَشِرُ مِنْهُ الْفَسَادُ بَيْنَنَا، وَلِذَلِكَ مَنَعْنَاهُمْ أَنْ يَبِيعُوا الْخَمْرَ جِهَارًا وَأَنْ يُظْهِرُوا الزِّنَى وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْقَاذُورَاتِ، لِئَلَّا يَفْسُدَ بِهِمْ سُفَهَاءُ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا الْحُكْمُ فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ دِينُهُمْ مِنَ الطَّلَاقِ وَالزِّنَى وَغَيْرِهِ فَلَيْسَ يَلْزَمُهُمْ أَنْ يَتَدَيَّنُوا بِدِينِنَا، وَفِي الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ] بِذَلِكَ [«1» إِضْرَارٌ بِحُكَّامِهِمْ وَتَغْيِيرُ مِلَّتِهِمْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الدُّيُونُ وَالْمُعَامَلَاتُ، لِأَنَّ فِيهَا وَجْهًا مِنَ الْمَظَالِمِ وَقَطْعِ الْفَسَادِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَفِي الْآيَةِ قَوْلٌ ثَانٍ: وَهُوَ مَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالنَّخَعِيِّ أَيْضًا أَنَّ التَّخْيِيرَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ مَنْسُوخٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ" وَأَنَّ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ، وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ. وَرُوِيَ عن عكرمة أنه قال:" فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ" نَسَخَتْهَا آيَةٌ أُخْرَى" وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ"] المائدة: 49]. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: لَمْ يُنْسَخْ مِنْ" الْمَائِدَةِ" إِلَّا آيَتَانِ، قَوْلُهُ: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ نَسَخَتْهَا" وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ"، وَقَوْلُهُ:" لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ"«2» ] المائدة: 2] نسختها" فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ"«3» ] التوبة: 5]. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: مَضَتِ السُّنَّةُ أَنْ يُرَدَّ أَهْلُ الْكِتَابِ فِي حُقُوقِهِمْ وَمَوَارِيثِهِمْ إِلَى أَهْلِ دِينِهِمْ، إِلَّا أَنْ يَأْتُوا رَاغِبِينَ فِي حُكْمِ اللَّهِ فيحكم بينهم بكتاب الله. قال

(1). من ع.

(2)

. راجع ص 37 من هذا الجزء.

(3)

. راجع ج 8 ص 72.

ص: 185

السَّمَرْقَنْدِيُّ: وَهَذَا الْقَوْلُ يُوَافِقُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ إِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بَيْنَهُمْ مَا لَمْ يَتَرَاضَوْا بِحُكْمِنَا. وَقَالَ النَّحَّاسُ فِي" النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ" لَهُ قول تعالى:" فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ" مَنْسُوخٌ، لِأَنَّهُ إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا قَدِمَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ وَالْيَهُودُ فِيهَا يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَكَانَ الْأَدْعَى لَهُمْ وَالْأَصْلَحُ أَنْ يُرَدُّوا إِلَى أَحْكَامِهِمْ، فَلَمَّا قَوِيَ الْإِسْلَامُ أَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل" وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ". وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَالزُّهْرِيُّ وعمر ابن عَبْدِ الْعَزِيزِ وَالسُّدِّيُّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ، قَالَ فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ: وَلَا خِيَارَ لَهُ إِذَا تَحَاكَمُوا إِلَيْهِ، لِقَوْلِهِ عز وجل:" حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ"«1» ] التوبة: 29]. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا مِنْ أَصَحِّ الِاحْتِجَاجَاتِ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ:" وَهُمْ صاغِرُونَ" أَنْ تَجْرِيَ عَلَيْهِمْ أَحْكَامُ الْمُسْلِمِينَ وَجَبَ أَلَّا يُرَدُّوا إِلَى أَحْكَامِهِمْ، فَإِذَا وَجَبَ هَذَا فَالْآيَةٌ مَنْسُوخَةٌ. وَهُوَ أَيْضًا قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ أَبِي حَنِيفَةَ وَزُفَرَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ، لَا اخْتِلَافَ بَيْنِهِمْ إِذَا تَحَاكَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ إِلَى الْإِمَامِ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهُمْ، غَيْرَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: إِذَا جَاءَتِ الْمَرْأَةُ وَالزَّوْجُ فَعَلَيْهِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ، وَإِنْ جَاءَتِ الْمَرْأَةُ وَحْدَهَا وَلَمْ يَرْضَ الزَّوْجُ لَمْ يَحْكُمْ. وَقَالَ الْبَاقُونَ: يَحْكُمُ، فَثَبَتَ أَنَّ قَوْلَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ إِنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ مَعَ مَا ثَبَتَ فِيهَا مِنْ تَوْقِيفِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَوْ لَمْ يَأْتِ الْحَدِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ لَكَانَ النَّظَرُ يُوجِبُ أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ، لِأَنَّهُمْ قَدْ أَجْمَعُوا أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ إِذَا تَحَاكَمُوا إِلَى الْإِمَامِ فَلَهُ أَنْ يَنْظُرَ بَيْنَهُمْ، وَأَنَّهُ إِذَا نَظَرَ بَيْنَهُمْ مُصِيبٌ عِنْدَ الْجَمَاعَةِ، وَأَلَّا يُعْرِضَ عَنْهُمْ فَيَكُونُ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ تَارِكًا فَرْضًا، فَاعِلًا مَا لَا يَحِلُّ وَلَا يَسَعُهُ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَلِمَنْ قَالَ بِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ مِنَ الْكُوفِيِّينَ قَوْلٌ آخَرُ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَلَى الْإِمَامِ إِذَا عَلِمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ حَدًّا مِنْ حُدُودِ اللَّهِ عز وجل أَنْ يُقِيمَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ وَيَحْتَجَّ بِأَنَّ قَوْلَ اللَّهِ عز وجل:" وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ" يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ: أَحَدُهُمَا- وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ إِذَا تَحَاكَمُوا إِلَيْكَ. وَالْآخَرُ- وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ وَإِنْ لَمْ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْكَ- إِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ مِنْهُمْ- قَالُوا: فَوَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَا يُوجِبُ إِقَامَةَ الْحَقِّ عَلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْنَا، فَأَمَّا مَا فِي كِتَابِ اللَّهِ فقوله تعالى:

(1). راجع ج 8 ص 109.

ص: 186