المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌22 - محمد بن عثمان بن أبي الرجاءالصاحب شمس الدين التنوخي الدمشقيالتاجر المعروف بابن السلعوس - إنباء الأمراء بأنباء الوزراء

[ابن طولون]

فهرس الكتاب

- ‌ترجمة المؤلف

- ‌اسمه ونسبه ومولده:

- ‌شيوخه:

- ‌مؤلفاته:

- ‌تلاميذه:

- ‌مكانته العلمية وأراء العلماء فيه:

- ‌بعض الأمور المتصلة بحياته:

- ‌وصف المخطوطة

- ‌[مقدمة المؤلف]

- ‌1 - أبو المواهب القميّ

- ‌2 - الوزير أبو الحسن القاسمابن عبيد الله بن سليمان بن وهب

- ‌3 - يحيى بن خالد بن برمك

- ‌4 - الفضل بن يحيى بن خالد

- ‌5 - جعفر بن يحيى بن خالد

- ‌6 - الحسن بن سهل

- ‌7 - الوزير حامد بن العباس

- ‌8 - الوزير أبو علي محمد بن علي بن مقلة

- ‌11 - الوزير الأفضل بن بدر الجمالي

- ‌12 - الوزير المهلّبي

- ‌13 - الوزير ابن هبيرة

- ‌14 - الوزير أبو الفرج يعقوب ابن كلّس

- ‌15 - الوزير مؤيد الدين الطغرائي

- ‌16 - إبراهيم الوزير الصاحب شمس الدينالمعروف بكاتب أرنان

- ‌17 - عبد الله بن أحمد بن إبراهيم الوزير الصاحبعلم الدين بن تاج الدين الشهير بابن زنبور

- ‌18 - الوزير الأجل جلال الإسلامالحسن ابن القاضي ثقة الدين ابن أبي كدينة

- ‌19 - وزير الوزراء ذو الرئاستين قطب الدولةأبو الحسن علي بن جعفر بن فلاح

- ‌20 - محمد بن علي الوزير بن الأمير علاء الدينالملقب بسعد الدين السّاوجي العجمي

- ‌21 - محمد بن عبد الله بن سعيدابن عبد الله بن سعيد بن أحمد بن علي

- ‌22 - محمد بن عثمان بن أبي الرجاءالصاحب شمس الدين التّنوخي الدمشقيالتاجر المعروف بابن السّلعوس

- ‌26 - محمد بن محمد بن الحسنالعلاّمة نصير الدين أبو عبد الله الطوسي

- ‌27 - عبد الله بن علي بن الحسين بن عبدالخالق بن الحسين بن الحسن بن منصورالصاحب الوزير الكبير صفي الدينأبو محمد الشيبي المصري الدّميريالمالكي المعروف بابن شكر

- ‌29 - الوزير أبو المظفّرعبيد الله بن يونس بن أحمد الحنبلي

- ‌30 - الوزير ناصر بن مهدي

- ‌31 - الوزير شرف الدين عبد المحسنابن إسماعيل بن محمود المحلي الفلكي

الفصل: ‌22 - محمد بن عثمان بن أبي الرجاءالصاحب شمس الدين التنوخي الدمشقيالتاجر المعروف بابن السلعوس

ومنهم:

‌22 - محمد بن عثمان بن أبي الرجاء

الصاحب شمس الدين التّنوخي الدمشقي

التاجر المعروف بابن السّلعوس

(1)

وزير السلطان الملك الأشرف خليل بن قلاوون ونديمه. قال البارع خليل بن أيبك (2): كان في شبيبته يسافر في التجارة وكان أشقرا/سمينا أبيضا معتدل القامة فصيح العبارة حلو المنطق وافر الهيبة كامل الأدوات خليقا للوزارة تام الخبرة زائد الإعجاب عظيم التية، وكان جارا للصاحب تقي الدين بن البيّع فصاحبه ورأى ما فيه من الكفاءة فأخذ له حسبة دمشق ثم إنه ذهب إلى مصر وتوكل للملك الأشرف خليل في دولة أبيه فجرى عليه نكبة من السلطان فشفع فيه مخدومه الأشرف وأطلقه من الاعتقال وحجّ فتملك الأشرف في غيبته وكان محبا فيه فكتب إليه بين الأسطر:

يا شقير يا وجه الخير قدّم السّير. فلما قدم وزّره.

