الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها: المذهب أن خروج الدم اليسير من غير السبيلين لا ينقض الوضوء ويعفى عنه؛ لأنه نجس على المذهب لكن الكثير منه ينقض الوضوء ولا يعفى عنه، لكن حد الكثير والقليل لم يرد في الشرع ولا اللغة فيحد بالعرف، فكل ما عده العرف كثيرًا فهو كثير وما عده قليلاً فهو قليل، قال ابن عباس: الكثير هو ما فحش في نفس كل أحدٍ بحسبه (1) ، والله أعلم.
وعلى هذه الفروع فقس لكن يشترط في ذلك العرف أن لا يكون مخالفًا لدليل شرعي، والله تعالى أعلم.
ومنها: ألفاظ البيوع والهبة والنكاح فإن البيع والهبة والنكاح أحكام شرعية وردت مطلقة في الشريعة ولا حدٍ للفظها في اللغة بحيث لا تصح إلا به فيكون المرجع فيها العرف على الراجح فما عده الناس بيعًا أو نكاحًا أو هبة أو وقفًا فهو بيع ونكاح وهبة ووقف ونحوها.
القاعدة العشرون
20 - إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما ما أمكن
إذا تعارض دليلان فلنا في إزالة ذلك التعارض ثلاث طرق: الأولى: أن نجمع بينهما بتخصيص العموم أو تقييد المطلق، وهكذا إن أمكن ذلك، فإن لم يمكن ذلك فننتقل إلى الحالة الثانية: وهي النسخ فنبحث عن المتأخر ونجعله ناسخاً للمتقدم، فإن لم يمكن ذلك فنرجح بين الدليلين، وإلا فالتوقف.
(1) هذا يعارض رده للعرف، بل هو قول آخر وهو رده إلى نظر الخارج منه الدم. والعرف أجود.
إذا علمت هذا فنقول: لماذا قدمنا الجمع على النسخ؟ ولماذا قدمنا النسخ على الترجيح؟ الجواب: أننا قدمنا الجمع على النسخ لأن الجمع فيه إعمال لكلا الدليلين في وقتٍ واحد، وإعمال الدليلين في وقتٍ واحد أولى من إعمال أحدهما في وقتٍ دون وقت وقدمنا النسخ على الترجيح لأن النسخ أيضًا إعمال للدليلين كليهما لكن ليس في وقتٍ واحد بل في وقتين مختلفين، فالمنسوخ معمول به قبل النسخ والناسخ معمول به بعد النسخ فالدليل المنسوخ ليس باطلاً مطلقًا، بل هو دليل صحيح معمول به في وقته فقط، أما الترجيح فإن حقيقته إبطال أحد الدليلين بالكلية بحيث لا يعتقد جواز العمل به مطلقًا لا في السابق ولا الآن، فلأن فيه إبطالاً لأحد الدليلين مطلقًا جعلوه متأخرًا عن النسخ، والنسخ فيه إعمال الدليلين في وقتين مختلفين فجعلوه متأخرًا عن الجمع، والجمع فيه إعمال الدليلين كليهما في وقتٍ واحد فقدموه على النسخ؛ لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما ما أمكن، وذلك لأن الأدلة نزلت ليعمل بها فالتعدي عليها بالإبطال لا يجوز إلا بدليل، فالأصل هو إعمالها، ومن ادعى خلاف ذلك فعليه الدليل.
إذا علمت هذا فاعلم أن علم الجمع بين الأدلة التي توهم التعارض علم عزيز قل سالكوه مع شدة الحاجة إليه فعلى طالب العلم أن يحرص على تحصيله ونيله؛ لأنه من أقوى الأسلحة للذب عن هذه الشريعة الشريفة زادها الله شرفًا ورفعةً، ولنا في ذلك مؤلف أسأل الله إتمامه هو كتابنا (الأجوبة المنيعة في الذب عن أدلة الشريعة) أجمع فيه بين الأدلة التي يتوهم المجتهد تعارضها بمقتضى قواعد الأصول والعربية والفقه والتفسير، بحيث أكسر شوكة الذين يدعون وجود التعارض في شريعتنا – قبحهم الله – وفروع هذه القاعدة مذكورة بتمامها فيه، وإنما أذكر لك بعض الفروع هنا من باب التمثيل فأقول:
منها: اختلف العلماء في نقض الوضوء بمس الذكر على أقوال والراجح منها هو أن مس الذكر ينقض الوضوء بشرطين: أن يكون بشهوة، وبلا حائل، فقولنا: بلا حائل لحديث أبي هريرة: (من أفضى بيده إلى ذكره ليس دونه ستر فعليه الوضوء) واشترطنا الشهوة (1) لحديث بسرة: (من مس ذكره فليتوضأ) ولأن مس الذكر بلا شهوة كمس اليد واللسان والأنف لحديث طلق: (إنما هو بضعة منك) ؛ ولأن الصلاة ليست محل شهوة، فهذا القول الراجح أعمل الأدلة كلها ولم يبطل منها شيئًا لا بترجيح ولا بنسخ وهو أولى؛ لأن إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما ما أمكن، والله أعلم.
ومنها: اختلف العلماء في أيهما أفضل خديجة أم عائشة؟ وقرر شيخ الإسلام أن خديجة في بداية ظهور الإسلام أفضل لما لها من التصديق والتأييد والنصرة، وأن عائشة في آخر الأمر أفضل لما لها من أثر في نشر الدين والأحكام ما ليس لخديجة رضي الله عنها وهو الراجح فأدلة تفضيل خديجة محمولة على بداية الإسلام وأدلة فضل عائشة محمولة على آخر الأمر، وبهذا القول أعملت الأدلة كلها وهو أولى للقاعدة.
ومنها: الراجح أن قراءة الكسر في قوله {وَأرْجُلِكُمْ} محمولة على مسح الرجل إن كانت في خفٍ وقراءة الفتح محمولة على غسلها إن لم تكن في خفٍ وهذا أحسن من التأويلات البعيدة والتكلف الزائد وهو اختيار شيخ الإسلام، والله أعلم.
(1) كون مناط الحكم الشهوة فيه نظر لأن الإنسان لو اشتهى بلا لمس لم ينتقض وضوءه بل مباشرة المرأة مع الشهوة ليس بناقض على الصحيح لقيام الدليل على ذلك، ولذا يمكن القول بالإستحباب.