الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإيضاح
(وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ) أي واذكر أيها الرسول حين أخذنا عليهم الميثاق.
ثم بين هذا الميثاق فقال:
(لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ) يقال أخذت عليك عهدا تفعل كذا، وأن تفعل كذا، ويرد مثل هذا الخبر في كلامهم متضمنا معنى النهى أو الأمر كما تقول: تذهب إلى فلان وتقول له كيت وكيت، على معنى اذهب وقل له، وفيه مبالغة وتوكيد كأن المخاطب سيمتثل النهى حتما ويسارع إلى الترك فيخبر به الناهي، أي لا تعبدوا إلا الله.
وقد نهوا عن عبادتهم غير الله مع أنهم كانوا يعبدون الله خوفا من أن يشركوا به سواه من ملك أو بشر أو صنم بدعاء أو غيره من أنواع العبادات.
ودين الله على ألسنة الرسل جميعا فيه الحث على عبادة الله وعدم الشرك بعبادة أحد سواه (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) فالتوحيد عماده الأمران معا.
(وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) أي أحسنوا إليهما، بأن تعطفوا عليهما وترعوهما حق الرعاية، وتنزلوا عند أمرهما فيما لا يخالف أوامر الله، وقد جاء في التوراة أن من يسبّ والديه يقتل.
والحكمة في البرّ بهما أنهما قد بذلا للولد وهو صغير كل عناية وعطف بتربيته والقيام بشئونه، حين كان عاجزا ضعيفا لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرّا، مع الشفقة التي لا مزيد عليها، أفلا يجب عليه بعدئذ مكافأتهما جزاء وفاقا لما صنعا؟ (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ) .
ولحب الوالدين لولدهما أسباب:
(1)
الحنان الفطري الذي أودعه الله فيهما إتماما لحكمته في بقاء الأنواع إلى الأمد الذي قدره في سابق علمه.
(2)
التفاخر بالأبناء كما قال ابن الرومي:
وكم أب قد علا بابن ذرا شرف
…
كما علت برسول الله عدنان
(3)
الأمل في الاستفادة منهما مالا وعونا على المعيشة.
وهذا الحب لا يحتاج إلى ما يقوّيه ويوثّق صلته، ومن ثم ترك القرآن النص عليه.
(وَذِي الْقُرْبى) لأن الإحسان إليهم مما يقوّى الروابط بينهم.
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم
…
فطالما استعبد الإنسان إحسان
فما الأمة إلا مجموعة الأسر والبيوت، فصلاحها بصلاحها وفسادها بفسادها، ومن لا بيت له لا أمّة له، ومن قطع لحمة النسب فكيف يصل ما دونها، وكيف يكون جزاء من الأمة، يسره ما يسرها ويؤلمه ما يؤلمها، ويرى في منفعتها منفعته، وفي مضرتها مضرته.
ونظام الفطرة قاض بأن صلة القرابة أمتن الصلات، وجاء الدين حاثا عليها مؤكدا لأواصرها، مقويا لأركانها، مقدما لحقوقها على سائر الحقوق بحسب درجات القرابة.
(وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ) فالإحسان إلى اليتيم بحسن تربيته وحفظ حقوقه من الضياع، والكتاب والسنة مليئان بالوصية به، وحسبك من ذلك
قوله صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين»
وأشار بالسبّابة الوسطى.
والسر في هذا أن اليتيم لا يجد في الغالب من تبعثه العاطفة على تربيته والقيام بشئونه وحفظ أمواله، والأم وإن وجدت تكون في الغالب عاجزة عن تنشئته وتربيته التربية المثلى، إلى أن الأيتام أعضاء في جسم الأمة، فإذا فسددت أخلاقهم وساءت أحوالهم، تسرّب الفساد إلى الأمة جمعاء، إذ يصبحون قدوة سيئة بين نشئها، فيدبّ فيها الفساد ويتطرّق إليها الانحلال، وتأخذ في الفناء.
والإحسان إلى المساكين يكون بالصدقة عليهم ومواساتهم حين البأساء والضراء،
روى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الساعي على الأرملة
والمسكين كالمجاهد في سبيل الله (وأحسبه قال) وكالقائم لا يفتر، والصائم لا يفطر» .
وقد اليتيم على المسكين، لأن هذا يمكنه أن يسعي بنفسه للحصول على قوته، بخلاف الأول فإن الصغر مانع له من ذلك.
(وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) أمر الله أولا بالإحسان بالمال لأقوام مخصوصين، وهم الوالدان والأقربون واليتامى والمساكين، إذ لا يمكن الشخص أن يحسن به إلى الناس جميعا، لأنه لا يسع كل الأمة، ومن ثم اكتفى في حقوق سائر أفرادها بحسن العشرة والقول الجميل، والأمر بالمعروف، والنهى عن المنكر ونحو ذلك مما هو نافع لهم فى الدين والدنيا.
وفي القيام بهذه الفرائض إصلاح لحال المجتمع وسعى في رقيه وتقدمه حتى يبلغ ذروة المجد والشرف.
وبعد أن أمرهم سبحانه بعبادته وحده على سبيل الإجمال، فصّل بعضا من ذلك مما لا يهتدى إليه إلا بهدى إلهى ووحي سماوى فقال:
(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) لأن الصلاة هى التي تصلح النفوس وتنقيها من أدران الرذائل، وتحليها بأنواع الفضائل، وروحها هو الإخلاص لله والخشوع لعظمته وسلطانه، فإن فقدته كانت صورا ورسوما لا تغنى فتيلا، وهم ما تولّوا ولا أعرضوا عن تلك الصور والرسوم إلى عصر التنزيل، بل إلى يومنا هذا.
ثم الزكاة لما فيها من إصلاح شئون المجتمع، وقد كان لهم ضروب من الزكاة منها مال خاص يؤدى لآل هارون، وهو إلى الآن في اللاويين (سبط من أسباطهم) ومنها مال للمساكين، ومنها ما يؤخذ من ثمرات الأرض، ومنها سبت الأرض وهو تركها في كل سبع سنين مرة بلا حرث ولا زرع، وكل ما يخرج منها في تلك السنة فهو صدقة.
(ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ) أي ثم كان من أمركم أن توليتم عن العمل بالميثاق ورفضتموه وأنتم في حال الإعراض عنه وعدم الاهتمام بشأنه.