المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل في الارشاد إلى طريق المعرفة لصحيح التفسير - إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات

[ابن الوزير]

الفصل: ‌فصل في الارشاد إلى طريق المعرفة لصحيح التفسير

‌فصل فِي الارشاد إِلَى طَرِيق الْمعرفَة لصحيح التَّفْسِير

وَأَصَح التفاسير عِنْد الِاخْتِلَاف بطرِيق وَاضح لَا يشك أهل الانصاف فِي حسن التَّنْبِيه عَلَيْهِ والاشاد اليه

اعْلَم ان كتاب الله تَعَالَى لما كَانَ مفزع الطَّالِب للحق بعد الايمان وَكَانَ مَحْفُوظًا كَمَا وعد بِهِ الرَّحْمَن وَدخل الشَّيْطَان على كثير من طَرِيق تَفْسِيره وَعدم الْفرق بَين التَّفْسِير والتحريف والتأويل والتبديل وَلَو كَانَ لكل مُبْتَدع ان يحملهُ على مَا يُوَافق هَوَاهُ بَطل كَونه فرقا بَين الْحق وَالْبَاطِل وَقد ثَبت انه يقذف بِالْحَقِّ على الْبَاطِل فيدمغه فاذا هُوَ زاهق وَهَذَا لَا يتم إِلَّا بحراسته من دعاوى المبطلين فِي تصرفاتهم واحتيالهم على التشويش فِيهِ وَلبس صوادعه وقواطعه بخوافيه وَهَذِه هَذِه فليهتم الْمُعظم لَهُ بمعرفتها ويتأملها حق التَّأَمُّل ويتعرف على أَسبَابهَا مِمَّن قد مارسها وَقد أوضحتها فِيمَا تقدم من هَذَا الْمُخْتَصر وَذكرت الصُّور الابع الَّتِي يغلط فِيهَا كثير من الْمُتَكَلِّمين فِي اعْتِقَاد وجوب التَّأْوِيل بِسَبَبِهَا أَو بَعْضهَا فتأملها وجود النّظر فِي ذَلِك الْفَصْل الَّذِي ذكرتها فِيهِ

فاذا عرفت ذَلِك فَلَا غنى عَن معرفَة مَرَاتِب الْمُفَسّرين حَيْثُ يكون التَّفْسِير رَاجعا إِلَى الرِّوَايَة ثمَّ مَرَاتِب التَّفْسِير حَيْثُ يكون التَّفْسِير رَاجعا إِلَى الدِّرَايَة

أما مَرَاتِب الْمُفَسّرين فَخَيرهمْ الصَّحَابَة رضي الله عنهم لما ثَبت من الثَّنَاء عَلَيْهِم فِي الْكتاب وَالسّنة ولان الْقُرْآن أنزل على لغتهم فالغلط أبعد عَنْهُم من غَيرهم ولانهم سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَآله عَمَّا أشكل عَلَيْهِم وَأَكْثَرهم تَفْسِيرا حبر الامة وبحرها عبد الله بن عَبَّاس رضي الله عنهما وَقد جمع

ص: 146

عَنهُ تَفْسِير كَامِل وَلم يتَّفق مثل ذَلِك لغيره من الصَّدْر الأول الَّذين عَلَيْهِم فِي مثل ذَلِك الْمعول وَمَتى صَحَّ الاسناد اليه كَانَ تَفْسِيره من أصح التفاسير مقدما على كثير من الائمة الجماهير وَذَلِكَ لوجوه أَولهَا أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَآله دَعَا لَهُ بالفقه فِي الدّين وَتَعْلِيم التَّأْوِيل أَي التَّفْسِير كَمَا تقدم تَقْرِيره فِي الْكَلَام على الْمُتَشَابه وَصَحَّ ذَلِك واشتهر عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَله طرق فِي مجمع الزَّوَائِد وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو مَسْعُود فِي أَطْرَافه انه مِمَّا أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم بِكَمَالِهِ وَفِيهِمَا من غير طَرِيق أبي مَسْعُود عِنْد سَائِر الروَاة اللَّهُمَّ علمه الْكتاب وَالْحكمَة وَفِي رِوَايَة اللَّهُمَّ فقهه فِي الدّين وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ أَنه رأى جِبْرِيل عليه السلام مرَّتَيْنِ ودعا لَهُ النَّبِي صلى الله عليه وسلم بالحكمة مرَّتَيْنِ وَيَنْبَغِي معرفَة سَائِر مناقبه مَعَ ذَلِك فِي موَاضعهَا وَلَوْلَا خوف الاطالة لذكرتها

وَثَانِيها أَن الصَّحَابَة اتَّفقُوا على تَعْظِيمه فِي الْعلم عُمُوما وَفِي التَّفْسِير خُصُوصا وسموه الْبَحْر والحبر وشاع ذَلِك فيهم من غير نَكِير وَظَهَرت إِجَابَة الدعْوَة النَّبَوِيَّة فِيهِ وقصة عمر مَعَه رضي الله عنهما مَشْهُورَة فِي سَبَب تَقْدِيمه وتفضيله على من هُوَ أكبر مِنْهُ من الصَّحَابَة وامتحانه فِي ذَلِك

وثالثهما كَونه من أهل بَيت النُّبُوَّة ومعدن الرسَالَة وَسَتَأْتِي الاشارة إِلَى مناقبهم الغزيرة فِي آخر الْمُخْتَصر فَيكون الْمُعظم لَهُ والموفى لَهُ حَقه فِي ذَلِك قد قَامَ بِحَق الثقلَيْن وَعمل بِالْوَصِيَّةِ النَّبَوِيَّة فيهمَا

ورابعهما أَنه ثَبت عَنهُ إِن كَانَ لَا يَسْتَحِيل التَّأْوِيل بِالرَّأْيِ روى عَنهُ أَنه قَالَ من قَالَ فِي الْقُرْآن بِرَأْيهِ فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار وَفِي رِوَايَة بِغَيْر علم رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْعلم وَالنَّسَائِيّ فِي فَضَائِل الْقُرْآن وَالتِّرْمِذِيّ فِي التَّفْسِير وَقَالَ حَدِيث حسن وَشَرطه فِيمَا قَالَ فِيهِ حَدِيث حسن ان يَأْتِي من غير طَرِيق

وخامسها أَن الطّرق اليه مَحْفُوظَة مُتَّصِلَة غير مُنْقَطِعَة فصح مِنْهَا تَفْسِير نَافِع ممتع وَلذَلِك خصصته بِالذكر وَإِن كَانَ غَيره أكبر مِنْهُ وأقدم وَأعلم وَأفضل مثل عَليّ بن أبي طَالب عليه السلام من جنسه وَأَهله وَغَيره من أكَابِر الصَّحَابَة رضي الله عنهم لَكِن ثُبُوت التَّفْسِير عَنْهُم قَلِيل بِالنّظرِ اليه رضي الله عنهم أَجْمَعِينَ

ص: 147

ثمَّ الْمرتبَة الثَّانِيَة من الْمُفَسّرين التابعون وَمن أشهر ثقاتهم المصنفين فِي التَّفْسِير مُجَاهِد بن جبر الْمَكِّيّ وَعَطَاء بن أبي رَبَاح وَقَتَادَة بن دعامة وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَأَبُو الْعَالِيَة رفيع بن مهْرَان وَمُحَمّد بن كَعْب الْقرظِيّ وَزيد بن أسلم وَكلهمْ مخرج عَنْهُم الحَدِيث فِي دواوين الاسلام السِّتَّة وَغَيرهَا والاسانيد اليهم بتفاسيرهم مُتَّصِلَة كَمَا ذكره الْبَغَوِيّ فِي أول تَفْسِيره وَغَيره وَقد نقم على بَعضهم أَشْيَاء سهلة لَكِن يَنْبَغِي التيقظ لَهَا عِنْد التَّعَارُض وَالِاخْتِلَاف فان مثلهَا يُؤثر فِي التَّرْجِيح فَينْظر تراجمهم فِي تذكرة الذَّهَبِيّ وميزانه وأبسط مِنْهُمَا تَهْذِيب شَيْخه الْمزي وَكتابه النبلاء وأمثالها من كتب الرِّجَال وتواريخ عُلَمَاء الاسلام وَيلْحق بهؤلاء عِكْرِمَة مولى ابْن عَبَّاس وَهُوَ دونهم لوُقُوع الْخلاف فِيهِ فان الْخلاف فِيهِ كثير بَين الصَّدْر الأول لَكِن أَكْثَره رَاجع إِلَى اعْتِقَاده لِأَنَّهُ كَانَ ينْسب إِلَى رَأْي الْخَوَارِج فَيكون على مَا يدل على مَذْهَب الْخَوَارِج أَضْعَف

