الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
30 - الوزير ناصر بن مهدي
(1)
كان وزيرا ببغداد، وقبض عليه الخليفة ليلا في سنة أربع وستمائة في جمادى الآخرة منها. بعث إليه من أغلق بابه فأقام أياما ثم نقله في رجب إلى دار طاشتكين في دار الخلافة التي مات بها القاضي شريح ونقل أهله وأولاده وذخائره ووجد له من ذلك ما لم يوجد في ذخائر الخلفاء فلم يتعرض له الخليفة وفوّض الأمر إلى المكين محمد القمّي كاتب/الإنشاء بين يدي ابن مهدي، واختلفوا في سبب عزل الوزير ابن مهدي فقال قوم:
كان ظالما جبارا قاسيا قليل الرحمة قل أن حبس أحدا فتخلص منه.
قال أبو شامة (2): حكى لي خالي أبو محمد يوسف قال: شفعت إليه يوما في محبوس فقال: وكم له في الحبس؟ فقلت (3): خمس سنين، قال: ليس هذا بمحبوس! المحبوس عندنا في العجم من يمضي عليه خمسون سنة.
(1) ترجم له المؤلف أول الكتاب، فانظر مصادر تاريخه هناك في ترجمة (أبي المواهب القمي).
(2)
في الذيل على الروضتين ص 60.
(3)
في الأصل: قلت.
وقال آخرون: إن المكين القمي سعى به إلى الخليفة وقال إنه قد طمع في الخلافة ويقول إنه علوي ونحن أحق به فإنه (1) ينفذ الأموال إلى العجم في قواصر التمر إلى أهله بخراسان ليجندوا (2) العساكر ويقيموا ملكا يقصد بغداد، وقال آخرون: إنه اتفق مع ابن ساوا النصراني على قتل علاء الدين أيتامش مملوك الخليفة في هذه السنة ولما ظهر تجبره واستقلاله بالأمور هجاه أهل بغداد وكتبوا الأشعار وأوصلوها للخليفة، منها ما كتب يعقوب بن صابر المنجنيقي:
خليليّ قولا للخليفة أحمد
…
توقّ وقيت السوء ما أنت صانع
وزيرك هذا بين أمرين فيهما
…
صنيعك يا خير البرية ضائع
فإن كان حقا من سلالة حيدر
…
فهذا وزير في الخلافة طامع
وإن كان فيما يدّعي غير صادق
…
فأضيع ما كانت لديه الصنائع (3)
وجلس يوما في الديوان فوقعت بين يديه ورقة مختومة فلم يتجاسر على فتحها فبعث بها إلى الخليفة وكان فيها:
إن صحّ ما تزعم يا مدّعي
…
إلى نبيّ لست من نسله
لا قاتل الله يزيدا ولا
…
مدّ يد السوء إلى نعله
لأنه كان ذا قدرة
…
على اجتثاث العود من أصله
وإنما أبقاك أحدوثة
…
للناس كي يعذر في فعله (4)
(1) في الذيل: وأنه.
(2)
في الأصل: ليحدلوا وما أثبت من الذيل لأبي شامة.
(3)
الأبيات في الذيل على الروضتين ص 60.
(4)
انظر الذيل على الروضتين 60.
فكانت سبب حتفه لأن الخليفة قال: ما كتبوا هذه إلاّ وقد أهلك الحرث والنسل.
ثم مات في دار طاشتكين في جمادى الأولى سنة سبع عشرة وستمائة وفتح له جامع القصر ومشى بين يديه أرباب الدولة ودفن بمقبرة موسى بن جعفر، وقيل: إنه ولي الوزارة ببركة دعاء الشيخ أبي علي الحسن بن مسلّم الفارسي (1) -نسبة إلى الفارسيّة بنهر عيسى (2) -كان من الأبدال لازما لطريق السلف أقام أربعين سنة لم يكلم أحدا من الناس وكان صائم الدهر، قائم الليل، يقرأ كل ليلة ختمة مع يومها، ذكره ابن الجوزي في كتابه (صفوة الصفوة)(3).
وكان زاهد زمانه تأوي إلى زوايته السّباع وكان الخليفة وأرباب الدولة، يمشون إلى زيارته.
وحكى عنه جماعة: أنه إذا خرج أحد من القرية ليلا إلى نهر عيسى لم تتعرض السّباع له، وأن فقيرا نام في الزاوية في ليلة باردة فاحتلم فنزل إلى النهر ليغتسل فجاء السّبع فنام على جبّته فكاد الفقير يموت من البرد والخوف فخرج الشيخ حسن وجاء إلى السبع وضربه بكمه. وقال:
يا مبارك قد قلنا لك لا تتعرض لضيفنا فقام السبع يهرول (4).
(1) انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 21/ 301.
(2)
راجع مراصد الاطلاع 3/ 1013.
(3)
لم أجده في المطبوع وقد اعتمدت على طبعة بيروت التي حققها محمود فاخوري ومحمد رواس قلعجي ونشرت في أربعة مجلدات.
(4)
القصة في الذيل على الروضتين ص 13.
