المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الهوى، وخسر عقباه بارتكاب ما نهى عنه، وخسر مولاه بتولي - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ٢٤

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌63

- ‌64

- ‌65

- ‌66

- ‌67

- ‌68

- ‌69

- ‌70

- ‌71

- ‌72

- ‌73

- ‌74

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌78

- ‌79

- ‌80

- ‌81

- ‌82

- ‌83

- ‌سورة الصافات

- ‌1

- ‌(2)

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌37

- ‌38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌63

- ‌64

- ‌65

- ‌66

- ‌67

- ‌68

- ‌69

- ‌70

- ‌71

- ‌72

- ‌73

- ‌74

- ‌75

- ‌76

- ‌ 77

- ‌ 78

- ‌79

- ‌80

- ‌81

- ‌82

- ‌83

- ‌84

- ‌85

- ‌86

- ‌87

- ‌88

- ‌89

- ‌90

- ‌91

- ‌92

- ‌93

- ‌94

- ‌95

- ‌96

- ‌97

- ‌98

- ‌99

- ‌100

- ‌101

- ‌102

- ‌103

- ‌104

- ‌105

- ‌106

- ‌107

- ‌108

- ‌109

- ‌110

- ‌111

- ‌(112)}

- ‌113

- ‌114

- ‌115

- ‌116

- ‌117

- ‌118

- ‌119

- ‌120

- ‌121

- ‌122

- ‌123

- ‌124

- ‌125

- ‌126

- ‌127

- ‌128

- ‌129

- ‌130

- ‌131

- ‌132

- ‌133

- ‌134

- ‌135

- ‌136

- ‌137

- ‌138

- ‌139

- ‌140

- ‌141

- ‌142

- ‌143

- ‌144

- ‌145

- ‌146

- ‌147

- ‌148

- ‌149

- ‌150

- ‌151

- ‌152

- ‌153

- ‌154

- ‌155

- ‌156

- ‌157

- ‌158

- ‌159

- ‌160

- ‌161

- ‌162

- ‌163

- ‌164

- ‌165

- ‌166

- ‌167

- ‌168

- ‌169

- ‌170

- ‌171

- ‌(172)}

- ‌173

- ‌174

- ‌175

- ‌176

- ‌177

- ‌178

- ‌179

- ‌180

- ‌181

- ‌182

- ‌سورة ص

- ‌(1)

- ‌2

- ‌3

- ‌4)}

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌ 13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌ 20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

- ‌32

- ‌33

- ‌34

- ‌35

- ‌36

- ‌ 37

- ‌ 38

- ‌39

- ‌40

- ‌41

- ‌42

- ‌43

- ‌44

- ‌45

- ‌46

- ‌47

- ‌48

- ‌49

- ‌50

- ‌51

- ‌52

- ‌53

- ‌54

- ‌55

- ‌56

- ‌57

- ‌58

- ‌59

- ‌60

- ‌61

- ‌62

- ‌63

- ‌64

- ‌65

- ‌66

- ‌67

- ‌68

- ‌69

- ‌70

- ‌71

- ‌72

- ‌73

- ‌74

- ‌75

- ‌76

- ‌77

- ‌78

- ‌79

- ‌80

- ‌81

- ‌82

- ‌83

- ‌84

- ‌85

- ‌86

- ‌87

- ‌88

- ‌سورة الزمر

- ‌1

- ‌2

- ‌3

- ‌4

- ‌5

- ‌6

- ‌7

- ‌8

- ‌9

- ‌10

- ‌11

- ‌12

- ‌13

- ‌14

- ‌15

- ‌16

- ‌17

- ‌18

- ‌19

- ‌20

- ‌21

- ‌22

- ‌23

- ‌24

- ‌25

- ‌26

- ‌27

- ‌28

- ‌29

- ‌30

- ‌31

الفصل: الهوى، وخسر عقباه بارتكاب ما نهى عنه، وخسر مولاه بتولي

الهوى، وخسر عقباه بارتكاب ما نهى عنه، وخسر مولاه بتولي غيره.

والمعنى (1): أي قل لهم أيها الرسول: إن الخسران الذي لا خسران بعده، هو خسران النفس، وإضاعتها بالضلال، وخسران الأتباع الذين أضلوهم، وأوقعوهم في العذاب السرمدي يوم القيامة، إذ أوقعوهم في هلكة ما بعدها هلكة، ألا هو الخسران المبين، الظاهر لكمال هوله، وفظاعة شأنه.

‌16

- ثم فصل ذلك الخسران، وبينه بعد إبهامه، تهويلًا وتعظيمًا لأمره فقال:{لَهُمْ} خبر مقدم، والضمير للخاسرين {مِنْ فَوْقِهِمْ} حال من {ظُلَلٌ} وهو مبتدأ مؤخر {مِنَ النَّارِ} صفة لـ {ظُلَلٌ} ، والظل: جمع ظلة كغرف وغرفة، كما سيأتي، وهي في الأصل: سحابة تظل، والمراد هنا (2): طباق وسرادقات من النار ودخانها، وسميت النار ظلة لغلظها وكثافتها، ولأنها تمنع من النظر إلى ما فوقهم، والمعنى: للخاسرين ظلل وطبقات من النار، ودركات كثيرة متراكبة بعضها فوق بعض، حال كون تلك الظلل من فوقهم {وَمِنْ تَحْتِهِمْ} أيضًا {ظُلَلٌ} والمراد: إحاطة النار بهم من جميع جوانبهم، كما قال تعالى:{أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها} . ونحو الآية قوله تعالى: {يَوْمَ يَغْشاهُمُ الْعَذابُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ} ، وقوله:{لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ} .

والمعنى: أي لهم من فوقهم أطباق من النار، تلتهب عليهم، ومن تحتهم ظلل؛ أي: أطباق من النار، وسمي ما تحتهم ظللا لأنها تظلل من تحتها من أهل النار؛ لأن طبقات النار، كان في كل طبقة منها طائفة من طوائف الكفار، كما قال السدي: هي لمن تحتهم ظلل، وهكذا حتى ينتهي إلى القعر والدرك الأسفل، الذي هو للمنافقين. فالظلل لمن تحتهم، وهي فرش لهم، وكما قال في «الأسئلة المقحمة»: كيف يسمى ما هو الأسفل ظللًا والظلل ما يكون فوقًا؟

والجواب: لأنها تظلل من تحتها.

