الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسُهُ، وَإِعْجَابُهُ لَهُ أَنَّهُ صَارَ عِنْدَهُ عَجَبًا مِمَّا يُشَاهِدُهُ مِنْ كَثْرَةِ الْكُفَّارِ وَالْمَالِ الْحَرَامِ، وَقِلَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَالِ الْحَلَالِ. (فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) تقدم معناه.
[سورة المائدة (5): الآيات 101 الى 102]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْها وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (101) قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ (102)
فِيهِ عَشْرُ مَسَائِلَ: الْأُولَى: رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَغَيْرُهُمَا- وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ- عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَجُلٌ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، مَنْ أَبِي؟ قَالَ:" أَبُوكَ فُلَانٌ"] قَالَ [«1» فَنَزَلَتْ" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ" «2» الْآيَةَ. وَخَرَّجَ أَيْضًا عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَفِيهِ:] فَوَاللَّهِ لَا تَسْأَلُونِي عن شي إِلَّا أَخْبَرْتُكُمْ بِهِ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا [فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: أَيْنَ مَدْخَلِي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:] النَّارُ [. فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ فَقَالَ: مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ:] أَبُوكَ حُذَافَةُ [وَذَكَرَ الْحَدِيثُ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ أَسْلَمَ قَدِيمًا، وَهَاجَرَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ الْهِجْرَةَ الثَّانِيَةَ، وَشَهِدَ بَدْرًا وَكَانَتْ فِيهِ دُعَابَةٌ «3»، وَكَانَ رَسُولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَرْسِلْهُ إِلَى كِسْرَى بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ سَلَّمَ، وَلَمَّا قَالَ مَنْ أَبِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:] أَبُوكَ حُذَافَةُ [قَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: مَا سَمِعْتُ بِابْنٍ أَعَقَّ مِنْكَ آمَنْتَ أَنْ تَكُونَ أُمُّكُ قَارَفَتْ مَا يُقَارِفُ نِسَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ فَتَفْضَحُهَا عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ! فَقَالَ: وَاللَّهِ لَوْ أَلْحَقَنِي بِعَبْدٍ أَسْوَدَ لَلَحِقْتُ بِهِ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ" وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" «4»] آل عمران: 97]. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ فَسَكَتَ، فَقَالُوا: أَفِي كُلِّ عَامٍ؟ قَالَ:] لَا وَلَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ [، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
(1). من ج وب وهـ وع. [ ..... ]
(2)
. من ب وج وهـ وع.
(3)
. الدعابة: المزاح.
(4)
. راجع ج 4 ص 137.
" يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ" إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. وَاللَّفْظُ لِلدَّارَقُطْنِيِّ سُئِلَ الْبُخَارِيُّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: هُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ إِلَّا أَنَّهُ مُرْسَلٌ، أَبُو الْبَخْتَرِيِّ لَمْ يُدْرِكْ عَلِيًّا، وَاسْمُهُ سَعِيدٌ. وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ أَيْضًا عَنْ أَبِي عِيَاضٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:] يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْحَجُّ [فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: فِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ «1» فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ عَادَ فَقَالَ: فِي كُلِّ عَامٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: (وَمَنِ الْقَائِلُ)؟ قَالُوا: فُلَانٌ، قَالَ:] وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ قُلْتُ نَعَمْ لَوَجَبَتْ وَلَوْ وَجَبَتْ مَا أَطَقْتُمُوهَا وَلَوْ لَمْ تُطِيقُوهَا لَكَفَرْتُمْ [فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ" الْآيَةَ. وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: سَأَلُوا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي عَفَا اللَّهُ عَنْهَا، وَلَا وَجْهَ لِلسُّؤَالِ عَمَّا عَفَا اللَّهُ عَنْهُ. وَرَوَى مُجَاهِدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ وَالْحَامِ، وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَقَالَ: أَلَا تَرَى أَنَّ بَعْدَهُ:" مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ"] المائدة: 103]. قُلْتُ: وَفِي الصَّحِيحِ وَالْمُسْنَدِ كِفَايَةٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ نَزَلَتْ جَوَابًا لِلْجَمِيعِ، فَيَكُونُ السُّؤَالُ قَرِيبًا بَعْضُهُ مِنْ بَعْضٍ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَ" أَشْياءَ" وَزْنُهُ أَفْعَالٌ، وَلَمْ يُصْرَفْ لِأَنَّهُ مُشَبَّهٌ بِحَمْرَاءَ، قَالَهُ الْكِسَائِيُّ. وَقِيلَ: وَزْنُهُ أَفْعِلَاءُ، كَقَوْلِكَ: هَيْنٌ وَأَهْوِنَاءٌ، عَنِ الْفَرَّاءِ وَالْأَخْفَشِ وَيُصَغَّرُ فَيُقَالُ: أُشَيَّاءُ، قَالَ الْمَازِنِيُّ: يَجِبُ أَنْ يُصَغَّرَ شُيَيْآتٍ كَمَا يُصَغَّرُ أَصْدِقَاءُ، فِي الْمُؤَنَّثِ صُدَيْقَاتٍ وَفِي الْمُذَكَّرِ صُدَيْقُونَ. الثَّانِيَةُ- قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: سَأَلْتُ نافعا عن قوله تعالى" لا تَسْئَلُوا عَنْ أَشْياءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ" فَقَالَ: لَمْ تَزَلِ الْمَسَائِلُ مُنْذُ قَطُّ تُكْرَهُ. رَوَى مُسْلِمٌ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:] إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ عُقُوقَ الْأُمَّهَاتِ وَوَأْدَ الْبَنَاتِ وَمَنْعًا وَهَاتِ وَكَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا قِيلَ وَقَالَ وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةَ الْمَالِ [. قَالَ كَثِيرٌ «2» مِنَ العلماء: المراد
(1). بحذف همزة الاستفهام في هذه الرواية كما في الدارقطني.
(2)
. في ك: جماعة.
