المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌24 - كل عبادة انعقدت بدليل شرعي فلا يجوز إبطالها إلا بدليل شرعي آخر - تلقيح الأفهام العلية بشرح القواعد الفقهية - جـ ١

[وليد السعيدان]

فهرس الكتاب

- ‌1 - العبادات الواردة على وجوهٍ متنوعة تفعل على جميع وجوهها في أوقاتٍ مختلفة

- ‌2 - لا يجوز تقديم العبادة على سبب وجوبها ويجوز بعد السبب وقبل شرط الوجوب

- ‌3 - لا ينقض الأمر المتيقن ثبوتًا أو نفيًا بشك عارض

- ‌4- لا يعتبر الشك بعد الفعل ومن كثير الشك

- ‌5 - إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل

- ‌6 - كل فعل توفر سببه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله فالمشروع تركه

- ‌7- الشروط في باب المأمورات لا تسقط بالجهل والنسيان وفي التروك تسقط بهما

- ‌8 - العدل أكبر مقاصد الشريعة في العقيدة والأحكام

- ‌9 - النهي إن عاد إلى الذات أو شرط الصحة دل على الفساد وإن عاد إلى أمر خارج فلا

- ‌10 - الأصل هو البقاء على الأصل حتى يرد الناقل

- ‌11 - الأصل بقاء ما كان على ما كان

- ‌12 - الأصل براءة الذمم إلا بدليل

- ‌13 - الأصل أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر

- ‌14 - لا واجب مع العجز ولا محرم مع الضرورة

- ‌15 - لا تقبل العبادة إلا بالإخلاص والمتابعة

- ‌16 - لا يؤثر فعل المنهي عنه إلا بذكرٍ وعلمٍ وإرادة

- ‌17 - من أتلف شيئًا لينتفع به ضمنه ومن أتلفه ليدفع ضرره عنه فلا

- ‌18 - إذا اجتمعت عبادتان من جنسٍ واحد ووقتٍ واحد وليست إحداهما مفعوله على وجه القضاء والتبع دخلت إحداهما في الأخرى

- ‌19 - كل حكم لم يرد في الشرع ولا اللغة تحديده حُدَّ بالعرف

- ‌20 - إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما ما أمكن

- ‌21 - فعل ما اتفق عليه العلماء أولى من فعل ما انفرد به أحدهم ما أمكن

- ‌22 - الأمر المطلق عن القرائن يفيد الوجوب

- ‌23 - من كرر محظورًا من جنسٍ واحد وموجبه واحد أجزأ عن الجميع فعل واحد إن لم يخرج موجب الأول

- ‌24 - كل عبادة انعقدت بدليل شرعي فلا يجوز إبطالها إلا بدليل شرعي آخر

- ‌25 - من قبض العين لحظ نفسه لم يقبل قوله في الرد إلا ببينة،ولغيره يقبل مطلقًا

- ‌26 - لا يضمن الأمين تلف العين بلا تعدٍ ولا تفريط والظالم يضمن مطلقًا

- ‌27 - العبادات المؤقتة بوقتٍ تفوت بفوات وقتها إلا من عذرٍ

- ‌28 - لا تكليف إلا بعقل وفهم خطاب واختيار

- ‌29 - كل حكم في تطبيقه عسر فإنه يصحب باليسر

الفصل: ‌24 - كل عبادة انعقدت بدليل شرعي فلا يجوز إبطالها إلا بدليل شرعي آخر

ومنها: من شرب الخمر مرارًا فإنه يكفيه عن جميع شربه السابق حد واحد فقط، لكن إن شرب وحُدَّ، ثم شرب فعليه حد آخر؛ لأن الحد الأول ذهب بموجبه وبقي الثاني بلا موجب ففيه حدٌ آخر، والله أعلم.

القاعدة الرابعة والعشرون

‌24 - كل عبادة انعقدت بدليل شرعي فلا يجوز إبطالها إلا بدليل شرعي آخر

إن العقل لا يستقل بإدراك الشرع فأمور العبادة الأصل فيها هو الحظر والتوقيف على الدليل الشرعي الصحيح. إذا علم هذا فليعلم أن هذه العبادة لا تنعقد إلا بدليل شرعي كالصلاة مثلاً فإنها لا تنعقد إلا بتكبيرة الإحرام، وكذلك الإحرام لا ينعقد إلا بنية الدخول في النسك وهكذا، فإذا انعقدت هذه العبادات بالدليل الشرعي فإنه تثبت أحكامها المترتبة على الدخول فيها، أو على انعقادها وبالتالي فإنه لا يجوز لأحدٍ كائنًا من كان أن يدعي بطلان ما انعقد بالدليل الشرعي إلا بدليل يدل على ذلك الإبطال، وإلا فلا يجوز، بل هو من التحكم في الشريعة بمحض الآراء والتقليد المذموم، فالأصل هو عدم الإبطال فمن ادعاه فعليه الدليل؛ لأنه مخالف للأصل. ولقد قال الله تعالى في ذكر المحرمات:{وَأنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ} وقال تعالى: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ ألْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} .