وَقد صنف جمَاعَة فِي الذب عَنهُ وجود ابْن حجر فِي ذَلِك فِي مُقَدّمَة شرح البُخَارِيّ لِأَن البُخَارِيّ احْتج بِهِ وَأهل السّنَن وَالْأَكْثَرُونَ وتجنبه الامام مَالك وَمُسلم فِي صَحِيحه ثمَّ بعده مقَاتل بن حَيَّان وَمُحَمّد بن زيد مهَاجر احْتج بهما مُسلم وَأهل السّنَن دون البُخَارِيّ وَتكلم فيهمَا بَعضهم بِغَيْر حجَّة بَيِّنَة ثمَّ عَليّ بن أبي طَلْحَة وَهُوَ قريب مِنْهُ احْتج بِهِ مُسلم وَأهل السّنَن لَكِن قَالَ أَحْمد لَهُ أَشْيَاء مُنكرَات وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان وَقد رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس تَفْسِيرا كثيرا ممتعا وَالصَّحِيح عِنْدهم أَن رِوَايَته عَن مُجَاهِد عَن ابْن عَبَّاس وَإِن كَانَ يرسلها عَن ابْن عَبَّاس فمجاهد ثِقَة يقبل وَقد يعضد تَفْسِيره وَتَفْسِير أَمْثَاله بمفهومات من الْقُرْآن مثل تَفْسِيره لتقدير يَوْم الْقِيَامَة بِخَمْسِينَ الف سنة عَن ابْن عَبَّاس أَنه فِي حق الْكَافِر وَذَلِكَ يعتضد بقوله تَعَالَى {وَكَانَ يَوْمًا على الْكَافرين عسيرا} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {على الْكَافرين غير يسير} وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَقُول الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْم عسر}

ص: 148

وبأحاديث مَرْفُوعَة فِي ذَلِك مِنْهَا مَا رَوَاهُ الْبَغَوِيّ من طَرِيق ابْن ابي لَهِيعَة عَن أبي السَّمْح عَن أبي الْهَيْثَم عَن أبي سعيد وَمِنْهَا مَا يَأْتِي الْآن فِي النَّوْع الثَّالِث من مَرَاتِب التَّفْسِير ثمَّ السّديّ الْكَبِير يرْوى عَن ابْن عَبَّاس وطبقته بعد هَؤُلَاءِ وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ وَهُوَ اسماعيل بن عبد الرَّحْمَن الْقرشِي الْكُوفِي وَحَدِيثه عِنْد مُسلم وَأهل السّنَن الْأَرْبَعَة وَهُوَ تَابِعِيّ شيعي وَرُبمَا كَانَ الْكَلَام فِيهِ لمذهبه عِنْد من يُخَالِفهُ وَأما السّديّ الصَّغِير مُحَمَّد بن مَرْوَان عَن الاعمش فواه جدا وَمِنْهُم مُحَمَّد بن سُلَيْمَان الانباري أحد مَشَايِخ أبي دَاوُد ورواة سنَنه وَمِنْهُم عَطِيَّة الْعَوْفِيّ عَن أبي سعيد فِيهِ ضعف وَكَذَلِكَ مُحَمَّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ وَمُقَاتِل بن سُلَيْمَان واهيان لَا سِيمَا مقَاتل بن سُلَيْمَان فقد كذبه غير وَاحِد وَلم يوثقه أحد واشتهر عَنهُ التجسيم والتشبيه وَلذَلِك لم يرو عَنهُ من أهل الْكتب السِّتَّة إِلَّا النَّسَائِيّ قَالَ كَانَ لَا يكذب يَعْنِي لَا يتَعَمَّد الْكَذِب وَأثْنى عَلَيْهِ بَعضهم بِمَعْرِِفَة التَّفْسِير وَأما الْكَلْبِيّ فروى عَنهُ التِّرْمِذِيّ وَحده وَلم يوثقه أحد

وَكَذَلِكَ تنبغي معرفَة من جرح وَكذب من متأخري الْمُفَسّرين مثل أبي بكر مُحَمَّد بن الْحسن النقاش توفّي عَام 351

وَإِنَّمَا سقت لَك ذكرهم لما قيل أَن الْمُفَسّرين أَكْثرُوا من حِكَايَة الاقوال الْمُخْتَلفَة وَالْحق يضيع بَين قَوْلَيْنِ فَصَاعِدا فأرشدت إِلَى طرف من التَّرْجِيح عِنْد الِاخْتِلَاف وَبَقِيَّة الْمُفَسّرين مذكورون فِي كتب الرِّجَال وَلَكِن الْمدَار على من ذكرت فِي الْأَكْثَر فَهَذِهِ مَرَاتِب الْمُفَسّرين فِيمَا يرجع من التَّفْسِير إِلَى الرِّوَايَة

وَأما مَرَاتِب التَّفْسِير فِيمَا يرجع مِنْهُ إِلَى الدِّرَايَة فَهِيَ ترجع إِلَى سَبْعَة أَنْوَاع النَّوْع الأول تَفْسِير المتكررات تكريرا كثيرا مثل آيَات الاسماء الربانية وَالصِّفَات والمشيئة والاسماء الْمَعْرُوفَة بالدينية وَهِي الاسلام وَالْإِيمَان والاحسان والمسلمون والمؤمنون والمحسنون وَكَذَلِكَ أَسمَاء الظَّالِمين والفاسقين والكافرين وَسَائِر مَا يتَعَلَّق بالاعتقاد وَيحْتَاج إِلَى مزِيد بحث وانتقاد مِمَّا تورد فِيهِ الادلة والشبه والورود والمعارضات

ص: 149

وَهَذَا الْقسم يَنْبَغِي أَن يكون مُفردا فِي مُقَدمَات التَّفْسِير حَتَّى يشْبع فِيهِ الْكَلَام من غير تَكْرِير أَو يُؤْخَذ من مظانه من كتب الِاعْتِقَاد على الصّفة الَّتِي أَشرت اليها فِي أول هَذَا الْمُخْتَصر فِي الانصاف وَمَعْرِفَة أَدِلَّة الْجَمِيع وَفِي هَذَا الْمُخْتَصر من ذَلِك كِفَايَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمَا هُوَ إِلَّا كالمقدمة للتفسير فان اشْتبهَ الصَّوَاب على أحد فِي هَذَا الْقسم أَو خَافَ وُقُوع فتْنَة من الْخَوْض فِيهِ والبحث عَنهُ والمناظرة ترك ذَلِك وَكَفاهُ الايمان الْجملِي لما ثَبت فِي حَدِيث جُنْدُب بن عبد الله عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ (اقرأوا الْقُرْآن مَا أتلفت عَلَيْهِ قُلُوبكُمْ فاذا اختلفتم فَقومُوا عَنهُ) رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا وَله شَوَاهِد قدر خَمْسَة عشر حَدِيثا وَالْمرَاد الِاخْتِلَاف مَعَ التعادي والتفرق كَمَا هُوَ عَادَة أهل الْكَلَام دون الِاخْتِلَاف مَعَ التوالي والتصويب كَمَا هُوَ عَادَة الْفُقَهَاء وَسَائِر أهل الْعُلُوم وَذَلِكَ لما فِي حَدِيث عمر مَعَ هِشَام ابْن حَكِيم فِي اخْتِلَافهمَا فِي الْقِرَاءَة وَتَقْرِير النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَهما على الِاخْتِلَاف فِي الْقِرَاءَة ونهيهما عَن الِاخْتِلَاف فِي التخطئة والمناكرة خرجه الْجَمَاعَة وَهُوَ متواتر أَو مَشْهُور عِنْد أَئِمَّة الحَدِيث فقد رَوَاهُ ثَمَانِيَة عشر صحابيا وَمَا تقدم من حَدِيث جُنْدُب وشواهده مِمَّا هُوَ زِيَادَة بَيَان بعد قَوْله تَعَالَى {وَلَا تفَرقُوا} وأمثالها وَهِي كَافِيَة شافية مغنية عَن الاحاديث لَكِن فِي اجْتِمَاع الْكتاب وَالسّنة قُرَّة عُيُون الْمُؤمنِينَ وطمأنينة قُلُوب الموقنين وَفِي البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ عَن ابْن مَسْعُود نَحوه وَقد أَشَارَ إِلَى هَذَا مُحَمَّد بن مَنْصُور الْكُوفِي وصنف فِيهِ كتاب الْجُمْلَة والالفة وَذكره عَن الكبراء من عُلَمَاء العترة وَغَيرهم وَأنكر على أهل الْكَلَام مَا اختصوا بِهِ من التعادي عِنْد الِاخْتِلَاف فِي الدقائق الْخفية وَهَذَا عَارض هُنَا وَلَيْسَ هُوَ مَوْضِعه