(1) ترجمته في الوافي 4/ 86، والنجوم الزاهرة 8/ 53، وبدائع الزهور 1/ 379، وعقد الجمان 3/ 227، والتحفة الملوكية 139، وشذرات الذهب 5/ 424، والبداية والنهاية 13/ 338، وتذكرة النبيه 1/ 173، ونهاية الأرب 11/ 270.

(2)

في كتابه الوافي بالوفيات 4/ 86.

ص: 84

وكان إذا ركب يمشي الأمراء [و](1) الكبار في خدمته ودخل دمشق بعد قدومهم من عكا في دست عظيم وكان الشّجاعي ومن دونه يقفون بين يديه وجميع أمور المملكة منوطة به (2).

فارق السلطان وتوجه إلى الإسكندرية في خدمة الأمير علم الدين الدواداري فصادر متولي الثغر وعاقبه، فلم ينشب أن جاءه الخبر بقتل مخدومه الأشرف فركب لليلته منها هو وكاتبه الشرف القيسراني، وقال للوالي: افتح الباب لزيارة القبّاري (3) وجاء إلى المقس ليلا ونزل بزاوية ابن الظاهري ولم ينم معظم الليل واستشار الشيخ في الاختفاء، فقال: أنا قليل الخبرة بهذه (4) الأمور، فقوّى نفسه وقال: هذا لا أفعله ولو فعله عامل من عمالنا كان قبيحا وهم محتاجون إلينا وما أنا محتاج إليهم ثم ركب بكرة ودخل بأبهة الوزارة إلى داره فاستمر بها خمسة أيام ثم طلب في السادس (5) إلى القلعة فأنزله الشّجاعي ماشيا وسلمه من الغد إلى عدوه الأمير بهاء الدين قراقوش مشد الصحبة فقيل إنه ضربه ألفا ومائة مقرعة ثم سلّمه إلى الأمير بدر الدين المسعودي مشد مصر حتى يستخلص الأموال منه فعاقبه وعذبه وحمل جمله وكتب تذكرة إلى دمشق بسبعة آلاف دينار

(1) ساقطة من الأصل والاستدراك من الوافي.

(2)

في الوافي: به منوطة.

(3)

كذا في الأصل وفي الوافي: المقابر. قلت لعله يريد القدوة الزاهد أبو القاسم بن منصور القبّاري الإسكندراني المتوفى سنة 662 هـ. ترجمته في المشتبه للذهبي 520.

(4)

في الأصل: بذلك.

(5)

في الأصل: الخامس والتصحيح من الوافي.

ص: 85

مودوعة عند أناس فأخذت منهم ومات في العقوبة في تاسع صفر سنة ثلاث وتسعين وستمائة وقد أنتن جسمه وقطع عنه اللحم الميت.

ولما تولى الوزارة كتب إليه بعض من يحبه من الشام يحذره من الشّجاعي:

تنبّه يا وزير الأرض واعلم

بأنك قد وطئت على الأفاعي

وكن بالله معتصما فإني

أخاف عليك من نهش الشّجاعي

فبلغا الشّجاعي فلما جرى ما جرى قيل له عن هذا الناظم فقال:

لا أؤذيه لأنه نصحه فيّ وما انتصح. ولما توفّي القاضي محيي الدين بن عبد الظاهر كاتب الإنشاء بمصر طلب الوزير شمس الدين العلاّمة شهاب الدين محمود من الشام ورتبه عوضه في الديار المصرية فامتدحه بقصيدة منها:

أجد له شوقا إلى ساكن مصر

هواي من به تاهت على البرّ والبحر

من أصبحت بغداد من بعد تيهها

وقد حل عليا مصر ممن خدم القصر

فشاق هوى (1) التقوى بها القلب لا هوى

عيون المها بين الرّصافة والجسر

وكم رام يحكي النيل نيل بنانه

فأغنى ولكن فرد قطر عن القطر

وذاك يعم الأرض شرقا ومغربا

سواء لديه ساكن القفر والمصر

(1) في الأصل: هو.