بِقَوْلِهِ] وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ [التَّكْثِيرُ مِنَ السُّؤَالِ فِي الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ تَنَطُّعًا، وَتَكَلُّفًا فِيمَا لَمْ يُنَزَّلْ، وَالْأُغْلُوطَاتُ وَتَشْقِيقُ الْمُوَلَّدَاتِ، وَقَدْ كَانَ السَّلَفُ يَكْرَهُونَ ذَلِكَ وَيَرَوْنَهُ مِنَ التَّكْلِيفِ «1»، وَيَقُولُونَ: إِذَا نَزَلَتِ النَّازِلَةُ وُفِّقَ الْمَسْئُولُ لَهَا. قَالَ مَالِكٌ: أَدْرَكْتُ أَهْلَ هَذَا الْبَلَدِ وَمَا عِنْدَهُمْ عِلْمٌ غَيْرَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَإِذَا نَزَلَتْ نَازِلَةٌ جَمَعَ الْأَمِيرُ لَهَا مَنْ حَضَرَ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَمَا اتَّفَقُوا عَلَيْهِ أَنْفَذَهُ، وَأَنْتُمْ تُكْثِرُونَ الْمَسَائِلَ وَقَدْ كَرِهَهَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِكَثْرَةِ الْمَسَائِلِ كَثْرَةُ سُؤَالِ النَّاسِ الْأَمْوَالَ وَالْحَوَائِجَ إِلْحَاحًا وَاسْتِكْثَارًا، وَقَالَهُ أَيْضًا مَالِكٌ وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِكَثْرَةِ الْمَسَائِلِ السُّؤَالُ عَمَّا لَا يَعْنِي مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ بِحَيْثُ يُؤَدِّي ذَلِكَ إِلَى كَشْفِ عَوْرَاتِهِمْ وَالِاطِّلَاعِ عَلَى مَسَاوِئِهِمْ. وَهَذَا مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً" «2»] الحجرات: 12]. قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: وَلِذَلِكَ قَالَ] بَعْضُ [«3» أَصْحَابِنَا مَتَى قُدِّمَ إِلَيْهِ طَعَامٌ لَمْ يَسْأَلْ عَنْهُ مِنْ أَيْنَ هَذَا أَوْ عُرِضَ عَلَيْهِ شي يَشْتَرِيهِ لَمْ يَسْأَلْ مِنْ أَيْنَ هُوَ، وَحَمَلَ أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى السَّلَامَةِ وَالصِّحَّةِ. قُلْتُ: وَالْوَجْهُ حَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى عُمُومِهِ فَيَتَنَاوَلُ جَمِيعَ تِلْكَ الْوُجُوهِ كُلِّهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ «4» . الثَّالِثَةُ- قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: اعْتَقَدَ قَوْمٌ مِنَ الْغَافِلِينَ تَحْرِيمَ أَسْئِلَةِ النَّوَازِلِ حَتَّى تَقَعَ تَعَلُّقًا بِهَذِهِ الْآيَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، لِأَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ السُّؤَالَ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ إِنَّمَا كَانَ فِيمَا تَقَعُ الْمَسَاءَةُ فِي جَوَابِهِ، وَلَا مَسَاءَةَ فِي جَوَابِ نَوَازِلِ الْوَقْتِ فَافْتَرَقَا. قُلْتُ قَوْلُهُ: اعْتَقَدَ قَوْمٌ مِنَ الْغَافِلِينَ فِيهِ قُبْحٌ، وَإِنَّمَا كَانَ الْأَوْلَى بِهِ أَنْ يَقُولَ: ذَهَبَ قَوْمٌ إِلَى تَحْرِيمِ أَسْئِلَةِ النَّوَازِلِ، لَكِنَّهُ جَرَى عَلَى عَادَتِهِ، وَإِنَّمَا قُلْنَا كَانَ أَوْلَى بِهِ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ قَوْمٌ مِنْ السَّلَفِ يَكْرَهُهَا. وَكَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يَلْعَنُ مَنْ سَأَلَ عَمَّا لَمْ يَكُنْ، ذَكَرَهُ الدَّارِمِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَذُكِرَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ كَانَ يَقُولُ إِذَا سُئِلَ عَنِ الْأَمْرِ: أَكَانَ هَذَا؟ فَإِنْ قَالُوا: نَعَمْ قَدْ كَانَ حَدَّثَ فِيهِ بِالَّذِي يَعْلَمُ، وَإِنْ قَالُوا: لَمْ يَكُنْ قَالَ فَذَرُوهُ حَتَّى يَكُونَ. وَأَسْنَدَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَقَدْ سُئِلَ عَنْ مسألة فقال:
(1). أي لا يجب إلا ببيان، قال ابن العربي قوله تعالى:(وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ) يشهد لكونها من باب التكليف الذي لا يبينه إلا نزول القرآن وجعل نزول القرآن سببا لوجوب الجواب.
(2)
. راجع ج 16 ص 330.
(3)
. من ع.
(4)
. وجد في ى سند عن الشيخة شهده بنت أبي نصر الدينوري لحادثة تركناه لوروده في ج 10 ص 5.
