الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مسألة: قد يقول قائل: قد حكمت سابقًا على أن من وجد الماء وقد شرع في الصلاة بالتيمم أن يخرج منها ويتوضأ ويستأنفها فقد ادعيت أن وجود الماء مبطل للصلاة فما هو الدليل؟ قلت: قد ذكرنا دليلنا على ذلك وهو قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} وهذا واجد للماء فالشرط لم يتحقق فلا يتحقق المشروط، ولم تفصل الآية بين ما إذا كان خارج الصلاة أو داخلها، وحديث أبي هريرة وأبي ذرٍ أيضًا يدلان أن من وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته بدون تفصيل بين حالٍ وحال وترك الاستفصال في مقام الاحتمال يجري على العموم في المقال، وقد ذكرناها بأوسع من ذلك في قاعدتها فارجع إليها إن شئت، والله أعلم.
ومنها: الصيام ثبت الدليل أنه ينعقد بالنية من طلوع الفجر فإذا انعقد فلا يجوز لأحدٍ أن يدعي بطلانه بقولٍ أو فعلٍ إلا وعليه دليل صحيح صريح وإلا فالأصل عدم المبطل، فمن ذلك تعرف خطأ من يفطر الصائم بالحناء في الرجل أو بقطرة الأذن والعين وبالحقن غير المغذية إذا وجد طعم ذلك في حلقه لعدم الدليل، وتعرف خطأ من يفطره بالغيبة والقبلة والمذي وبالإغماء وبشم الروائح الزكية وبذوق الطعام وبلع النخامة والريق ونحوها، كل ذلك يدعي البعض أنه من المفطرات والصواب أنه ليس منها لعدم الدليل، والله أعلم.
القاعدة الخامسة والعشرون
25 - من قبض العين لحظ نفسه لم يقبل قوله في الرد إلا ببينة،ولغيره يقبل مطلقًا
اعلم – رحمك الله تعالى – أن الإنسان إذا قبض عينًا ما أي عين كسيارة أو نقود أو لقطة أو نحوها فلا يخلو قصده من حالتين: الأولى: أن يكون قصده عند قبضها استعمالها أي الانتفاع بها أي أن ينتفع بها هو ويسمى هذا القبض قبضاً لحظ النفس أي لحظٍ يعود لنفسه. الثانية: أن يكون قصده عند قبضها حفظها لمالكها الأصلي، أي لاحظ للقابض فيها وإنما قبضها لحظ مالكها، ويسمى هذا القبض، قبضاً لحظ الغير (1) ، أي لمصلحةٍ تعود إلى الغير الذي هو المالك أو من يقوم مقامه كوكيله، إذا علم هذا وفرقت بين الأمرين فاعلم: أن الأول: أي الذي قبض العين لحظ نفسه إذا ادعى أنه رد العين المقبوضة إلى مالكها أن دعواه هذه لا تقبل عند إنكار المالك الأصلي إلا إذا جاء ببينة تثبت صحتها ذلك؛ لأن له حظًا في إبقائها عنده؛ لأنه يريد منفعتها فقبضه لها لمنفعةٍ تعود عليه هو شبهة جعلتنا لا نقبل قوله في الرد حتى تثبت البينة صدق دعواه، فإن جاء ببينة من شهادةٍ ونحوها على إثبات الرد قبلناها وإن لم يأت ببينة حكمنا أن العين لا زالت باقية عنده هذا بالنسبة للشطر الأول من القاعدة وهو قولنا:(من قبض العين لحظ نفسه لم يقبل قوله في الرد إلا ببينة) . وأما الثاني: أي من قبضها لحظ غيره فإنه إذا ادعى رد العين وأنكر المالك الأصلي فإن القول قول القابض ولا يطالب ببينةٍ تثبت صحة دعواه؛ لأن الشبهة فيه منتفية فإنه لاحظ له في قبض العين أصلاً وإنما هو محسن بهذا القبض؛ لأنه يحفظها لمالكها وما على المحسنين من سبيل، وهذا هو معنى قولنا:(ولغيره) أي إذا قبضها لحظ غيره (يقبل) قوله في الرد: (مطلقًا) أي وإن لم يأت ببينة، إذا علمت هذا فإليك بعض فروع هذه القاعدة حتى تتضح أكثر:
(1) دخول أل على غير لا يصح في اللغة وإن استعمله بعض الفقهاء.
فمنها: المرتهن هو الذي يقبض الرهن والراهن هو المالك الأصلي والرهن هو توثقة دين بعين يمكن استيفاؤه منها أو من بعضها أو من ثمنها فالرهن في يد المرتهن أمانة، فنقول: قبض المرتهن للرهن هل هو لحظٍ يعود له هو أو هو لحظ الراهن؟ لاشك أن الجواب هو الأول؛ لأن المرتهن لم يقبض الرهن إلا هو يريد تأمين دينه بحيث لو لم يسدد الراهن ما عليه باعه واستوفى منه قدر الدين، فإذا سدد الراهن الدين واختلف هو والمرتهن فقال المرتهن: رددت الرهن إليك وقال الراهن: لم ترده، فنقول: لا نقبل قول المرتهن في الرد إلا ببينة؛ لأنه قبض الرهن لحظ نفسه ومن قبض العين لحظ نفسه لم يقبل قوله في الرد إلا ببرهان.
ومنها: العارية: إذا استعار شخص من شخص شيئًا فإن المستعير يقبض هذه العين لحظ نفسه؛ لأنه يريد أن ينتفع بهذه العارية فإذا اختلف المعير والمستعير في الرد فلا نقبل قول المستعير في دعوى الرد إلا ببينة؛ لأنه قبض العين المعارة لحظ نفسه ومن قبض العين لحظ نفسه لم يقبل قوله في الرد إلا ببينة.
ومنها: الوديعة: فإذا أودع شخص شخصًا مالاً فإن المودَع – بفتح الدال – قبض الوديعة من المودِع – بكسر الدال – لحظ المودِع – بكسر الدال – حتى يحفظها له ويصونها عن التلف والضياع فإذا اختلفا في الرد فالقول قول المودَع – بفتح الدال –؛ لأنه قبض العين لحظ غيره ومن قبض العين لحظ غيره فالقول قوله بلا بينة.
ومنها: المضاربة: نوع من أنواع الشركة فيشترك اثنان أحدهما بماله والآخر ببدنه، فالمضارَب – بفتح الراء – يقبض المال من المضارِب – بكسرها – بقصد نفع نفسه لأن له جزءاً من الربح معلومًا مشاعًا، فإذا اختلفا في رد المال فالقول قول المضارِب – بكسرها – لأن المضارَب - بالفتح - قبض المال لحظ نفسه ومن قبض المال لحظ نفسه لم يقبل قوله في الرد إلا ببينة.