المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌22 - الأمر المطلق عن القرائن يفيد الوجوب - تلقيح الأفهام العلية بشرح القواعد الفقهية - جـ ١

[وليد السعيدان]

فهرس الكتاب

- ‌1 - العبادات الواردة على وجوهٍ متنوعة تفعل على جميع وجوهها في أوقاتٍ مختلفة

- ‌2 - لا يجوز تقديم العبادة على سبب وجوبها ويجوز بعد السبب وقبل شرط الوجوب

- ‌3 - لا ينقض الأمر المتيقن ثبوتًا أو نفيًا بشك عارض

- ‌4- لا يعتبر الشك بعد الفعل ومن كثير الشك

- ‌5 - إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل

- ‌6 - كل فعل توفر سببه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله فالمشروع تركه

- ‌7- الشروط في باب المأمورات لا تسقط بالجهل والنسيان وفي التروك تسقط بهما

- ‌8 - العدل أكبر مقاصد الشريعة في العقيدة والأحكام

- ‌9 - النهي إن عاد إلى الذات أو شرط الصحة دل على الفساد وإن عاد إلى أمر خارج فلا

- ‌10 - الأصل هو البقاء على الأصل حتى يرد الناقل

- ‌11 - الأصل بقاء ما كان على ما كان

- ‌12 - الأصل براءة الذمم إلا بدليل

- ‌13 - الأصل أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر

- ‌14 - لا واجب مع العجز ولا محرم مع الضرورة

- ‌15 - لا تقبل العبادة إلا بالإخلاص والمتابعة

- ‌16 - لا يؤثر فعل المنهي عنه إلا بذكرٍ وعلمٍ وإرادة

- ‌17 - من أتلف شيئًا لينتفع به ضمنه ومن أتلفه ليدفع ضرره عنه فلا

- ‌18 - إذا اجتمعت عبادتان من جنسٍ واحد ووقتٍ واحد وليست إحداهما مفعوله على وجه القضاء والتبع دخلت إحداهما في الأخرى

- ‌19 - كل حكم لم يرد في الشرع ولا اللغة تحديده حُدَّ بالعرف

- ‌20 - إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما ما أمكن

- ‌21 - فعل ما اتفق عليه العلماء أولى من فعل ما انفرد به أحدهم ما أمكن

- ‌22 - الأمر المطلق عن القرائن يفيد الوجوب

- ‌23 - من كرر محظورًا من جنسٍ واحد وموجبه واحد أجزأ عن الجميع فعل واحد إن لم يخرج موجب الأول

- ‌24 - كل عبادة انعقدت بدليل شرعي فلا يجوز إبطالها إلا بدليل شرعي آخر

- ‌25 - من قبض العين لحظ نفسه لم يقبل قوله في الرد إلا ببينة،ولغيره يقبل مطلقًا

- ‌26 - لا يضمن الأمين تلف العين بلا تعدٍ ولا تفريط والظالم يضمن مطلقًا

- ‌27 - العبادات المؤقتة بوقتٍ تفوت بفوات وقتها إلا من عذرٍ

- ‌28 - لا تكليف إلا بعقل وفهم خطاب واختيار

- ‌29 - كل حكم في تطبيقه عسر فإنه يصحب باليسر

الفصل: ‌22 - الأمر المطلق عن القرائن يفيد الوجوب

القاعدة الثانية والعشرون

‌22 - الأمر المطلق عن القرائن يفيد الوجوب

وبالقرينة يفيد ما تفيده القرينة

هذا هو الأصل الذي ينبغي مراعاته وهو قول الجمهور، أن الدليل إذا خرج مخرج الأمر فإنه يحمل على الوجوب إلا إذا اقترنت به قرينة تخرجه عن هذا الأصل إلى غيره فينصرف من الوجوب إلى ما دلت عليه هذه القرينة من إباحة أو ندب. ونعني بالأمر هو طلب الفعل بالقول على جهة الاستعلاء، ولا يشترط له الإرادة خلافاً للمعتزلة، ولا يشترط لإفادته الوجوب اقترانه بعقوبة لتاركه، أو اقترانه بثواب لفاعله، بل إنما يدل على الأمر بمجرد صيغته وهي (افعل) وما تصرف منها.

والذي يدل على ذلك أي على أن الأمر المطلق يفيد الوجوب أمور:

منها: قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِيْنَ يُخَالِفُونَ عَنْ أمْرِهِ أنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ} فتوعد على مخالفة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالعذاب، والوعيد لا يكون إلا على ترك واجب فدل على أن امتثال أمره واجب وهو المطلوب.