(1) المراغي.

(2)

روح البيان.

ص: 503

وفي (1) ذلك إشعار بشدة حالهم في النار، وتهكم بهم؛ لأن الظلة إنما هي للاستظلال والتبرد، خصوصًا في الأراضي الحارة كأرض الحجاز، فإذا كانت من النار نفسها كانت أحر، ومن تحتها أغم.

{ذَلِكَ} العذاب الفظيع هو الذي {يُخَوِّفُ اللَّهُ} سبحانه {بِهِ} بذلك العذاب {عِبادَهُ} في القرآن ليؤمنوا، ويحذرهم إياه بآيات الوعيد، ليجتنبوا ما يوقعهم فيه، وفي «الوسيط»: يخوف الله به عباده المؤمنين، يعني: أن ما ذكر من العذاب معد للكفار، وهو تخويف للمؤمنين ليخافوه، فيتقوه بالطاعة والتوحيد، وهو معنى قوله:{يَاعِبَادِ} بحذف الياء، وأصله يا عبادي بالياء {فَاتَّقُونِ} ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي؛ أي: اتقوا هذه المعاصي، الموجبة لمثل هذا العذاب على الكفار. ووجه تخصيص العباد بالمؤمنين (2): أن الغالب في القرآن إطلاق لفظ العباد عليهم، وقيل: هو للكفار وأهل المعاصي، وقيل: هو عام للمسلمين والكفار. وهذه عظة من الله تعالى، بالغة منطوية على غاية اللطف والرحمة، وفيه إشارة، إلى أن الله تعالى، خلق جهنم سوطًا يسوق به عباده إلى الجنة، إذ ليس تحت الوجود إلا ما هو مشتمل على الحكمة والمصلحة، فمن خاف بتخويف الله تعالى إياه، من هذا الخسران .. فهو عبده عبدًا حقيقيًا، ومستأهل لشرف الإضافة إليه.

ومعنى قوله: {ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ} ؛ أي (3): إنما يقص عليكم ربكم خبر ما سيكون، لا محالة، ليزدجر عباده عن المحارم والآثام، ومعنى قوله:{يا عِبادِ فَاتَّقُونِ} ؛ أي: يا عبادي بالغوا في الخوف والحذر والتقوى، ولا تتعرضوا لما يوجب سخطي. وهذه منة منه تعالى، منطوية على نهاية اللطف والرحمة.

الإعراب

{تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ

(1) روح البيان.

(2)

الشوكاني.

(3)

المراغي.

ص: 504

اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2)}.

{تَنْزِيلُ} : مبتدأ، {الْكِتابِ}: مضاف إليه. {مِنَ اللَّهِ} : خبر، والجملة مستأنفة استئنافًا نحويًا. {الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}: نعتان للجلالة، ويجوز أن يكون {تَنْزِيلُ}: خبرًا لمبتدأ محذوف؛ أي: هذا تنزيل الكتاب؛ أي: هذا القرآن هو الكتاب المنزل، {مِنَ اللَّهِ} متعلق بالمصدر، أو بمحذوف خبر بعد خبر. {إِنَّا}: ناصب واسمه، {أَنْزَلْنا}: فعل، وفاعل. {إِلَيْكَ}: متعلق به، {الْكِتابَ}: مفعول به. {بِالْحَقِّ} : حال من الفاعل؛ أي: ملتبسين بالحق، أو من المفعول؛ أي: ملتبسًا بالحق. والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن} مستأنفة. {فَاعْبُدِ اللَّهَ}: الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفت إنزالنا عليك الكتاب، وأردت بيان ما هو اللازم لك .. فأقول: اعبد الله مخلصًا له الدين. {اعبد الله} فعل أمر، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {مُخْلِصًا}: حال من فاعل اعبد، {لَهُ}: متعلق بـ {مُخْلِصًا} ، و {الدِّينَ}: مفعول {مُخْلِصًا}

{أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (3)} .

{أَلا} : حرف استفتاح وتنبيه، {لِلَّهِ}: خبر مقدم، {الدِّينُ}: مبتدأ مؤخر، {الْخالِصُ}: صفة لـ {الدِّينُ} ، والجملة الاسمية مستأنفة، مقررة لما قبلها. {وَالَّذِينَ}:{الواو} : استئنافية، {الَّذِينَ}: مبتدأ، وجملة {اتَّخَذُوا} صلة الموصول، {مِنْ دُونِهِ}: مفعول ثان لـ {اتَّخَذُوا} ، أو حال من الفاعل، {أَوْلِياءَ}: مفعول أول، {ما} نافية، {نَعْبُدُهُمْ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب، مقول لقول محذوف، هو خبر المبتدأ، والتقدير: والذين اتخذوا من دونه أولياء، يقولون ما نعبدهم، والجملة الاسمية مستأنفة. {أَلا}: أداة استثناء مفرغ. {لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ} : اللام: لام

ص: 505

كي، {يقربونا}: فعل مضارع، وفاعل، ومفعول به منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، وعلامة نصبه حذف النون؛ لأن أصله: يقربوننا. والجملة الفعلية مع أن المضمرة، في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: إلا لتقريبهم إيانا إلى الله سبحانه، الجار والمجرور متعلق بنعبدهم، والاستثناء من أعم الأحوال؛ أي: ما نعبدهم لحال من الأحوال إلا لتقريبهم إيانا إلى الله تعالى. {زُلْفى} مصدر مؤكد، ليقربونا من غير لفظه، ولكنه ملاق لعامله في المعنى. {إِنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه، وجملة {يَحْكُمُ}: خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة. {بَيْنَهُمْ} متعلق بـ {يَحْكُمُ} ، {فِي ما}: متعلق بـ {يَحْكُمُ} أيضًا، {هُمْ}: مبتدأ، {فِيهِ}: متعلق بـ {يَخْتَلِفُونَ} ، وجملة {يَخْتَلِفُونَ} خبرهم، والجملة الاسمية صلة {ما} الموصولة. {إِنَّ اللَّهَ}: ناصب واسمه، وجملة {لا يَهْدِي} خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} مستأنفة. {مِنْ} اسم موصول، في محل النصب مفعول {يَهْدِي} ، {هُوَ كاذِبٌ} مبتدأ وخبر، {كَفَّارٌ} خبر ثان، والجملة الاسمية صلة {مِنْ} الموصولة.