النَّوْع الثَّانِي تَفْسِير الْقُرْآن بِالْقُرْآنِ وَذَلِكَ حَيْثُ يتَكَرَّر فِي كتاب الله تَعَالَى ذكر الشَّيْء وَيكون بعض الْآيَات أَكثر بَيَانا وتفصيلا وَقد جمع من هَذَا الْقَبِيل تَفْسِير مُفْرد ذكره الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي شرح الْعُمْدَة وَلم اقف عَلَيْهِ وَقد يذكر الْمُفَسِّرُونَ مِنْهُ أَشْيَاء مُتَفَرِّقَة فَمِنْهُ تَفْسِير قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة الْمُؤمن {وَإِن يَك صَادِقا يصبكم بعض الَّذِي يَعدكُم}

ص: 150

بِأَنَّهُ الْعَذَاب الْأَدْنَى الْمُعَجل فِي الدُّنْيَا لقَوْله سُبْحَانَهُ فِي آخر هَذِه السُّورَة {فإمَّا نرينك بعض الَّذِي نعدهم أَو نتوفينك فإلينا يرجعُونَ} وَقد تكَرر هَذَا فِي كتاب الله تَعَالَى وَمِنْه تَفْسِير {فصل لِرَبِّك وانحر} بقوله تَعَالَى {إِن صَلَاتي ونسكي ومحياي} وَنَحْو ذَلِك وَمِنْه تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {وَيُرِيد الَّذين يتبعُون الشَّهَوَات أَن تميلوا ميلًا عَظِيما} بِأَهْل الْكتاب كَقَوْل مُجَاهِد لقَوْله تَعَالَى {ألم تَرَ إِلَى الَّذين أُوتُوا نَصِيبا من الْكتاب يشْتَرونَ الضَّلَالَة ويريدون أَن تضلوا السَّبِيل} ويقويه ان عصاة الْمُسلمين لَا يُرِيدُونَ فجور صالحيهم وَالْآيَة وَردت بضمير الْغَائِب فِي المريدين وَضمير الْخطاب فِي المائلين فقوى ذَلِك وَمِنْه تَفْسِير {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} بقوله {وَمَا أَصَابَكُم من مُصِيبَة فبمَا كسبت أَيْدِيكُم وَيَعْفُو عَن كثير} فَقَوله فِيهَا وَيَعْفُو عَن كثير مُخَصص لعُمُوم من يعْمل سوءا يجز بِهِ ومقيد لاطلاقها كَأَنَّهُ قَالَ الا أَن يعْفُو بِدَلِيل هَذِه الْآيَة مثل مَا انها مخصصة بآيَات التَّوْبَة فانه مُقَدّر فِيهَا إِلَّا أَن يتوبوا بالاجماع وبالنصوص فِي التائبين وَهَذِه الْآيَة دَالَّة على اشْتِرَاط عدم الْعَفو وعَلى اعْتِبَار مصائب الدُّنْيَا فِي عَذَاب الْمُسلمين ووعيدهم كَمَا دلّ على ذَلِك حَدِيث عَليّ عليه السلام فِي تَفْسِيرهَا وَحَدِيث أبي بكر رضي الله عنه فِي تَفْسِير {من يعْمل سوءا يجز بِهِ} وَلذَلِك طرق شَتَّى وَفِيه أَحَادِيث كَثِيرَة مجمع على مَعْنَاهَا وَأَحَادِيث الْحَسَنَة بِعشر أَمْثَالهَا أَو أَزِيد والسيئة بِمِثْلِهَا أَو أعفو وطرقه صَحِيحَة كَثِيرَة كَمَا يَأْتِي فِي مَسْأَلَة الْوَعْد والوعيد

وَمِنْه حمل الْمُطلق على الْمُقَيد وَالْعَام على الْخَاص كنفي الْخلَّة والشفاعة فِي آيَة مُطلقًا وَقد اسْتثْنى الله الْمُتَّقِينَ من نفي الْخلَّة فِي قَوْله تَعَالَى {الأخلاء يَوْمئِذٍ بَعضهم لبَعض عَدو إِلَّا الْمُتَّقِينَ}

ص: 151

) وَاسْتثنى مَا أذن فِيهِ من الشَّفَاعَة بقوله فِي آيَة {من بعد أَن يَأْذَن الله لمن يَشَاء ويرضى}

وَمِنْه الْجمع بَين مَا يتَوَهَّم أَنه مُخْتَلف كخلق بني آدم من تُرَاب كَمَا فِي الْكَهْف وَمن طين فِي غير آيَة وَهُوَ تُرَاب مختلط بِالْمَاءِ فَفِيهِ زِيَادَة على التُّرَاب الْمُطلق وَكَذَلِكَ خلقه من صلصال فانه أخص من الْجَمِيع لِأَنَّهُ طين مَخْصُوص وَمِنْه تَقْدِيم الْمَنْطُوق على الْمَفْهُوم وَأوجب مِنْهُ تَقْدِيم تَفْصِيل القَوْل الْمَنْطُوق على عُمُوم الْمَفْهُوم لِأَن الْخَاص يقدم على الْعَام الْمَنْطُوق فَكيف لَا يقدم على عُمُوم الْمَفْهُوم

النَّوْع الثَّالِث التَّفْسِير النَّبَوِيّ وَهُوَ مَقْبُول بِالنَّصِّ والاجماع قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا آتَاكُم الرَّسُول فَخُذُوهُ وَمَا نهاكم عَنهُ فَانْتَهوا} وَقَالَ {لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم} وَفِي الحَدِيث لَا يَأْتِي رجل مترف متكئ على أريكته يَقُول لَا أعرف إِلَّا هَذَا الْقُرْآن مَا أحله أحللته وَمَا حرمه حرمته إِلَّا واني أُوتيت الْقُرْآن وَمثله مَعَه أَلا وان الله حرم كل ذِي نَاب من السبَاع ومخلب من الطير وَيدل على ذَلِك أَن الاجماع قد انْعَقَد على نسخ وجوب الْوَصِيَّة للوارثين بِحَدِيث لَا وَصِيَّة لوَارث وَهُوَ حَدِيث حسن وَإِذا وَجب قبُول ذَلِك فِي نسخ فَرِيضَة منصوصة فِيهِ فَكيف بِسَائِر الْبَيَان والتخصيص وقبوله فِي نسخ وجوب الْوَصِيَّة اجماع العترة وَالْأمة

وَقد اشْتَمَلت على ذَلِك الصِّحَاح وَالسّنَن وَالْمَسَانِيد وَجمع بِحَمْد الله تَعَالَى وجمعت مِنْهُ الَّذِي فِي جَامع الاصول وَمجمع الزَّوَائِد ومستدرك الْحَاكِم أبي عبد الله وَيلْحق بذلك أَسبَاب النُّزُول وَقد أفرده الواحدي وَغَيره بالتأليف وَهُوَ مُفِيد جدا لِأَن الْعُمُوم الْوَارِد على سَبَب مُخْتَلف فِي تعديه عَن سَببه وَهُوَ نَص فِي سَببه ظَنِّي فِي غَيره وَقد يقصر عَلَيْهِ بالاجماع كَمَا ثَبت فِي قَوْله تَعَالَى فِي ذمّ الَّذين يفرحون بِمَا أَتَوا عَن ابْن عَبَّاس أَنَّهَا نزلت فِي الْيَهُود وفرحهم بِمَا أَتَوا من التَّكْذِيب بِالْحَقِّ فلولا ذَلِك أشكلت وتناولت من فَرح

ص: 152

بِمَا عمله من الْخَيْر وَقد صَحَّ أَن الْمُؤمن من سرته حسنته وساءته سيئته والفرح بِالْخَيرِ وَالطَّاعَة من ضروريات الطباع والعقول

وَمِنْه تَفْسِير {والفتنة أَشد من الْقَتْل} سَببهَا وَهُوَ فتْنَة من أسلم حَتَّى يعود إِلَى الشّرك وَلَوْلَا ذَلِك وَقع الْغَلَط الْفَاحِش فِي مَوَاضِع كَثِيرَة وَمِنْه تَخْصِيص العمومات مثل تَحْرِيم الصَّلَاة على الْحَائِض وَسَائِر مَا فِي السّنَن من أَحْكَام الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَالصِّيَام وَالْحج وشروط قطع السَّارِق وَنَحْو ذَلِك واستيعابه فِي التفاسير غير مُعْتَاد

