الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قوم يزيدون على ذلك. وأما الزيادة فقال ابن عباس: كانت عشرين ألفًا، ويعضده ما روى عن أبيّ بن كعب رضي الله تعالى عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147)} قال: يزيدون عشرين ألفًا، أخرجه الترمذي، وقال: حديث حسن. وقيل: يزيدون بعضًا وثلاثين ألفًا. وقيل: سبعين ألفًا. والمقصود من هذا الكلام على جميع التقادير: وصفهم بالكثرة.
وفي «فتح الرحمن» : إن قلت: {أَوْ} للشك (1) وهو على الله محال.
قلت: {أَوْ} بمعنى: بل، أو بمعنى الواو، أو المعنى: أو يزيدون في نظرهم، فالشك إنما دخل في قول المخلوقين، انتهى. وقرأ جعفر بن محمد {ويزيدون} بدون ألف الشك.
148
- {فَآمَنُوا} ؛ أي: بعدما شاهدوا علائم حلول العذاب إيمانًا خالصًا {فَمَتَّعْناهُمْ} بالحياة الدنيا، وأبقيناهم {إِلى حِينٍ} انقضاء آجالهم، ومنتهى أعمارهم. وهذا كناية عن رد العذاب عنهم، وصرف العقوبة.
والمعنى: أي (2) فأرسلناه مرة أخرى إلى هؤلاء القوم، وقد كانوا مئة ألف بل يزيدون، فاستقامت حالهم، وآمنوا به؛ لأنه بعد أن خرج من بين أظهرهم رأوا أنهم قد أخطؤوا، وأنهم إذا لم يتبعوا رسولهم هلكوا كما حدث لمن قبلهم من الأمم. فلما عاد إليهم، ودعاهم إلى ربه لبوا الدعوة طائعين منقادين لأمر الله ونهيه، فمتعناهم في هذه الحياة حتى انقضت آجالهم، وهلكوا فيمن هلك.
فائدة: هاهنا مسألتان (3):
1 -
أن القرآن الكريم لم يبين لنا مم أبق، ولو كان في بيانه فائدة لذكرها.
2 -
أنه لم يذكر مدة لبثه في بطن الحوت، وتعيين زمن معين يحتاج إلى نقل صحيح، ولم يؤثر ذلك وأيا كان، فبقاؤه حيا في بطن الحوت مدة قليلة، أو
(1) فتح الرحمن.
(2)
المراغي.
(3)
المراغي.
كثيرة، معجزة لذلك النبي الكريم.
وصارت (1) قصة يونس آخر القصص، لما فيها من ذكر عدم الصبر على الأذى والإباق. ولعل عدم ختم هذه القصة وقصة لوط بما ختم به سائر القصص، من ذكر سلام وما يتبعه للتفرقة بينهما، وبين أرباب الشرائع الكبار، وأولي العزم من الرسل، أو اكتفاءً بالتسليم الشامل لكل الرسل المذكورين في آخر السورة، قاله البيضاوي. وقال بعضهم: وجهه أن إلياس ويونس سواء في أن كلّا منهما ليسا من أرباب الشرائع الكبار، وأولي العزم من الرسل، فلا بد لتخصيص أحدهما بالسلام من وجه، وأن التسليم المذكور في آخر السورة شامل لكل من ذكر هنا، ومن لم يذكر، فحينئذ كان الظاهر أن يقتصر على ذكر سلام نوح ونحوه، ثم يعمم عليهم، وعلى غيرهم، ممن لم يكن في درجتهم.
روي: أن يونس عليه السلام نام يومًا تحت الشجرة، فاستيقظ وقد يبست، فخرج من ذلك العراء ومر بجانب مدينة نينوى، فرأى هنا لك غلامًا يرعى الغنم، فقال له: من أنت يا غلام؟ فقال: من قوم يونس، قال: فإذا رجعت إليهم فاقرأ عليهم مني السلام، وأخبرهم أنك لقيت يونس ورأيته، فقال الغلام: إن تكن يونس فقد تعلم أن من يحدث، ولم يكن له بينة قتلوه، وكان في شرعهم أن من كذب قتل، فمن يشهد لي، فقال له يونس: تشهد لك هذه الشجرة وهذه البقعة، فقال الغلام ليونس: مرهما بذلك، فقال لهما: إذا جاءكما هذا الغلام فاشهدا له، قالتا: نعم. فرجع الغلام إلى قومه، فأتى الملك فقال: إني لقيت يونس وهو يقرأ عليكم السلام، فأمر الملك أن يقتل، فقال: إن لي بينة، فأرسل معه جماعة فانتهوا إلى الشجرة والبقعة، فقال لهما الغلام: أنشدكما الله عز وجل؛ أي: أسألكما بالله تعالى، هل أشهدكما يونس؟ قالتا: نعم. فرجع القوم مذعورين، فأتوا الملك فحدثوه بما رأوا، فتناول الملك يد الغلام، فأجلسه في منزله، فقال له: أنت أحق مني بهذا المقام والملك، فأقام بهم الغلام أربعين سنة.
(1) روح البيان.
