الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمعنى: لا فيها نوع من أنواع الفساد من مغص؛ أي: وجع في البطن أو صداع أو حمى أو عربدة؛ أي: سوء خلق. والمعربد مؤذ نديمه في سكره، اه «قاموس» ، أي: لا لغو فيها ولا تأثيم ولا هم يسكرون. وفي «بحر العلوم» : وبالجملة ففي خمر الدنيا أنواع من الفساد من السكر، وذهاب العقل، ووقوع العداوة والبغضاء والصداع والخسارة في الدين والدنيا، حتى جُعل شاربها كعابد الوثن ومن القيء والبول، وكثيرًا ما تكون سببًا للقتال والضراب والزنى، وقتل النفس، بغير حق، كما شُوهد من أهلها، ولا شيء من ذلك كله في خمر الجنة. قال بعضهم: جميع البلاء والارتكابات ليس إلا لكثافتنا. فلولا هذه الكثافة، لما عرض لنا الأمراض، والأوجاع، ولم يصدر منا ما يقبح في العقول والأوضاع. ألا ترى: أنه لا مرض في عالم الآخرة، ولا شيء مما يتعلق بالكثافة، ولكن معرفة الله تعالى لا تحصل لو لم تكن تلك الكثافة، فهي مدار الترقي والتنزل. ولذلك لا يكون للملائكة ترقّ وتدل، فهم على خلقتهم وجبلتهم الأصلية.
48
- ثم ذكر محاسن زوجاتهم، ليكون في ذلك تتميم لبيان ما آتاهم ربهم من النعم. فقال:{وَعِنْدَهُمْ} ؛ أي: عند المخلصين {قاصِراتُ الطَّرْفِ} ؛ أي: حور قصرن أبصارهن على أزواجهن، لا يمددن طرفًا إلى غيرهم، ولا يبغين بهم بدلًا لحسنهم عندهنَّ ولعفتهنَّ. {عِينٌ} جمع عيناء بمعنى واسعة الأعين. وهو صفة بعد صفة لموصول، ترك ذكره للعلم به؛ أي: حور قاصرات الطرف حسان الأعين وعظامها واسعات العيون في جمال.
49
- ثم زاد بيانًا في وصف جمالهن بما شبههن به، فقال:{كَأَنَّهُنَّ} ؛ أي: تلك القاصرات {بَيْضٌ} بفتح الباء وسكون الياء، جمع بيضة، سمي البيض لبياضه والمراد به هنا: بيض النعام. {مَكْنُونٌ} ؛ أي: مصون مستور تكنها النعامة بالريش من الريح والغبار، فيكون لونها أبيض في صفرة؛ أي: لم تنله الأيدي، فإن ما مسته الأيدي يكون متدنسا ويقال: هذا من أحسن ألوان النساء. وهو أن تكون المرأة بيضاء مشوبة بصفرة، والعرب تشبه المرأة ببيض النعامة، وتسميهن بيضات الخدور. وهذا عند العرب، وإلا فأحسنها عند العجم والروم الأبيض المشرب
بحمرة، اهـ «قارى». قال المبرد: وتقول العرب إذا وصفت الشيء بالحسن والنظافة: كأنه بيض النعام المغطى بالريش. وقيل: {الْمَكْنُونِ} المصون عن الكسر؛ أي: إنهن عذارى. وقيل: المراد بالبيض: اللؤلؤ كما في قوله: {وَحُورٌ عِينٌ (22) كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23)} . والأول أولى. وإنما قال: {مَكْنُونٌ} ولم يقل مكنونات؛ لأنه وصف البيض باعتبار اللفظ. وقال الطبري: أولى الأقاويل: أن يقال: إن البيض هي الجلدة التي في داخل القشرة قبل أن يمسها شيء؛ لأنه مكنون. يعني: هو البيض أول ما ينحى عنه قشره.
والمعنى: أي إنهن في بياض يشوبه قليل من الصفرة كالبيض المستور في الأعشاش الذي لم تمسه الأيدي، ولم يعله الغبار. وهذا اللون مما تهيم به العرب. فقد شبهت النساء ببيضات الخدور، كما قال امرء القيس:
وَبيضَةِ خِدْرٍ لا يُرام خِبَاؤها
…
تَمتَّعْتُ مِن لهوٍ بِها غَير مُعجِلِ
يقول الفقير: ذكر الله تعالى في هذه الآيات ما كان لذة الجسم ولذة الروح. أما لذة الجسم التنعم بالفواكه، وأنواع النعم، والخمر التي لم يكن عند العرب أحب منها، والتمتع بالأزواج الحسان. وأما لذة الروح فالسرور الحاصل من الإكرام والأنس الحاصل من صحبة الإخوان، والانبساط الحاصل من النظر إلى وجوه الحسان. وفي الحديث:«ثلاث يجلين البصر: النظر إلى الخضرة، وإلى الماء الجاري، وإلى الوجه الحسن» . قال ابن عباس رضي الله عنهما: والإثمد عند النوم. نسأل الله سبحانه أن يجلي أبصارنا وبصائرنا، ويبارك لنا في أعمارنا، وأن يجعل خير أعمالنا خواتمها، آمين.