{لَوْ أَرادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللَّهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (4) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (5)} .

{لَوْ} : حرف شرط غير جازم. {أَرادَ اللَّهُ} : فعل، وفاعل، والجملة فعل شرط لـ {لَوْ} ، {أَنْ}: حرف نصب ومصدر. {يَتَّخِذَ} : فعل مضارع، وفاعل مستتر، منصوب بأن المصدرية {وَلَدًا}: مفعول به، وجملة {أَنْ} المصدرية مع صلتها، في تأويل مصدر منصوب على المفعولية لـ {أَرادَ} ، تقديره: لو أراد الله سبحانه، اتخاذه ولدًا لنفسه. {لَاصْطَفى} اللام: رابطة لجواب {لَوْ} ، {اصطفى}: فعل، وفاعل مستتر، يعود على {اللَّهُ} ، {مِمَّا}: متعلق بـ {اصطفى} ، وجملة {اصطفى} جواب {لَوْ}: الشرطية، لا محل لها من الإعراب، وجملة {لَوْ} الشرطية مستأنفة. {يَخْلُقُ} فعل مضارع، وفاعل مستتر

ص: 506

يعود على الله، والجملة صلة لـ {ما} ، والعائد محذوف تقديره: مما يخلقه. {ما يَشاءُ} : ما اسم موصول في محل النصب مفعول {اصطفى} ، وجملة {يَشاءُ}: صلة لـ {ما} الموصولة، والعائد محذوف تقديره: ما يشاؤه، {سُبْحانَهُ} منصوب على المفعولية المطلقة بفعل محذوف وجوبًا، تقديره: سبحوه سبحانًا، أو أسبحه سبحانًا. والجملة مستأنفة. {هُوَ اللَّهُ}: مبتدأ، وخبر، والجملة مستأنفة. {الْواحِدُ الْقَهَّارُ}: نعتان للجلالة، {خَلَقَ السَّماواتِ}: فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به. والجملة مستأنفة. {وَالْأَرْضَ} معطوف على السموات، {بِالْحَقِّ}: حال من الفاعل أو من المفعول، {يُكَوِّرُ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله. {اللَّيْلَ}: مفعول به، {عَلَى النَّهارِ}: متعلق بـ {يُكَوِّرُ} ، والجملة في محل النصب حال من فاعل {خَلَقَ} ، أو مستأنفة مسوقة لبيان كيفية تصرفه. {وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ} معطوفة على نظيرتها. {وَسَخَّرَ الشَّمْسَ}: فعل ماض، وفاعل مستتر، ومفعول به معطوف على {خَلَقَ السَّماواتِ} ، {وَالْقَمَرَ}: معطوف على الشمس. {كُلٌّ} : مبتدأ، وسوّغ الابتداء بالنكرة قصد العموم، وجملة {يَجْرِي}: خبره، {لِأَجَلٍ} متعلق بـ {يَجْرِي} ، {مُسَمًّى}: نعت {لِأَجَلٍ} . والجملة الإسمية مستأنفة. {أَلا} : حرف استفتاح، {هُوَ الْعَزِيزُ}: مبتدأ وخبر. {الْغَفَّارُ} : خبر ثان. والجملة الإسمية مستأنفة.

{خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (6)} .

{خَلَقَكُمْ} : فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة مستأنفة. {مِنْ نَفْسٍ} متعلق بخلق، {واحِدَةٍ}: صفة {نَفْسٍ} ، {ثُمَّ}: حرف عطف وترتيب، وسيأتي سر العطف بها في البلاغة. {جَعَلَ}: فعل ماض، وفاعل مستتر، معطوف على {خَلَقَكُمْ} ، {مِنْها}: متعلق بـ {جَعَلَ} ، {زَوْجَها}: مفعول به، {وَأَنْزَلَ}: معطوف على خلقكم، {لَكُمْ} حال من ثمانية أزواج، {مِنَ الْأَنْعامِ}

ص: 507

متعلق بـ {أَنْزَلَ} ، {ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ}: مفعول به. {يَخْلُقُكُمْ} : فعل مضارع، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة مستأنفة أو حال من فاعل {خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ}. {فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ}: جار ومجرور ومضاف إليه، متعلق بـ {يَخْلُقُكُمْ} ، {خَلْقًا}: منصوب على المفعولية المطلقة، {مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ}: صفة لـ {خَلْقًا} أو متعلق بـ {يَخْلُقُكُمْ} ، فيكون المصدر لمجرد التأكيد. {فِي ظُلُماتٍ} جار ومجرور، بدل من الجار والمجرور في قوله:{فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ} ، أو متعلق بـ {خَلْقٍ} المجرور قبله، {ثَلاثٍ}: صفة {ظُلُماتٍ} ، {ذلِكُمُ}: مبتدأ، {اللَّهُ}: خبر أول، والجملة مستأنفة. {رَبُّكُمْ}: خبر ثان، {لَهُ}: خبر مقدم. {الْمُلْكُ} : مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل الرفع، خبر ثالث لاسم الإشارة، وجملة {لا إِلهَ إِلَّا هُوَ} خبر رابع له، وقد تقدم إعراب كلمة الشهادة مفصلًا مرارًا، فلا حاجة إلى إعادته. {فَأَنَّى}: الفاء: استئنافية. {أنى} : اسم استفهام بمعنى كيف، في محل النصب على الحال، مبني على السكون، والعامل فيه {تُصْرَفُونَ} ، {تُصْرَفُونَ}: فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعل. والجملة الفعلية مستأنفة.

{إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ مَرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (7)} .