وروي في بعض التفاسير: أن قومه آمنوا، فسألوه أن يرجع إليهم، فأبى يونس، لأن النبي إذا هاجر لم يرجع إليهم مقيمًا فيهم. وروي: أنه لما استيقظ فوجد أنه قد يبست الشجرة، فأصابته الشمس حزن كذلك حزنًا شديدًا، فجعل يبكي فبعث الله إليه جبرائيل وقال: قل له: أتحزن على شجرة لم تخلقها أنت ولم تنبتها ولم تربها؟ وأنا الذي خلقت مئة ألف من الناس أو يزيدون، تريد مني أن أستأصلهم في ساعة واحدة وقد تابوا، وتبت عليهم، فأين رحمتي يا يونس؟ وأنا أرحم الراحمين.
الإعراب
{فَلَمَّا بَلَغَ} الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت دعاءَهُ لنا، وتبشيرنا إياه وأردت بيان عاقبة الولد .. فأقول لك: لما بلغ. {لما} : اسم شرط غير جازم، في محل نصب على الظرفية الزمانية {بَلَغَ}: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على الغلام. والجملة فعل شرط لـ {لما} ، في محل جر بالإضافة. {مَعَهُ}: ظرف ومضاف إليه، والظرف متعلق بمحذوف حال من فاعل بلغ؛ أي: حالة كون الغلام مصاحبًا لأبيه، {السَّعْيَ}: مفعول به، {قالَ}: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على إبراهيم. والجملة جواب لما، لا محل لها من الإعراب، وجملة لما في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {يا بُنَيَّ}:{يا} حرف نداء، {بُنَيَّ}: منادى، مضاف إلى ياء المتكلم، وجملة النداء في محل النصب مقول {قالَ} ، {إِنِّي}: ناصب واسمه، {أَرى}: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على {إبراهيم}. {فِي الْمَنامِ}: متعلق بـ {أَرى} . وجملة {أَرى} في محل الرفع خبر {إِنْ} ، وجملة {إِنْ}: في محل النصب مقول {قالَ} . {إِنِّي} : ناصب واسمه، {أَذْبَحُكَ} فعل مضارع، وفاعل مستتر، ومفعول به. وجملة أذبح في محل الرفع خبر {أن} ، وجملة {أن}: مع معموليها في تأويل مصدر ساد مسد مفعولي {أَرى} ، والتقدير: إني أرى في المنام ذبحي إياك. {فَانْظُرْ} : الفاء: عاطفة
{انظر} : فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على الغلام. والجملة معطوفة على جملة {إِنِّي أَرى} على كونها جواب النداء. {ماذا}: اسم استفهام مركب في محل النصب مفعول مقدم لـ {تَرى} ، {تَرى}: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الغلام. وجملة {تَرى} في محل النصب مفعول به لـ {أنظر} ، معلق عنها لفظًا. و {تَرى} هنا من الرأي، لا من رؤية العين ولا المتعدية إلى مفعولين. وإن شئت، {ما}: اسم استفهام مبتدأ، و {ذا} اسم موصول خبر {ما} ، وجملة {تَرى} صلة ذا الموصولة. والجملة من المبتدأ والخبر في محل النصب مفعول به لـ {أنظر} .
{قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102)} .
{قالَ} : فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على الغلام، والجملة الفعلية مستأنفة. {يا}: حرف نداء، {أَبَتِ}: منادى مضاف إلى ياء المتكلم المعوّض عنها تاء التأنيث، وجملة النداء في محل النصب مقول قال. {افْعَلْ}: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على إبراهيم، {ما}: اسم موصول في محل النصب، مفعول به لـ {افْعَلْ} . وجملة افعل في محل النصب مقول قال، {تُؤْمَرُ}: فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعل مستتر. والجملة صلة {ما} الموصولة، والعائد محذوف، تقديره: ما تؤمر به. {سَتَجِدُنِي} : السين حرف استقبال، {تجد}: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على إبراهيم، والنون للوقاية، وياء المتكلم في محل النصب مفعول أول لتجد، {مِنَ الصَّابِرِينَ} متعلق بـ {وجد} على كونه مفعولًا ثانيًا له. والجملة الفعلية في محل النصب مقول قال. {إِنْ}: حرف شرط، {شاءَ}: فعل ماض في محل الجزم بـ {إِنْ} الشرطية على كونها فعل شرط لها، ولفظ الجلالة {اللَّهُ} فاعل شاء، ومفعول شاء محذوف تقديره: إن شاء الله صبري، وجواب {إن} الشرطية محذوف، تقديره: إن شاء الله صبري ستجدني من الصابرين. وجملة {إِنْ} الشرطية معترضة، لا محل لها من الإعراب لاعتراضها بين الفعل ومعموله.