ص: 86

ومنهم:

23 -

محمد بن علي بن [محمد](1) بن سليم

الوزير الصاحب فخر الدين أبو (2) عبد الله بن

الوزير الصاحب بهاء الدين بن القاضي السديد

المصري الشافعي المعروف بابن حنّا (3)

كان فقيها بارعا محدثا سمع الحديث ودرس بمدرسة والده وكان ديّنا خيرا محبا لفعل الخير وفيه بر وصدقة. وعمر رباطا كبيرا بالقرافة ووقف عليه وقفا. وهو والد الصاحب تاج الدين وكان له نظم ونثر وروى عنه الحافظ شرف الدين الدمياطي. توفي سنة ثمان وستين وستمائة. ومن شعره:

أنا مرسل للعاشقين جميعهم

من مات منهم وافيا من أمّتي

(1) الزيادة من مصادر ترجمته.

(2)

في الأصل: إبن.

(3)

ترجمته في الوافي 4/ 185، وعيون التواريخ 20/ 395، ونهاية الأرب 30/ 171، وذيل مرآة الزمان 2/ 439، والبداية والنهاية 13/ 258، وعقد الجمان 2/ 67، وضبط اسمه من الضوء اللامع 11/ 244، وتاج العروس 9/ 186، (ط مصر)، والأعلام 7/ 32.

ص: 87

فله الشهادة كلها ولي الهنا

إذ كان ممّن غدا في زمرتي (1)

وبخطه للعلاّمة أمين الدين محمد بن علي المحلي النحوي مصنف كتاب (مفتاح الإعراب):

عليك بأرباب الصدور فمن غدا

مضافا (2) لأرباب الصدور تصدّرا

وإياك أن ترضى صحابة ناقص

فتنحط قدرا من علاك وتحقرا

فرفع أبو من ثم خفض مزمل

يحقق قولي معزيا ومحذّرا

قلت: أراد بقوله فرفع أبو من أن من الاستفهامية لها صدر الكلام فلما أضيف إليها أبو قدم عليها ورفع ولو كان عامله ناصبا نحو علمت أبو من زيدا وما ذاك إلاّ لإضافة إليها وأشار بقوله: ثم خفض مزمل إلى قول امرىء القيس:

كأن ثبيرا في عرانين وبله

كبير أناس في بجاد مزمّل (3)

وذلك لأن مزملا صفة لكبير فكان حقه الرفع ولكنه خفض للمجاورة، يعني: من اتصف بهذه الأوصاف الذميمة عليك الحذر من مصاحبته لئلا يعديك بطبعه في معاشرته وهذا مثل قول ابن حزم الظاهري:

(1) البتان في الوافي 4/ 186.

(2)

في الوافي: يجالس.

(3)

البيت في الديوان ص 25، ومثله في اللسان (زمل) 11/ 311.

كأن أبانا في أفانين ودقه

كبير أناس في بجاد مزمل

وفي اللسان (عرن) 13/ 283.

كأن ثبيرا في عرانين ودقه

من السيل والغثاء فلكة مغزل

والوبل والودق بمعنى واحد.

ص: 88

تجنب صديقا مثل ما واحذر الذي

يكون كعمرو بين عرب وأعجم

فإن صديق السوء يردي وشاهدي

كما سرقت صدر القناة من الدّم

مراد ابن حزم بما: الكناية عن الرجل الناقص كنقص ما الموصولة لاحتياجها إلى صلة وعائد. وبعمرو: الكناية عن الرجل المتزيد الآخذ ما ليس له كأخذ عمرو الواو في الخط.

وأشار بقوله: وشاهدي كما سرقت صدر القناة من الدم. . . إلى قول سيبويه:

ويسرق بالقول الذي قد أذعته

كما سرقت صدر القناة من الدم

يعني أن الاسم قد يكتسب بالإضافة أمورا:

أحدها: التأنيث لأن (صدر) مذكر فلما أضيف إلى القناة أنّث.

