الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها: الطهارة عبادة لها سبب وجوب وشرط وجوب، فسبب وجوبها الحدث وشرط وجوبها القيام إلى الصلاة فتجوز الطهارة بعد الحدث وقبل القيام إلى الصلاة وتجب عند إرادة القيام إلى الصلاة؛ لأنه شرط وجوبها، والله أعلم.
وأحسب أنه بهذه الفروع قد فهمت هذه القاعدة فهمًا جليًا وعليها فقس، لكن كما ذكرت سابقًا أن فهمهما متوقف على معرفة سبب الوجوب وشرط الوجوب، والله تعالى أعلى وأعلم.
القاعدة الثالثة
3 - لا ينقض الأمر المتيقن ثبوتًا أو نفيًا بشك عارض
هذه من القواعد الخمس الكبرى، وتدخل في غالب أبواب الفقه وبالتحديد تدخل هذه القاعدة في كل فرعٍ يتجاذبه يقين وشك فتسقط الشك وتحكم باليقين ذلك؛ لأن الشك لا يقوى على رفع اليقين؛ لأنه أضعف منه، والضعيف لا يقوى على رفع القوي ولها أدلة كثيرة من الكتاب والسنة.
فمن ذلك: قوله تعالى: {إنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنْ الْحَقِّ شَيْئًا} فالحق هو اليقين والظن هو الشك فعاب الله جل وعلا على من اتبع الظنون الكاذبة وترك الحق الثابت بالدليل الواضح.
ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثًا أم أربعًا فليطرح الشك وليبن على ما استيقن) الحديث، وهو نص في القاعدة فقد أمر بإطراح الشك والبناء على اليقين وهو معنى قولنا:(اليقين لا يزول بالشك) .
ومنه: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن زيد عند الشيخين: أنه شكى إلى الرسول صلى الله عليه وسلم الرجل الذي يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، فقال:(لا ينصرف أو لا ينفتل حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) أي فيبقى على يقين الطهارة حتى يتأكد من خروج الريح الناقضة للوضوء وهو نص في هذه القاعدة.
ومن ذلك: حديث أبي هريرة عند مسلم، وعن ابن عباس نحوه عند البزار وكذا للحاكم عن أبي سعيد وغير ذلك كثير، بل والاعتبار الصحيح يقتضي ذلك كما ذكرنا أن الضعيف لا يقوى على رفع القوي؛ لأن ما تيقن ثبوته بدليل أو استصحاب حال، أقوى مما شك فيه أهو ثابت أم لا؟ فإذا سئلت عن سؤال فيه تجاذب بين شيء متيقن وشيء مشكوك فيه، فاعرف أنه داخل تحت هذه القاعدة فأسقط الشك واحكم باليقين، ثم اعلم أن قاعدة الأصول في الأشياء داخلة تحت هذه القاعدة الكبرى، كما سيأتي - إن شاء الله تعالى -.
فإن قلت: إذا كان الشك لا يرفع اليقين فهل يرتفع اليقين بيقين مثله؟
قلت: نعم، إن اليقين لا يزول بالشك لكن يزول بيقين مثله، وغلبة الظن منزلة منزلة اليقين، وعلى ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:(فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) أي حتى يأتي يقين آخر أي يقين الحدث ليرفع يقين الطهارة وإلا فهو باقٍ على طهارته ولا مزيد على هذا لكن نضرب بعض الفروع حتى يتضح التطبيق عليها:
فمنها: إذا سئلت عن رجلٍ توضأ للعصر ثم دخل وقت المغرب وأراد أن يصليها فشك هل أحدث أو لا؟ فقل: أنت تيقنت الطهارة الذي هو وضوء العصر، وشككت في الحدث، فأنت على ما تيقنته وهو الطهارة؛ لأن اليقين لا يزول بالشك.
ومنها: شك رجل هل صلى الفجر أو لا؟ فقل: إن اليقين هو أنك لم تصل؛ لأن الأصل عدم الصلاة والشك حصل في وجودها فنبقى على الأصل الذي هو عدم الصلاة واليقين لا يزول بالشك فعليك أن تصلي الآن.
ومنها: رجل أكل شاكًا في طلوع الفجر فإذا هو قد طلع، فقل له: إن اليقين هو بقاء الليل وطلوع الفجر مشكوك فيه واليقين لا يزول بالشك فالأصل بقاء الليل فصيامك صحيح لأنك عملت باليقين (1) .
(1) هذا هو الراجح خلافاً للمشهور من المذهب.