{فَلَمَّا} الفاء: الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت ما قال إبراهيم وما قال الغلام، وأردت بيان عاقبتهما .. فأقول لك: لما أسلما. {لما} : اسم شرط غير جازم في محل نصب على الظرفية الزمانية، {أَسْلَما}: فعل ماض، والألف فاعل. والجملة فعل شرط لـ {لما} ، في محل جر بالإضافة. {وَتَلَّهُ}:{الواو} : عاطفة، {تَلَّهُ}: فعل، وفاعل مستتر يعود على إبراهيم، والهاء ضمير عائد على الغلام في محل النصب مفعول به. والجملة معطوفة على جملة {أَسْلَما}: على كونها فعل شرط لـ {لما} . {لِلْجَبِينِ} : جار ومجرور، متعلق بمحذوف حال من ضمير المفعول في {تَلَّهُ}: أو متعلق بـ {تل} ، {وَنادَيْناهُ}: فعل، وفاعل، ومفعول به، معطوف على {أَسْلَما} ، وجواب لما الشرطية محذوف تقديره: ظهر صبرهما، أو أجزلنا لهما أجرهما، أو كان ما كان مما تنطق به الحال. وقال الكوفيون والأخفش: الجواب: وتله للجبين بزيادة الواو. وقيل: وناديناه بزيادة الواو أيضًا، والأول أرجح. {أَنْ} مفسرة؛ لأن النداء فيه معنى القول دون حروفه، {يا إِبْراهِيمُ}: منادى مفرد العلم، وجملة النداء مفسرة لنادينا المذكور، {قَدْ} حرف تحقيق، {صَدَّقْتَ} فعل وفاعل، {الرُّؤْيا} مفعول به، والجملة الفعلية جملة مفسرة للنداء المذكور، لا محل لها من الإعراب. {إِنَّا} ناصب واسمه، {كَذلِكَ} صفة لمصدر محذوف مقدم على عامله، {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله، ومفعول به. والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن}: جملة مفسرة مسوقة لتعليل ما قبلها. {إِنَّ هذا} : ناصب واسمه. {لَهُوَ} اللام: حرف ابتداء. {هو} : ضمير فصل، {الْبَلاءُ}: خبر {إِنَّ} . {الْمُبِينُ} : صفة لـ {لبلاء} ، وجملة {إِنَّ} جملة مفسرة لـ {نادَيْناهُ} ، لا محل لها من الإعراب. {وَفَدَيْناهُ}: فعل، وفاعل، ومفعول، معطوف على جواب لما المذكور، أو المحذوف على الخلاف المار فيه. {بِذِبْحٍ} متعلق بـ {فَدَيْناهُ} ، {عَظِيمٍ}: صفة لـ {ذبح} ، {وَتَرَكْنا} فعل، وفاعل، معطوف على جملة {لما} . {عَلَيْهِ} متعلق بـ {تَرَكْنا} ومفعول {تَرَكْنا} محذوف. {فِي الْآخِرِينَ} صفة لذلك المحذوف، والتقدير: وتركنا له ثناء حسنًا كائنًا في الآخرين. {سَلامٌ} مبتدأ، {عَلى إِبْراهِيمَ} خبره. والجملة الاسمية
في محل النصب مقول لقول محذوف، تقديره: وقلنا سلام على إبراهيم.
{كَذلِكَ} : صفة لمصدر محذوف، مقدم على عامله. {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر، ومفعول به، والتقدير: نجزي المحسنين جزاءً كائنًا كذلك الجزاء المذكور. {إِنَّهُ} : ناصب واسمه، {مِنْ عِبادِنَا} خبره. والجملة مستأنفة. {عباد} مضاف. {نا}: مضاف إليه، {الْمُؤْمِنِينَ}: صفة لـ {عِبادِنَا} ، {وَبَشَّرْناهُ}: فعل، وفاعل، ومفعول به، معطوف على {بشرنا} الأولى. {بِإِسْحاقَ} متعلق بـ {بَشَّرْناهُ}. {نَبِيًّا}: حال من {إسحاق} . {مِنَ الصَّالِحِينَ} : صفة لـ {نَبِيًّا} أو حال ثانية. {وَبارَكْنا} فعل وفاعل {عَلَيْهِ وَعَلى إِسْحاقَ} متعلقان بـ {بارَكْنا} . {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِما} : خبر مقدم. {مُحْسِنٌ} : مبتدأ مؤخر، {وَظالِمٌ}: معطوف عليه. {لِنَفْسِهِ} : متعلق بـ {ظالِمٌ} ، {مُبِينٌ}: صفة لـ {ظالِمٌ} . والجملة مستأنفة.
{وَلَقَدْ} {الواو} : استئنافية، واللام: موطئة للقسم. {قد} حرف تحقيق. {مَنَنَّا} : فعل، وفاعل جواب القسم، لا محل لها من الإعراب. وجملة القسم مستأنفة. {عَلى مُوسى}: متعلق بـ {مَنَنَّا} ، {وَهارُونَ}: معطوف على {مُوسى} ، {وَنَجَّيْناهُما}: فعل وفاعل، ومفعول به، معطوف على {مَنَنَّا} ، {وَقَوْمَهُما} معطوف على ضمير {هما} ، {مِنَ الْكَرْبِ}: متعلق بـ {نَجَّيْناهُما} ، {الْعَظِيمِ} صفة لـ {الْكَرْبِ} ، {وَنَصَرْناهُمْ}: فعل، وفاعل، ومفعول به، معطوف على {مَنَنَّا} ، {فَكانُوا}: فعل ناقص واسمه، معطوف على {نَصَرْناهُمْ} ، {هُمُ}: ضمير فصل {الْغالِبِينَ} خبر {كان} ، {وَآتَيْناهُمَا الْكِتابَ}: فعل، وفاعل، ومفعولان، معطوف على {مَنَنَّا} ، {الْمُسْتَبِينَ}: صفة
لـ {الْكِتابَ} ، {وَهَدَيْناهُمَا}: فعل، وفاعل، ومفعول أول، معطوف على {مَنَنَّا} ، {الصِّراطَ}: مفعول ثان لـ {آتينا} ، {الْمُسْتَقِيمَ} صفة لـ {الصِّراطَ} ، {وَتَرَكْنا}: فعل، وفاعل، معطوف على {مَنَنَّا} ، {عليهما} متعلق بـ {تَرَكْنا} ، {فِي الْآخِرِينَ} صفة لمفعول {تَرَكْنا} المحذوف؛ أي: وتركنا لهما ثناء حسنًا كائنًا في الآخرين. {سَلامٌ} . مبتدأ {عَلى مُوسى} : خبر. {وَهارُونَ} : معطوف على {مُوسى} . والجملة مقول لقول محذوف؛ أي: وقلنا سلام على موسى وهارون.