وثانيها: وجوب التصدير كما قدمنا في أبو من.

***

ص: 89

ومنهم:

24 -

محمد بن محمد بن/علي بن محمد بن سليم

الصاحب تاج الدين أبو عبد الله ابن الصاحب

فخر الدين ابن الصاحب بهاء الدين بن حنّا (1) المصري

وزير الديار المصرية، مولده في سنة أربعين وستمائة وتفقه وبرع ونظم ونثر وسمع من سبط السّلفي جزء الذهلي ومن الشرف المرسي وبدمشق من ابن عبد الدائم وابن أبي اليسر. وحدّث بدمشق ومصر وسمع عليه جماعة، وانتهت إليه الرئاسة في عصره بالقاهرة.

وكان ذا سؤدد ومكارم وشكل حسن وبزة فاخرة إلى الغاية يتناهى في الطعام والشراب واللباس ومع ذلك كانت صدقاته كثيرة وتواضعه وافر وصحبته للفقراء والصلحاء زائدة وهو الذي اشترى الآثار النبوية (2) على ما قيل بستين ألف درهم وجعلها في مكانه وهو المكان المنسوب إليه بالديار المصرية على شاطىء النيل.

(1) المتوفى سنة 707 هـ، ترجمته في الوافي 1/ 217، والأعلام 7/ 32، وتذكرة النبيه 1/ 284، وشذرات الذهب 6/ 14، ومعجم شيوخ الذهبي الكبير 2/ 275، والدرر الكامنة 4/ 201، والدليل الشافي 2/ 690، والنجوم الزاهرة 8/ 228، والسلوك 2/ 41، وفوات الوفيات 3/ 255.

(2)

عن الآثار النبوية، انظر كتاب أحمد تيمور باشا (الآثار النبوية).

ص: 90

قال ابن أيبك (1): حكى لي شهاب الدين محمود وغير واحد: أن الصاحب فخر الدين ابن الخليلي لما لبس تشريف الوزارة توجه من القلعة بالخلعة إلى عند الصاحب تاج الدين وجلس بين يديه وقبّل يده فأراد أن يجيزه (2) ويعظم قدره فالتفت إلى بعض خدمه وطلب منه توقيعا بمرتب يختص بذلك الشخص فأخذه وقال: مولانا يعلم على هذا التوقيع فأخذه وقبّله وكتب عليه قدّامه. قال الشيخ فتح الدين ابن سيد الناس: وهذه الحركة من الصاحب تاج الدين بمنزلة الإجازة والإمضاء لوزارة ابن الخليلي.

ومن أحسن حركة اعتمدها ما حكاه القاضي شهاب الدين بن فضل الله قال: اجتزت بتربته فدخلت فلقيت في داخلها مكتّبا للأيتام وهم يكتبون القرآن في ألواحهم فإذا أرادوا مسحها غسلوا الألواح وسكبوا ذلك على قبره فسألت عن ذلك فقيل لي: هكذا شرط في هذا الوقف وكان مقصدا حسنا وذو عقيدة صحيحة.

وكان الصاحب بهاء الدين جده يؤثره على أولاده لصلبه ويعظمه.

قال قاضي القضاة القزويني: وقفت على أقوال الصاحب بهاء الدين أنه في ذمته للصاحب تاج الدين ولأخيه مبلغ ستين ألف مصرية، ومن وجاهته وعظمته في النفوس أنه لما نكب على يد الشجاعي جرده من ثيابه وضربه مقرعة واحدة ولم يدعه الناس يصل إلى أكثر من ذلك مع جبروت الشجاعي وعتوه وتمكنه من السلطان. وكانت له مهابة في النفوس وله شعر رائق. انتهى.

وكان عظيم الهمة كريم النفس يتعاطى الفروسية ويحضر الغزوات

(1) أي الصفدي في كتابه الوافي:1/ 218.

(2)

في الأصل: يجبره والتصحيح من الوافي.

ص: 91

والحروب ويركب ويتصيد بالجوارح والكلاب، وكان جوادا ممدحا ومدحه الشهاب محمود بقصيدة طويلة أولها:

أعليّ في ذكر الديار ملام

أم هل تذكّرها عليّ حرام (1)

وتوفي سنة سبع وسبعمائة.