فباب إبطال العبادات باب توقيفي على الدليل، وليس مفتوحًا للشهوات والمذاهب والأقيسة الباطلة، فكل ما أثبته الدليل أنه ناقض لهذه العبادة فهو الناقض وما لا فلا.

إذا علمت هذا فاعلم أن بعض العلماء رضي الله عنهم يجعلون من نواقض بعض العبادات ما ليس منها، وإليك بعض ذلك:

ص: 88

فمنها: الوضوء: عبادة دل الدليل الشرعي على ثبوت حكمها بغسل الأعضاء الأربعة وأعني بحكمها أي رفع الحدث، فلا يجوز لنا أن نبطل هذا الحكم إلا بدليل يدل على بطلانها عند تحققه، وقد دل الدليل الشرعي على بطلانها بالبول والغائط والريح أي بالخارج من السبيلين، وبالنوم المستغرق أي المذهب للشعور، وبما هو أولى منه كالجنون والإغماء، وبالمذي وبما يوجب الغسل إلا الموت، وبمس الذكر بشهوة بلا حائل، وبأكل لحم الإبل خاصة، كل هذه النواقض ثبتت بالدليل الشرعي أنها رافعة لحكم الوضوء المنعقد بدليل شرعي. أما لمس المرأة ولو لشهوةٍ، ومس حلقة الدبر، وحمل الميت أو تغسيله، والقهقهة وغير ذلك مما يدعيه البعض فليس ذلك من النواقض لهذه العبادة وذلك لعدم الدليل، بل هذه الأدلة إما صحيحة غير صريحة، وإما صريحة غير صحيحة، فالواجب عدم الاستدلال بها؛ لأن الوضوء انعقد حكمه بدليل شرعي فلا نبطله إلا بدليل شرعي آخر، والله أعلم.

ص: 89

ومنها: الصلاة: فإنه قد دل الدليل الشرعي على أن الإنسان يدخل فيها بتكبيرة الإحرام، فبناءً عليه فإنه لا يجوز أن نبطل صلاة أحدٍ دخل فيها على هذا الوجه إلا بدليل؛ لأن ما انعقد بالدليل لا يبطل إلا بالدليل فمن هنا تعلم خطأ من قال إنها تبطل بالتنحنح إذا بان حرفان لعدم الدليل وفي حديث علي رضي الله عنه قال:(كان لي من رسول الله صلى الله عليه وسلم مدخلان فكنت إذا أتيته وهو يصلي تنحنح لي)، وتعلم خطأ من أبطلها بالإشارة المفهومة بل في حديث ابن عمر:(أنه قال لبلال كيف رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين يسلمون عليه وهو يصلي، قال: يقول هكذا وبسط كفه) فهي إشارة مفهومة، بل الصحابة لما تكلم معاوية بن الحكم في الصلاة رماه القوم بأبصارهم وضربوا أفخاذهم وهي إشارة مفهومة، وعائشة رضي الله عنها لما دخلت عليها أسماء يوم كسفت الشمس قالت لها:(ما شأن الناس فأشارت برأسها إلى السماء) . فقالت أسماء: آية؟ (فأشارت برأسها أي نعم) ، وهذه أيضًا إشارة مفهومة، والمهم أن الإشارة باليد أو بالرأس المفهومة لا تبطل الصلاة لعدم الدليل بل الدليل على خلافها. وتعلم أيضًا خطأ من يبطل الصلاة بالكلام أو بالنجاسة ناسيًا أو جاهلاً وحديث معاوية بن الحكم في مسلم (1) وحديث صلاته صلى الله عليه وسلم بالنعلين النجسين حجة عليهم، وهكذا، فكل من ادعى أن هذا القول أو هذا الفعل يبطل الصلاة فإنه يطالب بالدليل إذ الأصل عدم الإبطال والدليل يطلب من الناقل عن الأصل. والله أعلم.

(1) لا بد تخريج هذا الحديث.

ص: 90