{إِنَّا} : ناصب واسمه، {كَذلِكَ}: صفة لمصدر محذوف مقدم على عامله، {نَجْزِي}: فعل مضارع، وفاعل مستتر، {الْمُحْسِنِينَ}: مفعول به. والجملة الفعلية في محل الرفع خبر إنا؛ أي: إنا مجازو، المؤمنين جزاء كائنًا كذلك الجزاء المذكور {إِنَّهُما} ناصب واسمه، {مِنْ عِبادِنَا} خبر {إن} ، {الْمُؤْمِنِينَ} صفة لـ {العباد} ، وجملة إن مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها {وإن} {الواو}: استئنافية أو عاطفة قصة على قصة. {إِنَّ} حرف نصب، {إِلْياسَ} اسمها، {لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ} خبرها، واللام حرف ابتداء. والجملة مستأنفة أو معطوفة على ما سبق من القصص.
{إِذْ} : ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بمحذوف تقديره: اذكر يا محمد قصة وقت قول إلياس لقومه، {قالَ}: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على {إِلْياسَ} . والجملة في محل الجر مضاف لـ {إِذْ} ، {لِقَوْمِهِ} متعلق بـ {قالَ} ، {أَلا} حرف عرض، مبني على السكون. وقيل: الهمزة للاستفهام الأمري.
{لا} : نافية. {تَتَّقُونَ} : فعل وفاعل، ومفعوله محذوف، تقديره: عذاب الله.
والجملة الفعلية في محل النصب، مقول قال. {أَتَدْعُونَ}: الهمزة للاستفهام الإنكاري، {أَتَدْعُونَ بَعْلًا}: فعل وفاعل ومفعول به، والجملة في محل النصب مقول {قالَ}. {وَتَذَرُونَ}: فعل، وفاعل، معطوف على {تَدْعُونَ} ، {أَحْسَنَ الْخالِقِينَ}: مفعول به، ومضاف إليه، {اللَّهَ}: بالنصب بدل من أحسن الخالقين، {رَبَّكُمْ}: بدل من لفظ الجلالة، {وَرَبَّ آبائِكُمُ}: معطوف على ربكم، {الْأَوَّلِينَ}: صفة لـ {آبائِكُمُ} : فالكلمات الثلاث منصوبة. وقرىء بالرفع على أنها أخبار لمبتدأ محذوف؛ أي: هو الله، أو {اللَّهَ}: مبتدأ، و {رَبَّكُمْ}: خبره. والجملة الاسمية بدل من {أَحْسَنَ الْخالِقِينَ} . {وَرَبَّ آبائِكُمُ} : معطوف على {رَبَّكُمْ} ، {فَكَذَّبُوهُ}: الفاء: عاطفة. {كذبوه} : فعل، وفاعل، ومفعول به. والجملة معطوفة على جملة قال. {فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر تقديره: إذا عرفت دعوته إياهم إلى الإيمان، وتكذيبهم له وأردت بيان عاقبة أمرهم فأقول لك {إنهم} ناصب واسمه {لَمُحْضَرُونَ}: خبره، واللام: حرف ابتداء. والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ، {عِبادَ اللَّهِ} منصوب على الاستثناء من فاعل {كذبوا} ، {الْمُخْلَصِينَ}: نعت لعباد الله، {وَتَرَكْنا}: فعل، وفاعل، {عَلَيْهِ}: متعلق به. والجملة مستأنفة. ومفعول {تَرَكْنا} محذوف؛ أي: ثناء حسنًا {فِي الْآخِرِينَ} : صفة لذلك المحذوف، {سَلامٌ} مبتدأ، {عَلى إِلْ ياسِينَ}: خبر. والجملة الاسمية مقول لقول محذوف، تقديره: وقلنا سلام على إلياسين. {إِنَّا} ناصب واسمه، {كَذلِكَ} صفة لمصدر محذوف، مقدم على عاملة، وجملة {نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}: خبر {إن} ، وجملة {إن}: مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها، {إِنَّهُ}: ناصب واسمه، {مِنْ عِبادِنَا} خبره، {الْمُؤْمِنِينَ}: صفة لـ {العباد} . وجملة {إن} : مستأنفة مسوقة لتعليل ما قبلها.
{وَإِنَّ} الواو: استئنافية أو عاطفة قصة على قصة. {إِنَّ} : حرف نصب. {لُوطًا} : اسمها، {لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}: خبر {إِنَّ} ، واللام: حرف ابتداء. والجملة مستأنفة. {إِذْ} : ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بمحذوف تقديره: اذكر. {نَجَّيْناهُ} : فعل وفاعل ومفعول به. والجملة في محل الجر، مضاف إليه لـ {إِذْ} . {وَأَهْلَهُ} معطوف على ضمير {نَجَّيْناهُ} ، {أَجْمَعِينَ}: تأكيد لما قبله، {إِلَّا} أداة استثناء مفرغ، {عَجُوزًا} منصوب على الاستثناء. {فِي الْغابِرِينَ} صفة {عَجُوزًا} .