{إِنْ} : حرف شرط. {تَكْفُرُوا} : فعل، وفاعل مجزوم بـ {إِنْ} الشرطية، على كونه فعل شرط لها، {فَإِنَّ اللَّهَ}: الفاء: رابطة لجواب {إن} الشرطية وجوبًا، {إن الله}: ناصب واسمه، {غَنِيٌّ}: خبره. {عَنْكُمْ} : متعلق به، وجملة {إِنْ} في محل الجزم بـ {إِنْ} الشرطية، على كونها جوابًا لها، وجملة {إِنْ} الشرطية مستأنفة. {وَلا}:{الواو} : حالية. {لا} : نافية، {يَرْضى}: فعل مضارع، وفاعل مستتر، {لِعِبادِهِ} متعلق بـ {يَرْضى} ، {الْكُفْرَ}: مفعول به، والجملة الفعلية في محل النصب، حال من الضمير المستكن في {غَنِيٌّ}. {وَإِنْ تَشْكُرُوا}: فعل، وفاعل مجزوم بـ {إِنْ} الشرطية على كونه فعل شرط لها،

ص: 508

{يَرْضَهُ} : فعل مضارع، ومفعول به، وفاعل مستتر يعود على {اللَّهَ} ، مجزوم بـ {إِنْ} الشرطية على كونه جوابًا لها، وجملة {إِنْ} الشرطية معطوفة على جملة {إِنْ} الأولى. {لَكُمْ} متعلقان به {وَلا تَزِرُ} {الواو}: عاطفة. {لا} : نافية. {تَزِرُ} : فعل مضارع، {وازِرَةٌ}: فاعل {وِزْرَ أُخْرى} : مفعول به، والجملة معطوفة على جملة {إِنْ} الشرطية. {ثُمَّ} حرف عطف وتراخ، {إِلى رَبِّكُمْ} . خبر مقدم، {مَرْجِعُكُمْ}: مبتدأ مؤخر، والجملة معطوفة على ما قبلها. {فَيُنَبِّئُكُمْ}: الفاء: عاطفة، {ينبئكم}: فعل مضارع، وفاعل مستتر، ومفعول به، معطوف على الجملة الاسمية قبلها، {بِما} متعلق بـ {ينبئكم} ، {كُنْتُمْ}: فعل ناقص واسمه، وجملة {تَعْمَلُونَ} خبره، وجملة كان صلة لما الموصولة. {إِنَّهُ} ناصب واسمه. {عَلِيمٌ}: خبره، بِذاتِ الصُّدُورِ متعلق بـ {عَلِيمٌ} . وجملة {إِنْ} مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها.

{وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ (8)} .

{وَإِذا} {الواو} : استئنافية، {إِذا}: ظرف لما يستقبل من الزمان. {مَسَّ الْإِنْسانَ} : فعل، ومفعول به. {ضُرٌّ}: فاعل، والجملة في محل الجر، مضاف إليه لـ {إِذا} على كونه فعل شرط لها. {دَعا رَبَّهُ}: فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة جواب {إِذا} ، لا محل لها من الإعراب، وجملة {إِذا} مستأنفة. {مُنِيبًا}: حال من فاعل {دَعا} ، {إِلَيْهِ}: متعلق بـ {مُنِيبًا} ، {ثُمَّ}: حرف عطف وترتيب مع تراخ، {إِذا}: ظرف لما يستقبل من الزمان، {خَوَّلَهُ}: فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به، والجملة في محل الخفض فعل شرط لـ {إِذا}. {نِعْمَةً}: مفعول ثان، {مِنْهُ}: صفة لـ {نِعْمَةً} ، {نَسِيَ}: فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على الإنسان، والجملة جواب {إِذا} ، لا محل لها من الإعراب، وجملة {إِذا} معطوفة على جملة {إِذا} الأولى. {ما}: اسم موصول في محل النصب مفعول نسي. {كَانَ} : فعل ماض ناقص، واسمها ضمير يعود على

ص: 509

الإنسان. {يَدْعُوا} : فعل مضارع، وفاعل مستتر، {إِلَيْهِ} متعلق بـ {يَدْعُوا} ، {مِنْ قَبْلُ}: متعلق به أيضًا، أو حال من فاعل {يَدْعُوا} ، وجملة {يَدْعُوا}: خبر {كَانَ} ، وجملة {كانَ} صلة لـ {ما} الموصولة، ويصح أن تكون {ما} مصدرية؛ أي: نسي كونه داعيًا. {وَجَعَلَ} : فعل، وفاعل مستتر يعود على الإنسان، معطوف على {نَسِيَ} ، {لِلَّهِ}: متعلق بـ {جَعَلَ} على كونه مفعولًا ثانيًا له، {أَنْدادًا}: مفعول أول لـ {جَعَلَ} ، {لِيُضِلَّ}: اللام لام كي، {يضل}: فعل، وفاعل مستتر يعود على الإنسان، منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، {عَنْ سَبِيلِهِ}: متعلق بـ {يضل} ، وجملة {لِيُضِلَّ}: في تأويل مصدر مجرور باللام، ومفعول الإضلال محذوف؛ أي: لإضلاله الناس، الجار والمجرور متعلق بـ {جَعَلَ}. {قُلْ}: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، والجملة مستأنفة. {تَمَتَّعْ}: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على الإنسان، والجملة في محل النصب، مقول لـ {قُلْ} ، {بِكُفْرِكَ} متعلق بـ {تَمَتَّعْ} أو حال من فاعل تمتع؛ أي: ملتبسًا بكفرك، {قَلِيلًا}: صفة لمصدر محذوف؛ أي: تمتعًا قليلًا، أو زمان محذوف؛ أي: زمانًا قليلًا. {إِنَّكَ} : ناصب واسمه، {مِنْ أَصْحابِ}: خبره، {النَّارِ} مضاف إليه، وجملة إن مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها.

{أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِدًا وَقائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ} .

{أَمَّنْ} {أم} : متصلة، ومعادلها محذوف، {من}: اسم موصول في محل الرفع مبتدأ، {هُوَ قانِتٌ}: مبتدأ وخبر، والجملة صلة {من} الموصولة، وخبر {من} الموصولة محذوف والتقدير: أهذا الكافر خير، أم الذي هو قانت خير، أو منقطعة، بمعنى: بل، وهمزة الاستفهام الإنكاري. و {من}: مبتدأ، والخبر محذوف أيضًا، تقديره: بل أمن هو قانت كهذا الكافر لا، والجملة مستأنفة. {آناءَ اللَّيْلِ}: ظرف متعلق بـ {قانِتٌ} ، {ساجِدًا}: حال من الضمير المستكن في {قانِتٌ} ، {وَقائِمًا}: معطوف على {ساجِدًا} ، وجملة {يَحْذَرُ الْآخِرَةَ}: حال ثالثة، وجملة {وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ}: عطف على جملة {يَحْذَرُ} .

