الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المعنى الجملي
وجه سبحانه الخطاب في هاتين الآيتين إلى أولئك الفاسقين الذين ضلوا بالمثل بعد أن وصفهم بالصفات الشنيعة من نقض العهد الموثّق، وقطع ما أمر الله به أن يوصل، والإفساد في الأرض، وجاء به على طريق التوبيخ والتعجيب من صفة كفرهم بذكر البراهين الداعية إلى الإيمان الصادّة عن الكفر، وهى النعم المتظاهرة الدالة على قدرته تعالى من مبدأ الخلق إلى منتهاه، من إحيائهم بعد الإماتة، وتركيب صورهم من الذرات المتناثرة، والنطف الحقيرة المهينة، وخلق لهم ما في الأرض جميعا ليتمتعوا بجميع ما في ظاهرها وباطنها على فنون شتى وطرق مختلفة، وخلق سبع سموات مزينة بمصابيح ليهتدوا بها في ظلمات البر والبحر.
أفبعد هذا كله يكفرون به وينكرون عليه أن يبعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم آياته، ويضرب لهم الأمثال ليهتدوا بها في إيضاح ما أشكل عليهم مما فيه أمر سعادتهم فى دينهم ودنياهم؟
الإيضاح
(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ) أي على أي حال تكفرون بالله، وعلى أي شبهة تعتمدون وحالكم في موتتيكم وحياتيكم لا تدع لكم عذرا في الكفران به، والاستهزاء بما ضربه من المثل وإنكار نبوة نبيه.
(وَكُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ) أي والحال أنكم كنتم قبل هذه النشأة في الحياة الدنيا أمواتا، أجزاؤكم متفرقة في الأرض، بعض منها في الطبقات الجامدة، وأخرى
فى الطبقات السائلة، وقسم في الطبقات الغازية، تشركون سائر أجزاء الحيوان والنبات فى ذلك، ثم خلقكم في أحسن تقويم وفضلكم على غيركم بنعمة العقل والإدراك والفهم، وتسخير جميع الكائنات الأرضية لكم.
(ثُمَّ يُمِيتُكُمْ) حين انقضاء آجالكم بقبض الأرواح التي بها نظام حياتكم، وحينئذ تنحل أبدانكم وتعود سيرتها الأولى، وتنبثّ في طبقات الأرض وينعدم هذا الوجود الخاص الذي لها.
(ثُمَّ يُحْيِيكُمْ) حياة أخرى أرقى من هذه الحياة، وأكمل لمن زكىّ نفسه وعمل صالحا، ودونها لمن أفسد فطرته، وأهمل التدبر في سنن الكون، وأنكر الإله والرسل وفسق عن أمر ربه.
(ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) للحساب والجزاء على ما قدمتم من عمل، إن خيرا فخير، وإن شرّا فشر.
وبعد أن عدد سبحانه آياته في الأنفس بذكر المبدأ والمنتهى- ذكر آياته في الآفاق الدالة على قدرته المحيطة بكل شىء، وعلى نعمه المتظاهرة على عباده بجعل ما في الأرض مهيأ لهم ومعدّا لمنافعهم فقال:
(هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) وهذا الانتفاع يكون بإحدى وسيلتين:
(1)
إما بالانتفاع بأعيانه في الحياة الجسدية ليكون غذاء للأجسام أو متعة لها فى الحياة المعيشية.
(2)
وإما بالنظر والاعتبار فيما لا تصل إليه الأيدى فيستدل به على قدرة مبدعه ويكون غذاء للأرواح.
وبهذا نعلم أن الأصل إباحة الانتفاع بكل ما خلق في الأرض، فليس لمخلوق حق فى تحريم شىء أباحه الله إلا بإذنه كما قال:(قُلْ أَرَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَحَلالًا، قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ) .