الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل فِي الْفسق
وَهُوَ أَقسَام بِاعْتِبَار الْعرف الاول وَالْآخر وَاسم الْفَاعِل وَاسم الْفِعْل وَبِاعْتِبَار التَّصْرِيح والتأويل
فاما الْعرف الأول فِي اسْم الْفَاعِل فانه يدل ان الْفَاسِق من الْكفَّار من لَا حَيَاء وَلَا مُرُوءَة وَلَا عهد وَلَا عقد لَهُ كَمَا فسره بذلك الزَّمَخْشَرِيّ فِي بعض الْآيَات الدَّالَّة على ذَلِك فان الله تَعَالَى يَقُول فِي الْكفَّار من الْيَهُود وَغَيرهم {وَأَكْثَرهم فَاسِقُونَ} وَفِي بعض الْآيَات {وَكثير مِنْهُم فَاسِقُونَ} كَمَا أوضحته فِي الاول من العواصم مَبْسُوطا بسطا شافيا زَائِدا على مَا يعْتَاد فِي ذَلِك من الْبسط
وَأما بِاعْتِبَار اسْم الْفِعْل فَفِيهِ قَوْله تَعَالَى {وَكره إِلَيْكُم الْكفْر والفسوق والعصيان} وَقَول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَآله سباب الْمُؤمن فسوق وقتاله كفر فِي أَحَادِيث كَثِيرَة مُتَّفق على صِحَّتهَا
وَأما الْعرف الْمُتَأَخر فالفسق يخْتَص بالكبيرة من الْمعاصِي مِمَّا لَيْسَ بِكفْر وَالْفَاسِق يخْتَص بمرتكبها وَعند الْمُعْتَزلَة لَا يُسَمِّي كَافِرًا وَلَا مُؤمنا وَلَا مُسلما وَعند أهل الحَدِيث والاشعرية لَا يُسمى كَافِرًا وَأما اسْم الاسلام فان اعْتبرنَا تَمَامه وكماله لم نسمه مُؤمنا وَلَا مُسلما وان اعْتبرنَا أَقَله سميناه مُؤمنا وَمُسلمًا الا ان تَسْمِيَته مُسلما اعْتِبَارا بالاقل من مَرَاتِب الاسلام هُوَ الْعرف الاكثر بِخِلَاف تَسْمِيَته مُؤمنا وَفِي ذَلِك من الْآيَات وَالْأَحَادِيث مَا لَا يحْتَملهُ هَذَا الْمُخْتَصر وَقد استوفيت الْكَلَام فِيهِ فِي مَسْأَلَة الْوَعْد والوعيد فِي آخر العواصم
وَأما انقسام ذَلِك بِاعْتِبَار فسق التَّصْرِيح والتأويل فَهُوَ مُتَّفق عَلَيْهِ أما فسق التَّصْرِيح فَلَا دَاعِي الى ذكره هُنَا وَهُوَ يرجع الى معرفَة الْكَبَائِر وَهِي منصوصة فِي أَحَادِيث كَثِيرَة وَفِي بَعْضهَا زِيَادَة على بعض وَقد جمعهَا ابْن الْحَاجِب فِي مُخْتَصر الْمُنْتَهى وَتكلم ابْن كثير على طرقها وَمِنْهُم من زَاد عَلَيْهَا مَا هُوَ أَكثر مِنْهَا قطعا عملا بِمَفْهُوم الْمُوَافقَة الْمُسَمّى فحوى الْخطاب
مِثَاله ان قتل الْمُؤمن كَبِيرَة بِالنَّصِّ فَأولى مِنْهُ بذلك دلَالَة الْكفَّار على نقب فِي مصر عَظِيم من أَمْصَار الْمُسلمين يدْخلُونَ مِنْهُ فيقتلون جَمِيع من فِيهَا ويستحلون الْمَحَارِم من النسوان وَالصبيان وَنَحْو ذَلِك وَهَذَا قِسْمَانِ مِنْهُ مَا يكون مَعْلُوما كَمَا يعلم تَحْرِيم ضرب الْوَالِدين من تَحْرِيم التأفيف فَلَا يكون قِيَاسا وَمِنْه قِيَاس وَاخْتلف فِيمَا يكون قياسأ فاجازته طَائِفَة مِنْهُم الهدوية ففسقوا من غصب عشرَة دَرَاهِم قِيَاسا على من سَرَقهَا ومنعته طَائِفَة مِنْهُم الْمُؤَيد بِاللَّه عليه السلام وَاحْتج عَلَيْهِم بالاجماع على ان الْغَاصِب لَا يقطع وَمِنْهُم من قَالَ الْكَبِيرَة مَا كَانَ فِيهِ حد من حُدُود الله تَعَالَى أَو قَالَ الله تَعَالَى فِيهِ إِنَّه عَظِيم أَو كَبِير وَمِنْهُم من قَالَ مَا توعد الله عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ بِالْعَذَابِ
