الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فالمبالغة تكون في صفات تفيد الزيادة والنقصان، وصفات الله منزهة عن ذلك. واستحسنه الشيخ تقي الدين السبكي.
وقال الزركشي في «البرهان» : التحقيق: أن صيغة المبالغة قسمان:
أحدهما: ما تحصل المبالغة فيه بحسب زيادة الفعل.
والثاني: بحسب زيادة المفعولات. ولا شك أن تعددها لا يوجب للفعل زيادة، إذ الفعل الواقع قد يقع على جماعة متعددين. وعلى هذا القسم تنزل صفات الله، وارتفع الإشكال. ولهذا قال بعضهم، في حكيم، معنى المبالغة فيه، تكرار حكمه بالنسبة إلى الشرائع. وقال في «الكشاف»: المبالغة في «التواب» للدلالة على كثرة من يتوب عليه من عباده، أو لأنه بليغ في قبول التوبة، ينزل صاحبها منزلة من لم يذنب قط لسعة كرمه.
82
- ثم ذكر سبحانه ما يدل على كمال قدرته، وتيسر المبدأ والإعادة عليه فقال:{إِنَّما أَمْرُهُ} ؛ أي: إنما شأنه سبحانه وتعالى: {إِذا أَرادَ شَيْئًا} ؛ أي: إذا تعلقت إرادته بوجود شيء من الأشياء {أَنْ يَقُولَ لَهُ} ؛ أي: لذلك الشيء {كُنْ} ؛ أي: احدث، واحصل {فَيَكُونُ}؛ أي: فيحدث، ويحصل من غير توقف على شيء آخر أصلًا. قرأ الجمهور:{فَيَكُونُ} بالرفع، بناءً على أنه في تقدير فهو يكون فتعطف الجملة الاسمية على الجملة الاسمية المتقدمة، وهي قوله:{إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ} . وقرأ الكسائي: بالنصب عطفًا على {يَقُولَ} .
والمعنى: أي إنما شأنه تعالى في إيجاد الأشياء، أن يقول لما يريد إيجاده: تكوّن فيتكوّن، ويحدث فورًا بلا تأخير، ولا افتقار إلى مزاولة عمل، ولا استعمال آلة.
83
- وبعد أن أثبت لنفسه القدرة التامة، والسلطة العامة، نزّه نفسه عما وصفوه به، وعجّب السامعين مما قالوه. فقال:{فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)} والفاء، فيه: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا تقرر ما يوجب تنزهه تعالى وتنزيهه أكمل إيجاب من الشؤون
المذكورة كالإنشاء والإحياء، وأن إرادته لا تتخلف عن مراده ونحو ذلك، وأردتم بيان ما هو اللازم لكم .. فأقول لكم: نزهوا الإله {الَّذِي بِيَدِهِ} ؛ أي: تحت يده وقبضته {مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} ؛ أي: ملك كل شيء، وضبطه وتصرفه عما وصفوه تعالى به من العجز، وتعجبوا مما قالوه في شأنه تعالى من النقصان. ونزهوا الذي {إِلَيْهِ} لا إلى غيره. إذ لا مالك سواه على الإطلاق {تُرْجَعُونَ}؛ أي: تردون بعد الموت فيجازيكم بأعمالكم. وهو وعد للمقرين، ووعيد للمنكرين؛ لأن الخطاب عام للمؤمنين والكافرين.
وقرأ الجمهور: {مَلَكُوتُ} . وقرأ الأعمش، وطلحة بن مصرف، وإبراهيم التيمي {ملكة} بزنة شجرة. وقرىء {مملكة} بزنة مفعلة. وقرىء {ملك}. والملكوت أبلغ من الجميع. وقرأ الجمهور:{وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} بالفوقية على الخطاب مبنيًا للمفعول. وقرأ السلمي، وزر بن حبيش، وأصحاب بن مسعود بالتحية على الغيبة مبنيًا للمفعول أيضًا. وقرأ زيد بن علي على البناء للفاعل.
الإعراب
{إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ} : ناصب واسمه ومضاف إليه، {الْيَوْمَ}: ظرف متعلق بمحذوف حال من {أَصْحابَ الْجَنَّةِ} ، {فِي شُغُلٍ}: خبر {إن} الثاني، {فاكِهُونَ}: خبرها الأول. ويجوز العكس. ويجوز أن يتعلق {فِي شُغُلٍ} بـ {فاكِهُونَ} أو في محل نصب على الحال. وجملة {إِنَّ} مستأنفة، مسوقة لبيان أحوال الجنة، وتقريرها، إغاظة للكفار وتقريعًا وزيادة في ندامتهم وحسرتهم. {هُمْ}: مبتدأ، {وَأَزْواجُهُمْ}: معطوف على هم، {فِي ظِلالٍ}: خبر المبتدأ؛ أي: لا تصيبهم الشمس لانعدامها بالكلية. {عَلَى الْأَرائِكِ} : متعلق بـ {مُتَّكِؤُنَ} ، و {مُتَّكِؤُنَ} ، خبر ثان لـ {هم}. ويجوز أن يكون {فِي ظِلالٍ}: حالًا من المبتدأ على رأي سيبويه. والجملة الاسمية مستأنفة، استئنافًا بيانيًا، مسوقة لبيان كيفية شغلهم.
{لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ (57) سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (58)} .
{لَهُمْ} ، خبر مقدم، {فِيها}: جار ومجرور حال، من ضمير الغائبين، {فاكِهَةٌ}: مبتدأ، مؤخر. والجملة مستأنفة. {وَلَهُمْ}: خبر مقدم، و {ما}: مبتدأ مؤخر. والجملة معطوفة على الجملة التي قبلها. ويجوز أن تكون {ما} : موصولة أو موصوفة أو مصدرية، وجملة {يَدَّعُونَ}: صلة لـ {ما} أو صفة لها، والعائد محذوف، تقديره: يدعونه. {سَلامٌ} : خبر لمبتدأ محذوف، تقديره: هو؛ أي: ما يدعون سلام. {قَوْلًا} منصوب على المصدرية بفعل محذوف؛ أي: يقال قولًا، وجملة القول المحذوف صفة لسلام. {مِنْ رَبٍّ}: صفة لـ {قَوْلًا} ، {رَحِيمٍ} صفة لـ {رَبٍّ} . وجملة {سَلامٌ} مع مبتدئه المحذوف بدل من {ما يَدَّعُونَ} أو مستأنفة. أو {سَلامٌ} مبتدأ، خبره جملة القول المحذوف الناصب لـ {قَوْلًا} ، وسوغ الابتداء بالنكرة قصد الدعاء؛ أي: سلام، يقال لهم: قولًا من رب رحيم. وقيل: تقديره: سلام عليكم، حال كونه قولًا من رب رحيم. وقيل: إنه مبتدأ، وخبره {مِنْ رَبٍّ} ، و {قَوْلًا} مصدر مؤكد لمضمون الجملة، وهو مع عامله معترض بين المبتدأ والخبر.