الإعراب
{وَالصَّافَّاتِ} {الواو} : حرف جر وقسم، {الصَّافَّاتِ} مقسم به، مجرور
بواو القسم، الجار والمجرور متعلق بفعل قسم محذوف، تقديره: أقسم بالصافات. والجملة المحذوفة مستأنفة و {الصَّافَّاتِ} اسم فاعل يعمل عمل الفعل، وفاعله ضمير مستتر يعود على الملائكة، والمفعول محذوف تقديره: والصافات نفوسهن. {صَفًّا} مفعول مطلق مؤكد لما قبله. {فَالزَّاجِراتِ} الفاء عاطفة، {الزاجرات}: معطوف على الصافات، {زَجْرًا}: مفعول مطلق مؤكد لما قبله، {فَالتَّالِياتِ} الفاء: عاطفة، {التاليات}: معطوف على الصافات، {ذِكْرًا} مفعول به للتاليات، {إِنَّ إِلهَكُمْ}: ناصب واسمه، {لَواحِدٌ}: اللام: حرف ابتداء، {واحد}: خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ}: جواب القسم لا محل لها من الإعراب. {رَبُّ السَّماواتِ} : بدل من واحد أو خبر ثان لـ {إن} ، {وَالْأَرْضِ} معطوف على المسوات، {وَما} اسم موصول، معطوف على السموات، {بَيْنَهُما} ظرف مضاف متعلق بمحذوف صلة لما، {وَرَبُّ الْمَشارِقِ}: معطوف على رب السموات، {إِنَّا}: ناصب واسمه، {زَيَّنَّا} فعل، وفاعل، {السَّماءَ} مفعول به، {الدُّنْيا}: صفة للسماء، {بِزِينَةٍ} متعلق بـ {زَيَّنَّا} . والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن}: مستأنفة. {الْكَواكِبِ} بدل من زينة أو عطف بيان له. {وَحِفْظًا} : {الواو} : عاطفة لفعل محذوف معطوف على {زَيَّنَّا} ، {حِفْظًا} مفعول مطلق لذلك المحذوف مؤكد له، والتقدير: وحفظناها حفظًا، والفعل المحذوف معطوف على {زَيَّنَّا} ، {مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ}: جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق بـ {حفظنا} ، {مارِدٍ} صفة لـ {شَيْطانٍ} .
{لا} نافية، {يَسَّمَّعُونَ}: فعل وفاعل، {إِلَى الْمَلَإِ}: متعلق بـ {يَسَّمَّعُونَ} ، {الْأَعْلى}: صفة لـ {الْمَلَإِ} . والجملة الفعلية مستأنفة. {وَيَقْذِفُونَ} : فعل، ونائب فاعل، معطوف على {لا يَسَّمَّعُونَ} ، {مِنْ كُلِّ جانِبٍ}: جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق بـ {يُقْذَفُونَ} ، {دُحُورًا}: مفعول لأجله منصوب بـ {يُقْذَفُونَ} ؛ أي: يقذفون للدحور والطرد أو على الحال؛ أي: يقذفون مدحورين أو مفعول مطلق
معنوي. {وَلَهُمْ} {الواو} : عاطفة، {لَهُمْ} خبر مقدم، {عَذابٌ} مبتدأ مؤخر، {واصِبٌ} صفة لـ {عَذابٌ}. والجملة معطوفة على جملة {يُقْذَفُونَ}. {إِلَّا}: أداة حصر واستثناء، {مَنْ}: اسم موصول في محل الرفع، بدل من واو {يَسَّمَّعُونَ} ، أو في محل النصب على الاستثناء، {خَطِفَ} فعل ماض، وفاعل مستتر، صلة {مَنْ}: الموصولة، {الْخَطْفَةَ} منصوب على المفعولية المطلقة، {فَأَتْبَعَهُ} الفاء: عاطفة، {أتبعه}: فعل، ومفعول به مقدم، {شِهابٌ} فاعل مؤخر، {ثاقِبٌ} صفة شهاب. والجملة الفعلية معطوفة على جملة {خَطِفَ} .
{فَاسْتَفْتِهِمْ} الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت حالهم وإنكارهم للمعاد، وأردت أن تبكتهم وترد عليهم في أمر إثبات المعاد فأقول لك: استفتهم. {استفت} : فعل أمر، مبني على حذف حرف العلة، وفاعله ضمير يعود على محمد، والهاء مفعول به. والجملة في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {أَهُمْ}: الهمزة حرف استفهام لطلب تعيين أحد الأمرين، و {هُمْ}: مبتدأ، و {أَشَدُّ} خبر، {خَلْقًا}: تمييز محول عن المبتدأ، منصوب باسم التفضيل. والجملة الاسمية جملة إنشائية، مسوقة لبيان الاستفتاء وتفسيره، لا محل لها من الإعراب. {أَمْ} حرف عطف، وهي هنا متصلة لمعادلتها بهمزة الاستفهام، {مَنْ}: اسم موصول في محل الرفع معطوف على هم، {خَلَقْنا} فعل، وفاعل، صلة الموصول، والعائد محذوف تقديره: أم من خلقناهم. وفي قراءة تخفيف {أمن} الهمزة للاستفهام، {مَنْ} مبتدأ، {خَلَقْنا}: صلة من الموصولة، والخبر محذوف، تقديره: أمن خلقناهم أشد. فهما جملتان مستقلتان. {إِنَّا} : ناصب واسمه، {خَلَقْناهُمْ}: فعل، وفاعل، ومفعول به. والجملة في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن} مستأنفة. {مِنْ طِينٍ}: جار ومجرور، متعلق بخلقناهم، {لازِبٍ}:
صفة {طِينٍ} . وناهيك بهذا دليلًا على ضعفهم، وأن من كان شأنه هذا لا ينبغي له أن يتكبر ويتطاول. {بَلْ}: حرف عطف وإضراب، {عَجِبْتَ}: فعل وفاعل، والجملة معطوفة على مقدر دل عليه الاستفهام؛ أي: هم لا يقرون، ولا يثبتون المعاد بل عجبت أنت يا محمد صلى الله عليه وسلم من قدرة الله على هذه الخلائق العظيمة، وأثبت المعاد. {وَيَسْخَرُونَ}: فعل وفاعل، والواو حالية، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر لمبتدأ محذوف؛ أي: وهم يسخرون. والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل {عَجِبْتَ} . {وَإِذا ذُكِّرُوا} : الواو عاطفة، {إِذا} ظرف لما يستقبل من الزمان، {ذُكِّرُوا} فعل ونائب فاعل والجملة في محل الخفض بإضافة إذا إليها، على كونها فعل شرط لها، والظرف متعلق بالجواب الآتي. {لا}: نافية، {يَذْكُرُونَ}: فعل وفاعل، جواب إذا، لا محل لها من الإعراب. وجملة إذا معطوفة على جملة {يَسْخَرُونَ}. {وَإِذا}: ظرف لما يستقبل من الزمان {رَأَوْا آيَةً} : فعل وفاعل ومفعول به؛ لأن رأى بصرية. والجملة في محل الخفض فعل شرط لـ {إِذا} ، وجملة {يَسْتَسْخِرُونَ} جوابه، وجملة إذا معطوفة على جملة {إِذا}: الأولى. {وَقالُوا} : فعل وفاعل، معطوف على يستسخرون، {إِنْ} نافية، {هذا}: مبتدأ، {إِلَّا} أداة حصر، {سِحْرٌ}: خبر المبتدأ، {مُبِينٌ}: صفة {سِحْرٌ} والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قالُوا} .