{ثُمَّ} : حرف عطف للترتيب مع التراخي. {دَمَّرْنَا} : فعل، وفاعل، معطوف على {نَجَّيْناهُ} ، {الْآخَرِينَ}: مفعول به، {وَإِنَّكُمْ}:{الواو} : عاطفة أو استئنافية، {إِنَّكُمْ} ناصب واسمه، {لَتَمُرُّونَ} اللام: حرف ابتداء، {تمرون}: فعل، وفاعل، {عَلَيْهِمْ} متعلق بـ {تمرون} ، {مُصْبِحِينَ} حال من فاعل {تمرون} . وهو من أصبح التامة. والجملة الفعلية في محل الرفع خبر، وجملة {إن} معطوفة على جملة قوله:{وَإِنَّ لُوطًا} أو مستأنفة {وَبِاللَّيْلِ} : {الواو} : عاطفة، {بِاللَّيْلِ} جار ومجرور، متعلق بمحذوف، معطوف على مصبحين على كونه حالًا من فاعل {تمرون}؛ أي: وملتبسين بالليل. {أَفَلا} : الهمزة للاستفهام التوبيخي، داخلة على مقدر معلوم من المقام، والفاء: عاطفة على ذلك المحذوف، {لا}: نافية. {تَعْقِلُونَ} : فعل، وفاعل، معطوف على ذلك المقدر، والتقدير: أتشاهدون ذلك فلا تعقلون حتى تعتبروا به، وتخافوا أن يصيبكم مثل ما أصابهم والجملة المحذوفة جملة إنشائية، لا محل لها من الإعراب.
{وَإِنَّ} الواو: عاطفة قصة على قصة أو استئنافية، {إِنَّ} حرف نصب، {يُونُسَ}: اسمها، {لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ}: خبرها، واللام: حرف ابتداء. والجملة
مستأنفة. أو معطوفة على ما سبق من القصص. {إِذْ} : ظرف لما مضى من الزمان، متعلق بمحذوف، تقديره: اذكر يا محمد لقومك قصة وقت إباقه. {أَبَقَ} فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على يونس. والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذْ} . {إِلَى الْفُلْكِ} متعلق بـ {أَبَقَ} ، {الْمَشْحُونِ}: صفة لـ {الْفُلْكِ} . {فَساهَمَ} : الفاء: عاطفة، {ساهم} فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على يونس. والجملة في محل الجر معطوفة على جملة {أَبَقَ}. {فَكانَ}: الفاء: عاطفة، {كان}: فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على يونس، {مِنَ الْمُدْحَضِينَ:} خبر {كان} ، وجملة {كان} معطوف على جملة {ساهم}. {فَالْتَقَمَهُ}: الفاء: عاطفة على محذوف معلوم من السياق، تقديره: فألقوه في البحر، فالتقمه الحوت. والجملة المحذوفة معطوفة على جملة {كان} ، {التقمه}: فعل، ومفعول، {الْحُوتُ}: فاعل. والجملة معطوفة على تلك المحذوفة. {وَهُوَ} : {الواو} : حالية، {هُوَ مُلِيمٌ}: مبتدأ وخبر. والجملة الاسمية في محل النصب حال من مفعول {التقمه} .
{فَلَوْلا} الفاء: استئنافية، {لولا}: حرف امتناع لوجود، {أَنَّهُ}: ناصب واسمه، {كان}: فعل ماض ناقص، واسمه ضمير يعود على يونس. {مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} خبر {كَانَ} ، وجملة {كَانَ}: في محل الرفع خبر {أن} ، وجملة {أن}: في تأويل مصدر مرفوع على الابتداء، والخبر محذوف وجوبًا، تقديره: فلولا كونه من المسبحين موجود، {لَلَبِثَ} اللام: رابطة لجواب {لولا} ، {لبث}: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على يونس، {فِي بَطْنِهِ}: متعلق بـ {لبث} ، {إِلى يَوْمِ}: جار ومجرور، متعلق بلبث أيضًا، {يُبْعَثُونَ}: فعل مضارع، مغيّر الصيغة، ونائب فاعل. والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {يَوْمِ} ، وجملة {لبث} جواب {لولا} ، لا محل لها من الإعراب. وجملة {لولا} مستأنفة.
{فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ (146) وَأَرْسَلْناهُ
إِلى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (147) فَآمَنُوا فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ (148)}.
