الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أو للبناء على عادته تعالى معه، ولم يكن كذلك حال موسى عليه السلام، حيث قال:{عَسى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَواءَ السَّبِيلِ} ، ولذلك أتى بصيغة التوقع.
وهذه (1) الآية أصل في الهجرة، من ديار الكفر إلى أرض، يتمكن فيها من إقامة وظائف الدين والطاعة. وأول من فعل ذلك إبراهيم عليه السلام، هاجر مع لوط وصار إلى الأرض المقدسة.
100
- ولما هاجر من وطنه، ودخل الأرض المقدسة، طلب الولد، فقال:{رَبِّ هَبْ لِي} ولدًا صالحًا {مِنَ الصَّالِحِينَ} ؛ أي: بعض الكاملين في الصلاح، يعينني على الدعوة والطاعة، ويؤنسني في الغربة، هكذا قال (2) المفسرون، وعللوا ذلك، بأن الهبة قد غلب معناها في الولد، فتحمل عليه عند الإطلاق، وإذا وردت مقيدةً، حملت على ما قيدت به، كما في قوله تعالى:{وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (53)} وعلى فرض أنها لم تغلب في طلب الولد فقوله: {فَبَشَّرْناهُ} على لسان الملائكة {بِغُلامٍ حَلِيمٍ} ؛ أي: ذي حلم، وحلم؛ أي: بلوغ. يدل على أنه ما أراد بقوله: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100)} إلا الولد، والغلام (3): من جاوز العشر، وأما من دونها فصبي، كما قاله بعض أهل اللغة كما سيأتي، والحليم: من لا يعجل في الأمور، ويتحمل المشاق، ولا يضطرب عند إصابة المكروه، ولا يحركه الغضب بسهولة، ولقد جمع فيه ثلاث بشارات: بشارة أنه غلام، وأنه يبلغ أوان الحلم فإن الصبي لا يوصف بالحلم، وأنه يكون حليمًا، وأي حلم يعادل حلمه، حين عرض عليه أبوه الذبح، وهو مراهق فاستسلم.
روي: أن إبراهيم عليه السلام، لما جعل الله النار عليه بردًا وسلامًا، وأهلك عدوه النمرود، وتزوج بسارة، وكانت أحسن النساء
وجهًا، وكانت تشبه حواء في حسنها، عزم الانتقال من أرض بابل إلى الشام، فلما دخل الأرض المقدسة، دعا ربه أن يرزقه الولد، فقال:{رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100)} ؛ أي: رب هب لي أولادًا مطيعين، يعينونني على الدعوة، ويؤنسونني في الغربة، ويكونون عوضًا من قومي وعشيرتي الذين فارقتهم،
101
- فاستجاب ربه دعاءه، فقال:
(1) روح البيان.
(2)
الشوكاني.
(3)
روح العجائب.
{فَبَشَّرْناهُ} على لسان الملائكة {بِغُلامٍ حَلِيمٍ} ؛ أي: بمولود ذكر يبلغ الحلم، ويكون حليما، وقد استفيد بلوغه من وصفه بالحلم؛ لأنه لازم لتلك السن، إذ قلما يوجد في الصبيان سعة الصدر، وحسن الصبر، والإغضاء عن كل أمر. وهذا (1) الغلام هو إسماعيل عليه السلام، فإنه أول ولد بشر به إبراهيم عليه السلام، وهو أكبر من إسحاق، باتفاق العلماء من أهل الكتاب والمسلمين، بل جاء النص في التوراة على أن إسماعيل، ولد لإبراهيم وسنه ست وثمانون سنة، وولد له إسحاق، وعمره تسع وتسعون سنة، وأي حلم مثل حلمه، عرض عليه أبوه، وهو مراهق أن يذبحه فقال:{سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} ، فما ظنك به بعد بلوغه؟ وما نعت الله سبحانه، نبيًا من الأنبياء بالحلم غير إبراهيم، وابنه إسماعيل عليهما السلام.
فإن قلت (2): لم ختم هنا الآية بـ {حَلِيمٍ} ، وفي الحجر والذاريات بـ {عَلِيمٍ} ؟.
قلت: ختم في ذينك بـ {عَلِيمٍ} إشعارًا بشرف العلم، وختم هنا بـ {حَلِيمٍ} لمناسبة حلم الغلام، لوعده بالصبر في جوابه، لسؤال أبيه في ذبحه، حيث قال:{سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} .
الإعراب
{فَأَقْبَلَ} : الفاء: عاطفة، {أقبل بعضهم}: فعل، وفاعل، {عَلى بَعْضٍ}: متعلق بـ {أقبل} والجملة معطوفة على {يُطافُ عَلَيْهِمْ} . {يَتَساءَلُونَ} : فعل، وفاعل، والجملة في محل النصب، حال من الفاعل، ومن المجرور. {قالَ قائِلٌ}: فعل، وفاعل، {مِنْهُمْ} صفة لـ {قائِلٌ} ، والجملة مستأنفة. {إِنِّي}: ناصب
(1) المراغي.
(2)
فتح الرحمن.
واسمه، {كَانَ}: فعل ناقص، {لِي} خبرها مقدم، {قَرِينٌ}: اسمها مؤخر. وجملة {كَانَ} في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن} في محل النصب مقول {قالَ}. {يَقُولُ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على {قَرِينٌ} ، والجملة صفة لـ {قَرِينٌ} ، {أَإِنَّكَ} الهمزة: للاستفهام التوبيخي، {إِنَّكَ} ناصب واسمه، {لَمِنَ الْمُصَدِّقِينَ} خبره، واللام حرف ابتداء، وجملة {إن}: في محل النصب مقول {يَقُولُ} .
