الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها: إذا باعه شيئًا واشترط المشتري أن له الخيار مدة سنة فإن جاء البائع بالثمن في هذه المدة انفسخ البيع بيننا، فهذا صورته بيع وخيار شرط لكنه حرام؛ لأن حقيقته أنه قرض جر نفعًا؛ لأنه أعطاه ثمن الدار على أنه قرض وسكن داره هذه المدة وهو لا يقصد حقيقة البيع فهو قرض جر نفعًا وكل قرضٍ جر نفعًا فهو ربا.
ومنها: نكاح التحليل وتقدم تفريعه في الأدلة.
ومنها: بيع العينة فإن ظاهره أنه بيع بألفاظ البيع وشروطه المعتبرة لكنه حرام نظرًا إلى مقاصد المتعاقدين، فالبائع يريد التوصل إلى الزيادة الربوية بهذا العقد فحرم من أجل هذا القصد الفاسد، فحقيقتها أنها دراهم بدراهم بينهما سلعة.
ومنها: الشريك إذا أهدى شقصه لغير شريكه ويقصد بذلك إبطال حق الشفعة فإنه لا يسقط ولشريكه الشفعة فيه مع أن الظاهر أن هذا عقد هبة لكن لما ظهر من نيته وقصده إرادة المضارة عاملناه بنقيض قصده، وعلى ذلك فقس.
ومنها: اشتراط الثواب في الهبة - أي دفع العوض - فإن الصورة والألفاظ تقضي أنها هبة لكنها في حقيقتها أنها بيع فتأخذ أحكام البيع وعلى ذلك فقس، والله أعلم.
القاعدة التاسعة والأربعون
49 - من لا يعتبر رضاه لفسخ عقدٍ أوحَلهِ لا يعتبر علمه به
إن العقود من حيث لزومها وعدمه تنقسم إلى ثلاثة أقسام وذلك بالاستقراء:
الأول: عقود لازمة من كلا الطرفين بحيث لا يستطيع أحدهما فسخها إلا برضا الآخر كعقد البيع بعد لزومه والإجارة والسلم ونحوها، فهذه عقود إذا لزمت فإنه لا يتمكن أحد الطرفين من فسخها إلا إذا رضي الطرف الآخر، فهذه العقود لا تدخل معنا في هذه القاعدة، وحكمها اللزوم من الجانبين ولا تفسخ إلا برضاهما.
الثاني: عقود جائزة من قبل الطرفين كليهما، بحيث يجوز لكل واحدٍ منهما فسخها متى شاء ولا يشترط لفسخها رضا الطرف الآخر كالوكالة والجعالة والوديعة والعارية فيجوز لكل واحدٍ من الطرفين فسخ هذا العقد متى أحب ولو لم يرض صاحبه.
الثالث: عقود لازمة في حق أحدهما جائزة في حق الآخر،كالرهن فهو لازم في حق الراهن جائز في حق المرتهن، وكذلك النكاح فهو لازم من جهة الزوجة جائز من جهة الزوج، وكذلك الضمان والكفالة فهي لازمة في حق الكفيل والضامن جائزة من جهة صاحب الحق، وكذلك البيع في حق من له خيار الشرط فإنه جائز في حقه لازم في حق الآخر، وأيضًا الشفعة لازمة في حق الشريك البائع لشقصه وجائزة في حق شريكه الآخر وهكذا، وحكم هذا النوع من العقود أنه يسوغ لمن هو جائز في حقه فسخه أو حَلُّه متى شاء ولو لم يرض الآخر وأما الطرف الآخر فلا يجوز له فسخه أو حله إلا برضا صاحبه.
إذا علمت هذا فاعلم أن هذه القاعدة يدخل تحتها النوع الثاني والثالث فقط لا النوع الأول، وحينئذٍ فمعناها: أن العقود الجائزة من الطرفين أو من أحدهما يجوز لمن له حق الفسخ أن يفسخها ولو لم يرض الآخر، فرضاه ليس بشرط في صحة فسخها أو حلها، فإذا كان رضاه لا يعتبر ولا يؤثر، فكذلك إذًا علمه أيضًا لا يشترط ولا يؤثر في صحة فسخها، ذلك لأن الفسخ صحيح وإن لم يرض، أي سواءٌ رضي أم لم يرض فلا أثر لذلك، فإذا كان لا أثر لرضاه أصلاً فلماذا يتوقف فسخها على علمه، فإنه إذا سقط اشتراط الرضا فمن باب أولى لا يشترط العلم لأنه سواءً علم بالفسخ أم لم يعلم لا يؤثر ذلك شيئًا لا في الفسخ ولا في الحِلَّ، فكل من لا يعتبر رضاه فإنه حينئذٍ لا يعتبر علمه، هذا هو شرح هذه القاعدة، وإليك بعض فروعها حتى تتضح أكثر فأقول:
منها: الطلاق فإن الزوج إذا طلق زوجته فإنه بمجرد تلفظه بطلاقها يقع مباشرة سواءً رضيت أو لم ترضى، فالله جل وعلا لم يجعل صحة وقوع الطلاق مربوطًا برضا المرأة وإنما هو حق للزوج فسواءٌ رضيت أم لم ترض فالطلاق واقع واقع، فإذا كان رضاها لا تأثير له في صحة فسخ عقد النكاح فإنه حينئذٍ لا يشترط علمها أي لا يلزم أن تعلم بأنه طلقها حتى يصح طلاقها وهذا هو المشهور من المذهب؛ لأنها لا يعتبر رضاها في وقوعه فكذلك لا يُعتبر علمها به وبناءً على ذلك فإنه لا يُشترط أيضًا لصحة عدتها أن تعلم أنها في عدة، فلو طلقها ولم تعلم إلا بعد ثلاث حيضات فإنما تكون قد اعتدت من طلاقه على القول الصحيح.