وَمِنْه تَقْدِيم ذَوي السِّهَام على الْعَصَبَات وَمنع الْكَافِر من مِيرَاث الْمُسلم وَعَكسه واسقاط الْأَقْرَب للأبعد من الْعَصَبَات والاقوى للأضعف

وَمِنْه الْجمع بَين آيتي الْكَلَالَة فان الاولى فِي الاخوة من الام والاخرى فِيمَن عداهم وأمثال ذَلِك مِمَّا لَا غنى عَنهُ ولابد وَلَا خلاف فِيهِ

وَمِنْه الزِّيَادَة فِي الْبَيَان كَصَلَاة الْخَوْف وَالْبَغوِيّ مكثر من هَذَا وَهُوَ أَمر مجمع عَلَيْهِ وَدَلِيل على المبتدعة حَيْثُ يمْنَعُونَ من بَيَان السّنة لِلْقُرْآنِ

وَمِنْه مَا يتقوى بالشواهد ومفهومات من الْقُرْآن كَحَدِيث أبي سعيد فِي تَخْفيف طول يَوْم الْقِيَامَة على الْمُؤمن كَمَا تقدم الان من رِوَايَة الْبَغَوِيّ وَقد أخرجه أَحْمد وَأَبُو يعلى بِسَنَد الْبَغَوِيّ الْمُقدم وَحسنه الهيثمي لشواهده وَذكر مثله عَن أبي هُرَيْرَة وَابْن عمر وبسندين جَيِّدين وَعَن ابْن عَمْرو أَيْضا باسناد فِيهِ رجل لم يعرف وَقد تقدّمت شواهده من الْقُرْآن

النَّوْع الرَّابِع الْآثَار الصحابية الْمَوْقُوفَة عَلَيْهِم وأجودها مَا لَا تمكن مَعْرفَته بِالرَّأْيِ سَوَاء رَجعْنَا بِالرَّأْيِ إِلَى الْعقل أَو إِلَى الاستنباط من اللُّغَة وَقد كَانَت عَادَتهم الاشعار بِالرَّأْيِ فِي ذَلِك وَأَمْثَاله كَمَا ذكره أَبُو بكر رضي الله عنه حِين فسر الْكَلَالَة بِرَأْيهِ ذكره الْبَغَوِيّ وَغَيره

وَقد ذكر السَّيِّد أَبُو طَالب عليه السلام فِي المجزى ان عَادَتهم الاشعار بِالرَّأْيِ فاذا جزموا بِالتَّحْرِيمِ وَنَحْوه كَانَ دَلِيلا على رَفعه وَكَذَلِكَ ذهب كثير من الْمُفَسّرين إِلَى مثل ذَلِك فِي تفاسيرهم المجزومة لَا سِيمَا من ثَبت عَنهُ تَحْرِيم

ص: 153

التَّفْسِير بِالرَّأْيِ كَابْن عَبَّاس رضي الله عنه وَلذَلِك اشْتَمَلت على هَذَا النَّوْع من تفاسيرهم تفاسير أهل السّنة لَكِن يحْتَاج إِلَى معرفَة الاسناد اليهم فِيمَا لم يكن مصححا عَنْهُم فِي دواوين الاسلام الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة وَمن مظان ذَلِك الْمُسْتَدْرك للْحَاكِم فَفِيهِ من ذَلِك الْكثير الطّيب وَقد نقلته بِحَمْد الله مَعَ التَّفْسِير النَّبَوِيّ

النَّوْع الْخَامِس مَا يتَعَلَّق باللغة والعربية على جِهَة الْحَقِيقَة فَأَما المتعلقات اللُّغَوِيَّة فَهِيَ جلية وَقد صنف فِيهَا مصنفات مختصرة على جِهَة التَّقْرِيب مثل كتاب العزيزي وَلَيْسَ فِيهِ تَنْقِيح كثير وأوضح مِنْهُ وأخصر كتاب أبي حَيَّان فِي ذَلِك لكنه رُبمَا أهمل بعض مَا يحْتَاج اليه وَالْمُعْتَمد فِي ذَلِك كتب اللُّغَة البسيطة دون مَا يُؤْخَذ من كثير من الْمُفَسّرين كَمَا ذكره أَبُو حَيَّان فِي أول كِتَابه وَنبهَ عَلَيْهِ

وَأما الْعَرَبيَّة فقد جود أَبُو حَيَّان فِي ذَلِك وَجمع الَّذِي فِي تَفْسِيره فجَاء كتابا جيدا مُسْتقِلّا وَهُوَ الْمَعْرُوف بالمجيد فِي اعراب الْقُرْآن الْمجِيد وَقد اشْتَمَل على مَا فِي الْكَشَّاف مَعَ زِيَادَة أضعافه وَيَنْبَغِي التَّنْبِيه فِي هَذَا النَّوْع لتقديم الْمَعْرُوف الْمَشْهُور على الشاذ وَتَقْدِيم الْحَقِيقَة الشَّرْعِيَّة ثمَّ الْعُرْفِيَّة ثمَّ اللُّغَوِيَّة وَمَعْرِفَة الْمُشْتَرك لما فِيهِ من الاجمال وَأخذ بَيَانه من غَيره كتفسير عسعس بادبر لَان عسعس مُشْتَرك بَين اقبال اللَّيْل وادباره وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَاللَّيْل إِذْ أدبر} وَفِي قِرَاءَة إِذا أدبر فَدلَّ على ان أفضل اللَّيْل السحر كَمَا دلّت على هَذَا أَشْيَاء كَثِيرَة فيفسر بذلك عسعس وان كَانَ مُشْتَركا ويتفطن هُنَا لامور

أَحدهَا الحذر من تَفْسِير الْمُشْتَرك بكلا معنييه كتفسير عسعس بِأول اللَّيْل وَآخره كَمَا توهم مثل ذَلِك فِي الالفاظ الْعَامَّة فانه لم يتَحَقَّق وُرُود اللُّغَة بذلك وَلذَلِك لم يقل أحد بِاعْتِبَار ثَلَاث حيض وَثَلَاثَة أطهار جَمِيعًا فِي الْعدة لما كَانَت القروء مُشْتَركَة

وَثَانِيها معرفَة مَا يظنّ انه حَقِيقَة وَهُوَ مجاوز من مظانه كتاب أساس

ص: 154

البلاغة للزمخشري فانه جود القَوْل فِيهِ بل لَا أعلم أحدا بَين ذَلِك كَمَا بَينه وَلذَلِك قيل انه من روائع مصنفاته وبدائع مخترعاته فاذا عرفت حَقِيقَة الْكَلِمَة ومجازها لم يُفَسر فيهمَا مَعًا أَيْضا

وَثَالِثهَا الْفرق بَين دلَالَة الْمُطَابقَة والتضمن والالتزام فالمطابقة هِيَ اللُّغَوِيَّة دونهمَا وَهِي دلَالَة اللَّفْظ على مَعْنَاهُ الْمَوْضُوع لَهُ كدلالة غسل أَعْضَاء الْوضُوء عَلَيْهَا جملَة وان دلّ اللَّفْظ على جُزْء الْمَعْنى فَهُوَ التضمن كدلالة آيَة الْوضُوء على غسل الْعين لانها بعض الْوَجْه وَمَا تَحت الاظفار والخاتم لانه بعض الْيَد وان دلّ اللَّفْظ على لَازم مَا وضع لَهُ فدلالة الِالْتِزَام كدلالة آيَة الْوضُوء على وُجُوبه وهما عقليتان فَيقدم عَلَيْهِمَا مَا عارضهما مِمَّا هُوَ أرجح مِنْهُمَا من الدَّلَائِل اللفظية على حسب الْقُوَّة أَلا تراهم رجحوا دَلَائِل رفع السِّرّ والحرج على دلَالَة غسل الْعين من الْوَجْه وَكَذَلِكَ اخْتلفُوا فِيمَا تَحت الاظفار والخاتم لذَلِك

