الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأما في غزوة الفتح فإنه كان يصلي بأهل مكة في مكة ويقول: (يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر) فلما كان القصر لا يجوز لهم بين ذلك، ولما كان جائزًا ترك البيان، فترك الأمر بالإتمام في الحج دليل على جواز القصر في الحج لأهل مكة، والله أعلم. ومنها: أن بعض أهل العلم حرم أكل الضب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأكله، وهذا ليس بصحيح، بل الصواب جوازه؛ لأنه أكل على مائدته صلى الله عليه وسلم ولم ينكر، بل ثبت عنه أنه قال:(إني لا آكله ولا أحرمه) وإنما تركه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لا يؤكل بأرض قومه كما هو مصرح به في بعض الروايات، فلما أكل على مائدته وهو ينظر ولم ينكر دل ذلك على جوازه إذ لو كان حرامًا لبين ذلك؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
ومنها: ادعى بعض أهل العلم - رحمهم الله تعالى - وجوب الزكاة في الخضراوات لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة فيما خرج من الأرض، وقال بعض أهل العلم: ليس في الخضراوات زكاة ويروون في ذلك حديثًا فيه مقال عريض، وقالوا لو كانت الزكاة في الخضراوات واجبة لبين ذلك بيانًا شافيًا كافيًا، فلما لم يبين دل ذلك على عدم وجوبها فيها؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، وهو الراجح أن الخضراوات ليس فيها زكاة.
وجماع ذلك أن كل من ادعى وجوب شيءٍ أو اشترط شيء أو تحريم شيء وليس عليه دليل فإنه يقال له: هذا لم يبينه النبي صلى الله عليه وسلم فلا يجب أو فلا يشترط أو فلا يحرم إذ لو كان ذلك كذلك لبينه؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز.
وعلى هذه الفروع فقس.
القاعدة الثانية والأربعون
42 - مباشرة الحرام للتخلص منه جائزة
اعلم أن القاعدة المتقررة عند العلماء أن الحرام لا تجوز مباشرته، أيًّا كان مأكولاً أو مشروبًا أو ملبوسًا أو مركوبًا أو مالاً أو نجاسةً ونحوها كل ذلك لا يجوز مباشرته.
ثم اعلم أن الحرام نوعان: إما محرم لحق الله تعالى، وإما محرم لحق المخلوقين، وكلاهما لا تجوز مباشرتهما بأي أنواع المباشرة، لكن استثنى العلماء من ذلك مباشرة واحدةً فقط، وهي المباشرة من أجل التخلص من الحرام توبةً لله تعالى، فيجوز للإنسان أن يباشر الحرام بهذه النية فقط دون غيرها، وقلنا:(توبةً لله تعالى) حتى يخرج من باشره بقصد التخلص منه حتى لا يكشف أو ليخفي معالمه، فهذا لا يجوز، لكن إذا باشره ليتخلص منه لأنه تاب منه أو لإزالته عنه فهذا جائز، وعلى ذلك الفروع الآتية:
فمنها: أن من اغتصب دارًا فإنه لا يجوز له المكث فيها لا ببقاءٍ ولا بتنقلٍ فيها لكن إذا تاب من غصبه ومشى للخروج منها فمشيه هذا مباشرة للحرام لكن هذه المباشرة ليتخلص منه فهي جائزة.
ومنها: من طلع عليه الفجر في رمضان وهو يجامع زوجته، فنزعه فهل تجب عليه الكفارة أم لا؟ فيه خلاف فالمشهور من المذهب أن النزع جماع، أي يأخذ حكم الجماع؛ لأنه يحصل منه من اللذة والحرارة ما يحصل في الإيلاج، فإذا كان مثله في اللذة فليكن مثله في الحكم، وقال بعضهم: إن النزع ليس بجماع؛ لأنه لما نزع ذكره من فرجها إنما نزعه ليتخلص من الحرام؛ لأن الجماع في نهار رمضان محرم، ولا طريق له للتخلص منه إلا بالنزع فأجزنا له مباشرة الحرام بهذه النية؛ لأن مباشرة الحرام للتخلص منه جائز.
ومنها: أن مباشرة النجاسة محرمة، لكن يجوز الاستنجاء بالماء أو الحجر أي إزالة الخارج بأحدهما ولا يكون ذلك حرامًا؛ لأنه من باب التخلص منها، إذ لا طريق للتخلص من النجاسة الخارجة من أحد السبيلين إلا بمباشرتها بالإزالة.