{أَإِذا} الهمزة للاستفهام الإنكاري، داخلة على مقدر معلوم مما سيأتي تقديره: أنبعث. والجملة المقدرة في محل النصب مقول قالوا. {إِذا} : ظرف لما يستقبل من الزمان، مجرد عن معنى الشرط، متعلق بالفعل المقدر، {مِتْنا}: فعل، وفاعل، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذا}؛ أي: أنبعث وقت موتنا وكوننا ترابًا. {وَكُنَّا تُرابًا} : فعل ناقص واسمه وخبره، معطوف على متنا، {وَعِظامًا}: معطوف على ترابًا، {أَإِنَّا}: الهمزة للاستفهام الإنكاري مؤكدة للأولى، {إِنَّا}: ناصب واسمه، {لَمَبْعُوثُونَ} اللام: حرف ابتداء، {مبعوثون}:
خبر {إن} ، وجملة {إن} في محل النصب مقول قالوا. {أَوَآباؤُنَا}: الهمزة للاستفهام الإنكاري مؤكدة للأولى، والواو: عاطفة {آباؤُنَا} : مبتدأ، {الْأَوَّلُونَ} صفة، وخبر المبتدأ محذوف؛ أي: أو آباؤنا مبعوثون. والجملة الاسمية في محل النصب، معطوفة على جملة {إن}. {قُلْ}: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد صلى الله عليه وسلم والجملة مستأنفة. {نَعَمْ} حرف جواب قائم مقام المجاب به؛ أي: نعم تبعثون. {وَأَنْتُمْ} الواو حالية، {أَنْتُمْ}: مبتدأ، {داخِرُونَ}: خبره. والجملة في محل النصب حال من فاعل {مبعوثون} : المقدر. {فَإِنَّما} الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت إنكارهم للبعث، وأردت بيان حقيقة البعث .. فأقول لك إنما هي زجرة. {إنما}: أداة حصر، {هِيَ زَجْرَةٌ}: مبتدأ وخبر، {واحِدَةٌ}: صفة {زَجْرَةٌ} . والجملة الاسمية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة {فَإِذا} الفاء: عاطفة، {إذا} فجائية، {هُمْ}: مبتدأ، وجملة {يَنْظُرُونَ}: خبره، والجملة الاسمية في محل النصب معطوفة على الجملة التي قبلها.
{وَقالُوا} الواو استئنافية، {قالُوا}: فعل وفاعل. والجملة مستأنفة. {يا وَيْلَنا} : منادى مضاف، وجملة النداء في محل النصب مقول {قالُوا}. {هذا يَوْمُ الدِّينِ}: مبتدأ وخبر. والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قالُوا} : على كونها جواب النداء. {هذا يَوْمُ الْفَصْلِ} : مبتدأ وخبر. والجملة في محل النصب مقول {قالُوا} : {الَّذِي} : اسم موصول في محل الرفع صفة لـ {يَوْمُ الْفَصْلِ} ، {كُنْتُمْ}: فعل ناقص واسمه، {بِهِ}: متعلق بـ {تُكَذِّبُونَ} ، وجملة {تُكَذِّبُونَ}: خبر {كان} ، وجملة {كان} صلة الموصول. {احْشُرُوا الَّذِينَ}: فعل أمر، وفاعل، ومفعول به. والجملة في محل النصب مقول لقول محذوف، تقديره: ويقول الله سبحانه للملائكة: احشروا الذين ظلموا. والجملة المحذوفة مستأنفة. وجملة {ظَلَمُوا} صلة الموصول، ومفعول {ظَلَمُوا} محذوف، تقديره:
أنفسهم. {وَأَزْواجَهُمْ} : معطوف على الموصول أو مفعول معه، {وَما}: اسم موصول معطوف على الموصول أو مفعول معه، {كانُوا}: فعل ناقص واسمه، وجملة {يَعْبُدُونَ}: خبره، وجملة {كانُوا}: صلة الموصول، لا محل لها من الإعراب.
{مِنْ دُونِ اللَّهِ} : جار ومجرور، ومضاف إليه، حال من فاعل {يَعْبُدُونَ}؛ أي: حال كونهم مجاوزين الله في عبادتهم. {فَاهْدُوهُمْ} : الفاء: عاطفة، {اهدوهم}: فعل وفاعل ومفعول به، معطوف على {احْشُرُوا}. {إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ}: جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق بـ {اهدوهم} ، {وَقِفُوهُمْ}: فعل، وفاعل، ومفعول، معطوف على {اهدوهم}. {إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ}: ناصب واسمه وخبره. وجملة {إِنَّ} : مستأنفة، مسوقة لتعليل الأمر قبلها. {ما}: اسم استفهام في محل الرفع مبتدأ، {لَكُمْ}: خبره. والجملة الاسمية في محل النصب، مقول لقول محذوف، تقديره: ويقال لهم: ما لكم. {لا} نافية، {تَناصَرُونَ}: فعل، وفاعل. والجملة في محل النصب حال من كاف المخاطبين. {بَلْ}: حرف عطف وإضراب، {هُمُ}: مبتدأ، {الْيَوْمَ}: متعلق بما بعده، {مُسْتَسْلِمُونَ}: خبرهم. والجملة الاسمية معطوفة على الجملة التي قبلها.