{وَامْتازُوا} {الواو} : استئنافية، {امْتازُوا}: فعل أمر، وفاعل، مبني على حذف النون، {الْيَوْمَ}: ظرف متعلق به. والجملة في محل النصب. مقول لقول محذوف؛ أي: يقول الله لهم امتازوا اليوم؛ أي: انفردوا عن المؤمنين. وجملة القول المحذوف مستأنفة. {أَيُّهَا} {أي} منادى نكرة مقصودة، حذف منه حرف النداء، {ها} حرف تنبيه زائد تعويضا عما فات؛ أي: من الإضافة، {الْمُجْرِمُونَ} بدل من؛ أي: على اللفظ. وجملة النداء أيضًا مقول للقول المحذوف. {أَلَمْ} الهمزة: للاستفهام التقريري، المضمن للتوبيخ والتبكيت {لَمْ}: حرف جزم، {أَعْهَدْ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله مجزوم بـ لَمْ والجملة في محل النصب مقول للقول المحذوف؛ أي: يقول الله لهم أيضًا: ألم أعهد إليكم.
و {إِلَيْكُمْ} : متعلق بـ {أَعْهَدْ} ، {يا بَنِي آدَمَ}: منادى مضاف منصوب بالياء. وجملة النداء في محل النصب، مقول للقول المحذوف. {أَنْ}: مفسرة؛ لأنها وقعت بعد جملة، فيها معنى القول دون حروفه، {لا}: ناهية جازمة، {تَعْبُدُوا}: فعل مضارع، وفاعل مجزوم بلا الناهية، {الشَّيْطانَ}: مفعول به. والجملة الفعلية جملة مفسرة، لا محل لها من الإعراب. ويجوز أن تكون {أَنْ}: مصدرية، فتكون هي ومدخولها في محل نصب بنزع الخافض؛ أي: ألم أعهد إليكم يا بني آدم ترك عبادة الشيطان؛ أي: بترك عبادته. {إِنَّهُ} ناصب واسمه، {لَكُمْ} متعلق بـ {عَدُوٌّ} ، و {عَدُوٌّ} خبر {إن} ، {مُبِينٌ} صفة {عَدُوٌّ} . وجملة {أَنْ} في محل النصب مقول لذلك القول المحذوف، على كونها معللة للنهي المذكور قبلها. {وأن}:{الواو} : عاطفة على {أَنْ لا تَعْبُدُوا} ، {أَنِ} مفسرة أو مصدرية، {اعْبُدُونِي} فعل أمر، وفاعل، ونون وقاية، ومفعول به، مبني على حذف النون. والجملة إما مفسرة أو في محل جر بحرف جر محذوف؛ أي: بعبادتي. {هذا} : مبتدأ، {صِراطٌ}: خبره، {مُسْتَقِيمٌ}: صفة. والجملة الاسمية في محل النصب، مقول للقول المحذوف، على كونها معللة لأمر المذكور قبلها.
{وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ (62)} .
{وَلَقَدْ} {الواو} : استئنافية، و {اللام}: موطئة للقسم، {قد}: حرف تحقيق، {أَضَلَّ}: فعل ماض، وفاعله ضمير يعود على الشيطان، {مِنْكُمْ}: متعلق بـ {أَضَلَّ} ، {جِبِلًّا}: مفعول به، {كَثِيرًا}: صفة لـ {جِبِلًّا} . والجملة الفعلية جواب للقسم المحذوف، لا محل لها من الإعراب، وجملة القسم مستأنفة. {أَفَلَمْ} الهمزة فيه للاستفهام التوبيخي، داخلة على مقدر يقتضيه المقام، والفاء: عاطفة على ذلك المقدر، تقديره: أتشاهدون آثار عقوباتهم، فلم تكونوا تعقلون. والجملة المحذوفة جملة استفهامية، لا محل لها من الإعراب. {لم}: حرف جزم، {تَكُونُوا} فعل مضارع ناقص واسمه مجزوم بـ {لم} ، وجملة {تَعْقِلُونَ} خبره. وجملة {تَكُونُوا}: معطوفة على تلك المحذوفة.
{هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (63) اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (64)
الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (65)}.
{هذِهِ جَهَنَّمُ} : مبتدأ وخبر، والجملة مستأنفة، مسوقة لمجابهتهم المصير الهائل، الذي يصيرون إليه، بعد أن بلغ الغاية في تقريعهم وتوبيخهم. {الَّتِي}: صفة لـ {جَهَنَّمُ} ، {كُنْتُمْ}: فعل ناقص واسمه، وجملة {تُوعَدُونَ}: من الفعل المغير، ونائب فاعله في محل النصب خبر {كان} ، وجملة {كان} صلة الموصول. {اصْلَوْهَا}: فعل أمر، وفاعل، ومفعول، {الْيَوْمَ}: ظرف متعلق به. والجملة مستأنفة. {بِمَا} : جار ومجرور متعلق بـ {اصْلَوْهَا} أيضًا، والباء حرف جر وسبب، {مَا}: مصدرية، {كُنْتُمْ} فعل ناقص واسمه، وجملة {تَكْفُرُونَ} خبره. وجملة {كان} في تأويل مصدر مجرور بالباء؛ أي: بسبب كفركم، {الْيَوْمَ}: ظرف متعلق بـ {نَخْتِمُ} ، {نَخْتِمُ} فعل مضارع، وفاعل مستتر، يعود على الله، {عَلى أَفْواهِهِمْ}: متعلق بـ {نَخْتِمُ} أيضًا. والجملة الفعلية مستأنفة. {وَتُكَلِّمُنا} : الواو عاطفة، {تُكَلِّمُنا}: فعل مضارع، ومفعول به، {أَيْدِيهِمْ}: فاعل. والجملة معطوفة على جملة {نَخْتِمُ} . {وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ} : فعل، وفاعل، معطوف على {تُكَلِّمُنا} ، {بِما}: جار ومجرور متعلق بـ {تَشْهَدُ} ، و {ما}: مصدرية أو موصولة، {كَانُوا}: فعل ناقص واسمه، وجملة {يَكْسِبُونَ} خبر {كان}. وجملة {كان} صلة لـ {ما} المصدرية أو موصولة؛ أي: بكسبهم، أو بالذي يكسبونه.
