الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة: لو سأل سائل وقال: في حديث أنس في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لكعب بن عجرة أن يحلق رأسه ويفدي مع أن رأسه كان يتساقط قملاً فهو أتلفه ليدفع ضرره عنه فكيف يضمن الفدية؟
الجواب: هذا سؤال جيد، لكن يتضح الأمر إذا قلنا: هل أتلف كعب بن عجرة شعره؛ لأن الأذى صدر من الشعر ذاته أم أن الأذى صدر من القمل ولكن لا يمكن إتلاف القمل إلا بذلك؟ الجواب هو الثاني فالشعر لا أذى منه وإنما الأذى حصل من القمل فالأذى من غير الشعر فيكون هو أتلف الشعر لينتفع هو بإتلاف القمل فيكون أتلفه لينتفع به، ومن أتلف شيئاً لينتفع به ضمنه، فلا إشكال حينئذٍ، والله تعالى أعلم.
القاعدة الثامنة عشر
18 - إذا اجتمعت عبادتان من جنسٍ واحد ووقتٍ واحد وليست إحداهما مفعوله على وجه القضاء والتبع دخلت إحداهما في الأخرى
(1)
وهي من أنفع القواعد الفقهية وبيانها أن يقال: أنه إذا اجتمعت عندنا عبادتان فهل تدخل إحداهما في الأخرى؟
الجواب: نعم تدخل إحداهما في الأخرى إذا توفرت أربعة شروط:
الأول: أن تكون هاتان العبادتان من جنس واحد أي صلاة وصلاة، وطواف وطواف، وصيام وصيام، وغسل وغسل، ووضوء ووضوء، وهكذا وبناءً على اشتراط هذه الشروط فإنه إذا اجتمعت عبادتان مختلفتان في الجنس فلا يدخل إحداهما في الأخرى كصيام وصلاة، وطواف وسعي.
(1) التحقيق في هذه القاعدة أنه إذا اجتمع عبادتان من جنس واحد ووقت واحد وإحداهما ليست مرادة لذاتها دخلت إحداهما في الأخرى، كطواف الوداع مع طواف الإفاضة وتحية المسجد مع سنة الوضوء أو مع الفريضة لأن المراد في المثال الأول أن يكون آخر عهده بالبيت الطواف وقد حصل، والمراد بالمثال الثاني أن لا يجلس المصلي إذا دخل المسجد حتى يصلي.
الشرط الثاني: أن تكونا قد اجتمعتا في وقتٍ واحد كطواف الإفاضة إذا أخِّر إلى وقت الخروج مع طواف الوداع، وكغسل اليدين في أول الوضوء إذا اجتمع مع غسلهما للقيام من نوم الليل، وكصوم الفرض قضاءً إذا وافق اثنين أو خميس وهكذا، وبناءً على اشتراط هذا الشرط فإن العبادتين المفترقتين في الوقت لا تدخل معنا في هذه القاعدة.
الشرط الثالث: أن لا تكون إحداهما مفعوله على وجه القضاء كصلاة الظهر إذا جمعت مع العصر، وكالسنن المقضية مع سنة الفجر مثلاً، فإذا كانت إحداهما مفعوله على وجه القضاء فلا يدخل فيها غيرها.
الشرط الرابع: أن لا تكون إحداهما مفعوله على وجه التبعية بحيث لا يدخل وقت الأخرى إلا إذا انتهت الأولى كالسنة البعدية مع الفريضة، وصيام الست من شوال لرمضان فإن من فاته شيء من رمضان وقضاهن في شوال ونوى القضاء والست لا يحصل له إلا القضاء فقط؛ لأن الست لا تفعل إلا بعد رمضان أداءً وقضاءً، فإذا نواها مع القضاء فيكون قد صامها مع رمضان ولم يتبعها رمضان، والحديث جاء بالإتباع لا بالمقارنة، والله أعلم. هذا بالنسبة للشروط التي ذكرت في القاعدة، وبعضهم يزيد شرطين آخرين:
أحدهما: أن تكون إحداهما أكبر من الأخرى كطواف الإفاضة والوداع، وغسل اليدين لقيام الليل وفي أول الوضوء، وغسل الجنابة والجمعة وهكذا.
الثاني: أن ينويهما أو ينوي كبراهما، أما إذا لم ينو شيئًا أو نوى الصغرى فإنه لا يحصل له إلا ما نواه فقط، وهما شرطان صحيحان لحدٍّ كبير جدًا.
إذا علمت هذا فاعلم أنه إذا اجتمعت هذه الشروط في عبادتين فإنهما يتداخلان بحيث يكفي عنهما فعل واحد فقط، وإن فصلتهما بفعلين فهو لاشك أكمل، ولكن من باب التخفيف والتيسير على المكلفين أجازت الشريعة ذلك، ويحصل له من الأجر كأجر من فعلهما كلتيهما. ولتتضح القاعدة أكثر نضرب فروعًا عليها مع مراعاة الشرطين الأخيرين فأقول:
منها: لو أخر الحاج طواف الإفاضة إلى قبيل خروجه فإنه يجب الآن عليه طوافان طواف الإفاضة وطواف الوداع، فيجزئه حينئذٍ أن يطوف بنيتهما معًا أو بنية طواف الإفاضة ويدخل معه طواف الوداع تبعًا، أما لو طاف بنية الوداع فقط فليس له إلا ما نوى فقط، ويبقى عليه طواف آخر للإفاضة (1) .
ومنها: إذا دخل المسجد ووجدهم يصلون الظهر فإنه قد اجتمع في حقه الآن عبادتان، تحية المسجد وصلاة الفريضة، فإذا دخل معهم في صلاة الظهر دخلت معها تحية المسجد تبعًا، والله أعلم.
ومنها: من قام من نوم ليلٍ ناقضٍ لوضوء وأراد الوضوء فإنه يجب عليه أن يغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثًا، ويسن له أن يغسلهما أيضًا عند كل وضوء، فقد اجتمعت عبادتان فيجزئ عنه أن يغسلهما بنية الواجب ويدخل الغسل المسنون مع نية الواجب تبعاً لأن الصغرى تدخل في الكبرى.
ومنها: إذا توضأ الإنسان ودخل المسجد وصلى التحية دخلت معها سنة الوضوء إذا نواهما أو نوى تحية المسجد.
ومنها: إذا فاتت سنة الفجر وصلاها بعد طلوع الشمس وارتفاعها قيد رمح دخلت معها سنة الضحى إن نواهما أو نوى سنة الفجر؛ لأنها آكد (2) .
ومنها: من قضى رمضان يوم اثنين أو خميس فله أجران، أجر القضاء وأجر السنة؛ لأن من السنة صيام هذين اليومين (3) .
ومنها: من صام الست من شوال في الأيام المستحب صيامها كالبيض مثلاً فله أجر السنتين، سنة الست وسنة الأيام البيض (4) .
ومنها: إذا اجتمع غسل جمعة وجنابة ونواهما أو نوى الجنابة فقط دخل غسل الجمعة تبعاً وله أجر الغسلين جميعًا بغسلٍ واحدٍ فقط. وعلى ذلك فقس، والله تعالى أعلم.
(1) لا يصح طواف للوداع قبل الإفاضة لأنه آخر عهد بالبيت.
(2)
في ذلك نظر لأن كلاً منها عبادة معينة مرادة لذاتها.
(3)
فيه نظر كبير لأن احدى العبادتين واجبة والأخرى نفل معين.
(4)
في ذلك نظر لأن كل عبادة منها مسقلة.