{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ} {الواو} : استئنافية، {أَقْبَلَ بَعْضُهُمْ}: فعل، وفاعل. والجملة مستأنفة. {عَلى بَعْضٍ}: متعلق بأقبل، وجملة {يَتَساءَلُونَ} في محل النصب حال من الفاعل والمجرور. {قالُوا}: فعل وفاعل والجملة مستأنفة. {إِنَّكُمْ} : ناصب واسمه، وجملة {كُنْتُمْ} في محل الرفع خبر إن، وجملة إن في محل النصب مقول قالوا. {تَأْتُونَنا}: فعل، وفاعل، وفعول به. والجملة الفعلية في
محل النصب خبر كان {عَنِ الْيَمِينِ} : جار ومجرور، حال من فاعل {تَأْتُونَنا}: أي حالة كونكم أقوياء إن فسرنا اليمين بالقوة والقهر أو مقسمين حالفين إن فسرنا اليمين بالحلف. {قالُوا} : فعل وفاعل. والجملة مستأنفة. {بَلْ} حرف إضراب للإضراب الإبطالي، {لَمْ} حرف جزم ونفي، {تَكُونُوا}: فعل مضارع ناقص واسمه، {مُؤْمِنِينَ}: خبره. والجملة في محل النصب مقول قالوا. {وَما} الواو عاطفة، {ما} نافية، {كانَ} فعل ماض ناقص، {لَنا} خبرها مقدم، {عَلَيْكُمْ} حال من سلطان، و {مِنْ} زائدة، {سُلْطانٍ}: اسم كان مؤخر، وجملة كان في محل النصب معطوفة على جملة الإضراب على كونها مقول قالوا. {بَلْ} حرف إضراب للإضراب الإبطالي، {كُنْتُمْ}: فعل ناقص واسمه، {قَوْمًا}: خبره، {طاغِينَ}: صفة لـ {قَوْمًا} . والجملة في محل النصب مقول {قالُوا} .
{فَحَقَّ} الفاء: عاطفة تفريعية، {حق}: فعل ماض، {عَلَيْنا}: متعلق به، {قَوْلُ رَبِّنا}: فاعل، ومضاف إليه. والجملة معطوفة على جملة الإضراب. {إِنَّا لَذائِقُونَ} ناصب واسمه، واللام: حرف ابتداء، {ذائقون}: خبره. وجملة {إن} مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها. {فَأَغْوَيْناكُمْ} الفاء: عاطفة، {أغويناكم} فعل وفاعل ومفعول، معطوف على حق، {إِنَّا}: ناصب واسمه، {كُنَّا}: فعل ناقص واسمه، {غاوِينَ}: خبره. وجملة {إن} : مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها. {فَإِنَّهُمْ} الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت ما جرى بين الأتباع والرؤساء من المخاصمة، وأردت بيان مصائرهم وعواقبهم فأقول لك: إنهم. {إنهم} ناصب واسمه، {يَوْمَئِذٍ} {يوم} منصوب على الظرفية، متعلق بمحذوف حال من ضمير الغائبين، {يوم}: مضاف، {إذ} ظرف لما مضى من الزمان، في محل الجر مضاف إليه، مبني بسكون مقدر، والتنوين عوض عن الجملة المحذوفة؛ أي: يوم إذ يتساءلون ويتلاومون. {فِي الْعَذابِ} : متعلق بـ {مُشْتَرِكُونَ} و {مُشْتَرِكُونَ} : خبر {إنهم} . وجملة {إن} في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {إِنَّا} ناصب
واسمه، {كَذلِكَ}: صفة لمصدر محذوف مقدم على فعله، تقديره: إنا نفعل بالمجرمين فعلًا كائنًا كذلك. {نَفْعَلُ} : فعل مضارع، وفاعل مستتر، {بِالْمُجْرِمِينَ}: متعلق به، وجملة {نَفْعَلُ}: في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن}: مستأنفة على كونها مقولًا لجواب إذا المقدرة.
{إِنَّهُمْ} : ناصب واسمه، وجملة {كانُوا}: في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن}: مستأنفة. إِذا: ظرف لما يستقبل من الزمان، مجرد عن معنى الشرط، {قِيلَ}: فعل ماض مغير الصيغة، {لَهُمْ}: جار ومجرور، متعلق به، ونائب فاعله جملة محذوفة، تقديرها: إذا قيل لهم: قولوا: لا إله إلا الله. وجملة {قِيلَ} : في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذا} ، والظرف متعلق بـ {يَسْتَكْبِرُونَ}. وجملة {لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ} مقول قول محذوف تقديره: قولوا {قولوا} : فعل أمر وفاعل. والجملة في محل الرفع نائب فاعل لـ {قِيلَ} . وإن شئت قلت: {قولوا} : نائب فاعل محكي لـ {قِيلَ} . {لا} : نافية للجنس تعمل عمل {إن} ، {إِلهَ}: في محل النصب، اسمها، وخبر {لَا} محذوف، تقديره: لا إله موجود إلا الله، {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ، {اللَّهُ} بدل من الضمير المستكن في خبر {لا} ، وجملة {لا}: في محل النصب مقول للقول المحذوف. وجملة {يَسْتَكْبِرُونَ} في محل النصب خبر {كان} ، {يَقُولُونَ}: فعل وفاعل، معطوف على {يَسْتَكْبِرُونَ}. {أَإِنَّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا}: الهمزة للاستفهام الإنكاري، {إنا} ناصب واسمه، {اللام}: حرف ابتداء، {تاركوا آلهتنا}: خبر {إن} ، ومضاف إليه، وجملة {إن}: في محل النصب مقول {يَقُولُونَ} ، {لِشاعِرٍ}: جار ومجرور، متعلق بـ {تاركوا} ، {مجنون}: صفة لـ {شاعر} ، {بَلْ}: حرف إضراب وابتداء للإضراب الإبطالي، {جاءَ}: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على محمد، {بِالْحَقِّ}: متعلق بـ {جاءَ} ، والجملة مستأنفة. {وَصَدَّقَ
الْمُرْسَلِينَ}: فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به، معطوف على جاء، {إِنَّكُمْ}: ناصب واسمه، {لَذائِقُوا الْعَذابِ}: خبر {إن} ، ومضاف إليه، واللام حرف ابتداء، {الْأَلِيمِ}: صفة لـ {الْعَذابِ} . وجملة {إن} مستأنفة. {وَما} {الواو} : عاطفة، {ما}: نافية، {تُجْزَوْنَ}: فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعل. والجملة معطوفة على جملة {إن}. {إِلَّا}: أداة استثناء مفرغ، {ما}: اسم موصول في محل النصب مفعول ثان لـ {تُجْزَوْنَ} ، {كُنْتُمْ}: فعل ناقص واسمه، وجملة {تَعْمَلُونَ}: خبره. وجملة {كان} : صلة {ما} : الموصولة، والعائد محذوف تقديره: تعملونه. ويحتمل كون {ما} مصدرية، والكلام حينئذ على حذف مضاف، والتقدير: وما تجزون إلا جزاء عملكم.