{وَلَوْ} {الواو} : استئنافية، {لَوْ}: حرف شرط، {نَشاءُ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله والجملة فعل شرط لـ {لَوْ}. {لَطَمَسْنا} اللام: رابطة لجواب {لَوْ} ، {طمسنا}: فعل، وفاعل، والجملة جواب شرط لـ {لَوْ} ، وجملة {لَوْ} مستأنفة أو معطوفة على {نَخْتِمُ} ، {عَلى أَعْيُنِهِمْ}: متعلق بـ {طمسنا} ، {فَاسْتَبَقُوا} الفاء: عاطفة، {استبقوا} فعل ماض، وفاعل معطوف على {طمسنا} ، {الصِّراطَ}: مفعول به على التوسع؛ لأنه ظرف مكان أو
منصوب بنزع الخافض؛ أي: إلى الصراط، {فَأَنَّى} الفاء: عاطفة، {أنى}: اسم استفهام بمعنى: كيف، في محل نصب على الحال، {يُبْصِرُونَ}: فعل، وفاعل معطوف على {استبقوا}. والاستفهام هنا معناه النفي؛ أي: لا يبصرون. {وَلَوْ} : {الواو} : عاطفة، {لَوْ}: حرف شرط، {نَشاءُ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر. والجملة فعل شرط لـ {لَوْ} {لَمَسَخْناهُمْ} اللام: رابطة لجواب {لَوْ} الشرطية، {مسخناهم} فعل، وفاعل، ومفعول به، {عَلى مَكانَتِهِمْ}: جار ومجرور حال من مفعول {مسخناهم} . وجملة {لَوْ} الشرطية معطوفة على جملة {لَوْ} الأولى. {فَمَا} الفاء: عاطفة، {ما} نافية، {اسْتَطاعُوا مُضِيًّا} فعل، وفاعل، ومفعول به. والجملة معطوفة على جملة {مسخناهم} . {وَلا يَرْجِعُونَ} فعل وفاعل، والجملة في تأويل مصدر، من غير سابك لإصلاح المعنى، معطوف على {مُضِيًّا} ، والتقدير: فما استطاعوا مضيًا ولا رجوعًا.
{وَمَنْ} {الواو} : استئنافية، {مَنْ}: اسم شرط جازم في محل الرفع مبتدأ، والخبر جملة الشرط أو الجواب، {نُعَمِّرْهُ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله، ومفعول به مجزوم بمن الشرطية على كونها فعل شرط لمن الشرطية. {نُنَكِّسْهُ}: فعل مضارع، وفاعل مستتر، ومفعول به مجزوم بمن الشرطية على كونه جوابًا لها. وجملة {مَنْ}: الشرطية مستأنفة. {فِي الْخَلْقِ} : متعلق بننكسه، {أَفَلا} الهمزة فيه للاستفهام التوبيخي، داخلة على مقدر يقتضيه المقام، والفاء عاطفة على ذلك المحذوف، {لا}: نافية، {يَعْقِلُونَ}: فعل، وفاعل، معطوف على ذلك المقدر، والتقدير: أيرون ذلك التنكيس فلا يعقلون، والجملة المحذوفة جملة إنشائية، لا محل لها من الإعراب. {وَما}: الواو استئنافية، {ما}: نافية، {عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ}: فعل، وفاعل ومفعولان. والجملة مستأنفة. {وَما}: الواو عاطفة، {ما}: نافية، {يَنْبَغِي} فعل مضارع، وفاعل
مستتر يعود على الشعر، {لَهُ} متعلق بينبغي. والجملة معطوفة على جملة {وَما عَلَّمْناهُ} . {إِنْ} نافية، {هُوَ} مبتدأ، {إِلَّا} أداة حصر، {ذِكْرٌ}: خبر، {وَقُرْآنٌ}: معطوف عليه، {مُبِينٌ}: صفة قرآن. والجملة مستأنفة. {لِيُنْذِرَ} اللام حرف جر وتعليل، {ينذر} فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام كي، وفاعله ضمير يعود على محمد أو على القرآن. والجملة الفعلية مع {أن} المضمرة في تأويل مصدر مجرور باللام، تقديره: لإنذاره من كان حيا، الجار والمجرور متعلق بمحذوف معلوم من السياق، تقديره: أرسل أي: محمد لإنذاره أو أنزل القرآن لإنذاره. والجملة المحذوفة مستأنفة. {مَنْ} : اسم موصول في محل النصب، مفعول لينذر، {كَانَ}: فعل ناقص، واسمه ضمير يعود على {مَنْ} ، {حَيًّا}: خبره، وجملة كان صلة لمن الموصولة. {وَيَحِقَّ} فعل مضارع، معطوف على ينذر، {الْقَوْلُ}: فاعل، {عَلَى الْكافِرِينَ} متعلق بيحق، {أَوَلَمْ} الهمزة للاستفهام التقريري، داخلة على مقدر يقتضيه المقام، والواو عاطفة على ذلك المقدر، والتقدير: ألم يتفكروا ولم يروا، {يَرَوْا}: فعل، وفاعل مجزوم بـ {لَمْ} . والجملة معطوفة على تلك المحذوفة. {أَنَّا} ناصب واسمه، {خَلَقْنا} فعل، وفاعل، {لَهُمْ} متعلق بـ {خَلَقْنا} ، وجملة {خَلَقْنا} في محل الرفع خبر أن، وجملة {أن} سادة مسد مفعولي رأى. وجملة الرؤية معطوفة على تلك الجملة المحذوفة. {مِمَّا}: جار ومجرور حال من {أَنْعامًا} ، {عَمِلَتْ أَيْدِينا} فعل، وفاعل، صلة لما الموصولة، والعائد محذوف تقديره: مما عملته أيدينا، {أَنْعامًا} مفعول خلقنا، {فَهُمْ} الفاء حرف عطف وتفريع، {لَها} متعلق بمالكون، و {مالِكُونَ}: خبر المبتدأ. والجملة الاسمية معطوفة مفرّعة على جملة {خَلَقْنا} .
