الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل
فِي التَّعْرِيف بالقصور عَن الاحاطة بِحَقِيقَة معرفَة الله تَعَالَى وَمَعْرِفَة أَسْمَائِهِ ونعوته الجليلة من جَمِيع الْوُجُوه على مُقْتَضى مَا أرشدنا اليه رَبنَا سبحانه وتعالى فِي قَوْله عز وجل {وَلَا يحيطون بِهِ علما} وكما اشْتهر عَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عَليّ ابْن أبي طَالب عليه السلام حَتَّى روته الْخُصُوم عَنهُ وَكفى بِهِ أُسْوَة وسلفا صَالحا فِي ذَلِك كَيفَ وَلَا يعرف لَهُ مُخَالف من أهل عصره وَمن بعدهمْ بل اعْترف الْعَلامَة ابْن أبي الْحَدِيد المعتزلي أَنه قَول لم تزل فضلاء الْعُقَلَاء مائلين اليه وَقد اخْتَرْت ايراد كَلَام الْغَزالِيّ فِي الْمَقْصد الْأَسْنَى فِي شرح اسماء الله الْحسنى لحسن عِبَارَته ووضوح أَمْثَاله فِي ذَلِك فَأَقُول
قَالَ الْغَزالِيّ فِي الْفَصْل الرَّابِع من مُقَدمَات الْمَقْصد الْأَسْنَى وَقد حث على الترقي فِي الْمَرَاتِب الشَّرِيفَة الكمالية من الْعلم وَالرَّحْمَة وَنَحْو ذَلِك مِمَّا فِيهِ تخلق بِبَعْض أَسمَاء الله عز وجل
فان قلت ظَاهر هَذَا الْكَلَام يُشِير إِلَى مشابهة بَين العَبْد وَبَين الله تَعَالَى وَالله تَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء
فَأَقُول مهما عرفت معنى الْمُمَاثلَة المنفية عَن الله تَعَالَى عرفت أَنه لَا مثل لَهُ وَيَنْبَغِي أَن لَا تظن أَن الْمُشَاركَة بِأَيّ لفظ توجب الْمُمَاثلَة أَلا ترى أَن الضدين بَينهمَا غَايَة الْبعد الَّذِي لَا يتَصَوَّر أَن يكون فَوْقه بعد وهما متشاركان فِي أَوْصَاف كَثِيرَة فالسواد يُشَارك الْبيَاض فِي كَونه عرضا وَفِي كَونه مدْركا وَفِي كَونه لونا فِي كَونه مَوْجُودا ومرئيا ومعلوما وَفِي أُمُور أخر إِلَى قَوْله
وَلَو كَانَ الْأَمر كَذَلِك لَكَانَ الْخلق كلهم مشبهة إِذْ لَا أقل من إِثْبَات الْمُشَاركَة فِي الْوُجُود بل الْمُمَاثلَة عبارَة عَن الْمُشَاركَة فِي النَّوْع والماهية فالفرس وَإِن كَانَ بَالغا فِي الكياسة لَا يكون مثلا للانسان لِأَنَّهُ مُخَالف لَهُ بالنوع وَإِنَّمَا يشابهه بالكياسة الَّتِي هِيَ عارضة خَارِجَة عَن الْمَاهِيّة المقومة للذات الانسانية والخاصية الالهية أَنه سُبْحَانَهُ الْمَوْجُود الْوَاجِب الْوُجُود بِذَاتِهِ الَّتِي عَنْهَا يُوجد مَا فِي الامكان وجوده على أحسن الْوُجُوه فِي النظام والكمال وَهَذِه الْخَاصَّة لَا يتَصَوَّر فِيهَا مُشَاركَة أَلْبَتَّة والمماثلة لَا تحصل إِلَّا بهَا فكون العَبْد صبورا شكُورًا لَا يُوجب الْمُمَاثلَة كَكَوْنِهِ سمعيا بَصيرًا عَالما قَادِرًا حَيا فَاعِلا بل أَقُول خاصية الالهية لَيْسَ إِلَّا لله عز وجل وَلَا يعرفهَا إِلَّا الله وَلَا يتَصَوَّر أَن يعرفهَا إِلَّا هُوَ أَو مثله لَو كَانَ لَهُ مثل فحين لم يكن لَهُ مثل فَلَا يعرفهَا غَيره فاذا الْحق مَا قَالَه الْجُنَيْد رَحمَه الله تَعَالَى لَا يعرف