الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن أعيانهم:
2 - الوزير أبو الحسن القاسم
ابن عبيد الله بن سليمان بن وهب
(1)
وزير الإمام المعتضد كان عظيم الهيبة، شديد الإقدام، سفاكا للدماء، الصغير والكبير منه على وجل لا يعرف أحد من أرباب الأموال معه نعمة.
ذكر ابن خلّكان (2): في ترجمة أبي الحسن علي بن الرومي الشاعر المشهور أن له في الهجاء كل معنى طريف، وكان الوزير أبو الحسن ابن وهب يخاف من هجوه وفلتات لسانه بالفحش، فدس عليه ابن فراس فأطعمه خشكنانه (3) مسمومة وهو في مجلسه فلما أكلها وأحس بالسم قام، فقال له الوزير: إلى أين تذهب؟ فقال: إلى الموضع الذي بعثتني
(1) ترجمته في سير أعلام النبلاء 14/ 18، وانظر حاشيته، والمنتظم 6/ 46، ووفيات الأعيان 3/ 361.
(2)
في وفيات الأعيان 3/ 361.
(3)
في الوفيات: خشكنانجه وكلاهما صحيح، والخشكنانه نوع من الخبز يعمل بالزبد والسكر واللوز والفستق، كما في تكملة المعاجم العربية لدوزى 4/ 102.
إليه (1). فقال له: سلّم لي على والدي. فقال: ما طريقي على النار.
فخرج من مجلسه وأتى منزله فأقام أياما ومات يوم الأربعاء لليلتين بقيتا من جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وقيل أربع وثمانين وقيل ست وسبعين ومائتين ببغداد، ودفن في مقبرة باب البستان.
قال: وكان الطبيب يتردد إليه ويعالجه بالأدوية النافعة للسم فزعم أنه غلط عليه في بعض العقاقير.
قال إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي المعروف بنفطويه، رأيت ابن الرومي وهو يجود بنفسه، فقلت: ما حالك؟ فأنشد:
غلط الطبيب عليّ غلطة مورد
…
عجزت موارده عن الإصدار
والناس يلحون الطبيب وإنّما
…
غلط الطبيب إصابة المقدار
وقال أبو عثمان الناجم الشاعر: دخلت على ابن الرومي أعوده فوجدته يجود بنفسه، فلما قمت من عنده قال لي:
أبا عثمان أنت حميد قومك
…
وجودك للعشيرة دون لومك (2)
تزوّد من أخيك فما أراه
…
يراك ولا تراه بعد يومك
وتوفي الوزير المذكور عشية الأربعاء لعشر خلون من شهر ربيع الأول (3) سنة إحدى وتسعين ومائتين في خلافة المكتفي وعمره نيّف وثلاثون سنة وفي ذلك يقول عبد الله بن الحسن بن سعد:
(1) في الأصل: عليه.
(2)
في الأصل: يومك والتصحيح من الوفيات.
(3)
كذا بالأصل وفي الوفيات 3/ 362: ربيع الآخر، وسير النبلاء 14/ 20: في ذي القعدة.
شربنا عشية مات الوزير
…
سرورا ونشرب في ثالثه
فلا رحم الله تلك العظام
…
ولا بارك الله في وارثه
قلت وفي معنى هذين البيتين قول بعضهم:
أقول وقد مرّ بي نعشه
…
إلى سقر الله روح الشّقي
فلا رحم الله من قد مضى
…
ولا رضي الله عمن بقي
قال ابن خلكان (1): وكان لهذا الوزير أخ يقال [له](2) أبو محمد الحسن، فمات في حياة أبيه وحياة الوزير فعمل أبو الحارث النوفلي وقيل -البسّامي-وهو الأصح ثم رأيت في (الذيل)(3) للسمعاني في ترجمة علي بن المقلد بن عبد الله بن كرامة البواب، أن أبا الحارث النوفلي قال:
كنت أبغض القاسم بن عبيد الله لمكروه نالني منه فلما مات أخوه الحسن كتبت على لسان البسّامي، وأنشد هذه الأبيات، وقال السمعاني قبل هذا الكلام: وقال أبو بكر الصولي النديم: وقد رأيت أبا الحارث هذا وكان رجلا صدوقا:
قل لأبي القاسم المرزّا
…
قابلك الدهر بالعجائب
مات لك ابن وكان زينا
…
وعاش ذو الشّين والمعايب
(1) في الوفيات:3/ 362.