هَلْ كَانَ هَذَا بَعْدُ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: دَعُونَا حَتَّى يَكُونَ، فَإِذَا كَانَ تَجَشَّمْنَاهَا لَكُمْ. قَالَ الدَّارِمِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ قَوْمًا كَانُوا خَيْرًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، مَا سَأَلُوهُ إِلَّا عَنْ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً حَتَّى قُبِضَ، كلهن في القرآن، منهن" يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ" «1»] البقرة: 217]،" وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ"] البقرة: 222]] وَشِبْهُهُ [«2» مَا كَانُوا يَسْأَلُونَ إِلَّا عَمَّا يَنْفَعُهُمْ. الرَّابِعَةُ- قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: السُّؤَالُ الْيَوْمَ لَا يُخَافُ مِنْهُ أَنْ يَنْزِلَ تَحْرِيمٌ وَلَا تَحْلِيلٌ مِنْ أَجْلِهِ، فَمَنْ سَأَلَ مُسْتَفْهِمًا رَاغِبًا فِي الْعِلْمِ وَنَفْيِ الْجَهْلِ عَنْ نَفْسِهِ، بَاحِثًا عَنْ مَعْنًى يَجِبُ الْوُقُوفُ فِي الدِّيَانَةِ عَلَيْهِ، فَلَا بَأْسَ بِهِ، فَشِفَاءُ الْعِيِّ «3» السُّؤَالُ، وَمَنْ سَأَلَ مُتَعَنِّتًا غَيْرَ مُتَفَقِّهٍ وَلَا مُتَعَلِّمٍ فَهُوَ الَّذِي لَا يَحِلُّ قَلِيلُ سُؤَالِهِ وَلَا كَثِيرُهُ، قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الَّذِي يَنْبَغِي لِلْعَالِمِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِهِ هُوَ بَسْطُ الْأَدِلَّةِ، وَإِيضَاحُ سُبُلِ النَّظَرِ، وَتَحْصِيلُ مُقَدِّمَاتِ الِاجْتِهَادِ، وَإِعْدَادُ الْآلَةِ الْمُعِينَةِ عَلَى الِاسْتِمْدَادِ، فَإِذَا عَرَضَتْ نَازِلَةٌ أُتِيَتْ مِنْ بَابِهَا، وَنُشِدَتْ فِي مَظَانِّهَا، وَاللَّهُ يَفْتَحُ فِي صوابها. الخامسة- قوله تعالى: (وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ) فِيهِ غُمُوضٌ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ النَّهْيَ عن السؤال ثم قال:" وَإِنْ تَسْئَلُوا عَنْها حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ" فَأَبَاحَهُ لَهُمْ، فَقِيلَ: الْمَعْنَى وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْ غَيْرِهَا فِيمَا مَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ، فَحَذَفَ الْمُضَافَ، وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى غَيْرِ الْحَذْفِ. قَالَ الْجُرْجَانِيُّ: الْكِنَايَةُ فِي" عَنْها" تَرْجِعُ إِلَى أَشْيَاءَ أُخَرَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ"] المؤمنون: 12] يَعْنِي آدَمَ، ثُمَّ قَالَ:" ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً"«4» ] المؤمنون: 13] أَيِ ابْنَ آدَمَ، لِأَنَّ آدَمَ لَمْ يُجْعَلْ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ، لَكِنْ لَمَّا ذُكِرَ الْإِنْسَانُ وَهُوَ آدَمُ دَلَّ عَلَى إِنْسَانٍ مِثْلِهِ، وَعُرِفَ ذَلِكَ بِقَرِينَةِ الْحَالِ، فَالْمَعْنَى وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ مِنْ تَحْلِيلٍ أَوْ تَحْرِيمٍ أَوْ حُكْمٍ، أَوْ مَسَّتْ حَاجَتُكُمْ إِلَى التَّفْسِيرِ، فَإِذَا سَأَلْتُمْ فَحِينَئِذٍ تُبْدَ لَكُمْ، فَقَدْ أَبَاحَ هَذَا النَّوْعَ مِنَ السُّؤَالِ: وَمِثَالُهُ أَنَّهُ بَيَّنَ عِدَّةَ الْمُطَلَّقَةِ وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا والحامل،
(1). راجع ج 3 ص 40 وص 80.
(2)
. من ك.
(3)
. العي: الجهل.
(4)
. راجع ج 12 ص 108.