ومنها: العتق فإن السيد إذا أعتق عبده فإنه يعتق بمجرد تلفظه بألفاظ العتق، ولا يشترط لصحة العتق أن يرضى العبد بالعتق، فالعتق صحيح سواءٌ رضي أم لم يرض، فرضاه من عدمه لا يؤثر في صحة العتق شيئًا، فإذا كان رضاه غير معتبر فعلمه حينئذٍ أيضًا لا يعتبر، أي أن العتق وقع عليه سواءٌ علم أم لم يعلم، والله أعلم
ومنها: الوكالة عقد جائز من الطرفين، يجوز لكل واحدٍ منهما فسخه ولو بلا رضا الآخر، فإذا فسخ الوكيل أو الموكل الوكالة، فإنها تنفسخ ولو لم يرض الطرف الآخر، فإذا كان لا يشترط لصحة الفسخ رضاهما فإنه حينئذٍ لا يشترط لصحته علم الطرف الآخر به وهذا هو المشهور من المذهب، واختار الشيخ تقي الدين أن الموكل إذا عزل الوكيل فإنه لا ينعزل إلا بعد العلم بالعزل ذلك لأن الوكيل قد يعقد عقدًا بحكم الوكالة بعد عزله وقبل العلم فيكون عقدًا باطلاً وقد يحصل فيه قبض للمال أو تسليم للسلعة وخاصة إذا كان العقد وقع على شراء أو بيع جارية ووقع بعد الوطء قبل العلم بالعزل، فدرءاً لذلك كله قلنا لا ينعزل الوكيل إلا بعد علمه بالعزل، وعلى اختيار الشيخ تقي الدين تكون القاعدة غير مطردة، ذلك لأن الوكيل ينعزل بالعزل وإن لم يرض فرضاه لا يشترط لصحة عزله لكن لا يقع العزل عليه إلا بعلمه فاشترط العلم دون الرضا وهو خلاف نص القاعدة، ولكن البقاء على القاعدة أرجح والله أعلم.
ومنها: الخلع فإذا اتفق الزوج مع أجنبي على أن يدفع له مبلغًا من المال ويخلع زوجته وقبل، وتم الخلع انخلعت الزوجة سواءً علمت بذلك أم لم تعلم؛ لأنه لا يشترط رضاها، فحينئذٍ لا يشترط علمها، وأعني بهذا الفرع إن كانت الحال بينهما غير مستقيمة وأما مع استقامة الحال فلا يجوز لأحدٍ أن يفسد على الزوجين حياتهما، والله أعلم.
ومنها: فسخ البيع في حق من له خيار الشرط يجوز في أي وقتٍ شاء ما دام الخيار باقيًا؛ لأن البيع لم يلزم في حقه وإذا فسخ البيع صح الفسخ وإن لم يعلم الطرف الآخر، ذلك لأن رضاه أصلاً بهذا الفسخ لا يعتبر ومن لا يعتبر رضاه فإنه لا يُعتبر علمه.
ومنها: فسخ العارية، إذا أعرتك شيئًا ثم أردت فسخ العقد واسترجاع العين يجوز ذلك سواءٌ علمت أم لم تعلم، وكذلك الكلام في حق المستعير إذا أراد فسخ العقد ورد العين إلى مالكها صح الفسخ سواءٌ علم المعير بذلك أم لم يعلم لأنه لا يشترط رضاهما بالفسخ ومن لا يشترط رضاه لا يشترط علمه.
ومنها: عقد الرهن، يجوز للمرتهن فسخه متى شاء بأن يرد العين المرهونة للراهن ويصح ذلك ويكون فسخًا لعقد الرهن، سواءٌ علم الراهن أم لم يعلم؛ لأنه لا يشترط رضاه بالفسخ ومن لا يعتبر رضاه فإنه لا يعتبر علمه.
ومنها: صاحب الحق إذا أبرأ الكفيل والضامن برئت ذمتهما.