{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ (9) قُلْ

ص: 510

يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ (10)}.

{قُلْ} : فعل أمر، وفاعل مستتر، يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، والجملة مستأنفة. {هَلْ}: حرف للاستفهام الإنكاري، {يَسْتَوِي الَّذِينَ}: فعل، وفاعل، والجملة مقول لـ {قُلْ} ، وجملة {يَعْلَمُونَ}: صلة الموصول، {وَالَّذِينَ}: معطوف على الموصول الأول، وجملة {لا يَعْلَمُونَ}: صلة الموصول، والاستفهام إنكاري؛ أي: لا يستويان، وفي الآية تنزيل المتعدي منزلة القاصر. {إِنَّما}: أداة حصر، {يَتَذَكَّرُ}: فعل مضارع، {أُولُوا الْأَلْبابِ}: فاعل، ومضاف إليه، والجملة مستأنفة. {قُلْ}: فعل أمر، وفاعل مستتر، والجملة مستأنفة. {يا عِبادِ}: منادى مضاف. {الَّذِينَ} : صفة للمنادي وجملة النداء في محل النصب مقول {قُلْ} ، وجملة {آمَنُوا}: صلة {الَّذِينَ} ، {اتَّقُوا رَبَّكُمْ}: فعل، وفاعل، ومفعول به، والجملة في محل النصب مقول قُلْ: على كونها جواب النداء. {لِلَّذِينَ} : جار ومجرور خبر مقدم، وجملة {أَحْسَنُوا}: صلة الموصول، {فِي هذِهِ}: متعلق بـ {أَحْسَنُوا} ، {الدُّنْيا}: بدل من اسم الإشارة. {حَسَنَةٌ} : مبتدأ مؤخر، والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قُلْ}. {وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ}: مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب مقول {قُلْ}. {إِنَّما}: أداة حصر، {يُوَفَّى الصَّابِرُونَ}: فعل مضارع مغير الصيغة، ونائب فاعل، {أَجْرَهُمْ}: مفعول به ثان، {بِغَيْرِ حِسابٍ} حال من الأجر، والجملة الفعلية في محل النصب مقول {قُلْ} .

{قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13)} .

{قُلْ} : فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، والجملة مستأنفة. {إِنِّي}: ناصب واسمه، {أُمِرْتُ}: فعل مغير، ونائب فاعل، والجملة في محل الرفع خبر {إن} والتقدير: إني مأمور، وجملة {إن} في محل النصب مقول {قُلْ}. {أن}: حرف نصب ومصدر، {أَعْبُدَ}: فعل مضارع منصوب بـ {أن} ،

ص: 511

وفاعله ضمير يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، {اللَّهَ} مفعول به، وجملة {أن}: المصدرية مع صلتها، في تأويل مصدر منصوب بنزع الخافض؛ أي: أمرت بعبادة الله تعالى، الجار والمجرور متعلق بـ {أُمِرْتُ}. {مُخْلِصًا} حال من فاعل {أَعْبُدَ}. {لَهُ}:

متعلق بـ {مُخْلِصًا} . {الدِّينَ} : مفعول به لـ {مُخْلِصًا} . {وَأُمِرْتُ} : فعل، ونائب فاعل، معطوف على أمرت الأول، {لِأَنْ أَكُونَ}: اللام: حرف جر بمعنى الباء، {أن}: حرف نصب، {أَكُونَ}: فعل مضارع ناقص، منصوب بـ {أن} ، واسمها ضمير يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، {أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ} خبرها، والجملة في تأويل مصدر مجرور باللام؛ أي: وأمرت بكوني أول المسلمين من هذه الأمة. {قُلْ} فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، والجملة مستأنفة. {إِنِّي}: ناصب واسمه، وجملة {أَخافُ} خبره، وجملة {إن}: في محل النصب مقول {قُلْ} . {إن} : حرف شرط، {عَصَيْتُ}: فعل، وفاعل في محل الجزم بـ {إِنْ} على كونه فعل شرط لها، وجوابها محذوف تقديره: إن عصيت ربي، أخاف عذابه، وجملة {إِنْ} الشرطية معترضة بين الفعل ومفعوله على كونها مقولًا لـ {قُلْ} ، {عَذابَ}: مفعول أخاف، {يَوْمٍ}: مضاف إليه، {عَظِيمٍ}: صفة {يَوْمٍ} .

{قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا ما شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ (15) لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النَّارِ وَمِنْ تَحْتِهِمْ ظُلَلٌ ذلِكَ يُخَوِّفُ اللَّهُ بِهِ عِبادَهُ يا عِبادِ فَاتَّقُونِ (16)} .

{قُلِ} : فعل أمر، وفاعل مستتر، والجملة مستأنفة. {اللَّهَ}: مفعول مقدم، {أَعْبُدُ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، والجملة في محل النصب مقول {قُلِ}. {مُخْلِصًا}: حال من فاعل أعبد، {لَهُ}: متعلق بـ {مُخْلِصًا} ، {دِينِي}: مفعول {مُخْلِصًا} ، ومضاف إليه. {فَاعْبُدُوا}: الفاء: عاطفة، أو فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا عرفتم عبادتي الله، وأردتم بيان ما أقول لكم .. فأقول لكم: اعبدوا. {أعبدوا} : فعل أمر، وفاعل مبني على حذف النون. {ما}: اسم موصول في محل النصب مفعوله، والجملة في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة في محل النصب