وَلَمْ يَجْرِ ذِكْرُ عِدَّةِ الَّتِي لَيْسَتْ بِذَاتِ قُرْءٍ وَلَا حَامِلٍ، فَسَأَلُوا عَنْهَا فَنَزَلَ" وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ" «1»] الطلاق: 4]. فالنهي إذا في شي لَمْ يَكُنْ بِهِمْ حَاجَةٌ إِلَى السُّؤَالِ فِيهِ، فَأَمَّا مَا مَسَّتِ الْحَاجَةُ إِلَيْهِ فَلَا. السَّادِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:(عَفَا اللَّهُ عَنْها) أَيْ عَنِ الْمَسْأَلَةِ الَّتِي سَلَفَتْ مِنْهُمْ. وَقِيلَ: عَنِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي سَأَلُوا عَنْهَا مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ وَمَا جَرَى مَجْرَاهَا. وَقِيلَ: الْعَفْوُ بِمَعْنَى التَّرْكِ، أَيْ تَرَكَهَا وَلَمْ يُعَرِّفْ بِهَا فِي حَلَالٍ وَلَا حَرَامٍ فَهُوَ مَعْفُوٌّ عَنْهَا فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهُ فَلَعَلَّهُ إِنْ ظَهَرَ لَكُمْ حُكْمُهُ سَاءَكُمْ. وَكَانَ عُبَيْدُ بْنُ عُمَيْرٍ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ أَحَلَّ وَحَرَّمَ، فَمَا أَحَلَّ فَاسْتَحِلُّوهُ، وَمَا حَرَّمَ فَاجْتَنِبُوهُ، وترك بين ذلك أشياء لم يحلها وَلَمْ يُحَرِّمْهَا، فَذَلِكَ عَفْوٌ مِنَ اللَّهِ، ثُمَّ يَتْلُو هَذِهِ الْآيَةَ. وَخَرَّجَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:] إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ فَرَائِضَ فَلَا تُضَيِّعُوهَا وَحَرَّمَ حُرُمَاتٍ فَلَا تَنْتَهِكُوهَا وَحَدَّدَ حُدُودًا فَلَا تَعْتَدُوهَا وَسَكَتَ عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ غَيْرِ نِسْيَانٍ فَلَا تَبْحَثُوا عَنْهَا [وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، أَيْ لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ، أَيْ أَمْسَكَ عَنْ ذِكْرِهَا فَلَمْ يُوجِبْ فِيهَا حُكْمًا. وَقِيلَ: لَيْسَ فِيهِ تَقْدِيمٌ وَلَا تَأْخِيرٌ، بَلِ الْمَعْنَى قَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْ مَسْأَلَتِكُمُ الَّتِي سَلَفَتْ وَإِنْ كَرِهَهَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَلَا تَعُودُوا لِأَمْثَالِهَا. فَقَوْلُهُ:" عَنْها" أَيْ عَنِ الْمَسْأَلَةِ، أَوْ عَنِ السُّؤَالَاتِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (قَدْ سَأَلَها قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِها كافِرِينَ) أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ قَوْمًا مِنْ قَبْلِنَا قَدْ سَأَلُوا آيَاتٍ مِثْلَهَا، فَلَمَّا أُعْطُوهَا وَفُرِضَتْ «2» عَلَيْهِمْ كَفَرُوا بِهَا، وَقَالُوا: لَيْسَتْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَذَلِكَ كَسُؤَالِ قَوْمِ صَالِحٍ النَّاقَةَ، وَأَصْحَابِ عِيسَى الْمَائِدَةَ، وَهَذَا تَحْذِيرٌ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ مَنْ سَبَقَ مِنَ الْأُمَمِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّامِنَةُ- إِنْ قَالَ قَائِلٌ: مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ كَرَاهِيَةِ السُّؤَالِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ، يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ تعالى:" فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ" «3»] النحل: 43] فَالْجَوَابُ، أَنَّ هَذَا الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ عباده
(1). راجع ج 18 ص 162. [ ..... ]
(2)
. في ك: وقد فرضا.
(3)
. راجع ج 10.