وَأما فسق التَّأْوِيل فَهُوَ الَّذِي أردْت أَن أذكرهُ هُنَا وَاعْلَم ان مَا دخله التَّأْوِيل مِمَّا يتَعَلَّق بالكبائر وَلم يعلم انه مِنْهَا سوى قتل الْمُسلمين وقتالهم فانه يصير ظنا من الْفُرُوع الاجتهاديات عِنْد جَمَاهِير الْعلمَاء من الْفرق أَو عِنْد جَمِيعهم كالربويات الْمُخْتَلف فِيهَا والانكحة الْمُخْتَلف فِيهَا مِثَال ذَلِك وَأما قتل الْمُسلمين وقتالهم وَالْبَغي على أئمتهم العادلين فَاخْتلف فِيهِ فَقَالَت الشِّيعَة والمعتزلة لَا يعْذر الْمُجْتَهد ان أَخطَأ فِيهِ وَيكون فَاسق تَأْوِيل وَقيل يعْذر مثل التَّأْوِيل فِيمَا تقدم وَسبب الِاخْتِلَاف أَمْرَانِ
أَحدهمَا تعَارض الْوَعيد على ذَلِك والوعد بِالْعَفو عَن أهل الْخَطَأ وَقد تقدم مَا فِي ذَلِك قَرِيبا فِي الْوَجْه الثَّالِث فِي الْكَلَام على تَكْفِير أهل التَّأْوِيل
وَثَانِيهمَا اخْتلَافهمْ هَل يُوجد دَلِيل قَاطع شَرْعِي وَلَيْسَ بضروري من الدّين أم لَا وَمعنى ذَلِك أَن الْقطعِي الشَّرْعِيّ هُوَ الْمَعْلُوم لَفظه الْمَعْلُوم
مَعْنَاهُ فَأَما الْعلم بِلَفْظِهِ فَلَا يكون إِلَّا ضَرُورِيًّا بالاجماع لانه نقل مَحْض مَا لم يبلغ مرتبَة الضَّرُورَة فِيهِ كَانَ ظنيا وَلَا وَاسِطَة فِيهِ بَين الضَّرُورَة وَالظَّن وفَاقا فالضرورة هُوَ التَّوَاتُر وَالظَّن آحَاد وان كثرت رُوَاته وَأما الْعلم بِمَعْنى الْقطعِي الشَّرْعِيّ فَهُوَ مَحل الْخلاف فَعِنْدَ الْمُعْتَزلَة وَكثير من الشِّيعَة يدْخلهُ الْقطع من غير ضَرُورَة وَعند الْمُخَالفين لَهُم انه رَاجع الى لنقل الْمَحْض إِمَّا عَن أهل اللُّغَة أَو عَن أهل الشَّرْع فَلَا يكون الا ضَرُورِيًّا فيكفر الْمُخَالف فِيهِ أَو ظنيا فيعذر
وعضدوا هَذَا بِوُجُوه مِنْهَا قِيَاس الْقَتْل والقتال على سَائِر مَا تقدم مِمَّا يتَعَلَّق بالكبائر فان هَذَا حكمهَا عِنْد الْجَمِيع وَمِنْهَا قِيَاس ذَلِك على كَلَام الْعلمَاء فِي مسَائِل الْخلاف فِي الْقصاص فِي النُّفُوس كَالْحرِّ بِالْعَبدِ وَالذكر بالانثى وَالْقصاص بَين الْمُسلم وَالذِّمِّيّ وَالْخلاف فِي عمد الْخَطَأ وَكَذَلِكَ كَلَامهم فِي الْحُدُود الَّتِي يجب فِيهَا الْقَتْل أَو الْعَفو وَالْعقد الاجماع فِي ذَلِك كُله على عدم تأثيم الْمُخَالف مَعَ انه خلاف فِي سفك الدِّمَاء وَقتل الْمُؤمنِينَ بِالتَّحَرِّي للعدل الْمَأْمُور بِهِ لدفع الْفساد قَالُوا فَكَذَلِك من أَخطَأ من الْمُجْتَهدين فِي الْفِتَن وَهُوَ على هَذِه النِّيَّة وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا} مَعَ أَحَادِيث خَاصَّة وَردت فِي الْخَطَأ فِي الْفِتَن بخصوصها
وَفِي ذَلِك أَحَادِيث
الاول عَن سعيد بن زيد أحد الْعشْرَة رضي الله عنهم قَالَ كُنَّا عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَآله فَذكر فتْنَة عظم أمرهَا فَقُلْنَا أَو قَالُوا يَا رَسُول الله لَئِن أدركتنا هَذِه الْفِتْنَة لَنهْلكَنَّ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَآله كلا ان يحسكم الْقَتْل قَالَ سعيد فَرَأَيْت أخواني قتلوا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الْفِتَن من كتاب السّنَن عَن مُسَدّد عَن أبي الاحوص سَلام ابْن سليم عَن مَنْصُور بن الْمُعْتَمِر أحد أَئِمَّة الْكُوفَة عَن هِلَال بن يسَاف الاشجعي الْكُوفِي عَن سعيد بن زيد وَكلهمْ نبلاء ثِقَات من رجال البُخَارِيّ وَمُسلم وَسَائِر الْجَمَاعَة الا أَن البُخَارِيّ لم يخرج حَدِيث هِلَال ابْن يسَاف وَحده لغبر طعن فِيهِ فانه لم يذكر فِي الْمِيزَان وَرَوَاهُ أَحْمد بن حَنْبَل فِي مُسْنده بِإِسْنَاد آخر رِجَاله كُله ثِقَات الى هِلَال بن
