الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشيء قيمة وقدرا وإن لم يكن من جنسه، (وبالكسر) المساوى في الجنس والحجم، والنصرة: أخصّ من المعونة لأنها مختصة بدفع الضرر.
المعنى الجملي
كرر تذكيرهم بالنعم لكمال غفلتهم عما يجب عليهم من شكرها، وقد ذكرت فيما سبق مقترنة بوعد الله لهم بالنصر على الأعداء وسكنى الأرض المقدسة، واقترنت هنا بالوعيد، واتقاء عقاب الله في ذلك اليوم الشديد الهول الذي لا تجزى فيه نفس عن نفس شيئا، فكأنه قد قيل لهم إن لم تطيعوا الله لنعمه السالفة فأطيعوه للخوف من عقابه اللاحق.
وفي هذا التقريع والتوبيخ ما يدل على قساوة قلوبهم، فإن من شعر بقدر نفسه إذا خلا ونفسه وتذكر أنه ألمّ بنقيصة يتألم، ولم ير من اللائق به أن يدنسها مرّة أخرى برذيلة.
الإيضاح
(يا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ) هذا تأكيد لما تقدم وتمهيد لما عطفه عليه من التذكير بالتفضيل الذي هو من أجلّ النعم.
(وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ) أي وأعطيتكم الفضل والزيادة على غيركم من الشعوب حتى الأمم ذات الحضارة والمدنية كالمصريين وسكان الأراضى المقدسة.
وقد ناداهم باسم أبيهم لأنه منشأ فخارهم وأصل عزهم، وأسند النعمة والفضل إليهم جميعا لشمولهما إياهم، والتفضيل إنما أتاهم لتمسكهم بالفضائل وتركهم للرذائل، إذ من يرى نفسه مفضلا شريفا يترفع عن الدنايا.
وذكّرهم بهذا الفضل لينبههم إلى أن الذي فضلهم على غيرهم له أن يفضل غيرهم كمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته، وإلى أنهم أجدر من جميع الشعوب بالتأمل فيما
أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم من الآيات، فإن المفضّل أولى بالسبق إلى الفضائل ممن فضّل عليه وهذا الفضل إن كان بكثرة الأنبياء فلا مزاحم لهم فيه، ولا تقتضى هذه الفضيلة أن يكون كل فرد منهم أفضل من كل فرد من غيرهم، ولا تمنع أن يفضلهم أخسّ الشعوب إذا انحرفوا عن جادّة الحق وتركوا سنة أنبيائهم واهتدى بهديها غيرهم، وإن كان بالقرب من الله باتباع شرائعه، فذلك إنما يتحقق في أولئك الأنبياء والمهتدين من أهل زمانهم ومن تبعهم بإحسان ماداموا على الاستقامة وسلكوا الطريق الذي استحقوا به التفضيل.
(وَاتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) أي واخشوا يوما يقع فيه من الأهوال ما لا قدرة لكم على دفعه، ولا منجاة لكم منه إلا بتقوى الله في السر والعلن، يوم لا تحمل نفس أوزار نفس أخرى كما قال تعالى:(وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) وقال:
(وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلى حِمْلِها لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كانَ ذا قُرْبى) وقال: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ) وقال: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) .
(وَلا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ) أي إنها إذا جاءت بشفاعة شفيع لم تقبل منها.
(وَلا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ) أي ولا يؤخذ منها فداء إن هى استطاعت أن تأتى بذلك.
(وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ) أي يمنعون من العذاب.
والخلاصة- إن ذلك يوم تتقطع فيه الأسباب، وتبطل منفعة الأنساب، وتتحول فيه سنة الحياة الدنيا من دفع المكروه عن النفس بالفداء أو بشفاعة الشافعين، عند الأمراء والسلاطين، أو بأنصار ينصرونها بالحق والباطل على سواها، وتضمحلّ فيه
جميع الوسائل إلا ما كان من إخلاص في العمل قبل حلول الأجل، ولا يتكلم فيه أحد إلا بإذن الله.