الله إِلَّا الله إِلَى قَوْله بل أَزِيد فَأَقُول لَا يعرف أحد حَقِيقَة الْمَوْت وَالْجنَّة وَالنَّار إِلَّا بعد الْمَوْت وَدخُول الْجنَّة وَالنَّار لِأَن الْجنَّة عبارَة عَن أَسبَاب ملذة وَلَو فَرضنَا شخصا لم يدْرك قطّ لَذَّة لم يمكننا أصلا أَن نفهمه الْجنَّة تفهيما يرغبه فِيهَا وَكَذَلِكَ إِذا أدْرك شَيْئا من اللَّذَّات فغايتنا أَن نفهمه الْجنَّة بأعظم مَا ناله من تِلْكَ اللَّذَّات فان كَانَ فِي الْجنَّة لَذَّة مُخَالفَة لهَذِهِ اللَّذَّات فَلَا سَبِيل إِلَى تفهيمها أصلا إِلَّا بالتشبيه بِهَذِهِ الْمُخَالفَة لَهَا كَمَا ذَكرْنَاهُ فِي تَشْبِيه لَذَّة النِّكَاح بحلاوة السكر مَتى طالبنا الصَّغِير وَمن لَا يَشْتَهِي النِّكَاح أَن نعرفه ذَلِك بل الْعبارَة الصَّحِيحَة عَن الْجنَّة أَنَّهَا مَا لَا عين رَأَتْ وَلَا أذن سَمِعت وَلَا خطر على قلب بشر
فَكيف يتعجب من قَوْلنَا لم يحصل أهل السَّمَوَات وَالْأَرْض من معرفَة الله تَعَالَى إِلَّا على الاسماء إِلَى قَوْله فان قلت فاذا لم يعرف حَقِيقَة ذَاته فَهَل تعرف حقائق الاسماء قُلْنَا هَيْهَات ذَلِك لَا يعرفهُ بالكمال إِلَّا هُوَ لأَنا إِذا علمنَا ذاتا عَالِمَة فقد علمنَا شَيْئا مُجملا لَا نَدْرِي مَا حَقِيقَته لَكِن نَدْرِي أَن لَهُ صفة الْعلم فان كَانَت صفة الْعلم مَعْلُومَة لنا حَقِيقَة كَانَ علمنَا بهَا علما تَاما وَإِلَّا فَلَا وَلكنه لَا يعرف أحد حَقِيقَة علم الله إِلَّا من لَهُ مثل علمه وَلَيْسَ ذَلِك إِلَّا لَهُ وَإِنَّمَا يعرفهُ غَيره بالتشبيه بِعلم نَفسه وَعلم الله لَا يُشبههُ علم الْخلق أَلْبَتَّة فَلَا يكون معرفتهم بِعِلْمِهِ معرفَة تَامَّة بل إلهامية تشبيهية فَلَا تعجبن من
هَذَا بل أَقُول لَا يعرف السَّاحر إِلَّا السَّاحر نَفسه أَو سَاحر مثله أَو فَوْقه انْتهى كَلَامه
وَالْقَصْد تقريب الافهام من معنى قَول الله سُبْحَانَهُ {وَلَا يحيطون بِهِ علما} وَعَن أَمِير الْمُؤمنِينَ عليه السلام فِي عجز الْعُقُول عَن ذَلِك امْتنع عَنْهَا بهَا واليها حاكمها وَقد ذكرت كَلَام الْعَلامَة ابْن أبي الْحَدِيد المعتزلي عَنْهَا فِي ذَلِك وأشعاره ومبالغته فِي نصرته قَرِيبا وَكَذَلِكَ نض الامام الْمُؤَيد بِاللَّه يحيى بن حَمْزَة فِي شَرحه لنهج البلاغة وَاحْتج بِكَلَامِهِ عليه السلام على ضعف كَلَام أبي هَاشم
وَحكى الرَّازِيّ قَول عَليّ عليه السلام عَن جُمْهُور الْمُحَقِّقين وَابْن أبي الْحَدِيد عَن فضلاء الْعُقَلَاء وَهُوَ قَول الباقلاتي وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ الْجُوَيْنِيّ والكيا الهراسي وَالْغَزالِيّ والصوفية حكى ذَلِك الزَّرْكَشِيّ فِي شرح جمع الْجَوَامِع وجود الْكَلَام احتجاجا وجوابا وَقد نقلته وزدت عَلَيْهِ فِي تَرْجِيح أساليب الْقُرْآن وَيدخل فِيمَا ذكرته مَسْأَلَة الْقُرْآن وَمَسْأَلَة الرُّؤْيَة وَقد بسطت القَوْل فيهمَا فِي العواصم فِي المجلد الثَّانِي فِي مِقْدَار ثَمَانِينَ ورقة وجودت القَوْل فِي أَدِلَّة الْفَرِيقَيْنِ على الانصاف وَللَّه الْحَمد وتقصيت كَلَام أهل المعقولات ومعارضة بَعضهم بَعْضًا ونقلته من كتبهمْ الحافلة الَّتِي هِيَ النِّهَايَة فِي ذَلِك ليخرج الْوَاقِف على ذَلِك من ظلمات التَّقْلِيد والعصبية وَهُوَ يَأْتِي جُزْءا مُفردا لمن أحب أَن يضمه إِلَى هَذَا أَو مجلدا وَاحِدًا مَعَ هَذَا لمن أحب