{إِلَّا} : أداة استثناء منقطع بمعنى لكن، {عِبادَ اللَّهِ}: مستثنى من الواو في {تُجْزَوْنَ} ، {الْمُخْلَصِينَ}: صفة لعباد الله، {أُولئِكَ}: مبتدأ أول، {لَهُمْ}: خبر مقدم، {رِزْقٌ}: مبتدأ ثان مؤخر، {مَعْلُومٌ}: صفة {رِزْقٌ} ، وجملة المبتدأ الثاني في محل الرفع خبر للأول، وجملة الأول مستأنفة. {فَواكِهُ}: بدل أو عطف بيان لـ {رِزْقٌ} بدل كل من كل، {وَهُمْ} {الواو}: عاطفة أو حالية، {هُمْ}: مبتدأ، {مُكْرَمُونَ}: خبره. والجملة إما معطوفة على جملة {لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ} : أو حال من ضمير {لَهُمْ} . {فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ} : جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق بـ {مُكْرَمُونَ} أو خبر ثان لهم أو في محل النصب حال من الضمير المستكن في {مُكْرَمُونَ}. {عَلى سُرُرٍ} متعلق بـ {مُتَقابِلِينَ} أو حال من الضمير المستكن في الجار والمجرور قبله أعني:{فِي جَنَّاتِ} ، وكذا {مُتَقابِلِينَ}: حال من الضمير المستكن فيه، {يُطافُ}: فعل مضارع مغير الصيغة، {عَلَيْهِمْ} متعلق به، {بِكَأْسٍ}: جار ومجرور في محل الرفع نائب فاعل. والجملة الفعلية صفة
لـ {مُكْرَمُونَ} أو حال من الضمير في {مُتَقابِلِينَ} : أو جملة مستأنفة. {مِنْ مَعِينٍ} : جار ومجرور صفة لكأس، {بَيْضاءَ}: صفة ثانية لكأس، {لَذَّةٍ} صفة ثالثة له، وصفت بالمصدر مبالغة أو على حذف مضاف؛ أي: ذات لذة. {لِلشَّارِبِينَ} متعلقان بـ {لَذَّةٍ} {لا} : نافية ملغاة لتكررها، {فِيها}: خبر مقدم، {غَوْلٌ}: مبتدأ مؤخر. والجملة في محل الجر صفة رابعة لكأس. {وَلا} : {الواو} : عاطفة، {لا}: زائدة زيدت لتأكيد نفي ما قبلها، {هُمْ عَنْها}: متعلق بـ {يُنْزَفُونَ} ، وجملة {يُنْزَفُونَ}: من الفعل المغير، ونائب فاعله في محل الرفع خبر المبتدأ. والجملة الاسمية معطوفة على الجملة التي قبلها. {وَعِنْدَهُمْ} {الواو}: عاطفة، {عِنْدَهُمْ}: ظرف متعلق بمحذوف خبر مقدم، {قاصِراتُ الطَّرْفِ}: مبتدأ مؤخر، و {الطَّرْفِ}: مضاف إليه مرفوع المحل، على أن {قاصِراتُ}: صفة مشبهة، أو منصوب المحل على أن {قاصِراتُ} اسم فاعل. و {عِينٌ}: صفة لـ {قاصِراتُ} . والجملة الاسمية في محل الرفع، معطوفة على جملة قوله:{لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ} . {كَأَنَّهُنَّ} : ناصب واسمه، {بَيْضٌ}: خبره، {مَكْنُونٌ} صفة {بَيْضٌ} ، وجملة {كأن}: في محل الرفع ثانية لـ {قاصِراتُ} .
التصريف ومفردات اللغة
{وَالصَّافَّاتِ} : هم جماعة الملائكة، يقفون صفوفًا لكل واحد منهم، مرتبة معينة في الشرف والفضيلة. {صَفًّا}: والصف: أن يجعل الشيء على خط مستقيم، كالناس والأشجار. تقول: صففت القوم، من باب رد، فاصطفوا إذا أقمتهم على خط مستقيم، لأداء الصلاة أو لأجل الحرب. {فَالزَّاجِراتِ زَجْرًا (2)}: أصل الزجر: الدفع عن الشيء بتسلط وصياح، ثم استعمل في السوق والحث على الشيء، وفي المنع والنهي. والمراد بها هنا: الملائكة؛ لأن لهم تأثيرًا في قلوب بني آدم بزجرهم عن المعاصي وإلهامهم فعل الخير. يقال: زجرت البعير إذا حثثته ليمضي، وزجرت فلانًا عن سوء فانزجر؛ أي: نهيته فانتهى فزجر البعير كالحث له، وزجر الإنسان كالنهي. وفي «كشف الأسرار»: الزجر: الصرف عن الشيء بتخويف. وفي «المفردات» : الزجر: الطرد بصوت، ثم يستعمل في الطرد
تارةً، وفي الصوت أخرى.
{لَواحِدٌ} ؛ أي: لا ثاني له سبحانه. وفي «المفردات» الوحدة: الانفراد. والواحد في الحقيقة هو الشيء الذي لا جزء له البتة، ثم يطلق على كل موجود، حتى إنه ما من عدد إلا ويصح وصفه، فيقال: عشرة واحدة، ومئة واحدة. فالواحد لفظ مشترك، يُستعمل في خمسة أوجه:
الأول: ما كان واحدًا في الجنس أو في النوع كقولنا: الإنسان والفرس واحد في الجنس، وزيد وعمرو واحد في النوع.