وقد كان اليهود كغيرهم من الأمم الوثنية يقيسون أمور الآخرة على أمور الدنيا، فيتوهمون أنه يمكن تخليص المجرمين من العذاب بفداء يدفع، أو بشفاعة بعض المقربين إلى الحاكم فيغير رأيه وينقض ما عزم عليه.
فجاء الإسلام ومحا هذه العقيدة ليعلم المؤمنون أنه لا ينفع في ذلك اليوم إلا مرضاة الله بالعمل الصالح والإيمان الذي يبلغ قرارة النفس ويتجلى في أعمال الجوارح.
[تنبيه] : هناك مسألة كثر خوض الناس فيها وأطالوا الجدل والأخذ والرد، وهى مسألة الشفاعة العظمى، شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته يوم القيامة وهاك بيانها:
جاء في القرآن الكريم آيات تفيد نفيها مطلقا، ومن ذلك قوله تعالى في وصف يوم القيامة (لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ) وآيات تفيد ثبوتها متى أذن الله، ومن ذلك قوله:(يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ) وقوله: (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) .
من أجل هذا افترق العلماء فرقتين: أولاهما تثبت الشفاعة وتحمل ما جاء من الآيات فى نفيها مطلقا على ما جاء منها مقيدا فلا تكون شفاعة إلا إذا أذن الله. وثانيتهما تنفيها مطلقا وتقول إن معنى (إلا بإذنه) هنا النفي، وهذا أسلوب معروف لدى العرب في النفي القطعي كقوله:(سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ) وقوله: (خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) .
وإذا فليس في القرآن الكريم نصّ قاطع في ثبوتها، ولكن جاء في السنة الصحيحة ما يؤيد وقوعها
كقوله صلى الله عليه وسلم: «شفاعتى لأهل الكبائر من أمتى، فمن كذب بها لم ينلها» .
فيجب علينا أن نحدد معناها والمراد منها، وهل تكون في الآخرة كما هى فى الدنيا.
الشفاعة المعروفة في دنيانا أن يحمل الشفيع من يشفع عنده على فعل أو ترك كان يريد غيره، فلا تتحقق فائدة الشفاعة إلا بترك ما أراده المشفوع لديه، وفسخ ما عزم عليه لأجل الشفيع، والحاكم العادل لا يقبل الشفاعة بهذا المعنى، ولكن يقبلها الحاكم الظالم المستبد فيقضى بما يعلم أنه ظلم وأن العدل خلافه، ويفضل ارتباطه بأواصر القربى أو الصداقة للشافع على العدالة، ومثل هذا محال في الآخرة على المولى جلّ وعلا، لأن إرادته بحسب علمه الأزلى الذي لا تغيير فيه ولا تبديل، وإذا فما ورد من الأحاديث يكون من المتشابه الذي يرى السلف تفويض الأمر فيه إلى الله دون أن نحيط بحقيقته ونكشف المراد منه وننزه الله عن الشفاعة التي نشاهد مثالها في الحياة الدنيا، وغاية ما نستطيع أن نقول: إنها مزية يختص الله بها من يشاء من عباده عبر عنها بلفظ (الشفاعة) ولا ندرك حقيقتها.
ويرى المتأخرون ومنهم شيخ الإسلام ابن تيمية، أنها دعاء يدعوه النبي صلى الله عليه وسلم فيستجيبه المولى جلّ وعلا كما يفهم من رواية الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم يسجد يوم القيامة ويثنى على الله بثناء يلهمه يومئذ، فيقال له ارفع رأسك وسل تعط واشفع تشفّع، وليس في الشفاعة بهذا المعنى رجوع المولى عن إرادته لأجل الشافع، وإنما هى إظهار كرامة للشافع بتنفيذ ما أراده الله أزلا عقب دعائه، فليس فيها ما يسدّ نهم المغرورين الذين يتهاونون في أوامر الدين ونواهيه اعتمادا منهم على الشفاعة كما قال:(فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) .