الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لا كل ما يملك، وإلى تعليم الإنسان مبادئ الاقتصاد وحبّ ادّخار المال.
وإن من يجد فى نفسه ميلا إلى بذل أحب الأشياء إليه، وهو ماله ابتغاء رضوان الله، وقياما بشكره على أنعمه، رحمة لأهل البؤس والعوز- كان من المتقين المستعدين لهدى القرآن، وكثير من الناس يصلون ويصومون، ولكن إذا عرض لهم ما يدعو إلى إنفاق شىء من المال فى سبيل الله، كأن تدعو الحاجة إلى إنفاقه في مصلحة من مصالح المسلمين أو منفعة عامة لا تقوم إلا بالبذل- أعرضوا ونأوا ولم تطاوعهم أنفسهم على بذل شىء منه.
وإنما كان القرآن هدى للمتقين الذين هذه أوصافهم، لأن الإيمان بالله والإيمان بحياة أخرى بعد هذه الحياة يوفّى فيها كل عامل جزاء عمله- يهيّئ النفوس لقبول هديه والاقتباس من أنواره.
وبين ذلك بعضهم بقوله: لأن فى الإيمان النجاة، وفى الصلاة المناجاة، وفى لإنفاق زيادة الدرجات، وبعضهم بقوله: لأن فى الإيمان البشارة، وفى الصلاة الكفارة، وفى الإنفاق الطهارة.
[سورة البقرة (2) : آية 4]
وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4)
الإيضاح
(وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) روى ابن جرير عن ابن عباس أن المراد بالمؤمنين هنا من يؤمنون بالنبي والقرآن من أهل الكتاب، وبالمؤمنين فيما قبلها من يؤمنون من مشركى العرب.
(بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) هو القرآن الذي يتلى، والوحى الذي لا يتلى، وهو ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم من أعداد الركعات فى الصلاة، ومقادير الزكاة، وحدود الجنايات،
قال تعالى: (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) وقال: (وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) .
ولا بد من معرفة ذلك تفصيلا، فلا يسع المؤمن جهل ما علم من الدين بالضرورة.
والإنزال هنا بمعنى الوحى، وسمى إنزالا لما فى جانب الألوهية من علو الخالق على المخلوق، أو لإنزال جبريل له على النبي صلى الله عليه وسلم لتبليغه للخلق كما قال:
(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ) .
(وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) هو التوراة والإنجيل وسائر الكتب السالفة، فيؤمنون بها إيمانا إجماليا لا تفصيليا.
(وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) الدار الآخرة هى دار الجزاء على الأعمال- والإيمان بها يتضمن الإيمان بكل ما ورد فبها بالنصوص المتواترة كالحساب والميزان والصراط، والجنة والنار.
واليقين: هو التصديق الجازم الذي لا شبهة فيه ولا تردد، ويعرف اليقين بالله واليوم الآخر بآثاره فى الأعمال، فمن يشهد الزور أو يشرب الخمر أو يأكل حقوق الناس يكن إيمانه بهما خيالا يلوح فى الذهن لا إيمانا يقوم على اليقين، إذ لم تظهر آثاره فى الجوارح واللسان، وهو لا يكون إيمانا حقا إلا إذا كان مالكا لزمام النفس مصرفا لها فى أعمالها.
والإيمان على الوجه الصحيح يحصل من أحد طريقين:
(1)
البحث والتأمل فيما يحتاج إلى ذلك كالعلم بوجود الله ورسالة الرسل.
(2)
خبر الرسول بعد أن تقوم الدلائل على صدقه فيما يبلغ عن ربه، أو خبر من سمع منه بطريق لا تحتمل ريبا ولا شكا وهى طريق التواتر، كالعلم بأخبار الآخرة وأحوالها، والعالم العلوي وأوصافه، وعلينا أن نقف عند ذلك فلا نزيد فيه شيئا ولا نخلطه بغيره مما جاء عن طريق أهل الكتاب، أو عن بعض السلف بدون تمحيص