المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌50 - كل من سبق إلى مباح فهو أحق به - تلقيح الأفهام العلية بشرح القواعد الفقهية - جـ ٣

[وليد السعيدان]

فهرس الكتاب

- ‌41 - تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز

- ‌42 - مباشرة الحرام للتخلص منه جائزة

- ‌43، 44 - يدفع أعظم المفسدتين بارتكاب أدناهما ويحصل أعلى المصلحتين بتفويت أدناهما

- ‌45 - كل وسيلة فإن حكمها حكم مقصدها

- ‌46، 47 - الأصل في العبادات الحظر والتوقيف والأصل في العادات الحل والإباحة

- ‌48 - القصود في العقود معتبرة

- ‌49 - من لا يعتبر رضاه لفسخ عقدٍ أوحَلهِ لا يعتبر علمه به

- ‌50 - كل من سبق إلى مباحٍ فهو أحق به

- ‌51 - اليمين في جانب أقوى المتداعيين

- ‌52 - الأمر بعد الحظر يفيد ما أفاده قبل الحظر

- ‌53 - يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء

- ‌54 - تستعمل القرعة في تمييز المستحِقِّ

- ‌55 - إذا اجتمع مبيح وحاظر غُلِّبَ جانب الحاظر

- ‌56 - إذا تعذر معرفة صاحب الحق نزل منزلة المعدوم

- ‌57 - من تعجل حقه أو ما أبيح له قبل وقته على وجه محرم عوقب بحرمانه

- ‌58 - تقدم اليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزين، واليسرى فيما عداه

- ‌59 - يثبت تبعًا وضمنًا ما لا يثبت استقلالاً وقصدًا

- ‌60 - من سقطت عنه العقوبة لفوات شرط أو لوجود مانعٍ ضوعف عليه الغرم

- ‌61 - من اجتهد وبذل ما في وسعه فلا ضمان عليه وكتب له تمام سعيه

- ‌62 - الأصل أن نفي الشيء يحمل على نفي الوجود إن أمكن، وإلا فنفي الصحة وإلا فنفي الكمال

الفصل: ‌50 - كل من سبق إلى مباح فهو أحق به

القاعدة الخمسون

‌50 - كل من سبق إلى مباحٍ فهو أحق به

والمراد بالمباح ما لا يدخل تحت ملك المعصوم، من الأراضي والبقاع وما يخرج من الأرض من الكلأ والمرعى ونحوها كل ذلك من المباحات التي لا يتعلق بها ملك معصوم أي لا أحد يملكها ملكًا خاصًا، بل هي عامة لكل أحد أي أن نفعها لا يختص بأحد دون أحد، بل هو حق للجميع، فهذا هو ما نعنيه بالمباح، فهذا المباح يكون حقًا لمن سبق إليه قبل غيره، بمعنى أنه يدخل تحت ملكه ويكون حقًا له إذا سبق إليه قبل غيره، وقولنا:(فهو أحق به) أي أن الذي سبق إليه قبل غيره يكون أحق بالانتفاع بهذا المباح ما دامت يده عليه سواءً المشاهدة أو الحكمية، فإذا زالت فإنه يعود إلى حالته الأولى، والدليل على هذه القاعدة ما رواه البخاري في صحيحه من حديث عروة بن الزبير عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من عمر أرضًا ليست لأحدٍ فهو أحق بها)، قال عروة:(وقضى به عمر في خلافته)، وعن سعيد ابن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(من أحيا أرضًا ميتةً فهي له) رواه الثلاثة وحسنه الترمذي. وهذا النص وإن كان في الأرض الميتة، لكن يقاس عليه سائر المباحات بجامع الإباحة في كلٍ والمراد بالأرض الميتة أي المنفكة عن الاختصاصات وعن ملك المعصوم، فأثبت الحديث أن من سبق إلى هذه الأرض الميتة فأحياها بما يحصل به الإحياء أنها له، ويقاس على ذلك سائر المباحات التي لا تدخل تحت ملك المعصوم.

ومن الأدلة: أنه صلى الله عليه وسلم نهى أن يقيم الرجل غيره من مجلسه فيجلس مكانه، ذلك لأنه سبق إلى هذا الموضع فيكون أحق به من غيره، فلا يجوز الاعتداء عليه واستلابه منه، والمسجد حق عام للمسلمين جميعهم لكن إذا سبق أحد إلى موضع منه فيكون هو أحق به ما دامت يده المشاهدة عليه، وإن قام منه فإن عاد إليه قريبًا فهو أحق به وإن طال الفصل سقط حقه فيه.