{فَنَبَذْناهُ} الفاء: عاطفة على محذوف، تقديره: أمرنا الحوت بنبذه فنبذناه. {نبذناه} : فعل، وفاعل، ومفعول به. والجملة معطوفة على تلك المحذوفة. {بِالْعَراءِ} متعلق بـ {نبذنا} ، {وَهُوَ} {الواو}: حالية، {هُوَ سَقِيمٌ}: مبتدأ وخبر. والجملة الاسمية في محل النصب حال من مفعول {نبذناه} . {وَأَنْبَتْنا} : فعل، وفاعل، معطوفة على {نبذنا} ، {عَلَيْهِ}: متعلق بـ {أَنْبَتْنا} ، {شَجَرَةً}: مفعول به، {مِنْ يَقْطِينٍ}: صفة لـ {شَجَرَةً} ، {وَأَرْسَلْناهُ} فعل وفاعل، ومفعول، معطوف على {أنبتنا} ، {إِلى مِائَةِ أَلْفٍ} جار ومجرور، ومضاف إليه، متعلق بـ {أرسلنا}. {أَوْ} حرف عطف بمعنى الواو. {يَزِيدُونَ}: فعل، وفاعل، صفة لموصوف محذوف، تقديره: وإلى عدد يزيدون على ذلك، {فَآمَنُوا}: الفاء: عاطفة، {آمنوا}: فعل، وفاعل، معطوف على أرسلناه، {فَمَتَّعْناهُمْ} الفاء: عاطفة، {متعناهم}: فعل، وفاعل، ومفعول به، معطوف على آمنوا، {إِلى حِينٍ} متعلق بـ {متعناهم} .
التصريف ومفردات اللغة
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ} ؛ أي: فلما بلغ السن التي تساعده على أن يسعى معه في أعماله، وحاجات المعيشة. {أَسْلَما}؛ أي: استسلما، وانقادا لأمر الله تعالى. يقال: سلم لأمر الله، وأسلم، واستسلم بمعنى واحد. قرىء بهن جميعًا، كما مر. {وَتَلَّهُ}؛ أي: كبه على وجهه. {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} ؛ أي: صرعه، وأسقطه، فوقع أحد جنبيه على الأرض، تواضعًا على مباشرة الأمر بصبر، وجلد. وفي «المصباح»: والجبين: جانب الجبهة من محاذاة النزعة إلى الصدغ، وهما جبينان عن يمين الجبهة وشمالها، قاله الأزهري، وابن فارس، وغيرهما فتكون الجبهة بين جبينين، وجمعه جبن بضمتين مثل: بريد وبرد، وأجبنة مثل أسلحة. وفي «القاموس»: تله تلا من باب قتل، فهو متلول وتليل أو ألقاه على عنقه وخده. قال الراغب: أصل التل: المكان المرتفع، والتليل: العنق وتله للجبين: أسقطه على التل أو على تليله.
{صَدَّقْتَ الرُّؤْيا} ؛ أي: حققت ما طلب منك. {لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} ؛ أي: الاختبار البيّن الذي يتميز فيه المخلص من غيره. {بِذِبْحٍ} ؛ أي: بحيوان يذبح، وهو كبش، قرّبه هابيل، فذبحه إبراهيم فداءً لولده، وقد بقي قرناه معلقين على الكعبة إلى أن احترق البيت في زمن ابن الزبير. قال الشعبي: رأيت قرني الكبش منوطين بالكعبة. وقال ابن عباس والذي نفسي بيده لقد كان أول الإسلام، وأن رأس الكبش لمعلق بقرنية في ميزاب الكعبة وقد يبس، اهـ الخازن. ومن المعلوم المقرر، أن كل ما هو من الجنة لا تؤثر فيه النار، فلم يطبخ لحم الكبش، بل أكلته السباع والطيور، تأمل.
{وَبَشَّرْناهُ} : من التبشير، وهو الإخبار بما يظهر سرورًا في المخبر به، ومنه: تباشير الصبح لما ظهر من أوائل ضوئه. {وَبارَكْنا عَلَيْهِ} ؛ أي: أفضنا البركات عليه. {وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلى مُوسى وَهارُونَ (114)} المنان في صفة الله تعالى، المعطي ابتداء من غير أن يطلب عوضًا. يقال: منّ عليه منّا إذا أعطاه شيئًا، ومنّ عليه منّة إذا أعد نعمته عليه، وامتن وهو مذموم من الخلق، لا من الحق كما قال تعالى:{بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ} .
{الْكِتابَ الْمُسْتَبِينَ} ؛ أي: البليغ المتناهي في البيان. فاستبان مبالغة بان بمعنى: ظهر ووضح، وجعل الكتاب بالغا في بيانه من حيث إنه لكماله في بيان الأحكام، وتمييز الحلال عن الحرام، كأنه يطلب من نفسه أن يبيّنها، ويحمل نفسه على ذلك. وقيل: هذه السين كهي في قوله: {يَسْتَسْخِرُونَ} . فإن بان، واستبان، وتبين واحد نحو: عجل، واستعجل، وتعجل. فيكون معناه: الكتاب المبين.
{بَعْلًا} والبعل هو الذكر من الزوجين. ولما تصور من الرجل استعلاء على المرأة، فجعل سائسها والقائم عليها شبّه كل مستعل على غيره به، فسمّي باسمه، فسمى العرب معبودهم الذي يتقربون به إلى الله: بعلا لاعتقادهم ذلك. فالبعل اسم صنم كان لأهل بك من الشام، وهو البلد المعروف اليوم ببعلبك، وكان من ذهب طوله عشرون ذراعًا، كما مر. وفي «تاج العروس»: قال الأزهري: هما
اسمان جعلا اسمًا واحدًا لمدينة بالشام، والنسبة إليها بعلي أو بكي على ما ذكر في عبد شمس.