(2)
ساقطة من الأصل.
(3)
وهو ذيل تاريخ بغداد للخطيب البغدادي. انظر عنه تاريخ الأدب العربي لبروكلمان 6/ 63، والسمعاني هو أبو سعد عبد الكريم بن محمد بن منصور المروزي المحدث والمؤرخ صاحب (الأنساب) و (أدب الإملاء والاستملاء) توفي سنة 562 هـ.
حياة هذا كموت هذا
…
فلست تخلو من المصايب
قال: وعمل آخر في المعنى ولا أعرفه.
قل لأبي القاسم المرزّا
…
وناد يا ذا المصيبتين
مات لك ابن وكان زينا
…
وعاش شين وابن (1) شين
حياة هذا كموت هذا
…
فالطم على الرأس باليدين
انتهى كلام ابن خلكان.
ويقرب من هذا المعنى قول الشيخ شمس الدين محمد بن الصايغ الحنفي يرثي الشيخ جمال الدين عبد الرحيم الإسنوي:
أتيت يا موت بخطب عظيم
…
وجئت بالأمر المرّ الجسيم
الجاهل الناقص أبقيته
…
و/رحت بالفاضل عبد الرحيم
ونسج الشمس النواجي على هذا فقال:
كأن جمالا درّ لفظة ألفاظه
…
من فوق جيد الدهر عقد نظيم
لهفي عليه إذا غدا راحلا
…
وصار ذاك الدرّ درّا يتيم
قلت: ورأيت بخط هذا الوزير [أن](2) موسى صلوات الله عليه لما أمره الله تعالى بالرسالة إلى فرعون لدعوته إلى الإيمان سأل الله تعالى أن يكون أخوه هارون معه قال الله تعالى: وَاِجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي (29) هارُونَ أَخِي (30) اُشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي (32)(3)[طه:29،32]، وقال
(1) في الوفيات: وأي.
(2)
الزيادة يقتضيها السياق.
(3)
أمري: في الأصل: «أحمره» .
النبي صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بملك خيرا، قيّض له وزيرا صالحا، إن نسي ذكره، وإن نوى خيرا أعانه، وإن أراد شرا كفه عنه (1).
وكان أنوشروان يقول: لا يستغني أجود السيف عن الصقل، ولا أكرم الدواب عن السوط، ولا أعلم الملوك عن الوزير.
قلت: ولو لم يكن في الوزير إلاّ المشورة لكان كافيا، قال الله تعالى فيما أدب به رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَشاوِرْهُمْ فِي اَلْأَمْرِ [آل عمران:159]، وقال الصلاح الصفدي: وما أحسن قول الشاعر:
إذا عنّ أمر فاستشر به صاحبا
…
وإن كنت ذا رأي تشير على الصّحب
فإني رأيت العين تجهل نفسها
…
وتدرك ما قد جلّ في موضع الشّهب
وقلت أنا في المشورة:
لا تسع في أمر ولا تعمل به
…
ما لم يزنه لديك عقل ثاني
فالشعر معتدل بوزن عروضه
…
وكذا اعتدال الشمس بالميزان
…
(1) لم أجده بهذا اللفظ ووجدت عند أبي داود في سننه 3/ 131 (2932)، إذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق: إن نسي ذكره وإن ذكر أعانه، وإذا أراد الله به غير ذلك جعل له وزير سوء: إن نسي لم يذكره وإن ذكر لم يعنه. وصحح إسناده عبد القادر الأرناؤوط في جامع الأصول 4/ 73.