الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مَا أُكِلَ عَلَى مَائِدَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، خَرَّجَهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ. وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:] تُصَلِّي الْمَلَائِكَةُ عَلَى الرَّجُلِ مَا دَامَتْ مَائِدَتُهُ مَوْضُوعَةً [خَرَّجَهُ الثِّقَاتُ وقيل: إن المائدة كل شي يُمَدُّ وَيُبْسَطُ مِثْلَ الْمِنْدِيلِ وَالثَّوْبِ وَكَانَ مِنْ حَقِّهِ أَنْ تَكُونَ مَادَّةُ الدَّالِّ مُضَعَّفَةٌ فَجَعَلُوا إِحْدَى الدَّالَيْنِ يَاءً فَقِيلَ: مَائِدَةٌ، وَالْفِعْلُ وَاقِعٌ بِهِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَمْدُودَةً وَلَكِنْ خُرِّجَتْ فِي اللُّغَةِ مَخْرَجَ فَاعِلٍ كَمَا قَالُوا: سِرٌّ كَاتِمٌ وَهُوَ مَكْتُومٌ وَعِيشَةٌ رَاضِيَةٌ وَهِيَ مَرْضِيَّةٌ وَكَذَلِكَ خُرِّجَ فِي اللُّغَةِ مَا هُوَ فَاعِلٌ عَلَى مَخْرَجِ مَفْعُولٍ فَقَالُوا: رَجُلٌ مَشْئُومٌ وَإِنَّمَا هُوَ شَائِمٌ وَحِجَابٌ مَسْتُورٌ وَإِنَّمَا هُوَ سَاتِرٌ قَالَ فَالْخِوَانُ هُوَ الْمُرْتَفِعُ عَنِ الْأَرْضِ بِقَوَائِمِهِ وَالْمَائِدَةُ مَا مُدَّ وَبُسِطَ «1» وَالسُّفْرَةُ مَا أَسْفَرَ عَمَّا فِي جَوْفِهِ وَذَلِكَ لِأَنَّهَا مَضْمُومَةٌ بِمَعَالِيقِهَا وَعَنِ الْحَسَنِ قَالَ: الْأَكْلُ عَلَى الْخُوَانِ فِعْلُ الْمُلُوكِ وَعَلَى الْمِنْدِيلِ فِعْلُ الْعَجَمِ وَعَلَى السُّفْرَةِ فِعْلُ الْعَرَبِ وَهُوَ السُّنَّةُ] وَاللَّهُ أَعْلَمُ [«2» .
[سورة المائدة (5): آية 116]
وَإِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قالَ سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَاّمُ الْغُيُوبِ (116)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ). اخْتُلِفَ فِي وَقْتِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ فَقَالَ قَتَادَةُ وابن جريج وأكثر المفسرين: إنما يقال لَهُ هَذَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَقُطْرُبُ. قَالَ لَهُ ذَلِكَ حِينَ رَفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَتْ النَّصَارَى فِيهِ مَا قَالَتْ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ:" إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ"] المائدة: 118] فَإِنَّ" إِذْ" فِي كَلَامِ الْعَرَبِ لِمَا مَضَى. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ يَدُلُّ عَلَيْهِ مَا قَبْلَهُ مِنْ قوله:" يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ"] المائدة: 109] الآية
(1). في حاشية الجمل عن القرطبي: والمائدة ما مد وبسط من الثياب والمناديل. إلخ.
(2)
. عن ك.
وَمَا بَعْدَهُ" هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ"] المائدة: 119]. وَعَلَى هَذَا تَكُونُ" إِذْ" بِمَعْنَى" إِذَا" كَقَوْلِهِ تعالى:" وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا"«1» ] سبأ: 51] أَيْ إِذَا فَزِعُوا. وَقَالَ أَبُو النَّجْمِ:
ثُمَّ جَزَاهُ اللَّهُ عَنِّي إِذْ جَزَى
…
جَنَّاتِ عَدْنٍ في السموات الْعُلَا
يَعْنِي إِذَا جَزَى. وَقَالَ الْأَسْوَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْأَزْدِيُّ:
فَالْآنَ إِذْ هَازَلْتُهُنَّ فَإِنَّمَا
…
يَقُلْنَ أَلَا لَمْ يَذْهَبِ الشَّيْخُ مَذْهَبَا
يَعْنِي إِذَا هَازَلْتُهُنَّ فَعَبَّرَ عَنِ الْمُسْتَقْبَلِ بِلَفْظِ الْمَاضِي لِأَنَّهُ لِتَحْقِيقِ أَمْرِهِ وَظُهُورِ بُرْهَانِهِ كَأَنَّهُ قَدْ وَقَعَ. وَفِي التَّنْزِيلِ" وَنادى أَصْحابُ النَّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ"«2» ] الأعراف: 50] وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى هَذَا السُّؤَالِ وَلَيْسَ هُوَ بِاسْتِفْهَامٍ وَإِنْ خَرَجَ مَخْرَجَ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ تَوْبِيخًا لِمَنِ ادَّعَى ذَلِكَ عَلَيْهِ لِيَكُونَ إِنْكَارُهُ بَعْدَ السُّؤَالِ أَبْلَغَ فِي التَّكْذِيبِ وَأَشَدَّ فِي التَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ. الثَّانِي- قَصَدَ بِهَذَا السُّؤَالِ تَعْرِيفَهُ أَنَّ قَوْمَهُ غَيَّرُوا بَعْدَهُ، وَادَّعَوْا عَلَيْهِ مَا لَمْ يَقُلْهُ. فَإِنْ قِيلَ: فَالنَّصَارَى لَمْ يَتَّخِذُوا مَرْيَمَ إِلَهًا فَكَيْفَ قَالَ ذَلِكَ فِيهِمْ؟ فَقِيلَ: لَمَّا كَانَ مِنْ قَوْلِهِمْ إِنَّهَا لَمْ تَلِدْ بَشَرًا وَإِنَّمَا وَلَدَتْ إِلَهًا لَزِمَهُمْ أَنْ يَقُولُوا إِنَّهَا لِأَجْلِ الْبَعْضِيَّةِ بِمَثَابَةِ مَنْ وَلَدَتْهُ، فَصَارُوا حِينَ لَزِمَهُمْ ذَلِكَ بِمَثَابَةِ الْقَائِلِينَ لَهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى:(قالَ سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) خَرَّجَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: تَلَقَّى عِيسَى حُجَّتَهُ وَلَقَّاهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ:" وَإِذْ قالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ" قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم:] فَلَقَّاهُ اللَّهُ [" سُبْحانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ" الْآيَةَ كُلَّهَا. قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. وَبَدَأَ بِالتَّسْبِيحِ قَبْلَ الْجَوَابِ لِأَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا- تَنْزِيهًا لَهُ عَمَّا أُضِيفَ إِلَيْهِ. الثَّانِي- خُضُوعًا لِعِزَّتِهِ وَخَوْفًا مِنْ سَطْوَتِهِ. وَيُقَالُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا قَالَ لِعِيسَى:" أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ" أَخَذَتْهُ الرِّعْدَةُ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلِ حَتَّى سَمِعَ صَوْتَ عِظَامِهِ فِي نَفْسِهِ فَقَالَ:" سُبْحانَكَ" ثُمَّ قَالَ:" مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ" أَيْ أَنْ أَدَّعِيَ لِنَفْسِي مَا لَيْسَ مِنْ حَقِّهَا يَعْنِي أَنَّنِي
(1). راجع ج 14 ص 314.
(2)
. راجع ج 7 ص 209.