النَّوْع السَّادِس الْمجَازِي وَتعْتَبر فِيهِ قَرَائِن الْمجَاز الثَّلَاث الموجبات للعدول اليه وَلَا حرم القَوْل بِهِ والعدول اليه الاولى الْعَقْلِيَّة الَّتِي يعرفهَا الْمُخَاطب والمخاطب كَقَوْلِه {واسأل الْقرْيَة الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعير الَّتِي أَقبلنَا فِيهَا} أَي أهملهما وَمِنْه {جنَاح الذل} و {جدارا يُرِيد أَن ينْقض} وَهُوَ كثير وَلَيْسَ هُوَ من الْمُتَشَابه بل تعرفه أجلاف الْعَرَب الثَّانِيَة الْعُرْفِيَّة مثل {يَا هامان ابْن لي صرحا} أَي مر من يَبْنِي لَان مثله فِي الْعرف لَا يَبْنِي الثَّالِثَة اللفظية نَحْو {مثل نوره} فانها دَلِيل على أَن الله غير النُّور {يهدي الله لنوره من يَشَاء} فانها دَلِيل على أَن المُرَاد نور الْهدى ويتيقظ هُنَا لما كَانَ من جنس تَأْوِيل الباطنية فَيرد وان صدر من غَيرهم فقد كثر جدا

وَأما الدَّعْوَى الْبَاطِلَة تجردها عَن أحد هَذِه الْقَرَائِن وَأما مَا يَدعِيهِ أهل الْكَلَام من الادلة الَّتِي لم يتفقوا على صِحَة دَلِيل وَاحِد مِنْهَا فَلَا يجوز

ص: 155

تقليدهم فِي ذَلِك لَا عِنْدهم وَلَا عِنْد غَيرهم بل يجب الْبَحْث التَّام أَو الامساك عَن التَّأْوِيل حَتَّى يَقع الاجماع كَمَا مر موضحا

وَمن الْعقلِيّ الْجَلِيّ الْمجمع عَلَيْهِ تَخْصِيص {وَأُوتِيت من كل شَيْء} على مَا يُنَاسب مُلُوك الْبشر من الْمُعْتَاد فِي الدُّنْيَا دون الْعَالم الْعلوِي وَأُمُور الْآخِرَة وَالْمَلَائِكَة والنبوة وَنَحْو ذَلِك

النَّوْع السَّابِع مَا لم يَصح فِيهِ شَيْء من جَمِيع مَا تقدم وَيخْتَلف فِيهِ أهل التَّفْسِير وَأهل الْعلم مثل تَفْسِير الْحُرُوف الَّتِي فِي فواتح السُّور وَتَفْسِير الرّوح وَنَحْو ذَلِك مِمَّا لم يَصح دَلِيل لنا على تَفْسِيره وَلَا مَعنا ضَرُورَة عملية تلجئ إِلَى وجوب الْبَحْث عَنهُ وَقد يرتكب فِيهِ مُخَالفَة الظَّوَاهِر ويبتني على أَسبَاب مُخْتَلف فِي صِحَّتهَا فالحزم الْوَقْف فِيهِ لما تقدم من حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي وَعِيد من فسر الْقُرْآن بِرَأْيهِ وَعَن جُنْدُب مثله رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وأوضح مِنْهُمَا قَوْله تَعَالَى {وَلَا تقف مَا لَيْسَ لَك بِهِ علم}

وَهَذَا النَّوْع السَّابِع قِسْمَانِ

قسم فِيهِ مخاطرة كَبِيرَة وَخَوف الْبِدْعَة وَالْعَذَاب وَهُوَ مَا يتَعَلَّق بِذَات الله تَعَالَى وَنَحْوه من المتشابهات وَقد تقدم القَوْل فِيهِ فِي هَذَا الْمُخْتَصر وَقد بسطته فِي تَرْجِيح أَسبَاب الْقُرْآن على أساليب اليونان وَقسم دونه مثل تعْيين الشَّجَرَة الَّتِي أكل مِنْهَا آدم وَاسْمهَا وَأَسْمَاء أهل الْكَهْف وَأَسْمَاء سَائِر المبهمات وَتَطْوِيل الْقَصَص والحكايات فَهَذَا لَا بَأْس بنقله مَعَ بَيَان انه لم يَصح فِيهِ شَيْء وَعدم تعلق مفْسدَة بِهِ وَلَا دُخُول شُبْهَة فِي تَحْلِيل أَو تَحْرِيم وَالله سُبْحَانَهُ أعلم

وَأما التأويلات الَّتِي يدعى الاجماع على وُجُوبهَا سَوَاء كَانَت من اجماع الامة أَو العترة فَاعْلَم أَن الاجماعات نَوْعَانِ أَحدهمَا تعلم صِحَّته بِالضَّرُورَةِ من الدّين بِحَيْثُ يكفر مخالفه فَهَذَا اجماع صَحِيح وَلكنه مُسْتَغْنى عَنهُ بِالْعلمِ الضَّرُورِيّ من الدّين وَثَانِيهمَا مَا نزل عَن هَذِه الْمرتبَة وَلَا يكون الا ظنا لانه لَيْسَ بعد التَّوَاتُر الا الظَّن وَلَيْسَ بَينهمَا فِي النَّقْل مرتبَة قَطْعِيَّة بالاجماع وَهَذَا هُوَ حجَّة من يمْنَع الْعلم بِحُصُول الاجماعات بعد انتشار الاسلام كَمَا

ص: 156

نَص عَلَيْهِ الامام الْمَنْصُور بِاللَّه فِي مَجْمُوعه والامام يحيى بن حَمْزَة فِي المعيار والرازي وَغَيرهم بسطته فِي غير هَذَا الْموضع

وَهَذَا آخر القَوْل فِي الْقسم الاول من هَذَا الْمُخْتَصر وَهُوَ فِي ذكر الْمُقدمَات الْعَامَّة الجميلة وَلَو أفرد لاستقل بِنَفسِهِ كتابا مُفِيدا ويتلوه الْقسم الثَّانِي وَهُوَ الْكَلَام فِي الْمُبْهم من الْمسَائِل التفصيلية الْمُخْتَلف فِيهَا بَين أهل الاسلام وَذكر طرف صَالح مِمَّا فِيهَا من المباحث السمعية الْقَرِيبَة الَّتِي لَا خطر فِي النّظر فِيهَا وَلَا غنى لاهل الْمرتبَة الْوُسْطَى عَن معرفَة مثلهَا لتقر عقائدهم إِذْ يَسْتَحِيل من أهل هَذِه الْمرتبَة أَن يطمأنوا إِلَى التَّقْلِيد الْمَحْض وَإِنَّمَا يطمئن اليه من لم يدر قطّ مَا لتقليد وَلَا دري انه مقلد ومعظمها مهان

المهم الأول مقَام معرفَة كَمَال هَذَا الرب الْكَرِيم وَمَا يجب لَهُ من نعوته وأسمائه الْحسنى وَذَلِكَ من تَمام التَّوْحِيد الَّذِي لابد مِنْهُ لَان كَمَال الذَّات باسمائها الْحسنى ونعوتها الشَّرِيفَة وَلَا كَمَال لذات لَا نعت لَهَا وَلَا اسْم وَلذَلِك عد مَذْهَب الْمَلَاحِدَة فِي مدح الرب بنفيها من أعظم مكائدهم للاسلام فانهم عكسوا الْمَعْلُوم عقلا وسمعا فذموا الامر الْمَحْمُود ومدحوا الامر المذموم الْقَائِم مقَام النَّفْي والجحد الْمَحْض وضادوا كتاب الله ونصوصه الساطعة قَالَ الله جل جلاله {وَللَّه الْأَسْمَاء الْحسنى فَادعوهُ بهَا وذروا الَّذين يلحدون فِي أَسْمَائِهِ} وَقَالَ سبحانه وتعالى {قل ادعوا الله أَو ادعوا الرَّحْمَن أيا مَا تدعوا فَلهُ الْأَسْمَاء الْحسنى} فَمَا كَانَ مِنْهَا مَنْصُوصا فِي كتاب الله وَجب الايمان بِهِ على الْجَمِيع والانكار على من جَحده أَو زعم ان ظَاهره اسْم ذمّ لله سُبْحَانَهُ وَمَا كَانَ فِي الحَدِيث وَجب الايمان بِهِ على من عرف صِحَّته وَمَا نزل عَن هَذِه الْمرتبَة أَو كَانَ مُخْتَلفا فِي صِحَّته لم يَصح اسْتِعْمَاله فان الله أجل من ان يُسمى باسم لم يتَحَقَّق انه تسمى بِهِ

وَعَادَة الْمُتَكَلِّمين أَن يقتصروا هُنَا على الْيَسِير من الْأَسْمَاء وَلَا يَنْبَغِي

ص: 157

ترك شَيْء مِنْهَا وَلَا اختصاره فان ذَلِك كالاختصار لِلْقُرْآنِ الْكَرِيم وَلَو كَانَ مِنْهَا شَيْء لَا يَنْبَغِي اعْتِقَاده وَلَا ذكره مَا ذكره الله تعالي فِي الْقُرْآن الْعَظِيم