ص: 512

مقول {قُلْ} . {شِئْتُمْ} : فعل، وفاعل صلة لـ {ما} الموصولة، والعائد محذوف تقديره: ما شئتموه. {مِنْ دُونِهِ} : جار ومجرور، حال من العائد المحذوف. {قُلْ}: فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد صلى الله عليه وسلم، والجملة مستأنفة. {إِنَّ الْخاسِرِينَ}: ناصب واسمه. {الَّذِينَ} : اسم موصول في محل الرفع خبر {إِنَّ} ، وجملة {إِنَّ} في محل النصب مقول {قُلْ}. {خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ}: فعل، وفاعل، ومفعول به صلة الموصول. {وَأَهْلِيهِمْ}: معطوف على أنفسهم، {يَوْمَ الْقِيامَةِ} ظرف متعلق بـ {خَسِرُوا} أو حال من أهليهم، يعني: أزواجهم وخدمهم. {أَلا} : حرف استفتاح، {ذلِكَ}: مبتدأ، {هُوَ}: ضمير فصل، {الْخُسْرانُ}: خبر، {الْمُبِينُ}: صفة لـ {الْخُسْرانُ} ، والجملة في محل النصب مقول {قُلْ}. {لَهُمْ}: خبر مقدم. {مِنْ فَوْقِهِمْ} : حال من {ظُلَلٌ} ، و {ظُلَلٌ}: مبتدأ مؤخر، {مِنَ النَّارِ} صفة لـ {ظُلَلٌ} ، والجملة الاسمية في محل النصب مقول {قُلِ}. {وَمِنْ تَحْتِهِمْ}: خبر مقدم، {ظُلَلٌ}: مبتدأ مؤخر، والجملة معطوفة على الجملة الاسمية قبلها. {ذلِكَ}: مبتدأ، {يُخَوِّفُ اللَّهُ} فعل، وفاعل، {بِهِ}: متعلق بـ {يُخَوِّفُ} ، والجملة الفعلية في محل الرفع، خبر عن اسم الإشارة، والجملة الاسمية مستأنفة، أو في محل النصب مقول {قُلِ} . {عِبادَهُ} مفعول به لـ {يُخَوِّفُ} ، {يا}: حرف نداء، {عباد}: منادى مضاف لياء المتكلم المحذوفة، اجتزاء عنها بالكسرة، وجملة النداء إما مستأنفة أو مقول {قُلْ}. {فَاتَّقُونِ}: الفاء: زائدة لتأكيد الربط بين النداء وجوابه، {اتقون}: فعل أمر، وفاعل مبني على حذف النون، والنون للوقاية، وياء المتكلم المحذوفة اجتزاء عنها بكسرة نون الوقاية في محل النصب مفعول به، والجملة الفعلية جواب النداء، لا محل لها من الإعراب، أو في محل النصب مقول {قُلْ} .

التصريف ومفردات اللغة

{أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ} {أَلا} (1): من حروف التنبيه، وهي: ها، وألا،

(1) درويش.

ص: 513

وأما، والفرق بين أما، وألا: أن أما: للحال أو للماضي، وألا: للاستقبال، تقول: أما إن زيدا عاقل، تريد أنه عاقل في الحال، ولا تقول: ألا، وتقول: ألا إن زيدا لا يخاف؛ أي: في المستقبل، ولا تقول: أما، والفرق بينهما وبين ها، أنهما لا يدخلان إلا أول الكلام على الجملة بخلاف ها، فتدخل على الضمير وأسماء الإشارة، وإن لم تكن في أول الكلام، وتدخل أما على القسم كثيرا، وألا كثيرا على النداء، إذا تقرر هذا، فهل تكون هنا للاستقبال، مع أن كون الدين لله هو في كل زمان؟ والجواب: أن المراد هنا الاستقبال، بالنسبة لمن يعتنقون الدين الخالص على أنهما يتعاوران؛ أي: تأتي ألا لمجرد الاستفتاح، ولا يكون التنبيه مقصودًا.

{زُلْفى} ؛ أي: تقريبًا. فهو مصدر مؤكد على غير لفظ العامل، ملاق له في المعنى. وعبارة «السمين»: زلفى مصدر مؤكد على غير العامل، ولكنه ملاق لعامله في المعنى، والتقدير: ليزلفوننا زلفى؛ أي: ليقربونا قربى، وجوز أبو البقاء أن يكون حالًا مؤكدة، انتهى.

{يُكَوِّرُ اللَّيْلَ} التكوير في الأصل: اللف، واللي، من كار العمامة على رأسه، وكورها، وفي تكويرهما أوجه، كما قاله الزمخشري:

1 -

جعلهما خلفة، يذهب هذا ويغشي مكانه هذا، فكأنما ألبسه، ولف عليه كما يلف اللباس على اللابس.

2 -

كون كل منهما يغيّب الآخر إذا طرأ عليه، فشبه في تغييبه إياه بشيء ظاهر، لف عليه ما غيّبه من مطامح الأبصار.

3 -

إن هذا يكر على هذا كرورًا متتابعًا، فشبه ذلك، بتتابع أكوار العمامة بعضها على إثر بعض، وهو أوفق للاشتقاق، من أشياء قد ذكرت، وقال الراغب: كور الشيء: إدارته، وضم بعضه إلى بعض ككور العمامة، وقوله:{يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ} إشارة إلى جريان الشمس في مطالعها وانتقاص الليل والنهار، وازديادهما، اهـ.

ص: 514

{ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها} إن قلت: كيف (1) عطف بـ {ثُمَّ} مع أن خلق حواء من آدم سابق على خلقنا منه؟ أجيب: بأن {ثُمَّ} هنا للترتيب في الإخبار، لا في الإيجاد، أو المعطوف متعلق بمعنى واحد، فـ {ثُمَّ} عاطفة لا على {خَلَقَكُمْ} ، فمعناه: خلقكم من نفس أفردت بالإيجاد، ثم شفعت بزوج، أو هو معطوف على {خَلَقَكُمْ} لكن المراد بـ {خلقهم}: خلقهم يوم أخذ الميثاق دفعة، لا على هذا الخلق الذي هم فيه الآن بالتوالد والتناسل، وذلك لأن الله تعالى، خلق آدم عليه السلام ثم أخرج أولاده من ظهره كالذر، وأخذ عليهم الميثاق، ثم ردهم إلى ظهره ثم خلق منه حواء، اهـ كرخى.

{سُبْحانَهُ} مصدر (2) من سبح إذا بعد؛ أي: تنزه تعالى بالذات عن ذلك الاتخاذ، وعما نسبوا إليه من الأولاد والأولياء، وعلم للتسبيح مقول على ألسنة العباد؛ أي: أسبحه تسبيحًا لائقًا به، أو سبحوه تسبيحًا حقيقًا بشأنه.

{ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ} ويقال لها: الأزواج الثمانية؛ لأن ذكر كل واحد من هذه الأنواع زوج بأنثاه، وأنثاه زوج بذكره، فيكون مجموع الأزواج ثمانية بهذا الاعتبار، من الضأن: اثنين، ومن المعز: اثنين، ومن الإبل: اثنين، ومن البقر: اثنين. والخيل، والبغال، والحمير خارجة من الأنعام، قال في «بحر العلوم»: الواحد إذا كان وحده فهو فرد، وإذا كان معه غيره، من جنسه، سمي كل واحد منهما زوجًا، فهما زوجان، بدليل قوله تعالى:{خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى} ، وعند الحساب: الزوج خلاف الفرد، كالأربعة والثمانية في خلاف الثلاثة والسبعة.

{فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ} ؛ أي: في أرحامهن. جمع أم، زيدت الهاء فيه كما زيدت في أهراق من أراق. {فَأَنَّى تُصْرَفُونَ}؛ أي: فكيف تصرفون، وتردون عن ملازمة بابه بالعبودية، إلى باب عاجز مثلكم من الخلق. {وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ} أصله: يرضاه على أن الضمير عائد إلى الشكر، حذف الألف علامة للجزم. وهو باختلاس ضمة الهاء، عند أهل المدينة وعاصم وحمزة، وبإسكان الهاء، عند أبي

(1) الفتوحات.

(2)

روح البيان.

ص: 515

عمرو، وبإشباع ضمة الهاء عند الباقين. لأنها صارت بخلاف الألف موصولة بمتحرك.

{وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} والوزر: الحمل الثقيل، ووزره: حمله، والمعنى: ولا تحمل نفس حاملة للوزر حمل نفس أخرى من الذنب والمعصية. {وَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ} قال الراغب: المس يقال في كل ما ينال الإنسان من أذى، والضر يقابل بالسراء والنعماء، والضرر بالنفع.

{ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ} من التخول، وهو التعهد؛ أي: المحافظة والمراعاة؛ أي: جعله خائل مال من قولهم: فلان خائل ماله إذا كان متعهدا له حسن القيام به. ومن شأن الغني الجواد، أن يراعي أحوال الفقراء. أو من الخول، وهو الافتخار؛ لأن الغني يكون متكبرًا طويل الذيل؛ أي: جعله يخول؛ أي: يختال ويفتخر بالنعمة.

{وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدادًا} جمع ند، وهو يقال لما يشارك في الجوهر فقط، كما في «المفردات» ، وقال في «بحر العلوم»: هو المثل المخالف؛ أي: أمثالًا يعتقد أنها قادرة على مخالفة الله سبحانه، ومضادته.

{لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} الذي هو التوحيد، والسبيل من الطرق ما هو معتاد السلوك، استعير للتوحيد، لأنه موصل إلى الله تعالى ورضاه، قرىء:{ليضل} بفتح الياء؛ أي: ليزداد ضلالًا أو يثبت عليه، وإلا فأصل الضلال غير متأخر عن الجعل المذكور، واللام: لام العاقبة، فإن النتيجة قد تكون غرضا في الفعل، وقد تكون غير غرض، والضلال والإضلال ليسا بغرضين، بل نتيجة الجعل وعاقبته.

{آناءَ اللَّيْلِ} جمع إني بكسر الهمزة والقصر كمعي وأمعاء، اهـ شيخنا. وفي «المصباح»: الآناء على أفعال هي الأوقات، وفي واحدها لغتان: أنى مثل: معى بكسر الهمزة والقصر، وأنى بفتح الهمزة والنون، وهو الساعة، وقيل: مفردها إنْيٌ وإنْوٌ، بكسر الهمزة وسكون النون فيهما، يقال: مضى أنوان وأنيان من الليل؛ أي: ساعتان.

ص: 516

{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ} وفي «بحر العلوم» : الفعل منزل منزلة اللازم، ولم يقدر له مفعول؛ لأن المقدر كالمذكور كما سبق، والمعنى: لا يستوي من يوجد فيه حقيقة العلم ومن لا يوجد.

{إِنَّما يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ} قال في «المفردات» : توفيةُ الشيء: بذلُه وافيًا كاملًا، واستيفاؤه: تناوله وافيًا. والمعنى: يعطون أجرهم وافيًا بمقابلة ما كابدوا من العسر.

{إِنَّ الْخاسِرِينَ} ؛ أي: الكاملين في الخسران الذي هو عبارة عن إضاعة ما يهمه، وإتلاف ما لا بد منه. وفي «المفردات»: الخسران: انتقاص رأس المال، يستعمل في المال، والجاه، والصحة، والسلامة، والعقل، والإيمان، والثواب، وهو الذي جعل الله سبحانه الخسران. {وَأَهْلِيهِمْ} أصله: أهلين لهم، فحذفت النون للإضافة، واللام للتخفيف، جمع أهل، وأهل الرجل: عشيرته، وذوو قرابته، كما في «القاموس» . ويفسر بالأزواج، والأولاد، والعبيد والإماء، وبالأقارب، وبالأصحاب، وبالمجموع كما في «شرح المشارق لابن الملك» .

{لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ} والظلل: جمع ظلة كغرف جمع غرفة، وهي سحابة، تظل، وشيء كهيئة الصفة، وفي «كشف الأسرار»: الظلة: ما أظلك من فوقك.

{إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ} ؛ أي (1): أصحاب العقول الخالصة من شوائب الخلل، والوهم، وفي «المفردات»: الألباب: جمع لب، واللب: العقل الخالص من الشوائب، وسمي بذلك لكونه خالص ما في الإنسان من قواه، كاللباب من الشيء، وقيل: هو ما زكا من العقل، فكل لب عقل، وليس كل عقل لبًا، ولذا علّق الله سبحانه الأحكام، التي لا تدركه إلا العقول الذكية، بأولي الألباب، نحو قوله:{وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ} ، ونحو ذلك من الآيات، انتهى.

(1) روح البيان.

ص: 517

البلاغة

وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:

فمنها: الإظهار في موضع الإضمار في قوله: {إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ} بعد قوله: {تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (1)} لتعظيمه، ومزيد الاعتناء بشأنه، ولا تكرار فيه؛ لأن الأول في بيان شأن المنزل، وكونه من عند الله، وهذا في بيان شأن المنزل إليه، وما يجب عليه.