والثاني: ما كان واحدًا بالاتصال، إما من حيث الخلقة كقولك: شخص واحد، وإما من حيث الصناعة كقولك: حرفة واحدة.
والثالث: ما كان واحدًا لعدم نظيره. إما في الخلقة كقولك: الشمس واحدة، وإما في دعوى الفضيلة كقولك: فلان واحد دهره، وكقولك: هو نسيج وحده.
والرابع: ما كان واحدًا لامتناع التجزي فيه، إما لصغره كالهباء، وإما لصلابته كالماس.
والخامس: للمبتدأ إما لمبدأ العدد، كقولك: واحد اثنين، وإما لمبدأ الخط كقولك: النقطة الواحدة. والوحدة في كلها عارضة، فإذا وصف الله عز وجل بالواحد فمعناه: هو الذي لا يصح التجزي، ولا التكثر. ولصعوبة هذه الوحدة قال الله تعالى:{وَإِذا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} ، انتهى.
{الدُّنْيا} مؤنث الأدنى؛ أي: قرب السموات من أهل الأرض. {مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ} ؛ أي: متعر عن الخير، متجرد عنه من قولهم: شجر أمرد إذا تعرى من الورق، ومنه: الأمرد لتجرده عن الشعر، والمارد والمريد بمعنى واحد، وهو المتعري عن كل خير. وفي «المختار»: مرد من باب ظرف، فهو مارد ومريد، وهو العاتي.
{لا يَسَّمَّعُونَ} أصل {يَسَّمَّعُونَ} : يتسمعون، فأدغمت التاء في السين بعد تسكينها وقلبها سينًا من التسمع، وتعديته بإلى لتضمنه معنى الإصغاء. {إِلَى الْمَلَإِ} والملأ: جماعة يجتمعون على رأي واحد، فيملؤون العيون رواءً، والنفوس جلالة وبهاء. والملأ الأعلى هم الملائكة أو أشرافهم، كما مر. {وَيُقْذَفُونَ} القذف: الرمي البعيد، لاعتبار البعد فيه قيل: منزل قذف وقذيف، وقذفته بحجر رميت إليه حجرًا، ومنه: قذفوه بالفجور؛ أي: رموه. {دُحُورًا} مصدر دحره إذا طرده وأبعده، وبابه خضع، يقال: دحره دحرًا ودحورًا إذا طرده. {عَذابٌ واصِبٌ} ؛ أي: دائم غير منقطع، من وصب الأمر وصوبا إذا دام. وفي «المختار»: وصب الشيء يصب بالكسر وصوبًا دام، ومنه قوله تعالى:{وَلَهُ الدِّينُ واصِبًا} ، وقوله تعالى:{وَلَهُمْ عَذابٌ واصِبٌ} ، انتهى. قال في «المفردات» الوصب: السقم اللازم.
{إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ} والخطف: الاختلاس بسرعة. والمراد هنا: اختلاس الكلام؛ أي: كلام الملائكة مسارقة. {فَأَتْبَعَهُ} في «المختار» : تبعه من باب طرب إذا مشى خلفه أو مر به فمضى معه، وكذا اتبعه وهو افتعل، وأتبعه على أفعل. وقال الأخفش: تبعه وأتبعه بمعنى مثل: ردفه وأردفه، ومنه: قوله تعالى: {فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ} . قال ابن الكمال: الفرق بين أتبعه وتبعه أنه يقال: أتبعه إتباعًا إذا طلب الثاني اللحوق بالأول، وتبعه تبعًا إذا مر به ومضى معه. {شِهابٌ} والشهاب: الشعلة الساطعة من النار الموقدة. وفي «القاموس» : الشهاب ككتاب شعلة من نار ساطعة، انتهى. والمراد هنا: ما يُرى منقضًّا من السماء. {ثاقِبٌ} قال في «المفردات» : الثاقب: النيِّر المضيء، يثقب بنوره وإضاءته ما يقع عليه، انتهى؛ أي: مضيء في الغاية، كأنه يثقب الجو بضوئه، يرجم به الشياطين إذا صعدوا لاستراق السمع.
{فَاسْتَفْتِهِمْ} والفتيا والفتوى: الجواب عما يشكل من الأحكام. يقال: استفتيته فأفتاني بكذا. قال بعضهم: الفتوى من الفتي، وهو الشاب القوي، وسمي الفتوى فتوى؛ لأن المفتي يقوي السائل في جواب الحادثة، وجمعه
فتاوى، بالفتح والكسر، والمراد بالاستفتاء هنا: الاستخبار، يقال: استفتى فلانًا إذا استخبره، وسأله من أمر يريد علمه.
{أَشَدُّ خَلْقًا} ؛ أي: أصعب خلقًا، وأشد إيجادًا. {مِنْ طِينٍ لازِبٍ} قال في «المفردات»؛ اللازب: الثابت الشديد الثبوت، ويعبر باللازب عن الواجب، فيقال: ضربة لازب، اهـ. والباء بدل من الميم، والأصل لازم مثل: بكة ومكة، يقال: لزب يلزب لزوبا من باب دخل اشتد وثبت، ولزب به لصق، ولزب يلزب لزبًا من باب تعب، ولزب يلزب لزبًا ولزوبًا من باب كرم الطين لزق وصلب، ولزب الشيء دخل بعضه في بعض. واللازب اسم فاعل: الثابت، يقال: صار الأمر ضربة لازب؛ أي: صار لازمًا ثابتًا.
{بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)} والسخرية: الاستهزاء والعجب والتعجب حالة تعرض للإنسان عند الجهل بسبب الشيء، ولهذا قال بعض الحكماء: العجب: ما يعرف سببه، ولهذا قيل: لا يصح على الله التعجب. إذ هو علام الغيوب لا تخفى عليه خافية. {يَسْتَسْخِرُونَ} والسين والتاء للمبالغة والتأكيد؛ أي: يبالغون في السخرية والاستهزاء أو للطلب على أصله؛ أي: يستدعي بعضهم من بعض أن يسخر منها.