ص: 39

ومن الأدلة: ما رواه ابن ماجه بسندٍ فيه ضعف عن عبد الله بن مغفل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من حفر بئرًا فله أربعون ذراعًا عطنًا لماشيته) فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بأن هذا الرجل بحفره لهذه البئر قد تملك أربعين ذراعًا مما حول البئر تكون عطنًا لدوابه، فيكون تملكها؛ لأنه سبق إلى إحيائها بهذا البئر فهو أحق بها وقسنا على ذلك سائر المباحات.

ومن الأدلة أيضًا: قوله صلى الله عليه وسلم: (من قتل قتيلاً له عليه بينة فله سلبه) والسلب بفتحتين ما مع المقتول من سلاحٍ ومالٍ وثيابٍ ونحوه، فالذي يسبق إلى الحربي فيقتله - أعني في المعركة - فإنه أحق بسلبه؛ لأن دم الحربي وماله مباحان، فمن سبق إلى هذا المباح فهو أحق به، فقسنا عليه سائر المباحات.

ومن الأدلة أيضًا: قوله صلى الله عليه وسلم: (ولا يخطب المسلم على خطبة أخيه) وهو في الصحيح ووجه الشاهد منه أن المرأة التي لا زوج لها مباحة للخطاب، فمن سبق إلى هذا المباح وهو خطبتها فيكون هو أحق بها، ولا يجوز لأحدٍ أن ينازعه فيه مادام عازمًا على الاستمرار في ذلك وقد رضوا به وقبلوه، فإن تعدى أحد على حقه وتجرأ على اقتحام نهي النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يبوء بالإثم ولاشك، لكن ذهب الجمهور إلى صحة العقد الثاني مع الإثم، وأما الشيخ تقي الدين فإنه اختار أن العقد الثاني فاسد، وأنها تنزع منه وترد للأول والمهم أن تعلم أن الخاطب الأول لما كان أسبق من الثاني بتحصيل هذا المباح الذي هو خطبة هذه المرأة كان أحق بها، مما يدل على أن من سبق إلى مباح فهو أحق به.

ص: 40

ومن الأدلة أيضًا: أن السنة الفعلية المطردة التي دلت عليها الأدلة الشرعية أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدفن في القبر أكثر من واحد إلا لعذر ككثرة الموتى وقلة من يدفنهم، وأما مع عدم العذر فلم يزد على واحدٍ في كل قبرٍ، وحرمت الشريعة القعود على القبر والوطء عليه ونبشه وإخراج الميت منه، كل ذلك لأن هذه البقعة من الأرض التي هي القبر صارت حقًا لهذا الميت؛ لأنه سبق إليها ومن سبق إلى مباحٍ فهو أحق به.

ومن الأدلة على ذلك: أن الأدلة دلت على أن البيعة العظمى لا تصلح إلا لواحدٍ فإمام المسلمين لا يكون إلا واحدًا وطرق الوصول إليها ثلاثة: إما بالاستخلاف كما استخلف أبو بكرٍ عمر رضي الله عنهما، وإما بالاختيار كما حصل في أهل الشورى الستة واختيارهم عثمان رضي الله عنهم، وكما اختار المسلمون أبا بكرٍ الصديق رضي الله عنه استنادًا على نصوص مسلمة ومشيرة إلى خلافته، وإما أن يظهر على المسلمين بسيفه وعتاده ويتغلب عليهم ويقهرهم بسلاحه ويستتب الأمر له فإذا تمت البيعة لواحدٍ ثم نازعه فيها غيره فإن الواجب هو قتل هذا الآخر إن لم يندفع إلا بالقتل لما ورد في الحديث:(فاقتلوا الآخر منهما) وقال صلى الله عليه وسلم: (من خرج عليكم وأمركم جميعًا على رجلٍ واحدٍ يريد أن يشق عصاكم ويفرق جماعتكم فاقتلوه) ، ووجه الشاهد من ذلك أن الخليفة الأول لما استقر له أمر البيعة لسبقه إليها بأحد الطرق الثلاث السابقة فإنه يكون أحق بها من غيره؛ لأن من سبق إلى مباحٍ فهو أحق به، فلا تجوز منازعته في حقه هذا مادامت البيعة له.

ص: 41