الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى الجملي
عدد الله في هذه الآيات الثلاث بعض شناعاتهم المترتبة على كفرهم ونفاقهم، ففصل بعض خبائثهم وجناياتهم، وذكر بعض هفواتهم، ثم أظهر فسادها وأبان بطلانها، فحكى ما أسداه المؤمنون إليهم من النصائح حين طلبوا منهم ترك الرذائل التي تؤدى إلى الفتنة والفساد، والتمسك بأهداب الفضائل واتباع ذوى الأحلام الراجحة، والعقول الناضجة، ثم ما أجابوا به مما دل على عظيم جهلهم وتماديهم في سفههم وغفلتهم.
الإيضاح
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ) المنهي عنه هنا الأسباب المؤدية إلى الفساد من إفشاء أسرار المؤمنين إلى الكفار وإغرائهم بالمؤمنين، وتنفيرهم من اتباع محمد صلى الله عليه وسلم والأخذ بما جاء به من الإصلاح، إلى نحو أولئك من فنون الشر وصنوف الفتن، كما يقول إنسان لآخر: لا تقتل نفسك بيدك، ولا تلق بيديك إلى التهلكة، إذا أقدم على ما هذه عاقبته.
(قالُوا إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) أي لا شأن لنا إلا الإصلاح، فنحن بعيدون عن شوائب الإفساد باتباعنا رؤساءنا الذين استنبطوا تعاليمهم من الأنبياء، فكيف ندع ما تلقيناه منهم ونعتنق دينا جديدا لا عهد لنا به من قبل؟
وهكذا شأن المفسدين في كل زمان يدّعون في إفسادهم أنه هو الإصلاح بعينه، فإن كانوا على بينة من إفسادهم وضلالهم، فهم يدّعون ذلك ليبرئوا أنفسهم من وصمة الإفساد بالتمويه والخداع، وإن كانوا مسوقين إليه تقليدا للرؤساء، فهم يدّعونه عن اعتقاد، وإن كان السير على منهاجه مفسدا للأمة في الحقيقة والواقع، إذ هم عطّلوا وسائل البحث التي تميز الإصلاح من الإفساد، فهم بصدهم عن سبيل الإسلام الداعي
إلى الوحدة والالتئام، يدعون إلى الفرقة والانفصام، وأىّ إفساد في الأرض أعظم من التنفير من اتباع الحق، والسير على منهاج الباطل ومؤازرة أهله (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ) أي هم وحدهم هم المفسدون دون من أو مأوا إليهم، لأن لهم سلفا صالحا تركوا الاقتداء بهم، وفي هذا الأسلوب مبالغة في الرد عليهم. ودلالة على السخط العظيم.
(وَلكِنْ لا يَشْعُرُونَ) بهذا الإفساد لأنه أصبح غريزة في طباعهم بما تمكن فيها من الشبه بتقليدهم أحبارهم الذين أشربت قلوبهم تعظيمهم والثقة بآرائهم.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَما آمَنَ النَّاسُ) الذين اتبعوا قضية العقل وسلكوا سبيل الرشاد، وكان للإيمان سلطان على نفوسهم، وعليه بنوا تصاريف أعمالهم كعبد الله ابن سلام وأشباهه من أحبارهم.
(قالُوا أَنُؤْمِنُ كَما آمَنَ السُّفَهاءُ؟) أرادوا بالسفهاء أتباع النبي صلى الله عليه وسلم.
أما المهاجرون منهم فلأنهم عادوا قومهم وأقاربهم وهجروا أوطانهم وتركوا ديارهم، ليتّبعوا النبي صلى الله عليه وسلم ويسيروا على هديه. وأما الأنصار فلأنهم شاركوا المهاجرين فى ديارهم وأموالهم.
ولا يستبعد ممن انهمك في السفاهة وتمادى في الغواية، وممن زيّن له سوء عمله فرآه حسنا وظن الضلال هدى أن يسمى الهدى سفها وضلالا.
(أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهاءُ) وحدهم دون من عرّضوا بهم ونسبوهم إلى السفه، إذ هم لهم سلف صالح تركوا الاقتداء بهم واكتفوا بانتظار شفاعتهم، وإن لم يجروا على هديهم وسنتهم، بخلاف أولئك الذين لا سلف لهم إلا عابدو أصنام، وقد هداهم الله وصارت قلوبهم مطمئنة بالإيمان.
(وَلكِنْ لا يَعْلَمُونَ) ما الإيمان وما حقيقته؟ حتى يعلموا أن المؤمنين سفهاء أو عقلاء.