الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها: الراجح أن نجاسة الكفار اعتقادية جمعًا بين قوله تعالى: {إنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} (1) وبين حديث: (ليس على الأرض من أنجاس القوم شيء إنما نجاستهم على أنفسهم) وأدلة جواز نكاح الكتابية وغير ذلك، فننزل النجاسة في الآية على الاعتقاد وننزل أدلة الطهارة على الأبدان فتتآلف الأدلة ولا نبطل منها شيئًا وهذا أولى للقاعدة.
ومنها: أن البهيمة إذا أتلفت شيئًا فلا يخلو إما أن يكون بتفريط من صاحبها فيضمن لأحاديث إيجاب الضمان، وإما أن لا يكون بتفريط فلا يضمن لحديث:(العجماء جبار) وعلى ذلك فقس، وفي كتابنا ما تقر به عينك، فإن مخبر الكتاب أعظم من وصفه، والله تعالى أعلى وأعلم.
القاعدة الحادية والعشرون
21 - فعل ما اتفق عليه العلماء أولى من فعل ما انفرد به أحدهم ما أمكن
اعلم - رحمك الله تعالى - أن بعض العلماء يرجح قولاً من أقوال أهل العلم ويحتج على ذلك بأن في هذا القول خروجًا من الخلاف، فهل التعليل بالخروج من الخلاف سائغ مطلقًا؟ أو ممنوع مطلقًا؟ أو يسوغ في حالٍ دون حال؟
الجواب: هو الثالث: أن التعليل بالخروج من الخلاف يسوغ في حال دون حال والضابط في ذلك هو هذه القاعدة المهمة، وهي أن المسائل التي وقع الخلاف فيها بين العلماء لا تخلو من حالتين: إما أن يكون فيها نقطة اتفاق بين العلماء المختلفين، وإما لا فإن كان فيها نقطة اتفاق بينهم فهي التي يسوغ فيها التعليل بالخروج من الخلاف كما سيأتي - إن شاء الله تعالى -، وإن لم يكن فيها نقطة اتفاق بينهم فحينئذٍ لا يسوغ التعليل بذلك لأنه لا مجال للخروج من الخلاف فيها (2) .
(1) وبين قوله تعالى (وطعام الذين اوتوا الكتاب حل لكم) وأخذ الرسول صلى الله عليه وسلم الماء من مزادة مشركة كما في الصحيح.
(2)
وينبه إلى أنه ليس كل خلاف يعتبر إلا الخلاف القوي، وأيضاً الحكم بالكراهة من أجل الخلاف ضعيف.
إذا علمت هذا فاعلم أن الذي تطمئن إليه النفس وترتاح له هو أن يفعل الإنسان الشيء الذي اتفق عليه كلا الفريقين إذا لا منكر عليه حينئذٍ؛ ولأنه موافق للحق قطعًا إن كان مع هؤلاء فهو موافق لهم، وإن كان مع هؤلاء فهو موافق لهم، فالخروج من الخلاف في مسائل الاجتهاد التي فيها جزئية اتفق عليها كلا الفريقين المختلفين مستحب (1) لقوله صلى الله عليه وسلم:(دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) وفعل المتفق عليه بينهم فعل ما لا ريب فيه، وفعل ما انفرد به أحدهما فعل ما فيه ريب (2) ، فيسن تركه لما لا ريب فيه، ولحديث النعمان بن بشير مرفوعًا:(فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينة وعرضه) ، وفعل ما اتفقوا عليه استبراء للدين؛ لأنه هو الحق حينئذٍ لاتفاقهم عليه؛ ولأن اليقين لا يزول بالشك، واليقين هو فعل ما اتفقوا عليه والشك هو في ما انفرد به أحدهما؛ ولأن الأخذ بالمحكم وترك المتشابه هو الأصل، والمحكم هو ما اتفقوا عليه؛ ولأن العمل بما اتفقوا عليه عمل بالأدلة كلها التي مع هؤلاء والتي مع هؤلاء، والعمل بما انفرد به أحدهما إهمال لأدلة الفريق الآخر وقد تقدم استحباب العمل بالأدلة كلها إن أمكن ذلك.
إذا علمت هذا فإلى الفروع حتى تتضح القاعدة أكثر فأقول:
منها: اختلف العلماء في حكم غسل يوم الجمعة على أقوال: فقيل: بالوجوب مطلقًا، وقيل بالسنة مطلقًا، وقيل بالوجوب إن كان ثمَّ رائحة خبيثة.
(1) لو قيل مما ينبغي لأن الأمثلة المذكورة بعد الإستحباب فيها ثابت بالدليل لكن النزاع في الوجوب، لكن لو اختلف على قولين بالتحريم والإباحة فيستحب التورع بالدليل المذكور لأن الحديث الوارد في المنهيات لقوله " دع " وفي الحديث الآخر " ألا وإن حمى الله محارمه ".
(2)
وخصوصاً مع قوة الخلاف وعدم اتضاح وجهة الدليل.
