المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌23 - من كرر محظورا من جنس واحد وموجبه واحد أجزأ عن الجميع فعل واحد إن لم يخرج موجب الأول - تلقيح الأفهام العلية بشرح القواعد الفقهية - جـ ١

[وليد السعيدان]

فهرس الكتاب

- ‌1 - العبادات الواردة على وجوهٍ متنوعة تفعل على جميع وجوهها في أوقاتٍ مختلفة

- ‌2 - لا يجوز تقديم العبادة على سبب وجوبها ويجوز بعد السبب وقبل شرط الوجوب

- ‌3 - لا ينقض الأمر المتيقن ثبوتًا أو نفيًا بشك عارض

- ‌4- لا يعتبر الشك بعد الفعل ومن كثير الشك

- ‌5 - إذا تعذر الأصل يصار إلى البدل

- ‌6 - كل فعل توفر سببه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يفعله فالمشروع تركه

- ‌7- الشروط في باب المأمورات لا تسقط بالجهل والنسيان وفي التروك تسقط بهما

- ‌8 - العدل أكبر مقاصد الشريعة في العقيدة والأحكام

- ‌9 - النهي إن عاد إلى الذات أو شرط الصحة دل على الفساد وإن عاد إلى أمر خارج فلا

- ‌10 - الأصل هو البقاء على الأصل حتى يرد الناقل

- ‌11 - الأصل بقاء ما كان على ما كان

- ‌12 - الأصل براءة الذمم إلا بدليل

- ‌13 - الأصل أن البينة على المدعي واليمين على من أنكر

- ‌14 - لا واجب مع العجز ولا محرم مع الضرورة

- ‌15 - لا تقبل العبادة إلا بالإخلاص والمتابعة

- ‌16 - لا يؤثر فعل المنهي عنه إلا بذكرٍ وعلمٍ وإرادة

- ‌17 - من أتلف شيئًا لينتفع به ضمنه ومن أتلفه ليدفع ضرره عنه فلا

- ‌18 - إذا اجتمعت عبادتان من جنسٍ واحد ووقتٍ واحد وليست إحداهما مفعوله على وجه القضاء والتبع دخلت إحداهما في الأخرى

- ‌19 - كل حكم لم يرد في الشرع ولا اللغة تحديده حُدَّ بالعرف

- ‌20 - إعمال الدليلين أولى من إهمال أحدهما ما أمكن

- ‌21 - فعل ما اتفق عليه العلماء أولى من فعل ما انفرد به أحدهم ما أمكن

- ‌22 - الأمر المطلق عن القرائن يفيد الوجوب

- ‌23 - من كرر محظورًا من جنسٍ واحد وموجبه واحد أجزأ عن الجميع فعل واحد إن لم يخرج موجب الأول

- ‌24 - كل عبادة انعقدت بدليل شرعي فلا يجوز إبطالها إلا بدليل شرعي آخر

- ‌25 - من قبض العين لحظ نفسه لم يقبل قوله في الرد إلا ببينة،ولغيره يقبل مطلقًا

- ‌26 - لا يضمن الأمين تلف العين بلا تعدٍ ولا تفريط والظالم يضمن مطلقًا

- ‌27 - العبادات المؤقتة بوقتٍ تفوت بفوات وقتها إلا من عذرٍ

- ‌28 - لا تكليف إلا بعقل وفهم خطاب واختيار

- ‌29 - كل حكم في تطبيقه عسر فإنه يصحب باليسر

الفصل: ‌23 - من كرر محظورا من جنس واحد وموجبه واحد أجزأ عن الجميع فعل واحد إن لم يخرج موجب الأول

ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يديه قبل أن يدخلهما في الإناء ثلاثاً فإنه لا يدري أين باتت يده) فقوله: (فليغسل) صيغة من صيغ الأمر وهو الفعل المضارع المقرون بلام الأمر، فيدل على أن غسل اليدين بعد الاستيقاظ من نوم الليل خاصة واجب ثلاثًا، لأن الأمر المطلق عن القرائن يفيد الوجوب إلا بقرينة، ولم تأت قرينة تصرف هذا الأمر عن بابه، فقلنا أنه يفيد الوجوب، والله أعلم.

ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس) وقوله لمن جلس يوم الجمعة: (قم فصل ركعتين) متفق عليهما، فقوله:(فليركع ركعتين) أمر فهو على الوجوب، فتكون تحية المسجد واجبة؛ لأنها خرجت مخرج الأمر، والأمر يقتضي الوجوب وهو قول أهل الظاهر وليس ببعيد، لكن رد الجمهور ذلك بأنه قد ورد لهذا الأمر صارف وذلك في قوله صلى الله عليه وسلم لمن تخطى رقاب الناس يوم الجمعة:(اجلس فقد آذيت) فلو كانت واجبة لما أمره بالجلوس حتى يصليها، ولحديث:(خمس صلوات كتبهن الله على العباد) واقتصاره على هذه الخمس يدل على أن غيرها ليس بواجب، حديث من سأله عن الإسلام فقال:(خمس صلوات في اليوم والليلة) ، وبهذا تكون القاعدة قد اتضحت - إن شاء الله تعالى -، وعلى هذه الفروع قس، والله تعالى أعلى وأعلم.

