الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنهم:
21 - محمد بن عبد الله بن سعيد
ابن عبد الله بن سعيد بن أحمد بن علي
الوزير البليغ الشاعر لسان الدين أبو عبد الله ابن الخطيب (1) الّلوشي (2) الأصل الغرناطي الأندلسي المغربي أصله من لوشة (3) إحدى قرى غرناطة. وخدم [أبوه] بني الأحمر على مخازن الطعام ونشأ ابنه محمد هذا بغرناطة وتفقه وتأدب على علمائها وأدبائها واختص بصحبة الحكيم يحيى بن الهذيل وأخذ عنه العلوم الفلسفية، ومهر في الطب وبرع
(1) ترجمته في نيل الابتهاج 264، والدرر الكامنة 3/ 469، والإحاطة 4/ 438، ومعجم الأطباء 395، وشجرة النور الزكية 230، ونثير فرائد الجمان 58، وتاريخ ابن خلدون 7/ 440، كما خصص المقّري القسم الثاني من كتابه نفح الطيب عن حياته، وعمل محمد عبد الله عنان دراسة بعنوان (لسان الدين ابن الخطيب وتراثه الفكري).
(2)
في الأصل: الكوشي وهو تحريف.
(3)
في الأصل: كوشه بالكاف وهو تحريف والصحيح ما أثبت وهي مدينة بالأندلس غربي البيرة قبلي قرطبة على نهر سنجل بنهر غرناطة. انظر صفة جزيرة الأندلس ص 173. ومراصد الاطلاع 3/ 1211.
في الأدب وصار إماما بليغا في الشعر والترسل والإنشاء ومدح السلطان أبا الحجاج فأكثر من مدائحه فرقّاه في خدمته وجعله في ديوان الكتاب من تحت يد أبي الحسن ابن الجيّاب (1)، فلما مات ابن الجياب في طاعون سنة تسع وأربعين وسبعمائة ولاه السلطان أبو الحجاج رئاسة الكتاب والوزارة فصدرت عنه غرائب من الترسل في مكاتباته ملوك العدوة ثم داخله السلطان في تولية العمال على يده بالمال فجمع له بها أموال جمة وبلغ في الخصوصية ما لم يفته أحد قبله ثم وجّه في الرسالة إلى السلطان أبي عنان بفاس فلما مات السلطان أبو الحجاج قتيلا في سنة خمس وخمسين وسبعمائة وقام من بعده ابنه محمد و [لما] (2) قام رضوان واستبد بالدولة أفرد لسان الدين بن الخطيب هذا بوزارته كما كان لأبيه واتخذ لكتابه غيره ثم بعث به إلى السلطان أبي عنان مستمدا به على الطاغية فلما مثل بين يديه تقدم من قعد معه من الفقهاء واستأذن في الإنشاد فأذن له فأنشد:
خليفة الله ساعد القدر
…
علاك ما لاح في الدّجى قمر
ودافعت عنك كفّ قدرته
…
ما ليس يستطيع دفعه بشر
وجهك في النائبات بدر دجى
…
لنا وفي المحل كفك المطر
والناس طرا بأرض أندلس
…
لولاك ما وطنوا ولا عمروا
ومن به مذ وصلت حبلهم
…
ما جحدوا نعمة ولا كفروا
(1) في الأصل: الحباب، وفي الدرر الكامنة: الجباب وكلاهما تصحيف. وهو علي بن محمد بن سليمان الأنصاري المتوفى سنة 749 هـ، ترجمته في درة الحجال 3/ 234، ونثير فرائد الجمان 55.
(2)
الزيادة يقتضيها السياق.
وقد أهمّتهم نفوسهم
…
فوجهوني إليك وانتظروا/
فلما سمع أبو عنان هذه الأبيات اهتز له وأذن له بالجلوس وقال له قبل أن يجلس: ما ترجع إليهم إلاّ بجميع طلباتهم وأفاض عليه من الإحسان شيئا كثيرا ثم أعاده بجميع ما طلبه فاستمر إلى أن ثار الريّس محمد وقتل رضوان ونصب إسماعيل بن السلطان أبي الحجاج في السلطنة فحبس الوزير لسان الدين المذكور وفر السلطان محمد إلى وادياش (1) فاستدعاه السلطان أبو سالم بن أبي الحسن وقد ملك بعد أخيه أبي عنان وبعث يشفع في لسان الدين بن الخطيب هذا فأفرج عنه وقدم مع سلطانه على أبي سالم بفاس فركب إلى لقائه وأجلسه بإزاء كرسيه وأنشده لسان الدين بن الخطيب قصيدته الرائية التي أولها:
سلا هل لديها من مخبرة ذكر (2)
فأجزل السلطان صلاته ثم سار لسان الدين إلى مرّاكش فأتحفه العمال بما يليق به ولما مر بسلا دخل مقبرة الملوك بشالّة (3) ووقف على قبر السلطان أبي الحسن وأنشده قصيدة منها:
إن بان منزله وشطت داره
…
قامت مقام عيانه أخباره
قسّم زمانك عبرة أو عبرة (4)
…
هذا ثراه وهذه آثاره
(1) وادي آش: مدينة قرب غرناطة بالأندلس وتكتب بالوجهين. انظر صفة الأندلس 192.
(2)
وعجز البيت هو، وهل أعشب الوادي ونم به الزهر. انظر نفح الطيب 5/ 86.
(3)
في الأصل: ببشالة ببائين وهو تصحيف فشالة: مدينة صغيرة بالقرب من الرباط في المغرب الأقصى. انظر وصف إفريقيا 1/ 203.
(4)
في تاريخ ابن خلدون: عبرة أو غبرة.