{أَإِذا مِتْنا} الهمزة: للاستفهام الإنكاري، داخلة على محذوف دل عليه ما بعده، تقديره: أندان ونجازى، {إِذا} ظرف لما يستقبل من الزمان، مجرد عن معنى الشرط، متعلق بالفعل المحذوف، والجملة المحذوفة في محل النصب مقول لـ {يَقُولُ} أو مفعول لـ {الْمُصَدِّقِينَ}؛ أي: لمن المصدقين المداناة والمجازاة وقت موتنا
…
إلخ، {مِتْنا}: فعل وفاعل، والجملة في محل الجر، مضاف إليه لـ {إِذا}؛ أي: أندان وقت موتنا، {وَكُنَّا تُرابًا}: فعل ناقص واسمه وخبره في محل الخفض، معطوف على متنا، {وَعِظامًا}: معطوف على {تُرابًا} ، {أَإِنَّا}: الهمزة للاستفهام الإنكاري، مؤكدة للأولى، {إنا} ناصب واسمه، {لَمَدِينُونَ}: خبره، واللام حرف ابتداء، والجملة الاسمية في محل النصب، مقول لـ {يَقُولُ} ، على كونها مفسرة للمحذوفة، أو مفعول لـ {الْمُصَدِّقِينَ}. {قالَ}: فعل ماض، وفاعل مستتر، يعود على المؤمن القائل، والجملة مستأنفة. {هَلْ}: حرف استفهام بمعنى الأمر، كأنه قال: اطلعوا كما مر في مبحث التفسير. {أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ} : مبتدأ وخبر، والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قَالَ} ، {فَاطَّلَعَ} الفاء عاطفة، {اطلع} فعل ماض، وفاعل مستتر، يعود على القائل المؤمن، والجملة معطوفة على جملة {قالَ}. {فَرَآهُ} الفاء: عاطفة. {رآه} : فعل ماض، ومفعول به، وفاعله ضمير يعود على القائل المذكور، والجملة معطوفة على جملة {اطلع} ، ورآى هنا بصرية. {فِي سَواءِ الْجَحِيمِ} جار ومجرور
ومضاف إليه، متعلق بـ {رآى} ، {قَالَ} فعل وفاعل مستتر، يعود على القائل، والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًا. {تَاللَّهِ} التاء: حرف جر وقسم، ولفظ الجلالة مقسم به مجرور بتاء القسم، الجار والمجرور متعلق بفعل قسم محذوف وجوبًا، تقديره: أقسم بالله، وجملة القسم في محل النصب مقول {قالَ} . {إِنْ} مخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوفًا؛ أي: إنه، {كِدْتَ} فعل ناقص واسمه؛ لأنه من أفعال المقاربة. {لَتُرْدِينِ} اللام: حرف ابتداء، فارقة بين النافية والمخففة. {تردين}: فعل مضارع مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم، وعلامة رفعه ضمة مقدرة، منع من ظهورها الثقل؛ لأنه فعل معتل بالياء، وفاعله ضمير مستتر يعود على القرين، والنون للوقاية، وياء المتكلم المحذوفة اجتزاء عنها بكسر نون الوقاية، ولرعاية الفاصلة في محل النصب مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب خبر {كاد} ، وجملة {كاد} في محل الرفع خبر {إِنْ} ، وجملة {إِنْ} المخففة جواب القسم، لا محل لها من الإعراب. {وَلَوْلا}: الواو عاطفة، {لَوْلا}: حرف امتناع لوجود، {نِعْمَةُ رَبِّي}: مبتدأ، ومضاف إليه، وخبر المبتدأ محذوف تقديره: موجودة. {لَكُنْتُ} اللام: رابطة لجواب {لَوْلا} ، {كنت}: فعل ناقص واسمه، {مِنَ الْمُحْضَرِينَ} خبره، وجملة {كان} جواب {لَوْلا} ، لا محل لها من الإعراب، وجملة {لَوْلا} معطوفة على جملة {إِنْ} المخففة على كونها جواب القسم.
{أَفَما نَحْنُ} : الهمزة للاستفهام التقريري، داخلة على محذوف، تقديره: أنحن مخلدون منعمون، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف. {ما} : نافية حجازية. {نَحْنُ} في محل الرفع اسمها. {بِمَيِّتِينَ} خبرها، والباء زائدة، وجملة {ما}: الحجازية معطوفة على تلك المحذوفة، والجملة المحذوفة مستأنفة. {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ، {مَوْتَتَنَا} منصوب على المفعولية المطلقة بميتين. {الْأُولى}: صفة لـ {مَوْتَتَنَا} ، {وَما}:{الواو} : عاطفة. ما: حجازية. {نَحْنُ} : اسمها. {بِمُعَذَّبِينَ} خبرها، وجملة {ما} معطوفة على جملة ما الأولى.
{إِنَّ هذا} ناصب واسمه. {لَهُوَ} اللام: حرف ابتداء. {هو} ضمير فصل، {الْفَوْزُ} خبر {إِنَّ} ، {الْعَظِيمُ} صفة لـ {الْفَوْزُ}. وجملة {إِنَّ} مستأنفة. {لِمِثْلِ هذا}: جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق بـ {يعمل}. {فَلْيَعْمَلِ} الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت حال أهل الجنة، وأردت بيان ما ينبغي لكل عامل، فأقول لك، واللام: لام الأمر، مبني على السكون لسبقه بالفاء. {يعمل} فعل مضارع، مجزوم بلام الأمر، {الْعامِلُونَ}: فاعل مرفوع بالواو. والجملة الفعلية في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة.
{أَذلِكَ} : الهمزة: فيه للاستفهام التقريري؛ لأن المراد من الكلام: حمل الكفار على الإقرار بمدخولها، لا كما قاله بعضهم من أنها للإنكار. {ذلِكَ}: مبتدأ، {خَيْرٌ} خبره، {نُزُلًا} تمييز لخير، أو حال من الضمير المستكن في الخبر، {أَمْ}: عاطفة متصلة. {شَجَرَةُ الزَّقُّومِ} : معطوف على ذلك. والجملة الاسمية في محل النصب مقول لقول محذوف، تقديره: قل لهم يا محمد، على سبيل التقرير: {أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا
…
} الخ. {إِنَّا} ناصب واسمه. {جَعَلْناها} فعل وفاعل، ومفعول أول، {فِتْنَةً} مفعول ثان، {لِلظَّالِمِينَ} صفة لـ {فِتْنَةً} ، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن} مستأنفة استئنافًا بيانيًا. {إِنَّها} ناصب واسمه، {شَجَرَةٌ} خبره، والجملة مستأنفة. {تَخْرُجُ} فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على شجرة. {فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ} متعلق بـ {تَخْرُجُ} ، والجملة الفعلية في محل الرفع صفة لـ {شَجَرَةٌ} ، وجملة {إن} مستأنفة. {طَلْعُها} مبتدأ، {كَأَنَّهُ} ناصب واسمه، {رُؤُسُ الشَّياطِينِ} خبر كأن، ومضاف إليه، وجملة التشبيه في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل الرفع صفة ثانية لـ {شَجَرَةٌ} .
{فَإِنَّهُمْ} الفاء عاطفة، {إنهم} ناصب واسمه، {لَآكِلُونَ} خبره مرفوع بالواو، واللام حرف ابتداء، {مِنْها} متعلق بـ {آكلون} ، وجملة {إن} معطوفة على جملة {إن} الأولى. {فَمالِؤُنَ} الفاء: عاطفة. {مالؤن} معطوف على {آكلون} ، {مِنْها} متعلق بـ {مالؤن} ، {الْبُطُونَ} مفعول لـ {مالؤن}. {ثُمَّ}: حرف عطف وتراخ، {إِنَّ} حرف نصب، {لَهُمْ} خبرها مقدم، {عَلَيْها}: حال من {شوبا} ، {لَشَوْبًا} اسمها مؤخر، واللام: حرف ابتداء، {مِنْ حَمِيمٍ} صفة {لَشَوْبًا}. وجملة {إِنَّ} معطوفة على جملة {إِنَّ} في قوله:{فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْها} .
{ثُمَّ} حرف عطف وتراخ، {إِنَّ مَرْجِعَهُمْ} ناصب واسمه، {لَإِلَى الْجَحِيمِ} خبره، واللام حرف ابتداء، وجملة {إِنَّ} معطوفة على جملة {إِنَّ} المذكورة قبلها. {إِنَّهُمْ} ناصب واسمه، {أَلْفَوْا} فعل ماض، وفاعل، وهي من أخوات ظن تنصب مفعولين. {آباءَهُمْ} مفعول أول، {ضالِّينَ} مفعول ثان. وجملة ألفى في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن} مستأنفة مسوقة لتعليل رجوعهم إلى الجحيم. {فَهُمْ} الفاء: عاطفة. {هم} مبتدأ، {عَلى آثارِهِمْ} متعلق بـ {يُهْرَعُونَ}. {يُهْرَعُونَ}: فعل مضارع مغير الصيغة، والواو: نائب فاعله، والجملة الفعلية في محل الرفع خبر المبتدأ، والجملة الاسمية في محل الرفع معطوفة على جملة {ألفى}. {وَلَقَدْ} {الواو}: استئنافية، واللام: موطئة للقسم. {قد} حرف تحقيق. {ضَلَّ} فعل ماض، {قَبْلَهُمْ} متعلق بـ {ضَلَّ} . أو حال مما بعده، {أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ}: فاعل، ومضاف إليه. والجملة الفعلية جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة. {وَلَقَدْ} {الواو}: عاطفة، واللام: موطئة للقسم، {قد} حرف تحقيق، {أَرْسَلْنا}: فعل، وفاعل، {فِيهِمْ} متعلق بـ {أَرْسَلْنا} . {مُنْذِرِينَ} مفعول به. والجملة الفعلية جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم معطوفة على جملة القسم قبلها. {فَانْظُرْ} الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت أنا أرسلنا
إليهم منذرين، وأردت معرفة عاقبتهم فأقول لك: انظر كيف إلخ. {انظر} فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، أو على أي مخاطب، {كَيْفَ} اسم استفهام للاستفهام التعجبي، في محل النصب خبر {كَانَ} مقدم عليها وجوبًا، {كَانَ} فعل ماض ناقص، {عاقِبَةُ الْمُنْذَرِينَ} اسمها، ومضاف إليه، وجملة {كانَ} في محل النصب، مفعول {انظر} ، معلق عنها باسم الاستفهام. وجملة {انظر}: في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. إِلَّا أداة استثناء بمعنى لكن؛ لأن الاستثناء منقطع. {عِبادَ اللَّهِ} منصوب على الاستثناء. {الْمُخْلَصِينَ} صفة له.
{وَلَقَدْ} الواو: استئنافية، واللام: موطئة للقسم. {قد} : حرف تحقيق. {نادانا} : فعل، ومفعول. {نُوحٌ}: فاعل، والجملة الفعلية جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة. {فَلَنِعْمَ} الفاء: عاطفة، واللام: موطئة للقسم. {نعم} فعل ماض لإنشاء المدح. {الْمُجِيبُونَ} فاعل نِعْمَ، والمخصوص بالمدح محذوف، تقديره: نحن وجملة {نعم} جواب القسم، لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم الثاني، معطوفة على جملة القسم الأول. {وَنَجَّيْناهُ}: فعل، وفاعل، ومفعول به، معطوف على نادانا، {وَأَهْلَهُ} معطوف على ضمير المفعول أو مفعول معه، {مِنَ الْكَرْبِ} متعلق بـ {نجينا}. {الْعَظِيمِ}: صفة لـ {الْكَرْبِ} . {وَجَعَلْنا} : فعل، وفاعل، معطوف على {نَجَّيْناهُ} . {ذُرِّيَّتَهُ} مفعول أول لـ {جعلنا} . {هُمُ} ضمير فصل، لا محل لها من الإعراب، {الْباقِينَ} مفعول ثان لـ {جعلنا} .
{وَتَرَكْنا} {الواو} : عاطفة. {تَرَكْنا} : فعل وفاعل، والجملة الفعلية معطوفة على جملة {نَجَّيْناهُ}. {عَلَيْهِ}: جار ومجرور صفة لمفعول {تَرَكْنا}
المحذوف، تقديره: وتركنا ثناء كائنًا عليه، {فِي الْآخِرِينَ}: جار ومجرور، متعلق بـ {تَرَكْنا} على أنه مفعول ثان له، {سَلامٌ} مبتدأ، وسوّغ الابتداء بالنكرة ما فيه من معنى الدعاء. {عَلى نُوحٍ} خبره، والجملة الاسمية في محل النصب، بدل من مفعول {تَرَكْنا} المحذوف على أنها مفسرة له. {فِي الْعالَمِينَ}: جار ومجرور بدل من الجار والمجرور في قوله: {فِي الْآخِرِينَ} . وفي «السمين» : قوله: {سَلامٌ عَلى نُوحٍ} : مبتدأ وخبر، وفيه أوجه:
أحدها: أنه مفسر لـ {تَرَكْنا} .
والثاني: أنه مفسر لمفعوله؛ أي: تركنا عليه شيئًا، وهو هذا الكلام، وقيل: ثم قول مقدر؛ أي: فقلنا: سلام. وقيل: ضمّن تركنا معنى قلنا، وقيل: سلّط تركنا على ما بعده. وقال الزمخشري: {وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)} هذه الكلمة، وهي:{سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ (79)} . يعني: يسلمون عليه تسليمًا، ويدعون له. وهو من الكلام المحكي، كقولك: سورة أنزلناها. وهذا الذي قاله قول الكوفيين جعلوا الجملة في محل نصب مفعولًا بتركنا، لا أنه ضمّن معنى القول، بل هو على معناه، بخلاف الوجه الذي قبله، وهو أيضًا من أقوالهم، اهـ من «الفتوحات» . {إِنَّا} ناصب واسمه، {كَذلِكَ} صفة لمصدر محذوف؛ أي: جزاء كائنًا كذلك المذكور. {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله، ومفعول به. والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن} مستأنفة مسوقة لتعليل مجازاة نوح بتلك الكرامة السامية، وهي خلود ذكره وتسليم العالمين عليه أبد الدهر. {إِنَّهُ} ناصب واسمه، {مِنْ عِبادِنَا} خبره، {الْمُؤْمِنِينَ} صفة لـ {عِبادِنَا} وجملة {إن} مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها. {ثُمَّ} حرف عطف وتراخ. {أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ}: فعل، وفاعل، ومفعول، معطوف على {نَجَّيْناهُ} . {وَأَهْلَهُ} فالترتيب حقيقي؛ لأن نجاتهم حصلت قبل غرق الباقين، ولكن بينهما تراخ. {وَإِنَّ} {الواو}: عاطفة عطف قصة ثانية على القصة الأولى، أو استئنافية {إِنَّ} حرف نصب. {مِنْ شِيعَتِهِ} خبر مقدم لـ {إِنَّ} . {لَإِبْراهِيمَ} اسمها مؤخر، واللام حرف ابتداء. والجملة معطوفة على جملة قوله:{وَلَقَدْ نادانا نُوحٌ} أو مستأنفة.
{إِذْ} : ظرف ما مضى من الزمان، متعلق بمحذوف، تقديره: اذكر يا محمد صلى الله عليه وسلم لقومك قصة حين جاء إبراهيم. {جاءَ} فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على إبراهيم، والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذْ} . {رَبَّهُ} مفعول به. {بِقَلْبٍ} متعلق بـ {جَاءَ} ، {سَلِيمٍ} صفة قلب، {إِذْ} بدل من {إِذْ} الأولى، وجملة {قالَ} في محل الجر مضاف إليه، {لِأَبِيهِ} متعلق بـ {قالَ} ، {وَقَوْمِهِ} معطوف على أبيه. {ماذا} اسم استفهام مركب في محل النصب، مفعول مقدم لـ {تَعْبُدُونَ} أو {ما} مبتدأ، {ذا} اسم موصول خبره، وجملة {تَعْبُدُونَ} صلة لذا الموصولة، والعائد محذوف؛ أي: ما الذي تعبدونه، والجملة الفعلية أو الاسمية في محل النصب مقول {قالَ}. {أَإِفْكًا} الهمزة: للاستفهام الإنكاري التوبيخي. {إِفْكًا} مفعول من أجله، منصوب بـ {تُرِيدُونَ}. {آلِهَةً} مفعول به لـ {تُرِيدُونَ}. {دُونَ اللَّهِ} ظرف متعلق بـ {تُرِيدُونَ}. و {تُرِيدُونَ}: فعل، وفاعل. والجملة الفعلية مستأنفة، وقدمت معمولات الفعل عليه اهتماما بها. وقيل:{إِفْكًا} : مفعول به لـ {تُرِيدُونَ} ، {آلِهَةً}: بدل منه، جعلها نفس الإفك مبالغة، فأبدلها منه وفسره بها. وقيل:{إِفْكًا} : حال من فاعل {تُرِيدُونَ} ؛ أي: أتريدون آلهة من دون الله آفكين أو ذوي إفك. {فَما} الفاء عاطفة، {ما}: اسم استفهام للإنكار والتوبيخ في محل الرفع مبتدأ. أي: ليس لكم سبب ولا عذر يحملكم على الظن. {ظَنُّكُمْ} خبر المبتدأ، {بِرَبِّ الْعالَمِينَ} متعلق بظنكم. والجملة الاسمية معطوفة على الفعلية قبلها.
{فَنَظَرَ} : الفاء: استئنافية. {نظر} فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على إبراهيم. والجملة مستأنفة. {نَظْرَةً} مفعول مطلق. {فِي النُّجُومِ} متعلق بنظر. {فَقالَ} الفاء: عاطفة. {قال} : فعل ماض، وفاعل مستتر، معطوف على نظر.
{إِنِّي سَقِيمٌ} ناصب واسمه وخبره. والجملة في محل النصب مقول {قال} . {فَتَوَلَّوْا} : الفاء: عاطفة، {تولوا}: فعل، وفاعل، معطوف على قال. {عَنْهُ} متعلق بـ {تولوا} ، {مُدْبِرِينَ} حال من الواو في {تولوا} ، {فَراغَ} الفاء: عاطفة. {راغ} : فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على إبراهيم، معطوف على تولوا، {إِلى آلِهَتِهِمْ} متعلق بـ {راغ} ، {فَقالَ} الفاء: عاطفة. {قال} : فعل ماض، وفاعل مستتر، معطوف على راغ. {أَلا} الهمزة: للاستفهام السخري {لا} : نافية، وجملة {تَأْكُلُونَ} في محل النصب مقول {قال} ، {ما}: اسم استفهام مبتدأ، {لَكُمْ}: خبره. والجملة في محل النصب مقول لـ {قال} : المحذوف، والتقدير، فقال: ألا تأكلون فلم ينطقوا فقال: ما لكم لا تنطقون. وجملة {لا تَنْطِقُونَ} في محل النصب حال من كاف المخاطبين. {فَراغَ} الفاء: عاطفة على محذوف تقديره: فلم يجيبوا، {راغ}: فعل ماض، وفاعل، معطوف على ذلك المحذوف. {عَلَيْهِمْ} متعلق بـ {راغ} {ضَرْبًا} مصدر واقع موقع الحال؛ أي: فراغ عليهم ضاربا أو مصدر لفعل مقدر؛ أي: يضرب ضربًا. والجملة في محل النصب على الحال. و {بِالْيَمِينِ} متعلق بضربًا أو بعامله المحذوف. {فَأَقْبَلُوا} الفاء: عاطفة. {أقبلوا} : فعل، وفاعل، معطوف على راغ، {إِلَيْهِ} متعلق بـ {أقبلوا} ، ويجوز تعلقه بما بعده، وجملة {يَزِفُّونَ}: حال من فاعل {أقبلوا} . {قالَ} : فعل ماض، وفاعل مستتر. والجملة مستأنفة. {أَتَعْبُدُونَ} الهمزة للاستفهام الإنكاري، {تَعْبُدُونَ}: فعل، وفاعل، والجملة في محل النصب، مقول قال. {ما} اسم موصول في محل النصب مفعول به، وجملة {تَنْحِتُونَ} صلته، والعائد محذوف تقديره: ما تنحتونه. {وَاللَّهُ} {الواو} : حالية، {اللَّهُ} مبتدأ، وجملة {خَلَقَكُمْ} خبره. والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل {تَعْبُدُونَ}. {وَما تَعْمَلُونَ}: ما: اسم موصول، معطوف على كاف {خَلَقَكُمْ} ، أو {ما}: مصدرية، وجملة {تَعْمَلُونَ} صلة لـ ما الموصولة؛ أي: وما تعملونه أو لـ {ما} المصدرية؛ أي: وعملكم.
{قالُوا} : فعل، وفاعل. والجملة مستأنفة. {ابْنُوا}: فعل أمر، والواو فاعل، مقول لـ {قالُوا} ، {لَهُ} متعلق بـ {ابْنُوا} ، {بُنْيانًا}: مفعول به. {فَأَلْقُوهُ} : الفاء: عاطفة. {ألقوه} : فعل أمر، والواو فاعل، والهاء مفعول به. والجملة في محل النصب، معطوفة على جملة {ابْنُوا}. {فِي الْجَحِيمِ}: متعلق بـ {ألقوه} ، {فَأَرادُوا} الفاء: عاطفة. {أرادوا} : فعل، وفاعل، معطوف على قالوا. {بِهِ} متعلق بـ {أرادوا} ، {كَيْدًا} مفعول به. {فَجَعَلْناهُمُ}: فعل، وفاعل، ومفعول أول. {الْأَسْفَلِينَ}: مفعول ثان. والجملة معطوفة على جملة {أرادوا} . {وَقالَ} {الواو} : عاطفة. {قالَ} فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على إبراهيم، والجملة معطوفة على محذوف، تقديره: فخرج من النار سالمًا، وقال: إني ذاهب. {إِنِّي ذاهِبٌ} : ناصب واسمه وخبره. والجملة في محل النصب مقول قال، {إِلى رَبِّي} متعلق بـ {ذاهِبٌ} ، {سَيَهْدِينِ}: السين حرف استقبال، {يهدين}: فعل مضارع مرفوع لتجرده عن الناصب والجازم، وعلامة رفعه ضمة مقدرة منع من ظهورها الثقل؛ لأنه فعل معتل بالياء، وفاعله ضمير يعود على الله، والنون للوقاية، وياء المتكلم المحذوفة للفاصلة، أو اجتزاء عنها بكسر نون الوقاية في محل النصب مفعول به، والجملة في محل النصب مقول لـ {قالَ}. {رَبِّ}: منادى مضاف، حذف منه حرف النداء، وجملة النداء في محل النصب مقول {قالَ} . {هَبْ} فعل دعاء مبني على السكون، وفاعله ضمير مستتر يعود على الله، {لِي} متعلق بـ {هَبْ} ، {مِنَ الصَّالِحِينَ}: صفة لمفعول محذوف؛ أي: ولدًا من الصالحين، والجملة الفعلية في محل النصب مقول {قالَ} على كونها جواب النداء. {فَبَشَّرْناهُ} الفاء: عاطفة على محذوف تقديره: فاستجبنا له فبشرناه. {بشَّرناه} فعل، وفاعل ومفعول به، {بِغُلامٍ} متعلق بـ {بشرناه} ، {حَلِيمٍ} صفة لـ {غلام} . والجملة الفعلية معطوفة على تلك المحذوفة.
التصريف ومفردات اللغة
{يَتَساءَلُونَ} من باب تفاعل، يدل على المشاركة من الجانبين، كما هو صريح لفظ السياق. {قَرِينٌ}؛ أي: خليل، وصاحب، وجليس. {لَمَدِينُونَ} ؛
أي: لمجزيون، جمع مدين، كمبيع من الدين، بكسر الدال بمعنى الجزاء، يقال: دانه يدينه بمعنى: جزاه، نظير باعه يبيعه. {مُطَّلِعُونَ}؛ أي: مشرفون فناظرون إلى أهل النار، من اطلع بمعنى استشرف من باب افتعل. {سَواءِ الْجَحِيمِ}؛ أي: في وسط جهنم. وسمي وسط الشيء، سواء لاستواء المسافة منه، إلى جميع الجوانب، كما مر. {كِدْتَ}؛ أي: قاربت. {لَتُرْدِينِ} لتهلكني بالإغواء. والردى: الهلاك، والإرداء: الإهلاك. أصله: لترديني بياء المتكلم، فحذفت اكتفاء بكسر نون الوقاية ولرعاية الفاصفة. {مِنَ الْمُحْضَرِينَ} من الإحضار، وهو لا يستعمل إلا في الشر، كما في كشف الأسرار؛ أي: لمن المساقين إلى العذاب.
{نَزَلَ} النزل بضمتين أو بضم النون وسكون الزاي: المنزل، وما يهيأ للضيف من الطعام، والجمع أنزال والنزل أيضًا بضمتين: الطعام ذو البركة، والقوم النازلون، وريع ما يزرع ونماؤه، والعطاء، والفضل، والزيادة. ومنه قولهم: العسل ليس من أنزال الأرض؛ أي: من ريعها، وما يحصل منها.
{الزَّقُّومِ} وفي «المفردات» : شجرة الزقوم، عبارة عن أطعمة كريهة في النار، ومنه: استعير زقم فلان، وتزقّم إذا ابتلع شيئًا كريها. قال في «القاموس»: الزقَّم: اللقم، والتزقم: التلقم، وأزقمه فازدقمه أبلعه فابتلعه، والزقوم كتنور: الزبد بالتمر، وشجرة بجهنم، ونبات بالبادية له زهر ياسميني الشكل، وطعام أهل النار، وفي «الخازن»: والزقوم: ثمر شجرة خبيثة مرة كريهة الطعم، يكره أهل النار على تناولها، فهم يتزقمونه على أشد كراهية. وقيل: هي شجرة تكون بأرض تهامة من أخبث الشجر. {طَلْعُها} ؛ أي: حملها وثمرها، والطلع في الحقيقة اسم لثمر النخيل في أول بروزه، فإطلاقه على ثمر هذه الشجرة مجاز بالاستعارة، كما سيأتي في مبحث البلاغة. والطلع من النخل شيء يخرج منه، كأنه نعلان مطبقان، والحمل بينهما منضود، وما يبدو من ثمرته في أول ظهورها. {فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ} جمع مالىء اسم فاعل من ملأ المهموز. والملء: حشو الإناء لا يحتمل الزيادة عليه، يقال: ملأ الإناء ماء يملؤه فهو مالىء ومملوء، والبطون جمع بطن، وهو خلاف الظهر في كل شيء.
{لَشَوْبًا} والشوب: الخلط، وهو بفتح الشين مصدر على أصله، وقيل: يراد به: اسم المفعول، ويدل على قراءة بعضهم {لشوبا} بالضم. قال الزجاج: المفتوح مصدر، والمضموم اسم بمعنى: المشوب كالنقض بمعنى: المنقوض، والفعل منه شابه يشوبه، من باب قال إذا خلطه فهو الخلط. {مِنْ حَمِيمٍ} والحميم: الماء الحار الذي قد انتهى حره، وهو المقصود، هنا، ويطلق على الماء البارد، فهو من الأضداد.
{أَلْفَوْا آباءَهُمْ} ؛ أي: وجدوا من الإلفاء، وهو الوجدان. {عَلى آثارِهِمْ}؛ أي: آثار الآباء، جمع أثر. {يُهْرَعُونَ}؛ أي: يسرعون إسراعًا شديدًا. والإهراع: الإسراع الشديد، كأنهم يزعجون ويحثون حثًا على الإسراع على آثارهم. وفي «المصباح»: هرع وأهرع بالبناء للمفعول فيهما؛ إذا أُعجل، اهـ. {مِنَ الْكَرْبِ} والكرب: الغم الشديد، والكربة كالغمة. وأصل ذلك من كرب الأرض، وهو قلبها بالحفر، فالغم يثير النفس إثارة ذلك، ويصح أن يكون الكرب من كربت الشمس إذا دنت للمغيب.
{وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ} في «المختار» : الشيعة: أتباع الرجل وأنصاره. وفي «المصباح» : الشيعة: الأتباع والأنصار، وكل قوم اجتمعوا على أمر فهم شيعة، ثم صارت الشيعة اسمًا لجماعة مخصوصة، والجمع: شيع مثل: سدرة وسدر، والأشياع جمع الجمع، انتهى. مأخوذ من الشياع، وهو الحطب الصغار الذي يوقد به الكبار حتى تستوقد، اهـ «قرطبي». وفي «الأساس»: شيعته يوم رحيله، وشايعتك على كذا تابعتك عليه، وتشايعوا على الأمر، وهو شيعته وشيعه وأشياعه، وهذا الغلام شيع أخيه، إذا ولد بعده، وآتيك غدًا أو شيعه. قال الشاعر:
قَالَ الخَليطُ غَدًا تَصُدُّ عَنَّا
…
أَو شِيَعَه أَفَلا تُشَيِّعَنَا
وأقمت عنده شهرًا أو شيع شهر، وكان معه مئة رجل، أو شيع ذلك، ونزلوا موضع كذا، أو شيعه، وشاع الحديث والسر، وأشاعه صاحبه، ورجل مشياع مذياع، وشاع في رأسه الشيب، وشاعكم الله تعالى بالسلام، وشاعكم
السلام. قال الشاعر:
أَلا يَا نَخلَةً فِي ذَاتِ عِرقِ
…
بُرودُ الظِّلِّ شَاعَكُم السَّلامُ
لمحة عن الشيعة: وقول صاحب «المصباح» : اسم لجماعة مخصوصة، أراد الشيعة، أقدم الفرق الإسلامية، وقد ظهروا بمذهبهم السياسي في آخر عصر عثمان رضي الله عنه، ونما وترعرع في عهد علي رضي الله عنه، وقوام هذا المذهب: أن الإمامة ليست من المصالح العامة، التي تفوّض إلى نظر الأمة، ويتعين القائم بها بتعيينهم، بل هي ركن الدين، وقاعدة الإسلام، ولا يجوز لنبي إغفالها وتفويضها إلى الأمة، بل يجب عليه تعيين الإمام لهم، ويجب أن يكون معصومًا عن الكبائر والصغائر، وأن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كان هو الخليفة المختار من النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه أفضل الصحابة، ولها فرق كثيرة يرجع إليها في «كتاب الملل والنحل» للشهرستاني وكتاب «الفصل في الملل والنحل» لابن حزم.
{أَإِفْكًا} الإفك: أسوأ الكذب. {فِي النُّجُومِ} جمع نجم، وهو الكوكب الطالع. وفي «القرطبي»: فنظر إلى نجم طالع فقال: إن هذا يطلع مع سقمي. وكان علم النجوم مستعملا عندهم، منظورًا فيه، فأوهمهم هو من تلك الجهة، وأراهم معتقدهم عذرًا لنفسه، وذلك أنهم أهل رعاية وفلاحة، وهاتان المعيشتان يحتاج فيهما إلى نظر في النجوم.
{فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)} قال في «المفردات» : السَّقَمُ والسُّقْمُ: المرض المختص بالبدن، والمرض قد يكون في البدن وفي القلب. {فَراغَ} قال في «القاموس»: راغ الرجل والثعلب روغًا وروغانًا، مال وحاد إلى الشيء في خفية؛ أي: فذهب خفية إلى أصنامهم. وأصل الروغ والروغان: الميل. قال شاعرهم:
وَيُريكَ من طَرَفِ اللِّسَان حَلاوةً
…
وَيرُوغُ عَنكَ كَمَا يَرُوغُ الثَّعلَبُ
وفي «المختار» : راغ الثعلب من باب قال وروغانًا بفتحتين، والاسم منه الرواغ بالفتح. {ضَرْبًا بِالْيَمِينِ}؛ أي: بالقوة والشدة. {يَزِفُّونَ} ؛ أي: يسرعون، من زف النعام زفيفًا إذا أسرع. ويزفون بضم الياء، من أزف إذا دخل في الزفيف
أو من أزفه إذا حمله على الزفيف؛ أي: يزف بعضهم بعضا. وفي «المفردات» : أصل الزفيف في هبوب الريح وسرعة النعامة، التي تخلط الطيران بالمشي، وزفزف النعام إذا أسرع. {ما تَنْحِتُونَ} والنحت: نجر الشجر والخشب ونحوهما من الأجسام. ففي «المختار» : نحته براه، وبابه ضرب وقطع أيضًا نقله الأزهري، والنحاتة: البراية.
{فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ} من الجحمة، وهي شدة التأجج والالتهاب. {فَأَرادُوا بِهِ كَيْدًا} والكيد: ضرب من الاحتيال كما في «المفردات» . {بِغُلامٍ} والغلام: الطارّ الشارب، والكهل ضده، أو من حين يولد إلى أن يشيب كما في «القاموس». وقال بعض أهل اللغة: الغلام من جاوز العشر، وأما من دونها فصبي. {حَلِيمٍ} والحليم من لا يعجل في الأمور، كما سبق.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التعبير بصيغة الماضي في قوله: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ} للتأكيد والدلالة على تحقق الوقوع حتمًا.
ومنها: جناس الاشتقاق بين {فاطلع، ومطلعون} .
ومنها: التعبير بالماضي في قوله: {فَاطَّلَعَ فَرَآهُ} لإفادة التحقق والوقوع.
ومنها: الجمع بين المؤكدات في قوله: {إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (60)} أكده بإن وبضمير الفصل وباللام وباسمية الجملة إفادةً، لفخامة تلك النعمة وعظمها. إذ الدنيا وما فيها تحتقر دونها، كما تحتقر القطرة من البحر المحيط، والحبة من البيدر الكبير.
ومنها: القصر في قوله: {لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُونَ (61)} ؛ أي: لا لغيره من الحظوظ الدنيوية السريعة الانقطاع.
ومنها: الأسلوب التهكمي في قوله: {أَذلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62)} ؛ لأن في التعبير بـ {خَيْرٌ} تهكمًا بهم.
ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: {طَلْعُها} ؛ لأن الطلع حقيقة في أول ما يخرج من ثمر النخل، فاستعير لما يخرج من شجرة الزقوم، بجامع الطلوع والبروز في كل.
ومنها: التشبيه المرسل المجمل في قوله: {كَأَنَّهُ رُؤُسُ الشَّياطِينِ} . فتشبيه طلعها برؤوس الشياطين في الشناعة والقبح، تشبيه بالمخيل، كتشبيه الفائق في الحسن بالملك، في نحو قوله:{إِنْ هذا إِلَّا مَلَكٌ كَرِيمٌ} فيما حكى الله سبحانه، عن صواحبات يوسف عليه السلام.
فمنها: الإتيان بصيغة الجمع في قوله: {فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ} للدلالة على العظمة والكبرياء.
ومنها: الجناس الناقص في قوله: {مُنْذِرِينَ} و {الْمُنْذَرِينَ} ؛ لأن المراد بالأول: الرسل، وبالثاني: الأمم.
ومنها: الكناية في قوله: {وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)} كني به عن الثناء الحسن الجميل.
ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {وَتَرَكْنا عَلَيْهِ} ؛ لأنه حذف منه المفعول به؛ أي: ثناء حسنًا.
ومنها: مراعاة الفواصل في قوله: {وَإِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ (83) إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84)} إلخ؛ لأنه من المحسنات البديعية، وهو من خصائص القرآن.
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {إِذْ جاءَ رَبَّهُ} شبه إقباله على ربه مخلصًا بقلبه، بمن قدم على الملك بتحفة ثمينة جميلة، ففاز بالرضى والقبول.
منها: تقديم المعمولات على العامل في قوله: {أَإِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ} لإظهار العناية والاهتمام بها.
ومنها: جناس الاشتقاق بين {ابْنُوا} {بُنْيانًا} ، وبين {فَنَظَرَ} {نَظْرَةً} .
ومنها: فن الرمز والإيماء في قوله: {فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ (89)} . وهو أن يريد المتكلم إخفاء أمر ما في كلامه، فيرمز في ضمنه رمزا إما تعمية للمخاطب، وتبرئة لنفسه، وتنصلا من التبعة، وإما ليهتدى بواسطته إلى طريق استخراج ما أخفاه في كلامه، وقد كان قوم إبراهيم نجّامين، فأوهمهم أنه استدل بأمارة في علم التنجيم على أنه يسقم، فقال:{إِنِّي سَقِيمٌ} ؛ أي: مشارف للسقم، وهو الطاعون، وكان أغلب الأسقام عليهم، وكانوا يخافون العدوى، فقال ذلك ليوجسوا خوفا، ويتفرقوا عنه، فهربوا منه إلى عيدهم، وتركوه في بيت الأصنام، ليس معه أحد ففعل بالأصنام ما فعل، وقد يوهم ظاهر الكلام، أنه ارتكب بذلك جريرة الكذب، والأنبياء معصومون عنه، والصحيح: أن الكذب حرام، إلا إذا عرّض عنه، وورّى. ولقد نوى إبراهيم أن من في عنقه الموت سقيم.
ومنها: الإيجاز في قوله: {فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101)} . فقد انطوت هذه البشارة الموجزة على ثلاث: أن الولد ذكر، وأنه يبلغ أوان الحلم، وأنه يكون حليما. وأي حلم أدل على ذلك من حلمه، حين عرض عليه أبوه الذبح، فلم يضطرب، ولم يتخاذل، ولم يعترض على مشيئة أبيه، بل قال:{سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} ، ثم استسلم لذلك، ولم يكن ليدور له في خلد، أن الله سيفديه، وسيهييء له كبش الفداء.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
المناسبة
قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ
…
} مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما قال (1): {فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ (101)} .. أتبعه بما يدل على حصول ما بشر به،
(1) المراغي.