وَعَادَة بعض الْمُحدثين أَن يوردوا جَمِيع مَا ورد فِي الحَدِيث الْمَشْهُور فِي تعدادها مَعَ الِاخْتِلَاف الشهير فِي صِحَّته وحسبك ان البُخَارِيّ وَمُسلمًا تركا تَخْرِيجه مَعَ رِوَايَة أَوله واتفاقهما عَليّ ذَلِك يشْعر بِقُوَّة الْعلَّة فِيهِ كَمَا أوضحته فِي العواصم وَلَكِن الاكثرين اعتمدوا ذَلِك تعرضا لفضل الله الْعَظِيم فِي وعده من أحصاها بِالْجنَّةِ كَمَا اتّفق عَليّ صِحَّته وَلَيْسَ يستيقن احصاؤها بذلك الا لَو لم يكن لله سُبْحَانَهُ اسْم غير تِلْكَ الاسماء فَأَما إِذا كَانَت أسماؤه سُبْحَانَهُ أَكثر من أَن تحصي بَطل الْيَقِين بذلك وَكَانَ الاحسن الِاقْتِصَار عَليّ مَا فِي كتاب الله وَمَا اتّفق عَليّ صِحَّته بعد ذَلِك وَهُوَ النَّادِر كَمَا يَأْتِي

وَقد ثَبت أَن أَسمَاء الله تعالي أَكثر من ذَلِك الْمَرْوِيّ بِالضَّرُورَةِ وَالنَّص أما الضَّرُورَة فان فِي كتاب الله أَكثر من ذَلِك كَمَا سَيَأْتِي بَيَانه ان شَاءَ الله تعالي وَأما النَّص فَحَدِيث ابْن مَسْعُود رضي الله عنه عَن رَسُول صلى الله عليه وسلم وَآله وَسلم أَنه قَالَ مَا قَالَ عبد أَصَابَهُ هم أَو حزن (اللَّهُمَّ اني عَبدك وَابْن عَبدك وَابْن امتك ناصيتي بِيَدِك مَاض فِي حكمك عدل فِي قضاؤك أَسأَلك بِكُل اسْم هُوَ لَك هُوَ لَك سميت بِهِ نَفسك أَو أنزلته فِي كتابك أَو عَلمته أحدا من خلقك أَو استأثرت بِهِ فِي علم الْغَيْب عنْدك أَن تجْعَل الْقُرْآن ربيع قلبِي وَنور صَدْرِي وجلاء حزني وَذَهَاب همي وغمي) الا أذهب الله همه وغمه وأبدله مَكَان حزنه فَرحا رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه وَهَذَا اسناد أَحْمد قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الحَدِيث الاربعين من مُسْند ابْن مَسْعُود من جَامع المسانيد أخبرنَا يزِيد ابْن هَارُون انا فُضَيْل بن مَرْزُوق أَنا أَبُو سَلمَة الْجُهَنِيّ عَن الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن عبد الله ابْن مَسْعُود بِالْحَدِيثِ وَقَالَ الهيثمي فِي مجمع الزَّوَائِد رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلا والبرار وَرِجَال أَحْمد وَأبي يعلا رجال الصَّحِيح غير أبي سَلمَة الْجُهَنِيّ وَقد وَثَّقَهُ ابْن حبَان وَالقَاسِم هَذَا هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله ابْن مَسْعُود وَلَيْسَ هُوَ الدِّمَشْقِي الْمُخْتَلف فِيهِ بل هُوَ ثِقَة لم يتَكَلَّم عَلَيْهِ وَهُوَ من رجال البُخَارِيّ وَأهل السّنَن وَلم يذكرهُ الذَّهَبِيّ فِي الْمِيزَان إِلَّا للتمييز بَينه وَبَين

ص: 158

الْمُخْتَلف فِيهِ وَكَذَلِكَ لم يذكرهُ ابْن حجر فِيمَن انتقد على البُخَارِيّ وَأَبوهُ عبد الرَّحْمَن من رجال الْجَمَاعَة مُتَّفق عَلَيْهِ الا أَن سَمَاعه من أَبِيه لَيْسَ بِمَشْهُور فَحَدِيثه عَنهُ فِي السّنَن الْأَرْبَع وَقَالَ ابْن معِين والمزي قد سمع من أَبِيه وَمن علم حجَّة على من لم يعلم وَأَبُو سَلمَة هُوَ الْجُهَنِيّ وثقة ابْن حبَان وَلم يذكرهُ فِي الْمِيزَان وَعدم ذكره فِي الْمِيزَان دَلِيل على ثقته لَا سِيمَا مَعَ تَصْحِيح أبي عوَانَة للْحَدِيث وبقيتهم رجال الصِّحَاح فَثَبت هَذَا الحَدِيث

وَثَبت ان حصر الاسماء التِّسْعَة وَالتسْعين لَا ينَال الا بِتَوْفِيق الله تَعَالَى كساعة الاجابة يَوْم الْجُمُعَة لانها مجملة فِي أَسمَاء الله فلنذكر هُنَا مَا وَجَدْنَاهُ مَنْصُوصا من الْأَسْمَاء فِي كتاب الله بِالْيَقِينِ من غير تقليلد فانها أصح الْأَسْمَاء وأحبها إِلَى الله تَعَالَى حَيْثُ اخْتَارَهَا فِي أفضل كتبه لَا فضل أنبيائه وَالَّذِي عرفت مِنْهَا إِلَى الْآن بِالنَّصِّ صَرِيحًا دون الِاشْتِقَاق فِي الْقُرْآن مائَة وَخَمْسَة وَخَمْسُونَ غير الممادح السلبية كَمَا سَيَأْتِي وفيهَا اسْم وَاحِد بِالْمَفْهُومِ الْمَعْلُوم وَهُوَ الاعز ذكره ابْن حجر فِي تلخيصه وَلم أَجِدهُ بنصه فَذَكرته فِيهَا وَلم أَحْسبهُ فِي الْعدَد الْمَذْكُور وَهُوَ أَخذه من قَوْله تَعَالَى {وَللَّه الْعِزَّة وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمنِينَ} جَوَابا على قَول الْمُنَافِقين ليخرجن الاعز مِنْهَا الْأَذَل وَهِي هَذِه وَهِي الِاعْتِقَاد مَتى سَأَلَ عَنهُ سَائل

هُوَ الله الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الا لَهُ الصَّمد الْوَاحِد الاحد الرَّحْمَن الرَّحِيم ذُو الرَّحْمَة الواسعة أرْحم الرَّاحِمِينَ خير الرَّاحِمِينَ الْعَفو الغفور الغافر الْغفار وَاسع الْمَغْفِرَة أهل التَّقْوَى وَأهل الْمَغْفِرَة خير الغافرين الْحَاكِم الحكم الْحَكِيم الاحكم أحكم الْحَاكِمين خير الْحَاكِمين الْعَالم الْعَلِيم الاعلم علام الغيوب الرب الْبر الْوَاسِع الموسع الْملك المليك الْمَالِك مَالك الْملك الرازق الرَّزَّاق خير الرازقين الْخَالِق الخلاق أحسن الْخَالِقِينَ النَّاصِر نعم النصير خير الناصرين الْحَافِظ الحفيظ خير الحافظين النَّاصِر نعم النصير خير الناصرين الْحَافِظ الحفيظ خير الحافظين الْقوي الاقوى ذُو الْقُوَّة المتين الْعلي الاعلى المتعال الْقَادِر الْقَدِير المقتدر نعم الْقَادِر الْعَزِيز الاعز الشاكر الشكُور قَابل التوب التواب الْمُجيب الْقَرِيب