فنقول: لو اغتسل الإنسان فإن الجميع اتفقوا على أنه قد جاء بالمأمور، إما أمر إيجاب أو استحباب، ولو لم يغتسل لأنكر عليه القائلون بالوجوب، فيستحب للإنسان الاغتسال لأنه فعل لما اتفق عليه العلماء، وفعل ما اتفقوا عليه أولى من فعل ما انفرد به أحدهما ما أمكن، فهنا يعلل استحباب الغسل بالخروج من الخلاف لأن في المسألة نقطة اتفاق وهي أن يغتسل.
ومنها: اختلف العلماء في حكم طواف الوداع للمعتمر، فقال بعضهم: واجب. وقال بعضهم: سنة، فنقول: لو طاف الإنسان للوداع في العمرة فإن كلا الفريقين اتفقوا على أنه قام بالمأمور سواءً أمر إيجاب أو استحباب، لكن لو لم يطف لأنكر عليه القائلون بالوجوب، فيستحب له الطواف خروجًا من الخلاف؛ لأن في هذه المسألة جزئية اتفق عليها العلماء، والله أعلم.
ومنها: تحية المسجد فيها خلاف فقيل بالوجوب، وقيل بالندب. فنقول: لو صلاها الإنسان فإن الجميع اتفقوا على أنه قام بالمأمور، لكن لو لم يصلها لأنكر عليه القائلون بالوجوب، فيستحب أن يصليها خروجًا من الخلاف.
ومنها: اختلف العلماء في الوتر، فقيل سنة مؤكدة، وقيل واجب، لكن لو صلاه الإنسان لاتفق الجميع على أنه قام بالمأمور، ولو لم يصله لأنكر عليه القائلون بالوجوب وفعل ما اتفق عليه العلماء أولى من فعل ما انفرد به أحدهما ما أمكن.
ومنها: اتفق الجميع أن عادم الماء إن وجده قبل الصلاة فعليه استعماله، وإن وجده بعد الصلاة صحت في قول الأكثر، لكن ما الحكم لو وجد الماء بعد الشروع وقبل الانتهاء؟ الجواب: فيه خلاف، فقيل ببطلان صلاته لبطلان تيممه، وقيل بصحتها؛ لأنه دخلها بطهارة كاملة وعلى وجهٍ مأمورٍ به شرعًا فلا وجه لبطلانها.
فهنا لا يسوغ التعليل بالخلاف؛ لأنه ليس هناك جزئيةٌ اتفق عليها الفقهاء، فهو إن قطع صلاته ليعيدها بطهارة الماء أنكر عليه القائلون بالصحة، وإن استمر فيها أنكر عليه القائلون ببطلانها، فلا وجه للتعليل بقاعدتنا هنا، وتقدم لك الراجح في هذه المسألة في القاعدة الخامسة فارجع إليه إن شئت.
ومنها: اختلف العلماء هل السنة أن ينزل الإنسان على يديه أم ركبتيه؟
على قولين: فقيل بهذا، وقيل بهذا. فهنا لا يسوغ التعليل بالخروج من الخلاف؛ لأنه ليس ثمة نقطة اتفق عليها العلماء، فإنك إن نزلت على ركبتيك أنكر عليك القائلون بتقديم اليدين، وإن نزلت على يديك أنكر عليك القائلون بالنزول على الركبتين، ولا يتصور النزول على غيرهما. فليس هناك جزئية اتفقوا عليها فلا يسوغ حينئذٍ التعليل بالخروج من الخلاف، والراجح هنا هو تقديم اليدين لحديث أبي هريرة عند الثلاثة، ويؤيده فعل ابن عمر عند البخاري معلقًا موقوفًا، وأما حديث وائل ففيه شريك بن عبد الله النخعي القاضي وهو صدوق يخطئ كثيرًا، ولها بحث آخر، والله أعلم.
ومنها: تحية المسجد أو فعل ما له سبب وقت النهي، فيه قولان: قيل بأن النهي في حديث أبي سعيد وأبي هريرة عام ولا يخص منه شيء، وقيل يخص منه ما كان له سبب، فنحن إن دخلنا المسجد وقت النهي مثلاً إن جلسنا أنكر علينا القائلون بجواز فعلها في هذه الأوقات، وإن صلينا أنكر علينا القائلون بتحريم التطوع وقت النهي، فليس هناك جزئية اتفقوا عليها فلا يسوغ حينئذٍ التعليل بالخروج من الخلاف، والراجح هنا هو أن النهي عام مخصوص بما له سبب كتحية المسجد، وركعتي الطواف، والمعادة، وركعتي الوضوء؛ لأنها تفوت مصلحتها بفواتها وهو اختيار الشيخ تقي الدين ابن تيمية
ودونك بقية الفروع على هذا الضابط السليم الذي لا ينخرم أبدًا فعليه فقس، وأكل لحم الإبل (1) ، والله أعلم.
(1) لم توضح هذه المسألة.