قوله: {أَإِذا مِتْنا} إلخ، أصله: أنبعث إذا متنا. فبدّلوا الفعلية بالاسمية وقدّموا الظرف، وكرّروا الهمزة مبالغة في الإنكار وإشعارًا بأن البعث مستنكر في نفسه، وفي هذه الحالة أشد استنكارًا، اهـ «بيضاوي». {نَعَمْ وَأَنْتُمْ داخِرُونَ}؛ أي: صاغرون. وكلمة {نَعَمْ} بفتحتين: تقع في جواب الاستخبار المجرد من النفي، ورد الكلام الذي بعد حرف الاستفهام. والخطاب لهم ولآبائهم على التغليب. والدخور: أشد الصغار والذلة، يقال: دخر يدخر من باب فتح، ودخر يدخر من باب تعب دخرًا ودخورًا؛ أي: ذل وصغر، ويقال: أدخرته فدخر؛ أي: أذللته فذل.
{فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ} والزجرة: الصيحة، من زجر الراعي غنمه، أو إبله إذا صاح عليها. وهي النفخة الثانية. {يا وَيْلَنا} قال الزجاج: الويل: كلمة يقولها
القائل وقت الهلكة. {يَوْمُ الدِّينِ} والدين: الجزاء كما جاء في قولهم: كما تدين تدان. {يَوْمُ الْفَصْلِ} ؛ أي: الفرق بين المحسن والمسيء، وتمييز كل منهما عن الآخر. {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا}؛ أي: اجمعوا، الحشر يأتي بمعنى البعث، وبمعنى الجمع والسوق، وهو المراد هاهنا دون الأول، كما لا يخفى.
{وَقِفُوهُمْ} أمر من وقفه وقفًا بمعنى حبسه، لا من وقف وقوفًا بمعنى دام قائمًا. فالأول متعد، والثاني لازم. والمعنى: احبسوا المشركين أيها الملائكة عند الصراط. {مُسْتَسْلِمُونَ} من الاستسلام، يقال: استسلم للشيء إذا انقاد له وخضع، وأصله: طلب السلامة، ويلزمه الانقياد عرفا. {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ} يقال: أقبل عليه بوجهه، وهو ضد الإدبار. {مِنْ سُلْطانٍ}؛ أي: قهر وتسلط. والسلاطة: التمكن من القهر، يقال: سلطه فتسلط، ومنه: سمي السلطان بمعنى الغالب والقاهر، كما مر.
{رزق} والرزق اسم لما يسوقه الله تعالى، إلى الحيوان، فيأكله. قال أحمد بن رسلان في زبده:
يرزقُ مَن يَشاءُ ومنْ شَاءَ أَحْرَمَا
…
والرِّزقُ مَا ينفعُ ولو مُحَرَّمَا
{فَواكِهُ} جمع فاكهة، وهي كل ما يتفكه به؛ أي: يتنعم بأكله من الثمار كلها رطبها ويابسها. {عَلى سُرُرٍ} جمع سرير، وهو الذي يجلس عليه من السرور، إذ كان كذلك لأولي النعمة. وسرير الميت يشبه به في الصورة، وللتفاؤل بالسرور الذي يلحق بالميت برجوعه إلى الله، وخلاصه من السجن المشار إليه بقوله صلى الله عليه وسلم:«الدنيا سجن المؤمن» . {مُتَقابِلِينَ} من التقابل، وهو أن ينظر بعضهم وجه بعض. {يُطافُ عَلَيْهِمْ} والطواف: الدوران حول الشيء، وكذا الإطافة كما قال في «التهذيب» . {بِكَأْسٍ} والكأس يطلق على الزجاجة، ما دام فيها خمر، وإلا فهو قدح وإناء، وتسمى الخمر نفسها كأسا. قال الأعشى:
وكأسٍ شَربتُ عَلى لَذَّةٍ
…
وَأُخْرى تَدَاويتُ مِنهَا بِهَا
لِكَيْ يَعْلَمَ النَّاسُ أنِّي امْرُؤٌ
…
أَتَيْتُ المَعِيشَةَ مِنْ بَابِهَا
والكأس مؤنثة بدليل ضميرها وصفتها، وتجمع على كؤوس وأكؤس وكاسات وكئاس. {مِنْ مَعِينٍ} قال أبو حيان: اسم فاعل من معن بضم العين كشريف من شرف؛ أي: من شراب معين، أو نهر معين ظاهر للعيون، أو خارج من العيون. وهو صفة للماء، من عان الماء، إذا نبع وصف به خمر الجنة؛ لأنها تجري كالماء. ومعنى {بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ}؛ أي: بخمر من نهر جار على وجه الأرض. {بَيْضاءَ} ؛ أي: ذات بياض. {لَذَّةٍ} ؛ أي: ذات لذة أو هي تأنيث اللذ، يقال: لذ الشيء فهو لذ ولذيذ كقولك: رجل طب؛ أي: طبيب. فاللذ وصف، واللذة مؤنثة. وهي اسم للكيفية القائمة بالنفس، واسم للشيء اللذيذ.
{لا فِيها غَوْلٌ} والغول اسم بمعنى الغائلة، يُطلق على كل أذية ومضرة. والغول أيضًا ما يغتال العقول، يقال: غاله يغوله غولًا إذا أفسده، ويقال: غالته الخمر شربها فذهبت بعقله أو بصحة بدنه. والغول مصدر، وهو الصداع، والسكر، وبُعد المسافة، والمشقة، وما انهبط من الأرض، والتراب الكثير. ويقال: غاله الشيء إذا أخذه من حيث لم يدر، وأهلكه من حيث لا يحس به. ومنه سمي السعلاة غولا بالضم. والسعلاة: سحرة الجن، كما سبق في سورة الحجر. وفي «بحر العلوم» ؛ ومنه الغول الذي يراه بعض الناس في البوادي ولا يكذبه ولا ينكره إلا المعتزلة من جميع أصناف الناس، حتى جعلوه من كذبات العرب، مع أنه يشهد بصحته قوله صلى الله عليه وسلم:«إذا تغولت الغيلان فنادوا بالأذان» ، انتهى.