ص: 159

الاقرب الْحَيّ القيوم الْقَائِم على كل نفس بِمَا كسبت الْفَاعِل الفعال لما يُرِيد الْوَارِث خير الْوَارِثين الْكَرِيم الاكرم فالق الاصباح فالق الْحبّ والنوى الْعَظِيم الاعظم الْوَلِيّ نعم الْمولى الشَّاهِد الشَّهِيد الْكَبِير الاكبر القاهر القهار نعم الْقَادِر نعم الماهد الْكَفِيل نعم الْوَكِيل المستمع السَّمِيع الْبَصِير البديع الرؤوف الْحَلِيم الرشيد السَّرِيع الْمُبين الْخَبِير المبرم الْغَنِيّ الحميد الْمجِيد الْوَهَّاب الْجَامِع الْمُحِيط الْكَافِي الحسيب الحاسب المقيت الرَّقِيب كاشف الضّر الفاطر الْكَاتِب المبتلي اللَّطِيف الصَّادِق الْحق الْوَدُود الحفي الْمُسْتَعَان الفاتح الفتاح نور السَّمَوَات وَالْأَرْض الْهَادِي رفيع الدَّرَجَات الرافع المنتقم الزَّارِع الْمنزل المنشئ الاول الآخر الظَّاهِر الْبَاطِن القدوس السَّلَام الْمُؤمن الْمُهَيْمِن الْجَبَّار المتكبر البارئ المصور مخرج الْحَيّ من الْمَيِّت ومخرج الْمَيِّت من الْحَيّ جَاعل اللَّيْل سكنا الْمُنْذر الْمُرْسل خير الفاصلين أسْرع الحاسبين خير المنزلين عَدو للْكَافِرِينَ ولي الْمُؤمنِينَ خير الماكرين المتم نوره الْغَالِب على أمره الْبَالِغ أمره ذُو الطول ذُو المعارج ذُو الْفضل الْعَظِيم ذُو الْعَرْش الْعَظِيم ذُو الانتقام ذُو الْجلَال والاكرام انْتهى مَا عَرفته من الاسماء الْحسنى نفعنا الله بهَا وببركاتها وَهِي مائَة ونيف وَخَمْسُونَ

وَقد تركت التّكْرَار فاكتفت باسم الرب عَن رب كل شَيْء وَرب الْعَالمين وَرب الْعِزَّة وَرب الْعَرْش الْعَظِيم وَرب الْمَلَائِكَة وَالروح واكتفيت بالواسع عَن وَاسع الْمَغْفِرَة وواسع كل شَيْء رَحْمَة وعلما وَنَحْو ذَلِك وَتركت مَا كَانَ من صِفَات أَفعاله وأسمائه مثل شَدِيد الْعقَاب وسريع الْحساب وَنَحْو ذَلِك لِأَنَّهُ لم يسم نَفسه بهَا وَلَا علمت أحدا عدهَا فِي أَسْمَائِهِ بل عدت فِي أَفعاله سبحانه وتعالى لِأَنَّهُ لَا فرق فِي الْمَعْنى بَين قَوْله إِن الله شَدِيد الْعقَاب وَبَين قَوْله إِن عَذَاب الله لشديد فَتَأمل ذَلِك

وَذكر الْغَزالِيّ فِي الْمَقْصد الاسى أَن مَا كَانَ يُطلق على الْعباد من أَسْمَائِهِ تَعَالَى على جِهَة الْحَقِيقَة مثل الزَّارِع وَالْكَاتِب لم يُطلق على الله مُجَرّد بل يُطلق حَيْثُ أطلقهُ على لَفظه مَعَ مَا يتَعَلَّق بِهِ من السِّيَاق وَهَذَا حَيْثُ يخَاف اللّبْس

ص: 160

والتشبيه وَاجِب وَحَيْثُ يُؤمن أدب حسن واحتياط جيد وَالله سُبْحَانَهُ أعلم

وَقد يدق على بعض النَّاس كَون بَعْضهَا فِي الْقُرْآن كالكفيل لِأَنَّهُ مَأْخُوذ من قَوْله {وَقد جعلتم الله عَلَيْكُم كَفِيلا} وكالرافع من قَوْله {ورافعك إِلَيّ} وَالْهَادِي من قَوْله {لهاد الَّذين آمنُوا} وَنَحْو ذَلِك وكالمبرم لِأَنَّهُ لم يذكر فِيهِ مُفردا إِنَّمَا ذكر بِصِيغَة الْجمع فِي قَوْله {أم أبرموا أمرا فَإنَّا مبرمون} وَكَذَلِكَ الموسع والمنزل قَالَ تعالي {وَإِنَّا لموسعون} وَقَالَ {أأنتم أنزلتموه من المزن أم نَحن المنزلون} وَكَذَلِكَ الزَّارِع فِي قَوْله تعالي {أأنتم تزرعونه أم نَحن الزارعون} والمبتلي فِي قَوْله تعالي {وَإِن كُنَّا لمبتلين} وَنَحْو ذَلِك {وَكفى بِنَا حاسبين} {وَإِنَّا لصادقون} {إِنَّا مَعكُمْ مستمعون} {وَإِنَّا لَهُ كاتبون} {وَهُوَ وليهم} {أَنْت ولينا} وَكَذَلِكَ الاقرب إِنَّمَا وجدته فِي قَوْله تعالي {وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد} وَقد ذكرت الْقَادِر مرَّتَيْنِ وَلَيْسَ تَكْرَارا بل الْقَادِر الاول من الْقُدْرَة وَلذَلِك ذكرته مَعَ الْقَدِير والمقتدر والقادر الثَّانِي من التَّقْدِير وَذَلِكَ نَحْو قَوْله تعالي {فَنعم القادرون} وَقد ذكرت فِيهَا مخرج الْحَيّ من الْمَيِّت وَهُوَ فِي الْقُرْآن بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاة من تَحت لوَجْهَيْنِ احدهما إِنِّي ذكرت مخرج الْمَيِّت من الْحَيّ وَهُوَ فِي الْقُرْآن بِالْمِيم وَلم أستحسن فرقة من صَاحبه وملازمة خَاصَّة

ص: 161

وَهُوَ أبهر مِنْهُ وأكبر وَأعظم مدحا وَأكْثر وَثَانِيهمَا أَن لفظ مخرج قد ثَبت فِي الْقُرْآن وَلم أرد الا اضافته إِلَيّ ذَلِك الْمَدْح الباهر وَالثنَاء الفاخر

وَيَنْبَغِي أَن يختمها الدَّاعِي بهَا بِحَدِيث ابْن مَسْعُود الْمُقدم لعمومه لما لم يذكر وَمِمَّا يَنْبَغِي تِلَاوَته لمن تعرض لرحمة الله سُبْحَانَهُ فِي فضل احصاء التِّسْعَة وَالتسْعين اسْما الْحُرُوف الْمُقطعَة فِي أَوَائِل السُّور احْتِيَاطًا لِأَنَّهُ قد قيل أَنَّهَا أَسمَاء الله تعالي أَو رمز إِلَيّ اسماء شريفة وَلم يَصح وَلَيْسَ هَذَا موضعهَا لعدم صِحَة ذَلِك وَإِنَّمَا ذكرت ذَلِك ارشادا لمن يحب الْفَائِدَة وَلَيْسَ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِمَّا لَيْسَ فِي كتاب الله تعالي إِلَّا الْمُقدم والمؤخر فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس فِي دُعَاء النَّبِي صلى الله عليه وسلم حِين يقوم من اللَّيْل وَالْوتر ومنهما من حَدِيث أبي هُرَيْرَة الَّذِي سردت الاسماء الحسني فِي آخِره

وَزَاد ابْن حزم مِمَّا ادعِي صِحَّته السَّيِّد السبوح الْحق الْوتر الدَّهْر المسعر المحسن المحسان الْجَمِيل الرفيق الشافي الْمُعْطِي وَلم ينسبها إِلَيّ حَدِيث أبي هُرَيْرَة لَكِن تتبعها من أَحَادِيث مُتَفَرِّقَة وَكَذَلِكَ الطَّبِيب خرجه دوت وس باسناد عَليّ شَرط الشَّيْخَيْنِ لَكِن قَالَ التِّرْمِذِيّ أَنه غَرِيب من حَدِيث عبد الله بن اياد عَن أبي رمثة الصَّحَابِيّ مَرْفُوعا وَمِنْهَا مُقَلِّب الْقُلُوب لِأَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يقسم بِهِ وَزَاد التِّرْمِذِيّ فِي الحَدِيث الْمُخْتَلف فِيهِ مِمَّا لم أَجِدهُ بنصه فِي الْقُرْآن خَمْسَة وَعشْرين اسْما وَهِي الْقَابِض الباسط الْخَافِض الْمعز المذل الْعدْل الْجَلِيل المحصي المبديء المعيد المحيي المميت الْوَاجِد بِالْجِيم الْمَاجِد الْمُقدم الْمُؤخر الْوَالِي المقسط الْمُغنِي الْمَانِع الضار النافع الْبَاقِي الرشيد الصبور وَزَاد ابْن مَاجَه عَليّ التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا الراشد الْبُرْهَان الواقي الْقَائِم النَّاظر السَّامع الابد الْعَالم الْمُنِير التَّام الَّذِي لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد فِي اطلاق بعض هَذِه نظر مَعَ عدم صِحَة الاسناد وَزَاد الْحَاكِم عَليّ التِّرْمِذِيّ فِي الْمُسْتَدْرك فِي هَذَا الحَدِيث الْمُخْتَلف فِيهِ بِعَيْنِه الحنان المنان الدَّائِم الْجَمِيل الْقَدِيم الْوتر الْمُدبر الشاكر الرافع وَزَاد عَلَيْهِ أَيْضا بِمَا فِي الْقُرْآن الاله الرب الفاطر المليك الْمَالِك الاكرم وَذكرت الرفيع فِيهَا إِذْ لم يَجعله مثل رفيع الدَّرَجَات