وَيلْحق بِهَذَا الاشارة إِلَى مَذْهَب أهل السّنة فِي معنى قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} قَالُوا المُرَاد نفي التَّشْبِيه بتعظيم الاسماء الْحسنى واثباتها لَا بنفيها كَمَا قَالَت القرامطة مِثَاله أَنه عليم لَا يعرب عَن علمه شَيْء وَلَا يَزُول علمه وَلَا يتَغَيَّر وَلَا يكْتَسب بِالنّظرِ الَّذِي يجوز فِيهِ الْخَطَأ وَيتَعَلَّق بالماضي والمستقبل والغيب وَالشَّهَادَة وَيعلم خَائِنَة الاعين وَمَا تخفي الصُّدُور وَلَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم وأمثال ذَلِك فِي كل اسْم
وَيدل على قَوْلهم وُجُوه الأول قَوْله فِي آخر الْآيَة {وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير} وَهُوَ أوضح دَلِيل على ذَلِك الثَّانِي تمدحه تَعَالَى بِكُل اسْم على انْفِرَاده الثَّالِث قَوْله تَعَالَى {وَللَّه الْمثل الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم} وَقَوله تَعَالَى {وَله الْمثل الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَهُوَ الْعَزِيز الْحَكِيم} أَي الْوَصْف الاعلى على أَلْسِنَة أهل السَّمَوَات والارض وَهُوَ كَمَال الثَّنَاء بأسمائه الْحسنى كَمَا ذكره الْمُفَسِّرُونَ وَالْقُرْآن يُفَسر بعضه بَعْضًا وَأما نفي الاسماء عَنهُ وتأويلها فَلَا يدل عَلَيْهِ عقل وَلَا سمع بل هُوَ خلاف الْمَعْلُوم ضَرُورَة من الدّين وَلَيْسَ فِيهِ من الشُّبْهَة غير تسميتهم لَهُ تَنْزِيها وَهُوَ اسْم حسن على مُسَمّى قَبِيح فَالْوَاجِب تَنْزِيه الله تَعَالَى مِنْهُ
الرَّابِع اجماع أهل الاسلام على مدحه تَعَالَى باثبات الاسماء الْحسنى لَا بنفيها فان تَسْمِيَة الْمَلَاحِدَة نَفيهَا تَنْزِيها لله تَعَالَى من مكائدهم للاسلام وَالْمُسْلِمين وَكم فعلت الزَّنَادِقَة فِي الاسلام من نَحْو ذَلِك يسترون قبائح عقائدهم بتحسين الْعبارَات قَاتلهم الله تَعَالَى وَبِذَلِك تمّ الْكَلَام فِي الذَّات والاسماء الْحسنى وَالله الْهَادِي وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل ويتلوه الْكَلَام فِي الْحِكْمَة والمشيئة وَالْقَضَاء وَالْقدر وأفعال الْعِبَادَة وتمكينهم والاسماء الدِّينِيَّة والوعد والوعيد والتكفير والتفسيق وَمَا يجب من حب الْقَرَابَة وَالصَّحَابَة وَسَائِر الْمُؤمنِينَ
تمّ الْجُزْء الْمُبَارك من إِيثَار الْحق على الْخلق وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَصلى الله على سيدنَا مُحَمَّد وعَلى آله وَصَحبه أَجْمَعِينَ وَسلم