{وَذَلَّلْناها} : فعل، وفاعل، ومفعول، {لَهُمْ}: متعلق بـ {ذَلَّلْناها} . والجملة
معطوفة على جملة {خَلَقْنا} . {فَمِنْها} : الفاء: عاطفة تفريعية، {مِنْها}: خبر مقدم، {رَكُوبُهُمْ}: مبتدأ مؤخر. والجملة معطوفة مفرّعة على جملة {ذللنا} . {وَمِنْها} : متعلق بـ {يَأْكُلُونَ} ، وجملة {يَأْكُلُونَ} معطوفة على جملة {فَمِنْها رَكُوبُهُمْ} عطف فعلية على اسمية. {وَلَهُمْ} الواو عاطفة، {لَهُمْ}: خبر مقدم، {فيها}: حال من {مَنافِعُ} ، و {مَنافِعُ}: مبتدأ مؤخر، {وَمَشارِبُ} معطوف عليه. والجملة معطوفة على جملة قوله:{فَمِنْها رَكُوبُهُمْ} {أَفَلا} الهمزة: للاستفهام التوبيخي، داخلة على مقدر يقتضيه المقام، والفاء: عاطفة على ذلك المقدر، والتقدير: أيشاهدون تلك النعم، فلا يشكرون المنعم عليها. والجملة المقدرة، جملة إنشائية، لا محل لها من الإعراب. {لا}: نافية، وجملة {يَشْكُرُونَ}: معطوفة على تلك المحذوفة، {وَاتَّخَذُوا} {الواو}: استئنافية، {اتَّخَذُوا} فعل، وفاعل. والجملة مستأنفة. {مِنْ دُونِ اللَّهِ} جار ومجرور في محل المفعول الثاني لـ {اتَّخَذُوا} ، {آلِهَةً} مفعول أول لـ {اتَّخَذُوا} . والجملة الفعلية مستأنفة. {لَعَلَّهُمْ} ناصب واسمه، وجملة {يُنْصَرُونَ} من الفعل المغير، ونائب فاعله في محل الرفع، خبره. وجملة {لعل} في محل النصب حال من فاعل {اتَّخَذُوا}؛ أي: حالة كونهم راجين النصر من آلهتهم. {لا يَسْتَطِيعُونَ} فعل وفاعل، والجملة مستأنفة. {نَصْرَهُمْ} مفعول به، {وَهُمْ} {الواو}: حالية، {هُمْ} مبتدأ، {لَهُمْ} حال من جند؛ لأنه كان في الأصل صفة له، {جُنْدٌ} خبرهم، {مُحْضَرُونَ} خبر ثان لهم أو نعت لـ {جُنْدٌ}. والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل {يَسْتَطِيعُونَ} أو من ضمير {نَصْرَهُمْ}. {فَلا} الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا سمعت قولهم في الله وفيك، وأردت بيان ما هو الأكثر لك أجرا وأرفع لك درجةً فأقول لك. {لا} ناهية جازمة، {يَحْزُنْكَ}: فعل مضارع، ومفعول به، مجزوم بلا الناهية، {قَوْلُهُمْ} فاعل. والجملة الفعلية في محل النصب، مقول لجواب إذا المقدرة، وجملة إذا المقدرة مستأنفة. {إِنَّا}: ناصب واسمه، {نَعْلَمُ} فعل مضارع، وفاعل مستتر يعود على الله. والجملة الفعلية في محل الرفع خبر {إن} ، وجملة {إن} مستأنفة، مسوقة لتعليل ما قبلها. {ما} اسم موصول في محل النصب، مفعول به
لـ {نَعْلَمُ} ، وجملة {يُسِرُّونَ} صلة لما الموصولة، والعائد محذوف تقديره: ما يسرونه، {وَما يُعْلِنُونَ} معطوف على {ما يُسِرُّونَ} .
{أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (77)} .
{أَوَلَمْ يَرَ} : الهمزة: فيه للاستفهام التقريري المضمن للتعجب، داخلة على مقدر يقتضيه السياق، والواو عاطفة على ذلك المقدر. والجملة المقدرة مستأنفة. {لَمْ} حرف جزم، {يَرَ} فعل مضارع، مجزوم بلم، {الْإِنْسانُ}: فاعل. والجملة معطوفة على تلك المقدرة. {أَنَّا} ناصب واسمه، وجملة {خَلَقْناهُ} خبره، وجملة {أن} في محل النصب، سادة مسد مفعولي {يرى} . {مِنْ نُطْفَةٍ} متعلق بـ {خلقنا} ، {فَإِذا} الفاء: عاطفة، {إذا} فجائية، {هُوَ} مبتدأ، {خَصِيمٌ} خبر، {مُبِينٌ} صفة خصيم. والجملة الاسمية معطوفة على جملة {خلقنا} ؛ لأنه في تأويل خلقناه من نطفة ففاجأ خصومتنا.
{وَضَرَبَ} {الواو} : عاطفة، {ضَرَبَ} فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على الإنسان، {لَنا} متعلق بـ {ضَرَبَ} ، {مَثَلًا} مفعول به. والجملة معطوفة على جملة إذا الفجائية؛ لأنها في تأويل الفعل، كما مر. {وَنَسِيَ خَلْقَهُ} فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به معطوف على ضرب، {قالَ} فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على الإنسان. والجملة مستأنفة. {مَنْ} اسم استفهام في محل الرفع، مبتدأ، {يُحْيِ الْعِظامَ}: فعل، وفاعل مستتر يعود على {مَنْ} ، والجملة خبر المبتدأ. والجملة الاسمية في محل النصب مقول قال. {وَهِيَ رَمِيمٌ} مبتدأ وخبر، والجملة في محل النصب حال من العظام. {قُلْ} فعل أمر، وفاعل مستتر يعود على محمد. والجملة مستأنفة. {يُحْيِيهَا} فعل، ومفعول، {الَّذِي} فاعل. والجملة في محل النصب مقول {قُلْ} . {أَنْشَأَها} فعل، وفاعل مستتر، ومفعول به،
والجملة صلة الموصول، {أَوَّلَ مَرَّةٍ} منصوب على الظرفية الزمانية، متعلق بـ {أنشأ} ، {وَهُوَ} مبتدأ، {بِكُلِّ خَلْقٍ} متعلق بـ {عَلِيمٌ} ، {عَلِيمٌ}: خبر المبتدأ. والجملة الاسمية في محل النصب حال من فاعل أنشأ. {الَّذِي} بدل من الموصول الأول، {جَعَلَ} فعل ماض، وفاعل مستتر، والجملة صلة الموصول، {لَكُمْ}: جار ومجرور في موضع المفعول الثاني، {مِنَ الشَّجَرِ} حال من {نارًا} ؛ لأنه في الأصل صفة نار، {الْأَخْضَرِ} صفة لـ {الشَّجَرِ} {نارًا}: مفعول أول لـ {جَعَلَ} وجملة {جَعَلَ} صلة الموصول، {فَإِذا} الفاء: عاطفة، {إذا} حرف فجأة، {أَنْتُمْ} مبتدأ، {مِنْهُ} متعلق بـ {تُوقِدُونَ} ، وجملة {تُوقِدُونَ} خبر المبتدأ. والجملة الاسمية معطوفة على جملة {جَعَلَ} ؛ لأنه في تأويل ففاجأتم الإيقاد.