ثم كتب أبو سالم في رد ضياعه بغرناطة إلى ابن الأحمر فقبل شفاعته وردها عليه فلما عاد المخلوع محمد إلى ملكه في سنة ثلاثة وستين وسبعمائة لحق به لسان الدين ابن الخطيب فرده إلى منزلته.
وكان عثمان بن يحيى بن عمر شيخ الغزاة متمسكا من ابن الأحمر فتنكر له لسان الدين وما زال بسلطانه حتى نكبه في رمضان سنة أربع وستين وسجنه فخلا لابن الخطيب وجه السلطان وغلب على هواه حتى دفع إليه تدبير دولته وجعله من خواص ندمائه وأهل خلوته وصار العقد والحل بيده وعلقت به الآمال فحسده الناس وسعوا فيه فعزم على التخلي عما هو فيه فدسّ إلى سلطان فاس من بني مرين في اللحاق به وخرج من غرناطة على أنه يتفقد الثغور حتى حاذى جبل الفتح ركب البحر إلى سبتة ودخل فاس سنة ثلاثة وسبعين وسبعمائة فبالغ السلطان في إكرامه ولبث يطلب أهله وعياله فقدموا عليه وأجريت له الرواتب السنية والإقطاعات فاستكثر من شراء الضياع وتأنق في بناء المساكن وغرس البساتين فتمكن منه عداه بالأندلس وأثبتوا على القاضي كلمات منسوبة إلى الزندقة تكلم بها لسان الدين هذا فسجل القاضي بثبوت زندقته وحكم بإراقة دمه وأرسل بها إلى السلطان عبد العزيز ليقتله بمقتضاها، فامتنع السلطان وقال: هلاّ انتقمتم منه وهو عندكم وأنتم عالمون بما كان عليه، وأما أنا فلا أقتل بهذا من كان في جواري.
فلما مات السلطان اختص لسان الدين بعده بالوزير أبي بكر بن غازي (1) فلم يقدر عليه إلى أن تسلطن أبو العباس أحمد فقبض عليه بإغراء
(1) في الأصل: أبو بكر بن عامر والتصحيح من ابن خلدون 7/ 452، ونفح الطيب 5/ 110، وأزهار الرياض 1/ 229.
أعدائه ومنهم سليمان بن داود بن غراب (1) كبير بني عسكر وسجن فبعث ابن الأحمر وزيره أبا عبد الله بن زمرك فأخرج لسان الدين وعرض عليه في مجلس السلطان كلمات رفعت له في كتابه فوبخ ونكل وامتحن بالعذاب بمشهد الملأ من الناس ثم أعيد إلى الحبس واشتوروا في قتله بمقتضى المقالات المسجلة عليه وأفتى فيه بعض الفقهاء بالقتل، فدس سليمان بن داود بعض الأوغاد من حاشيته عليه وطرقوا الحبس معهم عدة من الغوغاء في لفيف من الخدم، وقتلوه خنقا في محبسه وأخرجوا رمته من الغد، فدفنت بالمقبرة فأصبح من غد دفنه طريحا على شفير قبره وقد ألقيت عليها الأحطاب وأضرم فيها النار فاحترق شعره واسودت بشرته ثم أخذ وأعيد إلى حفرته وكان قتله في سنة ست وسبعين وسبعمائة.
ومن شعره وهو بالسجن قصيدة أولها:
بعدنا وإن جاورتنا البيوت
…
وجئنا بوعظ ونحن نموت
ومنها:
وكنا عظاما فصرنا عظاما
…
وكنا نقوت فها نحن قوت
وكنا شموس سماء العلا
…
غربن فناحت عليها السّموت
ومن كان منتظر الزوال
…
فكيف يؤمّل منها الثبوت
وقل للعداة مضى ابن الخطيب وفا
…
ت، فمن ذا الذي لا يفوت
ومن كان يفرح منهم له
…
فقل: يفرح اليوم من لا يموت
وكان لسان الدين هذا إماما بليغا بارعا مترسلا عالما ناظما ناثرا ولديه فضيلة تامة ومشاركة في كثير من العلوم وله تصانيف كثيرة منها
(1) في النفح 5/ 110: أغراب.
تاريخ غرناطة سماه (الإحاطة (1))، وكتاب:(روضة التعريف بالحب الشريف)(2) بديع في معناه، وكتاب:(الغيرة على أهل الحيرة)، وكتاب:
(حمل الجمهور على السّنن المشهور)، وكتاب:(الاكتاب على اختصار الكتاب)(3) اختصر فيه كتاب صحاح الجوهري. ومن شعره:
يا من أدار من الصبابة بيننا
…
قدحا ينمّ المسك من رباه
وأتى بريحان الحديث فكلما
…
صحّ الحديث براحة حيّاه
أنا لا أهيم بذكر من قتل الهوى
…
لكن أهيم بذكر من أحياه
…
(1) طبع في أربعة مجلدات بتحقيق محمد عبد الله عنان.
(2)
طبع بتحقيق محمد الكتاني ثم طبع أخرى بتحقيق عبد القادر عطا.
(3)
لم أجده في ثبت مؤلفاته التي جمعها المقري في النفح ولا في كتاب عنان عن (ابن الخطيب وتراثه الفكري) ولا في كتاب ابن الأحمر (نثير فرائد الجمان) ولا في فهرس كتبه التي ذكرها في ترجمته بقلمه في خاتمة الجزء الرابع من كتابه الإحاطة، ولا في مقدمة الصحاح للجوهري حيث ذكر عبد الغفور عطار الكتب التي اختصرت أو هذبت أو شرحت الصحاح.