القاعدة الثالثة والعشرون

‌23 - من كرر محظورًا من جنسٍ واحد وموجبه واحد أجزأ عن الجميع فعل واحد إن لم يخرج موجب الأول

ص: 85

اعلم أن المحرمات عندنا قسمان: إما محرم شرع فيه كفارة أو حد، وإما محرم لا كفارة فيه ولا حد. والأصل عدم الكفارة إلا بدليل، وهذه القاعدة في المحرمات التي توجب كفارة أو حدًا، وذلك كالجماع في شهر الصيام نهارًا، ومحظورات الإحرام، والسرقة، والزنى، وقطع الطريق، والحنث في اليمين والنذر والظهار، ونحو ذلك من الأفعال المحرمة. فهذه الأشياء يترتب على فعلها حد أو كفارة، فإذا فعلها الإنسان فإنه يجب عليه أثرها من حدٍ أو كفارة. لكن ما الحكم لو كررها مرةً أخرى فهل يلزمه كفارة أخرى أو حد آخر أو لا؟ هذا هو مناط قاعدتنا فأقول:

إذا فعل الإنسان محظورًا مما مضى ثم فعل محظورًا آخر فلا يخلو من حالتين: إما أن يكون المحظور الثاني من جنس المحظور الأول أي سرقة وسرقة، أو زنى وزنى، أو يمين على شيء معين ثم كرره مرة ثانية، أو قطع الطريق مرارًا. وإما أن يكون المحظور الثاني من غير جنس المحظور الأول، كسرقة وزنى، أو قطع طريق وقتل وهكذا. فإن كان المحظور الثاني من غير جنس المحظور الأول فإن فعل المحظور الثاني يوجب شيئًا جديدًا وهو أثره من حدٍ أو كفارة فيكون عليه حدان أو كفارتان، حد أو كفارة للمحظور الأول، وحد أو كفارة ثانية للمحظور الثاني، فإذا زنى البكر وسرق وجب عليه جلد مائة وتغريب عام وقطع يده اليمنى، وإذا جامع في نهار رمضان وحلق شعره وهو محرم وجب عليه كفارة الجماع، وكفارة المحظور وهكذا.

أما إذا كان المحظور الثاني من جنس المحظور الأول فلا يخلو من حالتين: إما أن يكون قد أخرج موجب الأول قبل فعل الثاني أو لا، فإن كان قد أخرج موجب الأول قبل فعل المحظور الثاني فإن فعل الآخر يوجب كفارة أو حدًا آخر، فمن سرق ثم قطع ثم سرق مرة أخرى فإنه يجب عليه قطع آخر، ومن زنى ثم أقيم عليه الحد ثم زنى مرة أخرى فإنه يجب عليه الحد مرة أخرى هذا إذا كان بكرًا، أما الثيب فحده الرجم وهكذا.

ص: 86

وأما إذا لم يخرج موجب الأول حتى فعل الثاني فإنه في هذه الحالة يجزئ عن المحظورين الأول والثاني كفارة أو حد واحد فقط، فإذًا لو سألنا سؤالاً وقلنا: متى تتداخل الحدود أو الكفارات؟ الجواب: تتداخل الحدود والكفارات بشرطين: إذا كان المحظور من جنسٍ واحدٍ، وإذا لم يخرج موجب الأول، وهذا هو نص القاعدة.

وزيادة في الإيضاح أضرب فروعًا حتى تتضح:

فمنها: من حلف على يمين معينة ثم كررها وحنث، فهل تلزمه كفارة أو لا؟

الجواب: أنك تنظر في أمرين: أحدهما: هل المحلوف عليه شيء واحد أو متعدد؟

إن كان متعددًا فأوجب على كل يمين كفارة؛ لأن المحلوف عليه ليس من جنسٍ واحد، وإن كان المحلوف عليه واحدًا فانظر: هل كفر عن يمينه الأولى أم لا؟ إن كان كفر عن يمينه الأولى وجبت للأخرى كفارة ثانية، وإن لم يكن قد أخرج كفارة الأولى أجزأ عن الجميع كفارة واحدة، والله أعلم.

ومنها: إذا زنى البكر مرارًا فهل يلزمه لكل زنىً حد؟ أم يسقط الجميع حد واحد؟ الجواب: هو على التفصيل السابق، فيكفي الجميع حد واحد؛ لأنه من جنسٍ واحد ولم يحد للزنى الأول، أما إذا حُدَّ للزنى الأول وجب للثاني حد جديد، والله أعلم.

ومنها: من نذر مرارًا ولم يخرج موجب الأول أجزأ عن الجميع كفارة واحدة.

ومنها: من كرر محظورًا من جنسٍ واحدٍ من محظورات الإحرام كرجلٍ حلق مرارًا أو جامع مرارًا، أو قلم أظافره مرارًا ولم يخرج كفارة الأول أجزأ عن الجميع كفارة واحدة. لكن لو حلق وقلم أظفاره وتطيب فإنه يجب حينئذٍ لكل محظور كفارة لاختلاف الجنس.

ومنها: من سرق مرارًا فإنه يسقط الجميع قطع واحد ما لم يكن قد حُدَّ للأول فيلزمه قطع آخر، والله أعلم.

ومنها: من قطع الطريق مرارًا أسقط الجميع حد واحد إن لم يكن قد حُدَّ في شيء منها، وعلى ذلك فقس، والله تعالى أعلى وأعلم.

ص: 87