الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن وجد الماء في الوقت كحديث أبي سعيد. والثاني: أنه صلى بالتيمم والتيمم رافع فإذا دخل في الصلاة فقد دخل بطهارة كاملة وعلى وجهٍ مأمورٍ به شرعًا فإذا تمت صلاته فلا وجه لإبطالها فإذا وجد الماء بعد الصلاة فيبطل تيممه لكن قد انتهى من فعل الصلاة وليس من شروط صحة الصلاة بقاء الطهارة بعد الفراغ، وهذا واضح وأحسب أنه الراجح بالدليل الأثري والنظري.
ونكون بهذا قد أتممنا الكلام على هذه القاعدة العظيمة ونستغفر الله تعالى ونتوب إليه وهو أعلى وأعلم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
القاعدة السادسة
6 - كل فعل توفر سببه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله فالمشروع تركه
اعلم أن فعل النبي صلى الله عليه وسلم يؤخذ منه تشريع إذا كان المراد به التشريع، وكذلك تركه يؤخذ منه تشريع أيضًا. وهذه القاعدة في تركه، وتفيدنا أن الأفعال التي تيسر فعلها للنبي صلى الله عليه وسلم وتركها باختياره أننا نتعبد لله بتركها لأنها لو كانت مشروعة لما تركها، فلما تركها دل على أنها ليست من الشريعة في شيء، فإنه صلى الله عليه وسلم قد بلغ البلاغ المبين، وأتم الله جل وعلا به الدين، فما ترك خيرًا إلا دلنا عليه، ولا شرًا إلا حذرنا منه، فتركه تشريع كما أن فعله تشريع أيضًا، فهو قدوتنا وإمامنا كما قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أسْوَة حَسَنَةٌ} أي هو قدوتنا في فعله وتركه، فكما أننا نتأسى به في فعله فكذلك علينا أن نتأسى به في تركه، وخاصة الفعل الذي قدر أن يفعله ولم يمنعه من فعله شيء ومع ذلك تركه فيدل ذلك أن المشروع تركه.
وفروع هذه القاعدة كثيرة جدًا لكن نذكر منها ما يدلك على باقيها: فأقول:
منها: الطواف حول القبور: يَدَّعِي الصوفية وعباد القبور أنه عبادة وأن فعله من أعظم القربات، فنقول: إن القبور كانت موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وكان يزور المقابر ويسلم على أهلها ولكن لم يكن يطوف بها مع أن الطواف بها قد توفر سببه فلما لم يطف بها دل على أن المشروع هو ترك الطواف، إذ لو كان عبادة لفعله فلما لم يفعله دل على أنه ليس بعبادة بل هو داخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم:(من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) متفق عليه، والله أعلم.
ومنها: الذكر الجماعي بعد الصلاة: فعلٌ توفر سببه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فقد كانت الجماعة للصلاة تقام في عهده وكانوا يذكرون الله بعد الصلاة الذكر المشروع، ولم يثبت عنه أنه أمرهم بالاجتماع في الذكر بألفاظٍ واحدة، فلو كان مشروعًا لفعله، فلما لم يفعله دل على أن المشروع هو تركه إذ لو كان مشروعًا لفعله فلما لم يفعله دل على أنه ليس بعبادة، والله تعالى أعلم.
ومنها: السواك عند دخول المسجد خاصة، فعلٌ توفر سببه على عهده صلى الله عليه وسلم فقد كان السواك موجودًا وكان صلى الله عليه وسلم يدخل إلى المسجد ومع ذلك لم يثبت أنه استاك عند الدخول إلى المسجد، إذًا المشروع تركه، أو نقول: لا ينبغي للمسلم اعتقاد فضيلة السواك عند الدخول للمسجد خاصة بل السواك في كل وقت سنة، لكن من قال بفضيلته أجبنا عنه بهذه القاعدة إذ لو كان فيه فضيلة لفعله مع توفر سببه، والله أعلم.
ومنها: قول المأموم (استعنا بالله) أو (بالله أستعين) عند قول الإمام في الفاتحة (إياك نعبد وإياك نستعين) : فإن بعض الناس يقول ذلك، فنقول: هذا القول توفر سببه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله ولم يأمر به الصحابة أن يفعلوه مما يدل على أن المشروع تركه إذ لو كان هذا القول سنة لأمر به أو فعله (1) ، فلما لم يأمر به ولم يفعله عرفنا بذلك أن المشروع تركه، والله أعلى وأعلم.
ومنها: صلاة الرغائب: توفر سببها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعلها فالمشروع عدم فعلها، إذ لو كانت مشروعة لفعلها ولو مرة واحدة، فلما لم يفعلها دل على أنها ليست من الشريعة في شيء، والله أعلم.
ومنها: صيام رجب كله أو بعضه لاعتقاد فضيلته: فعلٌ توفر سببه على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يصمه، فدل على أن المشروع تركه.
ولعل القاعدة بهذه الفروع قد اتضحت، والضابط في هذه القاعدة أن يبحث الفقيه عن هذا القول أو هذا الفعل هل هو مما فعله أو قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو لا؟ فإن كان الجواب: نعم، فهذا لا كلام فيه. وإن كان الجواب: لا، فقل: لو كان مشروعًا لفعله لتوفر سببه فهو لم يتركه إلا لأنه ليس بمشروع، والله تعالى أعلى وأعلم.
مسألة: إن قلت: هل تركه صلى الله عليه وسلم يدل على كراهة الفعل أو القول المتروك أم يدل على تحريمه؟ قلت: إن تركه للفعل لا يخلو من حالتين: إما أن يكون مجردًا عن نهي قولي، وإما أن يكون مقروناً بنهي قولي، فإن كان مقرونًا بنهيٍ قولي فإنه يدل على تحريم الفعل كتركه للبناء على القبور فعلٌ اقترن بالنهي عن البناء عليها في قوله صلى الله عليه وسلم:(ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته) وغير ذلك، فهذا الترك يدل على تحريم الفعل.
(1) ثم إنه تحصل حاصل لأن المأموم يؤمن على دعاء الإمام وهذا ثناء على الله قبل الدعاء وإقرار بالتوحيد.