الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها: إذا تلف المال في يد المضارَب - بفتح الراء - فإنه لا يضمن إلا عند التعدي أو التفريط؛ لأنه أمين.
ومنها: إذا تلفت العين المعارة في يد المستعير فإنه لا يخلو إن كان بتعدٍ أو تفريط فإنه يضمن وإن كان بدون ذلك فإنه لا يضمن، وهو الراجح وإلا فالمشهور من المذهب أن المستعير ضامن للتلف مطلقًا لكن الراجح هو تخريجه على هذه القاعدة؛ لأنه أمين، واختاره الشيخ ابن سعدي - رحمه الله تعالى - وعلى هذا فقس، والله أعلم.
هذا بالنسبة للأمين أما غير الأمين كالظالم فإنه يضمن تلف العين مطلقًا والظالم هو من كانت العين بيده بلا رضى مالكها وقولنا: (مطلقًا) أي أنه يضمن العين سواءً تلفت بتعدٍ أو تفريط أو بدونهما لأن يد الظالم يد متعدية فيضمن العين ومنافعها فيدخل في هذا الغاصب والخائن في أمانته ومن عنده عين لغيره فطلب منه الرد لمالكها أو لوكيله فامتنع ولا عذر فإنه ضامن مطلقًا وكذلك من عنده لقطة فسكت عليها ولم يعرفها بغير عذر فإنه يضمن إذا تلفت مطلقًا؛ لأنه كالغاصب أو الخائن، ومن حصل في يده مال غيره بغير إذنه ولم يخبر به صاحبه لغير عذر فإنه يضمن مطلقًا إذا تلف المال، فكل هؤلاء وما أشبههم ضمنوا؛ لأن أيديهم ليست أيدياً أمينة وإنما هي أيدٍ ظالمة، واليد المتعدية الظالمة أحد أسباب الضمان الثلاثة، والثاني: مباشرة الإتلاف بغير حق. والثالث: فعل سبب يحصل به التلف، والله تعالى أعلى وأعلم.
القاعدة السابعة والعشرون
27 - العبادات المؤقتة بوقتٍ تفوت بفوات وقتها إلا من عذرٍ
وهذه القاعدة من أهم القواعد والضوابط الفقهية؛ لأنها تبين ما يمكن تداركه عند فواته من العبادات مما لا يمكن تداركه، فأقول: اعلم – رحمك الله تعالى – أن العبادات باعتبار التوقيت وعدمه نوعان: عبادات مطلقة عن الوقت أي ليس لها وقت معلوم وإنما هي جائزة في كل وقتٍ، فيسن فعلها في كل وقتٍ فهذه لا تعلق بها في هذه القاعدة أصلاً لأنه ليس لها وقت يفوت لأن جميع الأوقات بالنسبة لها واحدة، كالصدقة المندوبة، وبر الوالدين والإحسان إليهما، والنوافل المطلقة في غير وقت النهي، وصيام التطوع في غير الأيام الخمسة أعني العيدين وأيام التشريق الثلاثة (1) ، والعمرة في جميع أوقات العام ونحوها، فكلها لا تدخل معنا في هذه القاعدة لما ذكرناه سابقًا.
الثانية: عبادة قد حدت بوقت أي لها وقت معلوم تفعل فيه له بداية ونهاية كشهر رمضان، والصلوات الخمس، والرواتب القبلية والبعدية، وكالوقوف بعرفة، وذبح الأضاحي المعينة، وصدقة الفطر، وكالنذر المؤقت بوقت ونحوها، فهذه العبادات كلها لها وقت معلوم لا تفعل قبله بالاتفاق لكن السؤال الآن: ما الحكم في هذه العبادات إذا فاتت أي تركها المكلف حتى خرج وقتها فهل يسوغ له فعلها ولو بعد وقتها؟ أم أنه لا يسوغ له ذلك؟ هذا هو نص القاعدة.
(1) وما نهى عنه كتخصيص يوم الجمعة وحده بالصيام والتقدم على رمضان بصوم يوم أو يومين.
أقول: من فوت شيئًا من هذه العبادات فإنه لا يخلو من حالتين: إما أن يكون فوتها لعذرٍ شرعي، وإما أن يكون تفويته لها عمدًا بلا عذرٍ شرعي، فإن فوتها بعذرٍ شرعي فإنه يجوز له أن يفعلها ولو خارج وقتها ويعطى أجر من فعلها في وقتها لا ينقص من أجره شيء، فمن ترك الصلاة ناسيًا أو نائمًا حتى خرج وقتها فإنه يفعلها إذا ذكر أو استيقظ لحديث أنس في الصحيحين مرفوعًا:(من نام عن صلاةٍ أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك)، والنسيان والنوم عذر شرعي فلا يأثم الإنسان بهذا التفويت لحديث:(رفع القلم عن ثلاثة) وذكر منهم: (وعن النائم حتى يستيقظ) وقال تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أوْ أخْطَأْنَا} وفي صحيح مسلم: (قال الله: قد فعلت) وكذلك من أفطر يومًا من رمضان وهو مريض مسافر فلا بأس وله أن يقضيه في يوم آخر قال تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أيَّامٍ أخَرَ} .