سمع قاضي المارستان وابن الحسين وابن الطّيوري وغيرهم ومات يوم عاشوراء سنة أربع وتسعين وخمسمائة، واتفق في ذا [ك] (1) العام أن حسام الدين أبا الهيجاء السمين الكردي وكان قدم بغداد وبعثه الخليفة إلى همذان فلم يتم له أمر فاستحيا أن يعود إليه وطلب الشام ونزل على تل فمرض فقال: ادفنوني فيه فحفروا له قبرا على رأس التل فظهرت بلاطة عليها اسم أبيه فدفنوه عليه.
ومن معاصري هذا الوزير الفقيه شهاب الدين الطوسي (2) مدرس منازل العز (3)، ولما قدم بغداد ركب بالسنجق والسيوف المسلّلة والغاشية المرفوعة والطوق في عنق البغلة فمنع من ذلك فسافر إلى مصر وأظهر مذهب الأشعري وثارت الحنابلة فجرى بينهم عجائب من السباب والتكفير وسئل: أيما أفضل دم الحسين أم دم الحلاّج؟ فاستعظم ذلك، وقال:
كيف يجوز أن يقال هذا؟! قطرة من دم الحسين أفضل من مائة ألف دم مثل دم الحلاّج. فقال السائل: فدم الحلاج كتب على الأرض (الله) ولا كذلك دم الحسين. فقال الطوسي: المتهم يحتاج إلى تزكية. وهو جواب في غاية الحسن في مثل هذا الموضع غير أنه لم يصح ما ذكر عن دم الحلاج.
وفي أيام هذا الوزير في شعبان سنة سبع وتسعين وخمسمائة جاءت
(1) ساقطة من الأصل.
(2)
هو أبو الفتح محمد بن محمود بن محمد الخراساني المتوفى سنة 596 هـ. انظر ترجمته في سير أعلام النبلاء 21/ 387.
(3)
انظر عن هذه المدرسة خطط المقريزي 1/ 484 و 485.
زلزلة هائلة (1) من الصعيد فعمت الدنيا في ساعة واحدة وهدمت بنيان مصر فمات تحت الهدم خلق ثم امتدت إلى الشام والساحل فهدمت مدينة نابلس فلم يبق فيها جدار قائم إلاّ حارة السامرة (2) ومات تحت الهدم ثلاثون ألفا وهدمت عكا وصور وجميع قلاع الساحل وامتدت إلى دمشق فرمت بعض المنارة الشرقية بجامع دمشق وأكثر الكلاّسة (3) والبيمارستان النوري وعامة دور دمشق وهرب الناس إلى الميادين وسقط من الجامع ستة عشر شرفة وتشققت قبة النّسر وتهدمت بانياس وهو بين وبين (4) وخرج قوم من بعلبك يجنون الرّيباس (5) من جبل لبنان فالتقى عليهم الجبلان فماتوا بأسرهم وتهدمت قلعة بعلبك مع عظم حجارتها وامتدت إلى حمص وحماه وحلب والعواصم وقطعت البحر إلى قبرس (6) وانفرق البحر فصار أطوادا وقذف بالمراكب إلى الساحل فتكسرت ثم امتدت إلى خلاط (7) وأرمينية وأذربيجان والجزيرة وأحصي من هلك في هذه السنة تقريبا فكان ألف ألف إنسان ومائة ألف إنسان وكان قوة الزلزلة في مبدأ الأمر مقدار ما يقرأ
(1) انظر خبرها في الذيل على الروضتين ص 30، وهو مصدر المؤلف وكشف الصلصلة للسيوطي ص 195.
(2)
في الأصل: السمرة والتصحيح من الذيل لأبي شامة.
(3)
عن هذه المدرسة انظر منادمة الأطلال ص 144، والدارس 1/ 447.
(4)
أثبت ما في الذيل على الروضتين لأن الكلمات غير واضحة.
(5)
هو نبات يشبه السلق في أضلاعه وورقه ويكثر وجوده بالجبال الشامية. راجع تذكرة داود 1/ 158.
(6)
هي جزيرة قبرص الحالية.
(7)
في الأصل: أخلاط وهو خطأ.
الإنسان سورة الكهف ثم دامت بعد ذلك أياما.
ووجد بخط هذا الوزير ما صورته لابن رشيق وقد قيل له: لم لا تركب البحر للحج؟ فقال معتذرا:
البحر صعب المرام هول
…
لا جعلت حاجتي إليه
أليس ماء ونحن طين
…
فهل ترى صبرنا عليه
ولعبد الجبار الكاتب:
لا أركب البحر خوفا
…
عليّ منه المعاطب
طين أنا وهو ماء
…
والطين في الماء ذائب
ولأبي الفتح البستي:
إنّ ابن آدم طين
…
والبحر ماء يذيبه
لولا الذي فيه يتلى
…
ما جاز عندي ركوبه
وله أيضا:
وأخضر لولا آية ما ركبته
…
ولله تصريف القضاء بما شاء
أقول حذار من ركوب عبابه
…
أيا ربّ إنّ الطين قد ركب الماء
***