المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌52 - الأمر بعد الحظر يفيد ما أفاده قبل الحظر - تلقيح الأفهام العلية بشرح القواعد الفقهية - جـ ٣

[وليد السعيدان]

فهرس الكتاب

- ‌41 - تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز

- ‌42 - مباشرة الحرام للتخلص منه جائزة

- ‌43، 44 - يدفع أعظم المفسدتين بارتكاب أدناهما ويحصل أعلى المصلحتين بتفويت أدناهما

- ‌45 - كل وسيلة فإن حكمها حكم مقصدها

- ‌46، 47 - الأصل في العبادات الحظر والتوقيف والأصل في العادات الحل والإباحة

- ‌48 - القصود في العقود معتبرة

- ‌49 - من لا يعتبر رضاه لفسخ عقدٍ أوحَلهِ لا يعتبر علمه به

- ‌50 - كل من سبق إلى مباحٍ فهو أحق به

- ‌51 - اليمين في جانب أقوى المتداعيين

- ‌52 - الأمر بعد الحظر يفيد ما أفاده قبل الحظر

- ‌53 - يغتفر في البقاء ما لا يغتفر في الابتداء

- ‌54 - تستعمل القرعة في تمييز المستحِقِّ

- ‌55 - إذا اجتمع مبيح وحاظر غُلِّبَ جانب الحاظر

- ‌56 - إذا تعذر معرفة صاحب الحق نزل منزلة المعدوم

- ‌57 - من تعجل حقه أو ما أبيح له قبل وقته على وجه محرم عوقب بحرمانه

- ‌58 - تقدم اليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزين، واليسرى فيما عداه

- ‌59 - يثبت تبعًا وضمنًا ما لا يثبت استقلالاً وقصدًا

- ‌60 - من سقطت عنه العقوبة لفوات شرط أو لوجود مانعٍ ضوعف عليه الغرم

- ‌61 - من اجتهد وبذل ما في وسعه فلا ضمان عليه وكتب له تمام سعيه

- ‌62 - الأصل أن نفي الشيء يحمل على نفي الوجود إن أمكن، وإلا فنفي الصحة وإلا فنفي الكمال

الفصل: ‌52 - الأمر بعد الحظر يفيد ما أفاده قبل الحظر

القاعدة الثانية والخمسون

‌52 - الأمر بعد الحظر يفيد ما أفاده قبل الحظر

وهذا رواية عن الإمام أحمد وهي الموافقة للأدلة من الكتاب والسنة وهي أرجح من قول بعضهم: (الأمر بعد الحظر يفيد الإباحة) فإنه يشكل عليه كثير من الأدلة ورد فيها الأمر بعد الحظر ولا يفيد الإباحة ونعني: (بالأمر بعد الحظر) أنه إذا حظر الشارع قولاً أو فعلاً ثم عاد فأمر به، فهذا أمر بعد حظر كأن يقول مثلاً:(لا تزوروا القبور)، ثم يقول:(زوروها) ونحو ذلك، فهذا الأمر الذي أعقب الحظر ماذا يفيد؟ هل يفيد الوجوب كما كان يفيده لو لم يرد بعد حظر؟ أم أنه يفيد الندب أم يفيد الإباحة؟ أم يفيد حكمه قبل الحظر؟ في هذه المسألة خلاف بين الأصوليين والصواب هو مقتضى هذه القاعدة وهو أن الشارع إذا حرم شيئاً من الأقوال ثم أمر به فإنه يرجع بعد فك الحظر عنه إلى حكمه الأول، فإن كان قبل الحظر واجباً فهو بعد الحظر واجب وإن كان سنة فهو سنة وإن كان قبل الحظر مباحاً فهو بعد الحظر مباحًا.

وهذا هو الموافق للأدلة، وهي كثيرة:

فمن ذلك: قوله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} فقتال المشركين كان واجبًا قبل الأشهر الحرم ثم حرمه الله في الأشهر ثم أمر به مرةً ثانية بعد انسلاخ الأشهر الحرم فقوله: {فاقتلوا} يفيد الوجوب؛ لأنه كان واجبًا قبل الحظر، ولا يمكن أن يقال هنا إنه مباح على قول من قال إنه يفيد الإباحة، فإن قتال الكفار يعلم من الدين بالضرورة أنه واجب، فلما فُكَّ الحظر عاد الحكم إلى ما كان يفيده قبل الحظر.

ص: 44

ومن ذلك: قوله تعالى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأنْتُمْ حُرُمٌ} فحرم الله تعالى الصيد البري حال الإحرام ثم قال: {وَإذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} فأمر به بعد الإحلال، فالأمر بالصيد بعد الإحلال أمر بعد حظر، فنقول يرجع إلى ما كان يفيده قبل الحظر، فنظرنا فوجدنا أن الصيد مباح قبل الحظر فقلنا إن الأمر بالصيد إذًا بعد تحريمه يفيد الإباحة لأنه كان مباحًا قبل تحريمه.

ومن ذلك: قوله تعالى: {يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} فالأصل أن البيع جائز ثم حرمه الله تعالى إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة أي النداء الثاني الذي يعقبه الخطبة ثم أمر به في قوله: {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} وهذا الأمر بالانتشار والابتغاء من فضل الله يفيد الجواز؛ لأنه كان يفيده قبل تحريمه، والأمر إذا ورد بعد حظر أفاد ما كان يفيده قبل الحظر.

ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة) فالأصل أن زيارة القبور كانت جائزة أو مستحبة ثم نهى عنها ثم أمر بها في قوله: (فزوروها) فهذا الأمر يفيد الإباحة أو الاستحباب؛ لأنه كان يفيد ذلك قبل الحظر.

ومن ذلك: قوله صلى الله عليه وسلم: (كنت نهيتكم عن ادخار لحوم الأضاحي فادخروا

) الحديث. فالأصل أن ادخار شيءٍ من لحم الأضحية جائز ثم نهي عنه من أجل الداقة أي الفقراء الذين نزلوا المدينة، ثم أمر به في قوله:(فادخروا) فهذا الأمر يفيد الإباحة لأنه كان مباحًا قبل الحظر.

ص: 45