{وَتَذَرُونَ} ؛ أي: تتركون. وسمعنا عمن له نصاب في العربية أن كلمتي ذر ودع أمران في معنى الترك، إلا أن {دع} أمر للمخاطب بترك الشيء قبل العلم به، و {ذر} أمر له بتركه بعدما علمه. وروي: أن بعض الأئمة سأل الإمام الرازي عن قوله تعالى: {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ (125)} لم لم يقل: وتدعون أحسن الخالقين، وهذا أقرب من الفصاحة للمجانسة؟ فقال الإمام: لأنهم اتخذوا الأصنام آلهةً، وتركوا الله بعد ما علموا أن الله ربهم ورب آبائهم الأولين استكبارًا. فكذلك قيل لهم:{وَتَذَرُونَ} ولم يقل: وتدعون، هذا. وقد أمات العرب ماضي دع وذر، ومصدرهما ولكن روي في الحديث:«لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات» ؛ أي: عن تركهم الجمعات. وقال في «القاموس» : ودعه؛ أي: اتركه، أصله: ودع كوضع، وقد أميت ماضيه، وإنما يقال في ماضيه: تركه، وجاء في الشعر ودعه، وهو مودوع. وقرىء شاذًا {ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ} ، وهي قراءته صلى الله عليه وسلم. وقال الجوهري: ولا يقال وادع، وينافيه وروده في الشعر والقراءة إلا أن يحمل قولهم:«وقد أميت ماضيه» على قلة الاستعمال. فهو شاذ استعمالًا، صحيح قياسًا.
{فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} الإحضار المطلق مخصوص بالشر عرفًا. {إِلَّا عَجُوزًا} العجوز: المرأة المسنة، سميت عجوزا لعجزها عن كثير من الأمور، كما في «المفردات» .
{ثُمَّ دَمَّرْنَا} التدمير: إدخال الهلاك على الشيء؛ أي: أهلكنا. {أَبَقَ} ؛ أي: هرب من قومه بغير إذن ربه. وأصل الإباق: هرب العبد من سيده، ولكن أطلق هنا على يونس على طريقة الاستعارة التصريحية التبعية، أو على طريق المجاز المرسل، والعلاقة هي استعمال المقيد في المطلق، وفي «المصباح»: أبق العبد أبقا من بابي تعب وقتل في لغة، والأكثر من باب ضرب إذا هرب من سيده من غير خوف ولا كد. والإباق بالكسر اسم منه، فهو آبق، والجمع أباق، مثل:
كافر وكفار.
{إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} ؛ أي: المملوء بالأحمال، يقال: شحن السفينة ملأها كما في «القاموس» . {فَساهَمَ} ؛ أي: فقارع من في الفلك؛ أي: عمل قرعة. والسهم: ما يرمى من القداح ونحوه. والمعنى: فقارع أهل الفلك عن الآبق، وألقوا السهام على وجه القرعة.
{فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} ؛ أي: فصار من المغلوبين بالقرعة، وأصله: المزلق عن مقام الظفر والغلبة. قال في «القاموس» : دحضت رجله زلقت، والشمس زالت دحوضا بطلت، انتهى. {فَالْتَقَمَهُ} الالتقام: الابتلاع، يقال: لقمت اللقمة، والتقمتها إذا ابتلعتها؛ أي: فابتلعه الحوت العظيم. {وَهُوَ مُلِيمٌ} ؛ أي: داخل في الملامة، يقال: ألام فلان إذا فعل ما يلام عليه. وفي «المصباح» : لامه لومًا من باب قال عذله، فهو ملوم على النقص. والفاعل لائم، والجمع لوم مثل: راكع وركع، وألامه بالألف لغة، فهو ملام، والفاعل مليم، والاسم الملامة، والجمع ملاوم، واللائمة مثل الملامة، وألام الرجل إذا فعل ما يستحق عليه اللوم، وتلوّم تلوّمًا مكث.
{فَنَبَذْناهُ} النبذ: إلقاء الشيء، وطرحه لقلة الاعتداد به. {بِالْعَراءِ}؛ أي: بالمكان الخالي لا شجر فيه ولا شيء يغطيه، وهو مشتق من العري. وهو عدم السترة، شبهت الأرض الجرد بذلك لعدم استتارها بشيء. والعراء بالقصر: الناحية، ومنه: اعتراه؛ أي: قصد عراه. وعبارة «القاموس» : العراء: الفضاء لا يستتر فيه بشيء، وجمعه أعراء، وأعرى سار فيه وأقام.
{مِنْ يَقْطِينٍ} ؛ أي: دباء القرع العسلي المعروف الآن. وقيل: الموز. وهو أظهر، لأن أوراقه أعرض. قال في القاموس: اليقطين: ما لا ساق له من النبات ونحوه، وبهاء القرعة الرطبة. وعبارة الزمخشري: واليقطين: كل ما ينبسط على وجه الأرض، ولا يقوم على ساق كشجرة البطيخ، والقثاء، والحنظل. وهو يفعيل من قطن بالمكان إذا أقام به. وقيل: هو الدباء. وإنما خص القرع لأنه يجمع بين برد الظل، ولين الملمس، وكبر الورق، وأن الذباب لا يقربه.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: الإتيان بصيغة المضارع في قوله: {افْعَلْ ما تُؤْمَرُ} حيث لم يقل: ما أمرت، للدلالة أن الأمر متعلق به، متوجه إليه، مستمر إلى حين الامتثال به.