{أَوَلَيْسَ} الهمزة: للاستفهام التقريري، داخلة على مقدر يقتضيه المقام، والواو: عاطفة على ذلك المقدر، {لَيْسَ الَّذِي}: فعل ناقص، واسمه، {خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ} صلة الموصول، {بِقادِرٍ} خبر {لَيْسَ} ، والباء: زائدة. وجملة {لَيْسَ} معطوفة على تلك المقدرة، والجملة المقدرة مستأنفة. {عَلى أَنْ} متعلق بقادر، {أَنْ}: حرف نصب ومصدر، {يَخْلُقَ} فعل مضارع منصوب بأن، وفاعله ضمير يعود على الله، {مِثْلَهُمْ} مفعول {يَخْلُقَ} ، وجملة {يَخْلُقَ} في تأويل مصدر مجرور بـ {عَلى} ، تقديره: بقادر على خلق مثلهم. {بَلى} حرف جواب لإثبات النفي، والواو: عاطفة على ما يفيده الإيجاب؛ أي: بلى هو قادر على ذلك. والجملة المحذوفة، جملة جوابية، لا محل لها من الإعراب. {وَهُوَ الْخَلَّاقُ} مبتدأ وخبر، {الْعَلِيمُ} خبر ثان. والجملة الاسمية معطوفة على الجملة المحذوفة.
{إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)} .
{إِنَّما} : كافة ومكفوفة، {أَمْرُهُ} مبتدأ، {إِذا} ظرف لما يستقبل من
الزمان، مجرد عن معنى الشرط، متعلق بـ {يَقُولَ} ، {أَرادَ} فعل ماض، وفاعل مستتر يعود على الله، {شَيْئًا} مفعول به. والجملة في محل الجر مضاف إليه لـ {إِذا} ، {أَنْ} حرف نصب ومصدر، {يَقُولَ} فعل مضارع، وفاعل مستتر، يعود على الله، {لَهُ} متعلق بـ {يَقُولَ} . والجملة الفعلية مع {أَنْ} المصدرية في تأويل مصدر مرفوع على الخبرية، تقديره: إنما أمره قوله لشيء: كن وقت إرادة إيجاده. والجملة الاسمية مستأنفة. {كُنْ} فعل أمر، تام بمعنى أحدث، وفاعله ضمير يعود على الشيء. والجملة في محل النصب مقول {يَقُولَ}. {فَيَكُونُ} الفاء: عاطفة، {يكون}: فعل مضارع تام، وفاعله ضمير يعود على الشيء. والجملة الفعلية في محل الرفع خبر لمبتدأ محذوف تقديره: فهو يكون. والجملة الاسمية معطوفة على جملة قوله: {إِنَّما أَمْرُهُ} . وقرىء بالنصب عطفًا على {يَقُولَ} .
{فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (83)} .
{فَسُبْحانَ الَّذِي} الفاء: فاء الفصيحة؛ لأنها أفصحت عن جواب شرط مقدر، تقديره: إذا تقرر ما يوجب تنزهه تعالى وتنزيهه عما لا يليق به، وأردتم بيان ما هو اللازم لكم .. فأقول لكم: سبحان الله .. إلخ. وجملة {اذا} المقدرة مستأنفة. {سبحن} : مفعول مطلق لفعل محذوف وجوبًا، تقديره: سبحوا الذي بيده ملكوت كل شيء سبحانًا؛ أي: نزّهوه تنزيهًا. وجملة {سبحن} : في محل النصب مقول لجواب إذا المقدرة. {سبحن} مضاف، {الَّذِي} مضاف إليه، {بِيَدِهِ}: خبر مقدم، {مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ}: مبتدأ مؤخر مضاف إليه. والجملة الاسمية صلة الموصول. {وَإِلَيْهِ} متعلق بـ {تُرْجَعُونَ} ، و {تُرْجَعُونَ}: فعل، ونائب فاعل، معطوف على جملة الصلة.
التصريف ومفردات اللغة
{فِي شُغُلٍ} بسكون الغين وضمها، وقد قرىء بهما. وفي «القاموس»: الشغل بالضم وبضمتين، وبالفتح وبفتحتين: ضد الفراغ، وجمعه أشغال وشغول، وشغله كمنعه شغلًا ويضم، وأشغله لغة جيدة أو قليلة أو رديئة، واشتغل به وشغل
كعني، ويقال منه ما أشغله وهو شاذ؛ لأنه لا يتعجب من المجهول. وأنكر شارح «القاموس» أشغل، وقال: لا يعرف نقله عن أحد من أئمة اللغة. قال في «المفردات» الشغل بضم الغين وسكونها: العارض الذي يذهل الإنسان. وفي «الإرشاد» : والشغل: هو الشأن الذي يصد المرء، ويشغله عما سواه من شؤونه، لكونه أهم عنده من الكل، إما لإيجابه كمال المسرة والبهجة، أو كمال المساءة والغم. والمراد هنا: هو الأول. وما فيه من التنكير والإبهام للإيذان بارتفاعه عن رتبة البيان، والمراد به: ما هم فيه من فنون الملاذ، التي تلهيهم عما عداها بالكلية، كما فصّلناه في مبحث التفسير.