ص: 162

وَفِي حَدِيث آخر ان الله المسعر رَوَاهُ الْخَمْسَة إِلَّا النَّسَائِيّ وَصَحِيحه التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أنس ذكره صَاحب المنتقي فِي التسعين

وَفِي البُخَارِيّ وَمُسلم مِنْهَا الْوتر الْمُقدم الْمُؤخر وَفِي مُسلم مِنْهَا الرفيق وَصحح ابْن مَاجَه مِنْهَا السَّيِّد السبوح الْجَمِيل المحسان المسعر الْقَابِض الباسط الشافي الْمُعْطِي الدَّهْر قَالَ ابْن مَاجَه بعد سردها ثمَّ قَالَ زُهَيْر وبلغنا عَن غير وَاحِد من أهل الْعلم أَن راويها يفْتَتح بقول لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ لَهُ الْملك وَله الْحَمد بِيَدِهِ الْخَيْر وَهُوَ على كل شَيْء قدير لَا اله الا الله لَهُ الاسماء الْحسنى وَأكْثر هَذِه أَو كثير مِنْهَا صَحِيح الْمَعْنى بالاجماع فَلَا بَأْس بالحاق الْمجمع عَلَيْهِ مِنْهَا بِمَا فِي الْقُرْآن لما تقدم فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود من قَوْله صلى الله عليه وسلم أَو عَلمته أحدا من خلقك

وَأما المشتقات من الافعال الربانية الحميدة فَلَا تحصى وَقد جمع بَعضهم مِنْهَا ألف اسْم مثل كَاتب الرَّحْمَة على نَفسه الْمَحْمُود الْعَادِل المعبود الْمُحكم الْمُنعم متم النِّعْمَة الْمطعم الْمُقدر القَاضِي الْمُدبر الْحق الشافي الْبَارِي الماحي الْمُثبت الْمُؤَيد الْكَافِي الْقَاسِم العاصم القاصم الدَّافِع المدافع المملي الْآخِذ المجير الْمُزَكي الْمُوفق الْمصرف الْمُمكن مُقَلِّب اللَّيْل وَالنَّهَار الصَّانِع الواقي الْمُتَكَلّم المريد المرجو الْمخوف المخشى المرهوب السَّابِق الديَّان المستجار المستعاذ المعاذ الملجأ المنجا المنجي وَلَو ذكر مِنْهَا مَا كَانَ من خَواص الربوبية كَانَ حميدا وَذَلِكَ مثل المحيي المميت خَاصَّة مَا جَاءَ فِي الْقُرْآن صلَة للَّذي وَنَحْوه كَقَوْل الْخَلِيل عليه السلام (وَالَّذِي يميتني ثمَّ يحيين) لِأَن الْمَوْصُول وصلته فِي حكم الْوَاحِد وَالله أعلم

وَأما أَنْوَاع الثَّنَاء من غير اشتقاق من أَلْفَاظ الْقُرْآن فَلَا تحصى مثل قديم الاحسان دَائِم الْمَعْرُوف المستغاث المأمول وأمثال ذَلِك مِمَّا لَا منع لما أجمع عَلَيْهِ مِنْهُ وَالظَّاهِر جَوَاز هذَيْن النَّوْعَيْنِ لِأَنَّهُمَا من الاخبار الصادقة وَالله أعلم وَذَلِكَ فِيمَا كَانَ مجمعا عَلَيْهِ على أَنه حسن لَا قبح فِيهِ وثناء جميل لَا ذمّ فِيهِ وَلَا تَمْثِيل وَلَا تَشْبِيه والا فالاقتصار على المنصوصات عِنْد الِاخْتِلَاف لَازم وَهُوَ مَوْضُوع الْكتاب

ص: 163

واما الممادح السلبية فِي كتاب الله تَعَالَى فاعتقادها لَازم وان لم تكن أَسمَاء فِي عرف أهل الْعَرَبيَّة لَكِنَّهَا نعوت حق وَاجِبَة بِنَصّ الْقُرْآن لله تَعَالَى وَذَلِكَ مثل قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ كمثله شَيْء} {وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} وَلَيْسَ لَهُ سمي فانه مَعْلُوم من قَوْله تَعَالَى {هَل تعلم لَهُ سميا} وان الْعباد لَا يحيطون بِهِ علما كَمَا قَالَ فِي سُورَة طه بل لَا يحيطون بِشَيْء من علمه إِلَّا بِمَا شَاءَ وَإِنَّمَا اسْتثْنى فِي معلوماته المخلوقة وَإِمَّا فِي ذَاته المقدسة العزيزة فاطلق النَّفْي وَلم يسْتَثْن أحدا وَلَا شَيْئا وَلَو كَانَ يُرِيد أَن يخْتَص أحدا بذلك لاستثناه كَمَا اسْتثْنى من الاحاطة بِعِلْمِهِ عز وجل

وَمن ذَلِك أَنه لَا تُدْرِكهُ الابصار وَهُوَ يُدْرِكهُ الابصار وَأَنه لَا تَأْخُذهُ سنة وَلَا نوم وَأَنه وسع كرسيه السَّمَوَات وَالْأَرْض وَلَا يؤده حفظهما وانه خلقهما فِي سِتَّة أَيَّام وَمَا مَسّه من لغوب وَإنَّهُ لَيْسَ بظلام للعبيد وَإنَّهُ لَا يُكَلف نفسا إِلَّا وسعهَا وَمَا فِي مَعْنَاهَا وَلَا يُرِيد بِنَا الْعسر وَمَا جعل علينا فِي الدّين من حرج وَأَنه لَا يجوز عَلَيْهِ اللّعب والعبث وخلو أَفعاله عَن الْحِكْمَة لقَوْله تَعَالَى {وَمَا بَينهمَا لاعبين} وَقَوله {رَبنَا مَا خلقت هَذَا بَاطِلا سُبْحَانَكَ فقنا عَذَاب النَّار} وأمثال هَذِه الْآيَات فِي حكمته فِي خلق الارضين وَالسَّمَوَات وَأَنه تَعَالَى لَا يرضى لِعِبَادِهِ الْكفْر وَلَا يحب الْفساد وَلَا يُبدل القَوْل لَدَيْهِ تبديلا قبيحا بِخِلَاف التبديل الْحسن لقَوْله تَعَالَى {وَإِذا بدلنا آيَة مَكَان آيَة وَالله أعلم بِمَا ينزل} ولآيات النّسخ وانه لَا يخلف الميعاد وَأَنه تَعَالَى يجير وَلَا يجار عَلَيْهِ وَيطْعم وَلَا يطعم وَأَنه لَا شريك لَهُ فِي الْملك وَلَا ولي لَهُ من الذل وان هَذِه الْآيَات دلّت على مَا أَجمعت عَلَيْهِ الامة اجماعا ضَرُورِيًّا وَعلم من الدّين علما ضَرُورِيًّا انه تَعَالَى منزه عَن كل نقص وعيب مِمَّا يَقع فِي أَسمَاء المخلوقين سَوَاء كَانَ من أَسمَاء الذَّم لَهُم كالظلم واللعب وَالْجهل أَو من أَسمَاء النَّقْص فيهم كالفقر والضعف وَالْعجز وَسَائِر مَا يجوز على الانبياء الاولياء وَأهل الصّلاح

ص: 164

وَأما أَسمَاء الْمَدْح الَّتِي تطلق على الْعباد على وُجُوه تَسْتَلْزِم النَّقْص وَتطلق على الله تَعَالَى على وُجُوه تَسْتَلْزِم الْكَمَال وَهِي صِفَات الْعلم وَالْقُدْرَة وَالرَّحْمَة والحياة وَنَحْو ذَلِك فانها تطلق على الله تَعَالَى على جِهَة الْكَمَال كَمَا اطلقها مُجَرّدَة عَن نقائص المخلوقين الَّتِي تعرض فِيهَا بِأَسْبَاب تخصهم دونه تَعَالَى فَهَذَا هُوَ اعتقادنا واعتقاد أهل الْحق وَالْحَمْد لله الَّذِي هدَانَا لهَذَا وَمَا كُنَّا لنهتدي لَوْلَا أَن هدَانَا الله وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين

ص: 165