ومنها: قوله تعالى: {وَإذَا قِيلَ لَهُمْ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ} فتوعدهم بالويل بقوله: (ويل يومئذٍ للمكذبين لأنهم خالفوا الأمر ولم يركعوا مما يدل على أن الأمر كان واجبًا.

ومنها: قوله تعالى: {اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنْ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ ألا تَسْجُدَ إذْ أمَرْتُكَ

الآية} فذم إبليس وعاقبه بالعقوبة المعروفة لأنه ترك السجود لآدم تحيةً، وذلك ذم على مخالفة الأمر المجرد فدل على أنه يقتضي الوجوب.

ص: 82

ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) وفي حديث آخر: (مع كل وضوء) فدل ذلك دلالة واضحة على أنه لو أمرهم به لأصبح واجبًا ولتحققت به المشقة، لكن لم يأمرهم لوجود المشقة، مما يدل على أن الأمر يفيد الوجوب وهذا من أوضح الأدلة.

ومنها: أن العبد إذا خالف أمر سيده فعاقبه لم يلم على عقابه باتفاق العقلاء، ولولا إفادة الأمر المجرد والوجوب لاتجه لوم السيد في هذه الصورة، لكنه لا يتجه فدل على أن إفادة الأمر المجرد للوجوب وهو المطلوب.

إذا علم هذا فليعلم أن هذه القاعدة مطردة في جميع الفروع، فلا يشذ منها شيء فكل أمرٍ ورد بصيغته المقررة عند الأصوليين سواءً في قرآنٍ أو سنة فالواجب بمقتضى الأدلة هو حمله على الوجوب مباشرة بحيث يثاب فاعله امتثالاً ويستحق العقاب تاركه، إلا إذا اقترنت بهذا الأمر قرينة تصرفه عن بابه إلى شيء آخر سواءً كانت قرينةً متصلة أو منفصلة فإننا نحمل الأمر في هذه الحالة على ما دلت عليه هذه القرينة. وإليك الفروع حتى تتضح القاعدة أكثر: فمنها: الأمر بالصلاة والزكاة والحج والصوم وبر الوالدين كل ذلك واجب بقوله تعالى: {وَأقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} وقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ} . وقوله صلى الله عليه وسلم: (فحجوا) . وقوله تعالى: {كتب عليكم الصيام} (1) . وقوله صلى الله عليه وسلم: (صوموا لرؤيته) . وقوله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا} . وقوله صلى الله عليه وسلم: (بروا آباءكم) فكل هذه أوامر محمولة على الوجوب؛ لأنه الأصل فيها ولعدم وجود قرينة صارفة.

(1) هذا ليس بأمر لكن معنى كتب: فرض، وتبدل بقوله تعالى " فمن شهد منكم الشهر فليصمه ".

ص: 83

ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي) رواه البخاري، فيه أمر وهو قوله:(صلوا) فيحمل ذلك الأمر على الوجوب، فكل فعل فعله النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة فإنه واجب إلا ما دلت القرائن على أنه سنة فيخرج من هذا العموم، ويبقى باقي الأفعال والأقوال على الوجوب لهذا الأمر، وكذلك حديث المسيء صلاته خرج مخرج الأمر فقال صلى الله عليه وسلم له: (أسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن

الخ) كل ذلك خرج بصيغة الأمر فيحمل على الوجوب إلا فيما وردت فيه قرينة تصرفه عن بابه إلى الندب فيحمل على الندب، والله أعلم.

ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: (خذوا عني مناسككم) دليل على أن كل شيء فعله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع أنه للوجوب لأمره بأخذه، والأمر للوجوب إلا فيما وردت القرائن بصرفه عن بابه إلى الندب فيحمل عليه (1) ، والله أعلم.

ومنها: قوله تعالى في العبيد: {فَكَاتِبُوهُمْ إنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} دليل على وجوب مكاتبة السيد عبده إن علم فيه قدرة على الكسب والعمل حتى يؤدي ما عليه، لكن هذا الأمر أعني قوله تعالى {فَكَاتِبُوهُمْ} ليس على بابه وهو الوجوب؛ لأنه دلت القرينة على أنه للندب، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم بعد هذا الأمر لم يكاتب عبيده، ولا كل الصحابة أيضًا كاتبوا عبيدهم، فلو كان الأمر واجبًا لامتثلوه أتم امتثال، لكن عدم امتثالهم صرف الأمر من الوجوب إلى الاستحباب، فتكون مكاتبة السيد لعبده بالشرط المذكور في الآية مستحبة لا واجبة.

(1) ليس هذا الفرع واضحاً لأن خذوا " تعلموا " لكن حج الرسول صلى الله عليه وسلم بيان للمجمل في قوله تعالى " ولله على الناس حج البيت ".

ص: 84