ومنها: الطباق بين {أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ} ، وبين {مُحْسِنٌ وَظالِمٌ} .
ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: {بَعْلًا} ؛ لأن البعل في الأصل: الذكر من الزوجين، شبه كل مستعل على غيره به، فسمي به على طريقة الاستعارة التصريحية الأصلية.
ومنها: التشبيه في قوله: {إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (80)} .
ومنها: الاستعارة التصريحية التبعية في قوله: {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (140)} . شبه خروجه بغير إذن ربه بإباق العبد من سيده، ثم اشتق منه أبق بمعنى خرج بغير إذن ربه، على طريق الاستعارة التصريحية التبعية، أو على طريق المجاز المرسل، والعلاقة هي استعمال المقيد في المطلق.
ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {وَنادَيْناهُ} لما فيه من إسناد الفعل إلى الآمر لكونه سببه؛ لأن المنادى جبرائيل.
ومنها: جمع المؤكدات في قوله: {إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ (106)} إشعارًا بفخامة الأمر. لأنه أكده بـ {أن} ، وبضمير الفصل، وباللام، وباسمية الجملة.
ومنها: الكناية في قوله: {وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (78)} ؛ لأنه كناية عن الثناء الحسن والذكر الجميل.
ومنها: الإسناد المجازي، في قوله:{فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ} ؛ لأنه من قبيل إسناد الفعل إلى السبب الحامل على الفعل.
ومنها: الكناية في قوله: {فَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ} ؛ لأنه كناية عن رد العذاب
عنهم، وصرف العقوبة.
ومنها: استعمال العام بمعنى الخاص في قوله: {يَقْطِينٍ} ؛ لأن اليقطين في الأصل: كل ما لا ساق له، فأطلق هنا على القرع فقط استعمالًا للعام في بعض جزئياته.
ومنها: الاستعارة التصريحية التحقيقية في قوله: {وَهَدَيْناهُمَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ (118)} ؛ لأنه استعير {الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ} من معناه الحقيقي، وهو الطريق المستوي للدين الحق، وهو ملة الإسلام. وهذا أمر تحقق عقلًا، فقد نقل اللفظ إلى أمر معلوم.
ومنها: الطباق في قوله: {مُصْبِحِينَ} {وَبِاللَّيْلِ} .
ومنها: الزيادة، والحذف في عدة مواضع.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
قال الله سبحانه جلَّ وعلا:
المناسبة
قوله تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ
…
} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما (1) أمر رسوله صلى الله عليه وسلم في صدر هذه السورة بتبكيت قريش، وتوبيخهم على إنكارهم للبعث مع قيام الأدلة، وتظاهرها على وجوده، ثم ساق الكثير منها مما لا يمكن رده ولا جحده، ثم أعقبه بذكر ما سيلقونه من العذاب حينئذ، واستثنى منهم عباد الله المخلصين، وبيّن ما يلقونه من النعيم، ثم عطف على هذا أنه قد ضل قبلهم أكثر الأولين، وأنه أرسل إليهم منذرين، ثم أورد قصص بعض الأنبياء، تفصيلا متضمنا وصفهم بالفضل والعبودية له عز وجل .. أمره هنا أيضًا بالتشديد عليهم ثانيًا بطريق الاستفتاء عن وجه القسمة الجائرة التي عملوها، وهي جعل البنات لله، وجعل البنين لأنفسهم بقولهم: الملائكة بنات الله، ثم بالتقريع
(1) المراغي.
ثالثًا على استهانتهم الملائكة بجعلهم إناثًا، ثم أبطل كلًا من هذين بالحجة، التي لا يجد العاقل محيصًا عن التصديق بها والإذعان لها.
قوله تعالى: {فَإِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ
…
} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما أثبت فساد آراء المشركين ومذهبهم .. أتبع ذلك بما نبه به، إلى أن هؤلاء المشركين، لا يقدرون على حمل أحد على الضلال، إلا إذا كان مستعدًا له، وقد سبق في حكم الله تعالى، أنه من أهل النار، وأنه لا محالة واقع فيها. ثم حكى اعتراف الملائكة بالعبودية تنبيهًا إلى فساد قول من ادعى، أنهم أولاد الله تعالى، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ
…
} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما هدد (1) المشركين بقوله: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} .. أردفه بما يقوي قلب رسوله صلى الله عليه وسلم بوعده بالنصر، والتأييد، كما جاء في آية أخرى:{كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} .
أسباب النزول
قوله تعالى: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا
…
} الآية، سبب نزولها (2): ما أخبره جويبر عن الضحاك عن ابن عباس، قال: أنزلت هذه الآية في ثلاثة أحياء من قريش: سليم وخزاعة وجهينة.
قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ
…
} سبب نزوله: ما أخرجه البيهقي في «شعب الإيمان» عن مجاهد قال: قال كبار قريش: الملائكة بنات الله، فقال لهم أبو بكر الصديق: فمن أمهاتهم؟ قالوا: بنات سراة الجن. فأنزل الله: {وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ ..} الآية.
قوله تعالى: {وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ
…
} الآية، سبب نزولها: ما أخرجه ابن أبي حاتم عن يزيد بن أبي مالك، قال: كان الناس يصلون متبددين، فأنزل الله:
(1) المراغي.
(2)
لباب النقول.