ومن فاته شيء من الرواتب القبلية أو البعدية ناسيًا أو نائمًا أو نحوه فله قضاؤها، واختاره الشيخ تقي الدين، ووقت الراتبة القبلية من دخول الوقت إلى إقامة الصلاة، والبعدية من السلام إلى خروج الوقت.
ومن فاته إخراج زكاة الفطر ناسيًا أو نائمًا ولم يستيقظ إلا بعد الصلاة أعني صلاة العيد أو لم يجد فقيرًا إلا بعد الصلاة فله إخراجها بعد الصلاة ونرجو له الأجر والثواب وتجزئ عنه - إن شاء الله -.
ومن نذر صلاة وقتٍ محدد ثم فوته نسيانًا أو جهلاً أو بنوم أو مرض فله أن يصلي ما نذر بعده إن لم يكن وقت نهي ولا كفارة عليه على الراجح لعموم قوله تعالى: {رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أوْ أخْطَأْنَا} .
وإذا تصورنا أن إنسانًا فوت ذبح الأضحية المعينة (1) في الوقت المشروع كالمغمى عليه طيلة يوم عيد الأضحى وثلاثة الأيام بعده، ولا وكيل له ولم يستفق إلا بعد غروب شمس اليوم الثالث إن تصورنا ذلك فله ذبحها بنية الأضحية بعده وهكذا، فهؤلاء جوزنا لهم فعل العبادة المؤقتة بعد فوات وقتها؛ لأنهم معذورون في هذا التفويت غير آثمين بسببه، فلا يؤاخذون بحرمانهم من أجر هذه العبادات بمنعهم من قضائها؛ لأنهم ما تجانفوا لإثم، فالعفو عنهم وتجويز فعل هذه العبادات لهم هو روح الشريعة، وهو القول المناسب لها؛ لأن فيه رحمة وتخفيف على هؤلاء فلا يحسن عقابهم بحرمانهم من قضائها؛ لأنهم فعلوا ما يوجب عقوبتهم، وقد دلت الأدلة العامة على عدم مؤاخذة الناسي والمخطئ، والله أعلم.
(1) أما غير المعينة فلا تشرع بعد ذهاب وقت الذبح لكن له الصدقة بها أو بلحمها.
أما من فوت هذه العبادات بلا عذرٍ وإنما بتعمد لذلك التفويت من تكاسلٍ عنها أو قلة حرصٍ أو اشتغال بالدنيا ونحوها فهذا إذا فات وقتها وخرج فإنه لا يسوغ له فعلها أبدًا ولو فعلها في غير وقتها ألف مرة فإنها لا تجزئه أبدًا، لأن التوقيت في العبادة له حكمة عظيمة، فالشريعة لم تخص هذا الوقت بهذه العبادة إلا لأن إيقاعها فيه فيه مصلحة وحكمة بالغة لا تكون في غيره، فإذا فعلت في غير هذا الوقت فإنه لا تتحقق منها المصلحة المرجوة من فعلها في وقتها، وإنما جاز فعلها لمن فوتها لعذرٍ؛ لأن الدليل دل على عدم مؤاخذته، وأما من فوتها متعمدًا بلا عذرٍ فهذا مؤاخذ بهذا التفويت، ومؤاخذته قد تكون في عدم تمكينه من هذه العبادة، بل يحرم أجرها، وليس إسقاطنا عنه قضاء العبادة إسقاط تخفيف، بل هو إسقاط حرمان، وإسقاط الحرمان عقوبة بخلاف إسقاط التخفيف فهو رحمة، فمن فوت الصلاة وأخرجها عن وقتها عامدًا بلا عذرٍ فلا يسوغ له قضاؤها أبدًا ولو فعلها ألف مرة لم تسقط عنه المطالبة بها وهو اختيار الشيخ تقي الدين. وإنما قضاء الصلاة للمعذور فقط أما غير المعذور فلا، وإنما عليه التوبة النصوح المستجمعة لشروطها المعروفة وعليه الإكثار من النوافل لتسد هذا الخلل العظيم.
ومن أفطر يومًا من رمضان عامدًا بلا عذر فإنه لا يسوغ له قضاؤه أبدًا فلو صام الدهر كله لم يسقط عنه المطالبة بهذا اليوم واختاره الشيخ تقي الدين وضعف زيادة (واقض يومًا مكانه) لعدول البخاري ومسلم عنها.
ومن لم يخرج زكاة الفطر في وقتها المشروع حتى فات بلا عذرٍ فإنه لا يجزئه إخراجها بعده، بل هو آثم بهذا التفويت، فلو تصدق بماله كله فإنه لا يسقط عنه المطالبة بها، وإنما عليه التوبة النصوح والإكثار من الصدقة لعل الله أن يغفر له ذلك الإثم.