{فاكِهُونَ} ؛ أي: ناعمون أو متلذذون في النعمة، من الفكاهة بالضم. وهي التمتع والتلذذ، مأخوذ من الفاكهة. قال الجوهري في صحاحه: الفاكهة بالضم: المزاح، والفكاهة بالفتح: مصدر فكه الرجل بالكسر فهو فكه إذا كان طيب العيش فرحانا ذا نشاط من التنعم. فإذا فسرنا قوله: {فاكِهُونَ} بأنهم ناعمون كانت من الفكاهة بالفتح. وفي «القاموس» : الفاكهة: الثمر كله، وقول مخرج التمر والعنب والرمان منها مستدلًا بقوله تعالى:{فِيهِما فاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} باطل مردود. والفاكهاني: بائعها، وكخجل آكلها، والفاكه صاحبها، وفكههم تفكيهًا أتاهم بها، والفاكهة: النخلة المعجبة واسم الحلواء، وفكههم بملح الكلام تفكيها أطرفهم بها، والاسم الفكيهة والفكاهة بالضم. وقال أبو زيد: الفاكه: الطيب النفس، الضحوك.
{وَأَزْواجِهِمْ} والمراد: نساءهم اللاتي كن لهم في الدنيا، أو الحور العين. {فِي ظُلَلٍ} جمع ظل كشعاب جمع شعب. والظل: ضد الضح، أو جمع ظلة، كقباب جمع قبة. وهو الستر الذي يسترك من الشمس. وقال في «المفردات»: ويعبر بالظل عن العز والمنعة، وعن الرفاهة. قال تعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ (41)} ؛ أي: في عزة ومنعة. وأظلني فلان؛ أي: حرسني، وجعلني في ظله؛ أي: في عزه ومنعته، {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا} كناية عن نضارة العيش، انتهى.
{عَلَى الْأَرائِكِ} جمع أريكة، وهي كسفينة سرير في حجلة، والحجلة محركة موضع يزين بالثياب والستور للعروس، كما في «القاموس». وقيل: الفرش الكائن في الحجلة، بفتحتين أو بسكون الجيم مع ضم الحاء، وقيل مع كسرها، والمراد: نحو قبة تعلق على السرير، وتزين به العروس. {مُتَّكِؤُنَ} من الاتكاء، وهو الاعتماد.
{وَلَهُمْ ما يَدَّعُونَ} ؛ أي: يطلبون مضارع ادعى بوزن افتعل الشيء إذا فعله لنفسه من دعا يدعو بمعنى طلب. وقد أشرب هنا معنى التمني، ومن مجيء الادعاء بمعنى التمني، كما قال في «تاج المصادر» قولهم: ادع علي ما شئت، بمعنى: تمنه علي. والمعنى هنا: ولهم ما يتمنونه من ربهم. وأصل {يَدَّعُونَ} يدتعيون على وزن يفتعلون، استثقلت الضمة على الياء فنقلت إلى ما قبلها، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين، فصار يدتعون، ثم أبدلت التاء دالا وأدغمت الدال في الدال فصار يدعون، اهـ زاده. وقيل: افتعل بمعنى تفاعل؛ أي: ما يتداعونه.
{وَامْتازُوا الْيَوْمَ} ؛ أي: انفردوا، وابتعدوا عن المؤمنين. يقال: مازه عنه يميزه ميزًا؛ أي: عزله ونحاه. فامتاز والتمييز: الفصل بين المتشابهات. {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ} والعهد: الوصية، وعرض ما فيه خير ومنفعة. {أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ} وعبادة الشيطان كناية عن عبادة غير الله تعالى، من الآلهة الباطلة، وأضيفت إلى الشيطان، لأنه الآمر بها، والمزين لها.
{جِبِلًّا} والجبل: الجماعة العظيمة من الخلق، أقلها عشرة آلاف، والكثير الذي لا يحصيه إلا الله تعالى. ويقال فيه: جبلًا بكسر الجيم والباء وتشديد اللام كسجل، وجبلًا بضم الجيم وسكون الباء وتخفيف اللام، وجبلا بكسر وسكون الباء. وهذه اللغات في الجبل بمعنى الخلق.
{اصْلَوْهَا} ؛ أي: ذوقوا حرها. يقال: صلى اللحم كرمى يصليه صليا شواه وألقاه في النار، وصلى النار قاسى حرها، وأصله: اصليوها، فأعل كاخشوا. وهو أمر تنكيل وإهانة.
{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ} والختم على الأفواه يراد به: المنع من الكلام. والأفواه جمع فم، وأصل فم فوه بالفتح. وهو مذهب سيبويه والبصريين كثوب وأثواب، حذفت الهاء حذفا على غير قياس لخفائها، ثم الواو لاعتدالها، ثم أبدل الواو المحذوفة ميما لتجانسهما؛ لأنهما من حروف الشفة، فصار فم. فلما أضيف رد إلى أصله ذهابا به مذهب أخواته من الأسماء. وقال الفراء: جمع فوه بالضم كسوق وأسواق، اهـ من «الروح» .
{لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ} طمس الشيء: إزالة أثره بالكلية. يقال: طمسته؛ أي: محوته، واستأصلت أثره كما في «القاموس». {فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ} الاستباق افتعال من السبق. والصراط من السبيل: ما لا التواء فيه، بل يكون على سبيل القصد؛ أي: ابتدروا إلى الطريق المألوف لهم.
{وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ} المسخ تحويل الصورة إلى ما هو أقبح منها، سواء كان ذلك التحويل، بقلبها إلى صورة البهيمية، مع بقاء الصورة الحيوانية، أو بقلبها حجرا ونحوه من الجمادات، بإبطال القوى الحيوانية. {عَلى مَكانَتِهِمْ}؛ أي: في أماكنهم حيث يجترحون القبائح، والمكانة، بمعنى: المكان، إلا أن المكانة أخص، كالمقامة والمقام. {فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا} أصله: مضوي بزنة فعول، قلبت الواو ياءً وأدغمت الياء في الياء، وكسرت الضاد قبل الياء لتسلم الياء. ومن قرأ {مضيا} بكسر الميم، فإنما كسرها اتباعًا للضاد.
{وَمَنْ نُعَمِّرْهُ} ؛ أي: ومن نطل عمره في الدنيا. والعمر: مدة عمارة البدن بالروح. {نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ} من التنكيس، وهو أبلغ من النكس، والنكس أشهر. وهو قلب الشيء على رأسه، ومنه: نكس الولد إذا خرج رجله قبل رأسه. والنكس في المرض: أن يعود في مرضه بعد إفاقته. والنكس في الخلق: الرد إلى أرذل العمر.
{وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ} قال الراغب: يقال: شعرت أصبت الشعر، ومنه استعير شعرت كذا؛ أي: علمت علما في الدقة كإصابة الشعر. وسمي الشاعر شاعرا لفطنته ودقة معرفته. يقال: شعر به كنصر وكرم علم به، وفطن له، وعقله. وفي
«القاموس» : الشعر غُلِّب على منظوم القول لشرفه بالوزن والقافية، وإن كان كل علم شعرا. والجمع أشعار، انتهى. والشعر: ضرب من ضروب الكلام، ذو وزن خاص، ينتهي كل بيت منه بحرف خاص يسمى قافية. وهو يسير مع العواطف والأهواء، ولا يتبع ما يميله العقل والمنطق الصحيح. ومن ثم كان مستقر الأكاذيب والمبالغات في الأهاجي، والمدائح، والتفاخر، والتنافر. فإذا غضب الشاعر أقذع في القول، وبالغ في الذم، وضرب بالحقيقة عرض الحائط، ولا يرى في ذلك ضيرًا، وإذا هو استرضي بعد قليل رفع من هجاه إلى السماكين، وأدخله في زمرة العظماء الشجعان، أو الكرماء الأجواد إلى نحو هذا، مما تراه في شعر الهجائين المداحين، حتى لقد بلغ الأمر بهم أن قالوا: أعذب الشعر أكذبه. والقرآن الكريم آداب، وأخلاق، وحكم، وأحكام وتشريع. فيه سعادة البشر في دنياهم ودينهم، وآخرتهم فرادى وجماعات، فحاشى أن يكون شعرًا ولا كهانةً ولا سحرًا.
{وَما يَنْبَغِي لَهُ} البغاء: الطلب، والانبغاء انفعال منه. يقال: بغيته؛ أي: طلبته فانطلب. {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا} العمل: كل فعل من الحيوان يقصد. فهو أخص من الفعل. قال الراغب: الأيدي جمع يد بمعنى الجارحة، خص لفظ اليد لقصورنا، إذ هي أجل الجوارح التي يتولى بها الفعل فيما بيننا. {وَذَلَّلْناها} وفي «المفردات»: الذل: ما كان عن قهر، والذل ما كان بعد تصعب وشماس من غير قهر، وذلت الدابة بعد شماس ذلًا، وهي ذلول ليست بصعب.
{فَمِنْها رَكُوبُهُمْ} والركوب بفتح الراء بمعنى: المركوب كالحلوب بمعنى: المحلوب، والركوب بالضم: كون الإنسان على ظهر حيوان. وقد يستعمل في السفينة والسيارة وغيرهما؛ أي: مركوب كان. والراكب اختص في التعارف بممتطي البعير. {وَمَشارِبُ} جمع مشرب بالفتح مصدر أو مكان. والظاهر أن المراد به: ضروعها، اهـ شيخنا. والشرب: تناول كل مائع ماءً كان أو غيره.
{خَصِيمٌ مُبِينٌ} والخصيم: المبالغ في الجدل والخصومة إلى أقصى الغاية أو هو فعيل بمعنى فاعل؛ أي: مخاصم مجادل. والخصومة: الجدل. قال في
«القاموس» : خاصمه مخاصمة وخصومة فخصمه يخصمه غلبه، وهو شاذ؛ لأن فاعلته ففعلته يرد يفعل منه إلى الضم إن لم تكن عينه حرف حلق. فإنه بالفتح كفاخره ففخره يفخره.
{وَهِيَ رَمِيمٌ} والرميم كالرمة، والرفات العظم البالي؛ أي: بالية. وفي «المختار» : رم بالفتح يرم رمة بالكسر فيهما إذا بلي، وبابه ضرب، فهو اسم لا صفة ولذلك لم يؤنث، وقد وقع خبر المؤنث، ولا هو فعيل بمعنى فاعل أو مفعول. وإيضاح هذا الكلام: أن فعيلًا بمعنى فاعل، لا تلحق التاء في مؤنثه إلا إذا بقيت وصفيته، وما هنا انسلخ عنها وغلبت عليه الاسمية؛ أي: صار بالغلبة اسمًا لما بلي من العظام.
{مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ} والشجر من النبت ما له ساق. والخضرة أحد الألوان بين البياض والسواد، وهو إلى السواد أقرب. فلهذا سمي الأسود أخضر، والأخضر أسود. وقيل: سواد العراق للموضع الذي تكثر فيه الخضرة، ووصف الشجر بالأخضر دون الخضراء نظرا إلى اللفظ، فإن لفظ الشجر مذكر، ومعناه مؤنث؛ لأنه جمع شجرة كثمر وثمرة، والجمع مؤنث لكونه بمعنى الجماعة.
{بَلى} كلمة جواب كنعم، تأتي بعد كلام منفي. وفي «المفردات»: بلى جواب استفهام مقترن بنفي، نحو قوله تعالى:{أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى} . ونعم يقال في الاستفهام المجرد نحو: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ} ولا يقال هاهنا بلى. فإذا قيل: ما عندي شيء فقلت: بلى، فهو رد لكلامه، فإذا قلت: نعم فإقرار منك. انتهى.
{فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} الملكوت، والرحموت، والرهبوت، والجبروت مصادر. زيدت الواو والتاء فيها للمبالغة في الملك، والرحمة، والرهبة، والجبر. قال في «المفردات»: الملكوت مختص بملك الله تعالى. والملك ضبط الشيء، والتصرف فيه بالأمر والنهي. والعرب تقول: جبروتي خير من رحموتي.
البلاغة
وقد تضمنت هذه الآيات ضروبًا من البلاغة، وأنواعًا من الفصاحة والبيان والبديع:
فمنها: التنوين للتفخيم في قوله: {فِي شُغُلٍ} ؛ أي: في شغل عظيم الشأن.
ومنها: التعبير بالجملة الاسمية في قوله: {إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ (55)} عن حالهم هذه، قبل تحققها، تنزيلًا للمترقب المتوقع منزلة الواقع، للإيذان بغاية سرعة تحققها ووقوعها، ولزيادة مساءة المخاطبين بذلك. وهم الكفار.
ومنها: طباق السلب في قوله: {أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ} ، {وَأَنِ اعْبُدُونِي} فالأول سلب، والآخر إيجاب.
