الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفسير المفردات
لولا: كلمة لحضّ الفاعل على الفعل وطلبه منه، والآية: الحجة والبرهان، والتشابه:
التماثل، واليقين: هو العلم بالدليل والبرهان، والحق: هو الشيء الثابت المتحقق الذي لا شكّ فيه.
المعنى الجملي
كان الكلام فيما سلف في الردّ على من أنكر الوحدانية واتخذ لله شريكا- والكلام هنا فيمن أنكر نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وطعن في الآيات التي جاء بها وتجنّى بطلب آيات أخرى تعنتا وعنادا كما جاء في نحو قوله حكاية عنهم (وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً. أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً) وقوله: (لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا) .
الإيضاح
(وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) من المشركين، لأنه لا كتاب لهم ولا هم أتباع نبىّ من الأنبياء حتى يتجلى لهم ما يليق بمقام الألوهية، وما يصح أن يعطاه الأنبياء من الآيات.
(لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ) أي هلا يكلمنا الله بأنك رسوله حقا كما يكلم الملائكة، أو يرسل إلينا ملكا فيخبرنا بذلك، كما كلمك على هذا الوجه مع أنك بشر مثلنا.
وما مقصدهم من هذا إلا العناد والاستكبار وبيان أنه ليس بأحسن منهم حالا، فلم اختصّ بهذا الفضل من بيننا؟
(أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ) أي أو تأتينا ببرهان على صدقك في دعواك النبوة، ومرادهم بذلك ما حكاه الله عنهم بنحو قوله:(وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) الآية.
وهذا منهم جحود لأن يكون ما أوتيه من القرآن وغيره من المعجزات آيات كافيات فى إثبات ما ادّعى من النبوة.
(كَذلِكَ قالَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِثْلَ قَوْلِهِمْ) أي ومثل هذه الأسئلة التي يراد بها التعنت لإجلاء الحقيقة، قد قالها من قبلهم من الأمم الماضية، فقد قال اليهود لموسى:
(أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً) ، و (لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ) إلى نحو ذلك، وقالت النصارى:
(هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) فهذه أقوال صدرت عنهم للتشهى واتباع الهوى تعنّتا وعنادا لا للوصول إلى كشف غامص وجلاء حقيقة كما قال تعالى: (وَلَوْ نَزَّلْنا عَلَيْكَ كِتاباً فِي قِرْطاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) .
ثم ذكر السبب في اتحاد مقالهم ومقال من سبقهم فقال:
(تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) أي تماثلت قلوب هؤلاء وقلوب من قبلهم في العمى والقسوة والعناد، والألسنة ترجمان القلوب، والقلب إذا استحكم فيه الكفر والعمى لا يجرى على لسان صاحبه إلا ما ينبئ بالتباعد عن الإيمان من معاذير لا تجدى، وتعلّات لا تفيد.
فالحق واحد، ومخالفته هى الضلال وهو واحد وإن تعددت طرقه واختلفت وجوهه، وآثاره تتشابه حين تصدر عن الضالين حتى كأنهم متواصون به فيما بينهم كما قال تعالى:
(أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) .
(قَدْ بَيَّنَّا الْآياتِ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ) أي إننا لم نتركك بلا آية، بل بينا للناس الآيات على يديك بما لا يدع مجالا للريب لدى طالبى الحق بالدليل والبرهان، ولديهم الاستعداد للعلم واليقين، ولن يكون هذا إلا لمن صفت نفوسهم، وسلموا من العناد والمكابرة اللّذين يمنعان من وصول نور الحق إلى القلوب، وقد كان كبار الصحابة يراجعون النبي صلى الله عليه وسلم فيما لم يظهر لهم دليله، لأنهم طبعوا على معرفة الحق بالبينة.
(إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ) أي إنا أرسلناك بالشيء الثابت الذي لا تضلّ فيه الأوهام، بسعد من أخذ به، ويثلج قلبه بروح اليقين، وهذا شامل للعقائد المطابقة للواقع، وللشرائع التي توصل صاحبها إلى سعادة المعاش والمعاد.
(بَشِيراً وَنَذِيراً) أي لتبشر من أطاع، وتنذر من عصى، لا لتجبر على الإيمان، فلا عليك إن أصروا على الكفر والعناد (فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ) .
(وَلا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ) أي فلا يضرنّك تكذيب المكذبين الذين يساقون بجحودهم إلى الجحيم، فأنت لم تبعث ملزما ولا جبارا، فتكون مقصرا إن لم يؤمنوا، بل بعثت معلما وهاديا بالدعوة وحسن الأسوة، كما قال:(لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) .
وفي هذا تسلية للنبى صلى الله عليه وسلم لئلا يضيق صدره كما قال تعالى: (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) .
(وَلَنْ تَرْضى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصارى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) الطريقة المشروعة للعباد تسمي ملة، لأن الأنبياء أملّوها وكتبوها لأمتهم، وتسمى دينا، لأن العباد انقادوا لمن سنها، وتسمى شريعة لأنها مورد للمتعطشين إلى ثواب الله ورحمته.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يرجو أن يبادر أهل الكتاب إلى الإيمان به، ومن ثم كبر عليه إعراضهم عن إجابة دعوته، وإلحافهم في مجاحدته، مع موافقتهم له فى أصل دينهم، من توحيد الله وتقويم ما اعوجّ من الفطرة الإنسانية، بما طرأ عليها من التقاليد الفاسدة بالمعارف الدينية الصالحة إلى أقصى حد مستطاع.
وفي الآية تيئيس له عليه السلام من طمعه في إسلامهم، إذ علق رصاهم عنه بما هو مستحيل أن يكون، وهو اتباع ملتهم والدخول في دينهم، لأنهم اتخذوا الدين جنسية لا يرضون عن أحد إلا إذا دخل في حظيرتها، وانضوى تحت لوائها.