ومن شعره ما كتبه السراج الورّاق يعزيه في حمار سقط في بئر فنفق-من أبيات:

يفديك جحشك إذ مضى مترديا

بتالد يفدي الأديب وطارف

عدم الشعير فلم يجده ولا رأى

تبنا وراح من الظما كالتالف

ورأى البويرة غير صاف ماؤها

فرمى حشاشة نفسه لمخاوف

فهو الشهيد لكم بوافر فضلكم

هذي المكارم لا حمامة خاطف

قوم يموت حمارهم عطشا لقد

أزروا بحاتم في الزمان السالف (2)

قوله: (لا حمامة خاطف) أشار إلى بيتي ابن عنين اللذين مدح بهما الإمام فخر الدين الرازي، وقد جاءت حمامة فدخلت حجره هربا من جارح وكان خلفها، وهما:

جاءت سليمان الزمان حمامة

والموت يلمع من جناحي خاطف

من نبّأ الورقاء أن محلكم

حرم وأنك ملجأ للخائف (3)

انتهى. فأجابه السّراج الوراق بقصيدة أولها:

أدنت قطوف ثمارها للقاطف

وثنت بأنفاس النسيم معاطفي

(1) انظر الوافي 1/ 223.

(2)

الأبيات في الوافي 1/ 219.

(3)

البيتان في الوافي 4/ 252، بتأخير البيت الأول إلى الثاني.

ص: 92

ومنها فيما يتعلق بذكر الحمار:

ولكم بكيت عليه عند مرابع

ومراتع رشّت بدمع الذارف

يمسي على عهدي ويسري صابرا

بمعارف تلهيه دون معالف

وقد استمرّ على القناعة يقتدي

بي وهي في ذا الوقت جلّ وظائفي

ودعاه للبئر (1) الصدى فأجابه

وأعتاقه صرف الحمام الآزف

وهو المدلّ بألفة طالت وما

أنسى حتوف مرابعي ومآلفي

وموافقي في كل ما حاولته

في الدهر غير موافقي ومخالفي

دوران ساقية لطاحون نقل

الماء في شات ويوم صائف

لكن بماء البئر راح بنقلة

قتلته شامات بموت جارف (2)

ومن شعر الصاحب تاج الدين أيضا:

توهم واشينا بليل مزارنا

فجاء ليسعى بيننا بالتباعد

فعانقته حتى اتحدنا تلازما

فلم ير واشينا سوى فرد واحد (3)

ونظم يوما في الفائزي فقال:

توفي الجمال الفائزي وإنه

لخير صديق كان في زمن العسر

ثم أمر السراج الوراق بإجازته فقال السراج الوراق:

فيا رب عامله بألطافك التي

يكون بها في الفائزين لدى الحشر

(1) في الأصل: الكثير.

(2)

الأبيات في الوافي 1/ 219.

(3)

البيتان في الوافي 1/ 220.

ص: 93

ومنهم:

25 -

محمد بن محمد بن علي الوزير الكبير

مؤيد الدين أبو طالب العلقمي (1) البغدادي الرافضي

وزير المستعصم بالله، مولده في شهر ربيع الأول سنة إحدى وتسعين وخمسمائة وترقى إلى أن ولي الوزارة نحو أربع عشرة سنة. وكان في أول وزارته مناصرا للخليفة وعنده إظهار للرفض قليلا، وكان عارفا عاقلا خيرا يتدبر الملك إلى أن وقع بينه وبين دوادار (2) الخليفة، وهو أن الدوادار كان يتغالى في السنة وعضده ابن الخليفة فحصل عند الوزير من الضغن ما أوجب له أنه سعى في دمار الإسلام وخراب بغداد لأنه ضعف جانبه وقويت شوكة/الدوادار بحاشية الخليفة فتعادين (3) لابن الخليفة وظهر ذلك وفشى بين الجند حتى أنه لم يبق للوزير من الأمراء إلاّ القليل

(1) ترجمته في عيون التواريخ 20/ 193، والوافي بالوفيات 1/ 184، وسير أعلام النبلاء 23/ 361، وانظر حاشيته.