ومنها: الإتيان بـ {أَلا} التي للتنبيه والاستفتاح في قوله: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ} إشعارًا بأهمية ما بعدها، وطلبًا للإصغاء إليه.

ومنها: التأكيد بالمصدر الملاقي لعامله في المعنى في قوله: {إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى} ؛ أي: قربى.

ومنها: الإيجاز بالحذف في قوله: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ} ؛ لأن الأصل يحكم بينهم وبين المسلمين، فحذف المقابل إيجازا للكلام، أو اكتفاء بالمذكور.

ومنها: الطباق بين {تكفروا، وتشكروا} وبين {يرجو، ويحذر} وبين {فوقهم، وتحتهم} وبين {ضر، ونعمة} .

ومنها: أسلوب التدريج في قوله: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ} . فإنه عبر (1) عن الأزواج بالإنزال؛ لأنها تكونت بالنبات، والنبات بالماء المنزل، وهذا يسمى التدريج، ومنه: قوله تعالى: {قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباسًا} الآية.

ومنها: الجناس المغاير في قوله: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ} ، وفي قوله:{وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى} ، وفي قوله:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ} .

ومنها: الإيجاز بالحذف، لدلالة السياق عليه، في قوله: {أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ

(1) الفتوحات.

ص: 518

آناءَ اللَّيْلِ}؛ أي: كمن هو كافر جاحد بربه.

ومنها: الأمر بالذي يراد به التهديد في قوله: {قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا} ، وفيه إشعار بأن الكفر نوع تشبه لا سند له، وإقناط للكافرين من التمتع في الآخرة، ولذلك علله بقوله:{إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ} على سبيل الاستئناف للمبالغة، اهـ «بيضاوي» .

ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: {أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ} ؛ أي: لا يستوي القانت والكافر.

ومنها: الاستعارة التصريحية الأصلية في قوله: {لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ} ؛ لأن السبيل حقيقة في الطريق المعتاد سلوكه، فاستعير للتوحيد بجامع الإيصال إلى المقصود في كل؛ لأن التوحيد موصل إلى الله تعالى، وإلى رضاه، كما أن السبيل الحقيقي يوصل إلى المقصد.

ومنها: الإضافة للتشريف في قوله: {قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا} . والإضافة للملك، والخلق في قوله:{وَأَرْضُ اللَّهِ واسِعَةٌ} .

ومنها: التهويل في قوله: {أَلا ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ} ففيه تهويل زاجر، فقد جعل الجملة مستأنفة، وصدرها بحرف التنبيه، ووسط ضمير الفصل بين المبتدأ والخبر، وعرّف الخسران كأنه مما تعورف أمره، واشتهر هوله، ووصفه بالمبين، فجعل خسرانهم غايةً في الفظاعة ونهاية في الشناعة.

ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع.

والله سبحانه وتعالى أعلم

* * *

ص: 519

قال الله سبحانه جلَّ وعلا:

{وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18) أَفَمَنْ حَقَّ عَلَيْهِ كَلِمَةُ الْعَذَابِ أَفَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِي النَّارِ (19) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ (20) أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ (21) أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (22) اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23) أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (26) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28) ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (29) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (30) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (31)} .

المناسبة

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها

} الآيات، مناسبة هذه الآيات لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر وعيده (1) لعبدة الأصنام .. أردف ذلك بوعد من اجتنبوا عبادتها، وابتعدوا عن الشرك، ليكون الوعد مقترنا بالوعيد، ويحصل بذلك كمال الترغيب والترهيب.

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً

} الآية، مناسبة

(1) المراغي.

ص: 520

هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما وصف الآخرة بصفات توجب الرغبة فيها، ومزيد الشوق إليها .. أعقب ذلك بذكر صفات للدنيا، توجب النفرة منها، كسرعة زوالها وتقضيها وشيكًا تحذيرًا من الاغترار بزهرتها، والركون إلى لذتها. فمثَّل حالها بحال نبات، يسقى بماء المطر، فيخرج به زرع مختلف الأصناف والأنواع، وبعد قليل تراه يجف ويصير فتاتًا متكسرًا. فما أسرع زواله، وأيسر تقضّيه.

قوله تعالى: {أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ

} الآيات، مناسبتها لما قبلها: أن الله سبحانه لما بالغ في ذكر ما يدل على وجوب الإقبال على طاعته سبحانه، والإعراض عن الدنيا .. أردف ذلك ببيان أنه لا ينتفع بهذا إلا من شرح الله صدره، ونوّر قلبه، وأشعر نفسه حب العمل به، ثم أعقبه بذكر أن من أضله الله، فلا هادي له، وأن من يتقي بيديه المخاوف، صيانة لوجهه عن النار، ليس حاله كحال من هو آمن، لا يفكر في مآل أمره، وعاقبة عمله. وبعدئذٍ، ذكر أن هؤلاء المشركين، ليسوا بدعًا في الأمم، فلقد كذب كثير قبلهم، فأتاهم العذاب بغتة من حيث لا يشعرون، فأصيبوا في الدنيا بالذل، والصغار، والقتل، والخسف، ولعذاب الآخرة أشد نكالًا ووبالًا، ثم ذكر أن القرآن قد ضرب الأمثال للناس، بلسان عربي مبين، لعلهم يرعوون، ويزدجرون.

قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ

} الآية، مناسبة هذه الآية لما قبلها: أن الله سبحانه لما ذكر الحكمة في ضرب الأمثال للناس، وهي أن تكون عظة، وذكرى لهم، ليتقوا ربهم، ويرعووا عن غيّهم وضلالهم .. أردفه بذكر مثل يرشد إلى فساد مذهب المشركين، وقبح طريقتهم، ووضوح بطلانها، ثم أعقبه ببيان أن الناس جميعًا سيموتون، ثم يعرضون على ربهم، وهناك يستبين المحق والمبطل، والضال والمهتدي، فلا داعي إلى الجدل والخلاف بينك رضي الله عنه وبينهم.

أسباب النزول

قوله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ

} الآية،

ص: 521