الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
السحاب المختلفة النوع سالبها بموجبها، أو اتحادها مع كهربية الأرض السالبة، بعثناكم:
أي أكثرنا نسلكم، والمنّ: مادة حلوة لزجة تشبه العسل تقع على الحجر وورق الشجر وتنزل سائلة كالندى، ثم تجمد وتجفّ فيجمعها الناس، والسلوى: السّمانى (السمان) الطائر المعروف.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه في الآيات السالفة أنواعا من النعم التي آتاها بنى إسرائيل، كلها مصدر فخار لهم، ولها تهتز أعطافهم خيلاء وكبرا، لما فيها من الشهادة بعناية الله بهم، فبيّن في أولاها كبرى سيئاتهم التي بها كفروا أنعم ربهم وهى اتخاذهم العجل إلها، ثم ختمها بذكر العفو عنهم، ثم قفى على ذلك بذكر سيئة أخرى لهم ابتدعوها تعنتا وتجبرا وطغيانا، وهى طلبهم من موسى أن يريهم الله عيانا حتى يؤمنوا به، فأخذتهم الصاعقة وهم يرون ذلك رأى العين، ثم أردف ذلك ذكر نعمتين أخريين كفروا بهما. أولاهما تظليل الغمام لهم في التيه إلى أن دخلوا الأرض المقدسة، وإنزال المنّ والسلوى عليهم مدة أربعين سنة.
وفي ذكر النعمة يتخللها سوق ما يفرط من أصحابها من السيئات ما يجعل النفوس قلقة مضطربة يتجاذبها عاملان: عامل الاعتراف لها بالشرف، وعامل رميها بالظلم والسّرف، وهذا مما يورث في النفوس المخاوف، وتتملكها منه الوساوس.
الإيضاح
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ) أي واذكر أيها الرسول الكريم فيما تلقيه على بنى إسرائيل وغيرهم من العظات قول موسى لقومه الذين عبدوا العجل حين كان يناجى ربه: يا قوم إنكم باتخاذكم العجل إلها قد أضررتم
بأنفسكم وأنقصتم مالها من الأجر والثواب عند ربكم لو أنكم أقمتم على عهدى واتبعتم شريعتى، وقد فصّلت هذه القصة في سورتي الأعراف وطه.
(فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) أي فاعزموا على التوبة إلى من خلقكم وميّز بعضكم من بعض بصور وهيئات مختلفة، وفي قوله إلى بارئكم إيماء إلى أنهم بلغوا غاية الجهل، إذ تركوا عبادة البارئ وعبدوا أغبى الحيوان وهو البقر، وليقتل البريء منكم المجرم، وإنما جعلهم أنفسهم للإشارة إلى أن المؤمنين إخوة، فأخو الرجل كأنه نفسه كما قال تعالى:(وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) أي لا تغتابوا إخوانكم من المسلمين.
وقصة القتل مذكورة في التوراة التي يتدارسونها إلى اليوم، ففيها دعا موسى:
من للرّبّ فإلىّ، فأجابه بنو لاوى، فأمرهم أن يأخذوا السيوف ويقتل بعضهم بعضا ففعلوا، فقتل في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف رجل، والعبرة من القصة لا تتوقف على عدد معين فلنمسك عنه ما دام القرآن لم يتعرض له.
(ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بارِئِكُمْ) أي ما ذكر من التوبة والقتل أنفع لكم عند الله من العصيان والإصرار على الذنوب لما فيه من العذاب، إذ أن القتل يطهركم من الرجس الذي دنّستم به أنفسكم ويجعلكم أهلا للثواب.
(فَتابَ عَلَيْكُمْ) أي ففعلتم ما أمركم به موسى فقبل توبتكم وتجاوز عن سيئاتكم.
(إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) أي إنه هو الذي يكثر توفيق المذنبين للتوبة ويقبلها منهم، وهو الرّحيم بمن ينيب إليه ويرجع، ولولا ذلك لعجل بإهلاككم على ما اجترحتم من عظيم الآثام.
(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً) أي واذكروا قول السبعين من أسلافكم الذين اختارهم موسى حين ذهبوا معه إلى الطور، للاعتذار عن عبادة
العجل: لن نصدّقك في قولك إن هذا كتاب الله، وإنك سمعت كلامه، وإن الله أمر بقبوله والعمل به حتى نرى الله عيانا لا ساتر بيننا وبينه، فيكون كالجهر في الوضوح «والجهر في المسموعات كالمعاينة في المبصرات» .
(فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ) أي فأخذت الصاعقة من قال ذلك، والباقون ينظرون بأعينهم، وقد فصل ذلك في سورة الأعراف وفي التوراة: إن طائفة منهم قالوا لماذا اختص موسى وهارون بكلام الله من دوننا، وشاع ذلك في بنى إسرائيل وقالوا لموسى بعد موت هارون: إن نعمة الله على شعب إسرائيل لأجل إبراهيم وإسحاق فتعمّ الشعب جميعه، وأنت لست أفضل منه، فلا يحق لك أن تسودنا بلا مزية، وإنا لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة، فأخذهم إلى خيمة العهد فانشقت الأرض وابتلعت طائفة منهم وجاءت نار من الجانب الآخر فأخذت الباقين.
وهكذا كان حال بنى إسرائيل مع موسى يتمردون ويعاندون، وسوط العذاب يصبّ عليهم صبّا، فأصيبوا بالأوبئة وأنواع الأمراض وسلطت عليهم هوامّ الأرض وحشراتها حتى فتكت بالعدد العديد والخلق الكثير، فليس ببدع منهم أن يجحدوا دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ويعاندوها.
(ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) يرى بعض المفسرين أن الله أحياهم بعد أن وقع فيهم الموت بالصاعقة وغيرها ليستوفوا بقية آجالهم وأرزاقهم، وكانت تلك الموتة لهم كالسكتة القلبية لغيرهم. ويرى آخرون أن المراد بالبعث كثرة النسل، أي إنه بعد أن وقع فيهم الموت بشتى الأسباب وظنّ أنهم سينقرضون، بارك الله في نسلهم ليعدّ الشعب بالبلاء السابق للقيام بحق الشكر على النعم التي تمتع بها الآباء الذين حلّ بهم العذاب بكفرهم لها.
وإنما قص الله علينا هذا القصص ووجهه إلى من كان من اليهود في عصر التنزيل لبيان وحدة الأمة، وأن ما يبلوها به من الحسنات والسيئات وما يجازيها به من النعم
والنقم إنما هو لمعنى فيها يسوغ أن يخاطب اللاحق منها بما كان للسابق كأنه وقع منه، ليعلم الناس أن الأمم متكافلة، سعادة الفرد منها مرتبطة بسعادة سائر الأفراد، وشقاؤه بشقائهم، ويتوقع نزول العقوبة به إذا فشت الذنوب في الأمة وإن لم يفعلها هو كما قال:
(وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) .
وفي هذا التكافل رقىّ الأمة وتقدمها في المدنية والحضارة، إذ يحملها على التعاون البأساء والضراء فتحوز قصب السبق بين الأمم.
(وَظَلَّلْنا عَلَيْكُمُ الْغَمامَ) ذاك أنهم حين خرجوا من مصر وجاوزوا البحر، وقعوا فى صحراء فأصابهم حر شديد، فشكوا إلى موسى فأرسل الله إليهم الغمام يظللهم حتى دخلوا أرض الميعاد.
(وَأَنْزَلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى) ما منحه الله لعباده يسمى إيجاده إنزالا كما جاء فى قوله: (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) وقد قالوا إن المنّ كان ينزل عليهم نزول الضباب من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس، وتأتيهم السّمانى فيأخذ كل واحد منهم ما يكفيه إلى الغد.
(كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ) أي وقلنا لهم كلوا من ذلك الرزق الطيب، وفي سفر الخروج- أنهم أكلوا المنّ أربعين سنة وأن طعمه كالرّقاق بالعسل، وكان لهم بدل الخبز إذ كانوا محرومين من البقول والخضر.
(وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) أي فكفروا تلك النعم الجزيلة، وما عاد ضرر ذلك إلا عليهم باستيجابهم عذابى وانقطاع ذلك الرزق الذي كان ينزل عليهم بلا مئونة ولا مشقة.
وفي هذا إيماء إلى أن كل ما يطلبه الله من عباده فإنما نفعه لهم، وما ينهاهم عنه فإنما ذلك لدفع ضرّ يقع عليهم،
وقد جاء في الحديث القدسي: «فكل عمل ابن آدم له