{يُنْزَفُونَ} بالبناء للمجهول، من نزف الشارب إذا ذهب عقله، ويقال للسكران: نزيف ومنزوف، ويقال للمطعون: نزف فمات إذا خرج دمه كله. وفي «المفردات» : نزف الماء، نزحه كله من البئر شيئًا بعد شيء، ونزف دمه ودمعه؛ أي: نزح كله، ومنه قيل: سكران نزف؛ أي: نزف فمه بسكره. وقرىء {ينزفون} بالسكر من قولهم: أنزف القوم إذا نزف ماء بئرهم، انتهى.
{قاصِراتُ الطَّرْفِ} ؛ أي: حابسات الأعين على أزواجهن لا ينظرن إلى
غيرهم، من القصر بمعنى الحبس والمنع. وطرف العين: جفنه. والطرف: تحريك الجفن، وعُبر به عن النظر؛ لأن تحريك الجفن يلازمه النظر. {عِينٌ} جمع عيناء بمعنى واسعة العين، وهي التي اتسع شقها سعةً غير مفرطة. وأصل {عِينٌ} فعل بالضم نظير حمر، كسرت الفاء لتسلم الياء كما في بيض جمع بيضاء وأبيض. قال في «المفردات»: يقال للبقر الوحشي: عيناء وأعين لحسن عينه، وشُبّه بها الإنسان.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الإتيان بأسلوب القسم في قوله: {وَالصَّافَّاتِ} إلخ، إظهارًا لشرف المقسم به، وتأكيدًا للمقسم عليه، على ما هو المألوف في كلامهم. وقد أنزل القرآن على لغتهم، وعلى أسلوبهم في محاوراتهم.
ومنها: التأكيد بأن، واللام في قوله:{إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (4)} ومقتضى الكلام يقتضيه لإنكار المخاطبين الوحدانية.
ومنها: إعادة لفظ الرب في قوله: {وَرَبُّ الْمَشارِقِ} لما فيها من غاية ظهور آثار الربوبية، وتجددها كل يوم، فإنها ثلاث مئة وستون مشرقًا.
ومنها: الاكتفاء بالمشارق عن ذكر المغارب، على حد قوله تعالى:{سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} . واقتصر على المشارق ولم يعكس؛ لأن شروق الشمس سابق على غروبها، وأيضا فالشروق أبلغ في النعمة، وأكثر نفعًا من الغروب.
ومنها: جمع المشارق موافقةً للجموع أول السورة.
منها: تخصيص المشارق بالذّكر مناسبة للزينة في قوله: {بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ} إذ هي إنما تكون غالبًا بالضياء والنور، وهما ينشآن من المشرق لا من المغرب.
ومنها: جناس الاشتقاق بين {زينا، وزينة} .
ومنها: مراعاة الفواصل في قوله: {شهاب ثاقب، وعذاب واصب، وطين لازب} ؛ لأنها من المحسنات البديعية.
ومنها: الجناس بين {خَطِفَ} و {الْخَطْفَةَ} ، وبين {أغويناكم} و {غاوِينَ} .
ومنها: الأسلوب التهكمي في قوله: {فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ} وردت الهداية بطريق التهكم؛ لأن الهداية تكون إلى طريق النعيم لا الجحيم.
ومنها: الطباق في قوله: {بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ (12)} ؛ لأن السخرية في مقابلة التعجب.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللَّهُ} ؛ لأن الأصل فيه: إذا قيل لهم قولوا لا إله إلا الله، فحذف لدلالة السياق عليه.
ومنها: التغليب في قوله: {أَمْ مَنْ خَلَقْنا} فإن فيه تغليب العقلاء على غيرهم، حيث عبّر بمن التي للعاقل.
ومنها: الجناس المماثل بين {وَيَسْخَرُونَ} و {يَسْتَسْخِرُونَ} .
ومنها: التعبير بصيغة الماضي في قوله: {قالُوا يا وَيْلَنا} للدلالة على تحقق وقوعه. وفيه أيضًا نداء غير العاقل لشدة الدهشة والحيرة.
ومنها: الالتفات من الغيبة إلى الخطاب في قوله: {إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ (38)} ؛ لأن مقتضى السياق أن يقال: إنهم لذائقوا العذاب، فقد التفت من الغيبة إلى الخطاب لمجابهتهم بالغضب، لزيادة التقبيح والتشنيع عليهم؛ لأن الغضب عليهم بلغ أقصى الغاية.
ومنها: الكناية في قوله: {قاصِراتُ الطَّرْفِ} كني بذلك عن الحور العين، لأنهن عفيفات لا ينظرن إلى غير أزواجهن.
ومنها: القصر في قوله: {لا فِيها غَوْلٌ} فهو من قصر المسند إليه على المسند يعني: عدم الغول مقصور على الاتصاف بفي، إذ خمور الجنة لا تتجاوز
الاتصاف بفي كخمور الدنيا، اهـ من «الروح» .
ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (49)} حذف منه وجه الشبه فأصبح مجملًا، وذكر الأداة فصار مرسلًا، والمراد بالبيض: بيض النعام، وأول من شبه المرأة بالبيضة امرؤ القيس بقوله:
وبيضةِ خِدْرٍ لا يُرامُ خِبَاؤهَا
…
تَمتَّعْتُ مِنَ لَهْوٍ بها غَيْر مُعْجِلِ
والنساء يشبهن بالبيض من ثلاثة أوجه:
أحدها: بالصحة والسلامة عن الطمث، ومنه: قول الفرزدق:
خَرَجْنَ إِلَيَّ لَمْ يطمثهُنَّ قَبلِي
…
وَهُنَّ أَصحُّ مِن بَيْضِ الْحَمَامِ
والثاني: في الصيانة والستر، لأن الطائر يصون بيضه ويحصنه.
والثالث: في صفاء اللون ونقائه؛ لأن البيض يكون صافي اللون نقيّه إذا كان تحت الطائر.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *