الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المؤمن، والمخلص، والصالح والعادل، ويهان الكافر، والمنافق، والمرائي والفاسق، والظالم. فيفرح من يفرح، ويتحسر من يتحسر، فللعباد موضع التحسر إن لم يتحسروا اليوم.
وقرأ عاصم وحمزة وابن عامر (1): بتشديد {لما} ، وباقي السبعة بتخفيفها، فمن شددها كانت عنده بمعنى إلا، و {إِنْ} نافية، ومن خفف {لما} جعل {إِنَّ} مخففة من الثقيلة، واللام في {لَمَّا} فارقة، و {ما} زائدة.
فائدة: وقال (2) أبو عبد الله الرازي في كون لما بمعنى: إلا معنى مناسب، وهو أن {لَمَّا} كأنها حرفا نفي جميعًا، وهما: لم وما، فتأكد النفي، وإلا كأنها حرفا نفي:«إن ولا» ، فاستعمل أحدهما مكان الآخر، انتهى. والمعنى؛ أي: وإن جميع الأمم ماضيها، وحاضرها، وآتيها ستحضر يوم القيامة بين يدي الله، فيجازيهم بأعمالهم خيرها وشرها، ولو أن من أهلك ترك لكان الموت راحة له، وما أحسن قوله:
ولو أنّا إذا متنا تركنا
…
لكان الموت راحة كُلِّ حَيِّ
وَلكنَّا إذَا مِتنا بُعثنا
…
وَنُسأل بعدها عن كلِّ شَيِّ
ونحو الآية قوله تعالى: {وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ} .
والخلاصة: أن الناس يجمعون للحساب والجزاء، ويوفى كل عامل جزاء عمله من خير أو شر.
33
- ثم ذكر سبحانه البرهان على التوحيد، والحشر مع تعداد النعم وتذكيرها، فقال:{وَآيَةٌ} ؛ أي: علامة عظيمة، ودلالة واضحة على البعث والجمع والإحضار، وهو خبر مقدم للاهتمام به، وقوله:{لَهُمُ} ؛ أي: لأهل مكة، إما متعلق بآية؛ لأنها بمعنى: العلامة أو بمضمر هو صفة لها، والمبتدأ قوله:{الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ} ؛ أي: اليابسة الجامدة، قرأ أهل المدينة (3):{الميِّتة} بالتشديد،
(1) البحر المحيط.
(2)
الفخر الرازي.
(3)
الشوكاني.
وخففها الباقون، وجملة قوله:{أَحْيَيْناها} مستأنفة مبينة لكيفية كون الأرض الميتة آية، كأن قائلًا قال: كيف تكون آية؟ فقال: أحييناها، والإحياء في الحقيقة: إعطاء الحياة، وهي صفة تقتضي الحس والحركة، والمعنى هاهنا: هيجنا القوى النامية فيها، وأحدثنا نضارتها بأنواع النباتات في وقت الربيع، بإنزل الماء من بحر الحياة، وكذلك النشور، فإنا نحيي الأبدان البالية المتلاشية في الأجداث، بإنزال رشحات من بحر الجود، فنعيدهم أحياء كما أبدعناهم أولًا من العدم.
وبدأ في تفصيل الآيات بالأرض (1)؛ لأنها مستقرهم حركةً، وسكونًا، حياةً وموتًا، فنبههم الله سبحانه بهذا، على إحياء الموتى، وذكرهم نعمه وكمال قدرته، فإنه سبحانه أحيا الأرض بالنبات، وأخرج منها الحبوب التي يأكلونها، ويتغذون بها. وهو معنى قوله:{وَأَخْرَجْنا مِنْها} ؛ أي: من الأرض {حَبًّا} وبزرًا. والحب هو الذي يطحن، والبزر الذي يعصر منه الدهن، وهو جمع حبة، والمراد: جنس الحبوب التي تصلح قواما للناس من الأرز، والذرة، والحنطة، والشعير، وغيرها. {فَمِنْهُ}؛ أي: فمن ذلك الحب {يَأْكُلُونَ} تقديم (2) الصلة ليس لحصر جنس المأكول في الحب، حتى يلزم أن لا يؤكل غيره، بل هو لحصر معظم المأكول فيه، ولبيان أنه أكثر ما يقوم به المعاش، فإن الحب معظم ما يؤكل، ويعاش به، ومنه صلاح الإنس حتى إذا قل قل .. الصلاح، وكثر الضر والصياح، وإذا فقد .. فقد النجاح بإخلال الأشباح ولأمر ما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«أكرموا الخبز فإن الله أكرمه، فمن أكرم الخبز أكرمه الله» .
قال في شرعة الإسلام: ويكرم الخبز بأقصى ما يمكن، فإنه يعمل في كل لقمة يأكلها الإنسان من الخبز ثلاث مئة وستون صانعًا. أولهم: ميكائيل الذي يكيل الماء من خزانة الرحمة، ثم الملائكة التي تزجر السحاب والشمس والقمر والأفلاك، وملائكة الهواء، ودواب الأرض، وآخرهم الخباز. ومن إكرام الخبز: أن تلتقط الكسرة من الأرض، وإن قلت، فيأكلها تعظيما لنعمة الله تعالى. وفي الحديث: «من أكل ما يسقط من المائدة .. عاش في وسعة، وعوفي في ولده،
(1) البحر المحيط.
(2)
روح البيان.