(2)

الدوادار: هو الذي يحمل دواة السلطان أو الأمير ويتولى أمرها مع ما ينضم لذلك من الأمور اللازمة لهذا المعنى من حكم وتنفيذ أمور وغير ذلك. انظر معجم الألفاظ التاريخية في العصر المملوكي ص 77.

(3)

كذا في الأصل، والجملة مضطربة.

ص: 94

حتى قال العلقمي هذا في نفسه:

وزير رضي من بأسه وانتقامه

بطيّ رقاع حشوها النظم والنثر

كما تسجع الورقاء وهي حمامة

وليس لها نهي يطاع ولا أمر (1)

ثم إنه أخذ يدبر على الخليفة ويكاتب التتار إلى أن طمع هلاكو في أخذ بغداد. وقرر مع هلاكو أمورا انعكست عليه لما أخذ هلاكو بغداد، وقتل الخليفة. ثم ندم الوزير هذا حيث لا ينفع الندم وصار لما انقلب عليه تدبيره يقول:

وجرى القضاء بعكس ما أمّلته

قيل أنه لما أخذ هلاكو بغداد وقتل الخليفة وفعل في المسلمين ما هو مشهور من الأفعال القبيحة كالسّبي والقتل والنهبي والإحراق كل ذلك والوزير هذا في منصبه، فلما كان جالسا في بعض الأيام في الديوان دخل عليه بعض التتار ممن لا وجاهة له راكبا فرسه فساق إلى أن وقف بفرسه (2) على بساط الوزير هذا وخاطبه بما أراد وبال الفرس على البساط وأصاب الرشاش ثياب الوزير وهو صابر لهذا الهوان والصّغار ويظهر قوة النفس والفرح وأنه بلغ مراده-عليه من الله ما يستحقه-وأقام على ذلك مدة إلى أن أمسكه هلاكو بعد قتل الخليفة ووبخه بألفاظ شنيعة معناها أنه لم يكن له خير في مخدومه ولا في دينه فكيف يكون له خير في هلاكو ثم أمر به فقتل أشر قتلة.

قلت: إلى سقر لا دنيا ولا أخرى.

(1) البيتان في الوافي 1/ 184.

(2)

في الأصل: برأسه، وهو تحريف والتصحيح من الوافي.

ص: 95

وكان قتله في أوائل سنة سبع وخمسين وستمائة (1). وكان من الفضلاء البلغاء العلماء إلاّ أنه كان رافضيا خبيثا سفك بسبب فتنته من الدماء ما لا يعلمه إلاّ الله تعالى وخرب العراق بأجمعه من يومئذ، وكانت دار السّلام أحسن بلاد الله فكأنها لم تكن.

وقال في كتاب (مجلا اللطافة)(2): ولما دخل التتار إلى بغداد بذلوا السيف في أهلها ولم يرحموا شيخا كبيرا ولا طفلا صغيرا وأخذ المستعصم أسيرا هو وولده فأحضرين يدي هلاكو فأخرجه إلى ظاهر بغداد وأنزله في خيمة صغيرة هو وولده ثم أنه بعد العصر وضع الخليفة هو وولده في عدلين وأمر التتار برفسهما إلى أن ماتا رحمهما الله ونهبوا دار الخلافة ومدينة بغداد وقتل أكثر أهل بغداد حتى قيل أن عدة من قتل يزيد على مائتي ألف ألف وثلاثمائة ألف وثلاثون إنسانا (!!!) وانقضت الخلافة ببغداد وزالت أيامهم (3) من تلك البلاد وتحولت الخلافة إلى القاهرة يقال:

خلت المنابر والأسرّة منهم

فعليهم حتى الممات سلام

(1) يذهب ابن كثير أنه قتل في جمادى الآخرة سنة 656 هـ. انظر البداية 13/ 213.

(2)

كذا في الأصل، وأظنه يريد مورد اللطافة ليوسف بن تغري بردي المتوفى سنة 874 هـ، والنص موجود فيه ص 53.

(3)

كذا.

ص: 96