ومنها: التنوين في {صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ} للتفخيم.
ومنها: تقديم النهي في قوله: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ} على الأمر في قوله: {وَأَنِ اعْبُدُونِي} رعاية للقاعدة عندهم، من تقديم التخلية على التحلية، وليتصل به قوله:{هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ} .
ومنها: تقديم الجارين على متعلقهما في قوله: {فِي ظِلالٍ عَلَى الْأَرائِكِ مُتَّكِؤُنَ} لمراعاة الفواصل.
ومنها: الإسناد المجازي في قوله: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا} حيث أن الإضلال من الشيطان لكونه سبب ضلالهم.
ومنها: الالتفات من قوله: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا} الخ إلى الغيبة في قوله: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ} للإيذان بأن ذكر أحوالهم القبيحة استدعي أن يعرض عنهم، ويحكي أحوالهم الفظيعة لغيرهم مع ما فيه من الإيماء إلى أن ذلك من مقتضيات الختم؛ لأن الخطاب لتلقي الجواب، وقد انقطع بالكلية.
ومنها: الاستفهام الإنكاري في قوله: {أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ} ، وفي قوله:
{أَفَلا يَشْكُرُونَ} ، وأمثال ذلك.
منها: الطباق بين {مُضِيًّا} {يَرْجِعُونَ} .
ومنها: وضع الفعل موضع المصدر في قوله: {وَلا يَرْجِعُونَ} لمراعاة الفاصلة؛ لأن الأصل مضيًا ولا رجوعًا.
ومنها: الكناية في قوله: {وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ} ؛ لأنه كناية عن نفي كونه شاعرًا، فنفى اللازم الذي هو تعليم الشعر وأراد نفي الملزوم الذي هو كونه شاعرا، بطريق الكناية، التي هي أبلغ من التصريح.
ومنها: المقابلة اللطيفة في قوله: {لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا} الآية، قابل بين الإنذار والإعذار، وبين المؤمنين والكفار في قوله:{وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ} . وهو من ألطف العبارة.
ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعامًا} الأنعام تخلق ولا تعمل، ولكن شبّه اختصاصه بالخلق والتكوين بمن يعمل أمرًا بيديه، ويصنعه بنفسه. واستعار لفظ العمل للخلق، بطريقة الاستعارة التمثيلية.
ومنها: ذكر العام بعد الخاص في قوله: {وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ} بعد قوله: {فَمِنْها رَكُوبُهُمْ} الآية. وفائدته تفخيم النعمة، وتعظيم المنة.
ومنها: التشبيه البليغ في قوله: {وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ} ؛ أي: كالجند في الخدمة والدفاع، حذفت أداة التشبيه ووجه الشبه، فأصبح بليغًا.
ومنها: صيغة المبالغة في قوله: {خَصِيمٌ مُبِينٌ} ، وقوله:{الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} ، وفي قوله:{مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ} ؛ لأنه صيغة مبالغة من الملك، ومعناه: الملك الواسع التام مثل: الرحموت، والرهبوت، والجبروت.
ومنها: الاستعارة التصريحية في قوله: {وَضَرَبَ لَنا مَثَلًا} حيث استعار المثل الذي هو القول السائر للأمر العجيب تشبيهًا له في الغرابة بالمثل العرفي الذي هو القول السائر.
ومنها: الاستعارة التمثيلية في قوله: {أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} فشبه سرعة تأثير قدرته تعالى، ونفاذها في الأشياء، بأمر المطاع، من غير توقف ولا امتناع. فإذا أراد شيئًا وجد من غير إبطاء ولا تأخير. وهو من لطائف الاستعارة، وعبارة الروح: وهذا تمثيل لتأثير قدرته تعالى، فيما أراده بأمر الآمر، المطاع للمأمور المطيع، في سرعة حصول المأمور به، من غير توقف على شيء ما، وهو قول أبي منصور الماتريدي، لأنه قال: لا وجه لحمل الكلام على الحقيقة، إذ ليس هناك قول ولا آمر ولا مأمور.
ومنها: الزيادة والحذف في عدة مواضع (1).
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *
(1) إلى هنا وقفت الأقلام في كتابة ما أردنا إيراده على سورة يس من التفسير والتأويل في تاريخ 25/ 2/ 1414، في صباح يوم الجمعة، بعيد صلاة الفجر، اليوم الخامس والعشرين من شهر صفر المبارك من شهور، سنة ألف وأربع مئة وأربع عشرة من الهجرة النبوية، على صاحبها أفضل الصلوات، وأتم الصلات، وأزكى التحيات، وعلى آله وأصحابه، وجميع الأمّات.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام، كما أعنتنا على كتابة ما مضى فأكرمنا بإتمام ما بقي من كتابة تفسير كتابك الكريم، خالصا مخلصا لوجهك الكريم، مع النفع التام به إلى يوم القيامة، لي ولجميع المسلمين، آمين يا رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين. والحمد لله رب العالمين.
أهم مقاصد هذه السورة
1 -
بيان أن محمدًا صلى الله عليه وسلم، رسول من عند الله حقا، وأنه نذير للأميين وغيرهم.
2 -
المنذرون من النبي صلى الله عليه وسلم صنفان: صنف ميؤوس من صلاحه، وآخر قد سعى لفلاحه.
3 -
أعمال الفريقين تحصى عليهم، فتحفظ أخبارهم، وتكتب آثارهم.
4 -
ضرب المثل لهم بأهل أنطاكية، إذ كذبوا الناصح لهم وقتلوه، فدخلوا النار، ودخل الجنة بما قدم من إيمان وعمل صالح وهداية وإرشاد.
5 -
الدليل الطبيعي والعقلي على البعث.
6 -
تبيان قدرة الله ووحدانيته وعلمه ورحمته الشاملة.
7 -
جزاء الجاحدين على كفرانهم أنعم الله عليهم، وسرعة أخذهم، وندمهم حين معاينة العذاب.
8 -
الجنة ونعيمها وما أعد للمؤمنين فيها.
9 -
توبيخ الكافرين على اتباعهم همزات الشياطين.
10 -
قدرته تعالى على مسخهم في الدنيا وطمسهم.
11 -
الانتفاع بالأنعام في المأكل والمشرب والملبس.
12 -
إثبات البعث بما أقامه من أدلة في الآفاق والأنفس.
والله سبحانه وتعالى أعلم
* * *