يسَاف عَن سعيد وَلَفظه ذكر رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَآله فتنا كَقطع اللَّيْل المظلم أرَاهُ قَالَ قد يذهب فِيهَا النَّاس أسْرع ذهَاب قَالَ فَقيل أكلهم هَالك أم بَعضهم فَقَالَ حسبهم أَو بحسبهم الْقَتْل وَذكره الهيثمي فِي مجمع الزَّوَائِد وَلَفظه فَقُلْنَا إِن أدركنا ذَلِك هلكنا فَقَالَ بِحَسب أَصْحَابِي الْقَتْل وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ باسانيد وَرِجَال أَحدهَا ثِقَات وَرَوَاهُ الْبَزَّار كَذَلِك
الحَدِيث الثَّانِي عَن أم حَبِيبَة عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَآله انه قَالَ رَأَيْت مَا تلقى أمتِي بعدِي وَسَفك بَعضهم دِمَاء بعض فَسَأَلته أَن يؤتيني شَفَاعَة يَوْم الْقِيَامَة فيهم فَفعل رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الاوسط ورجالهما رجال الصَّحِيح الا أَن رِوَايَة أَحْمد عَن انس عَن أم حَبِيبَة وَرِوَايَة الطَّبَرَانِيّ عَن الزُّهْرِيّ عَن أنس رَوَاهُ فِي مجمع الزَّوَائِد وَلم أَجِدهُ فِي جَامع ابْن الْجَوْزِيّ وَلكنه لَا يسْتَوْفى وَالله أعلم
الحَدِيث الثَّالِث عَن طَارق بن أَشْيَم انه سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَآله يَقُول بِحَسب أَصْحَابِي الْقَتْل
الحَدِيث الرَّابِع عَن أبي بردة عَن رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَآله انه قَالَ عُقُوبَة هَذِه الْأمة السَّيْف رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِرِجَال الصَّحِيح
الحَدِيث الْخَامِس عَن أبي بردة عَن عبد الله بن زيد انه سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول جعل الله عَذَاب هَذِه الْأمة فِي دنياهم
الحَدِيث السَّادِس عَن معقل بن يسَار مَرْفُوعا نَحْو ذَلِك رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث عبد الله بن عِيسَى الخزاز
الحَدِيث السَّابِع عَن أبي هُرَيْرَة نَحوه رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط من حَدِيث سعيد بن مسلمة الْأمَوِي وعضدوا هَذِه الْأَخْبَار بِمَا رَوَاهُ زيد بن أبي الزَّرْقَاء عَن جَعْفَر بن برْقَان عَن يزِيد بن الاصم قَالَ قَالَ عَليّ عَلَيْهِ
السَّلَام قتلاي وقتلى مُعَاوِيَة فِي الْجنَّة رَوَاهُ الذَّهَبِيّ فِي تَرْجَمَة مُعَاوِيَة من النبلاء وجعفر وَيزِيد من رجال مُسلم وَزيد من رجال النَّسَائِيّ قَالَ فِي الكاشف صَدُوق وَكَذَلِكَ قَالَ فِي الْمِيزَان وَفِيه عَن ابْن معِين لَا بَأْس بِهِ وَلم يُورد فِيهِ جرحا الا قَول ابْن حبَان انه يغرب وَلَيْسَ ذَلِك بِجرح وَقَالَ فِيهِ انه صَدُوق مَشْهُور عَابِد وَإِن ابْن عمار قَالَ مَا رَأَيْت فِي الْفضل مثله وَمثل الْمعَافي وقاسم الْجرْمِي رَحِمهم الله تَعَالَى
وَهَذَا من أحسن مَا فِي الْبَاب وانما أَخَّرته لانه مَوْقُوف وَمَعَ ذَلِك فَلهُ قُوَّة الْمَرْفُوع وَالله أعلم بِصِحَّة ذَلِك عَنهُ وَمِنْه أَحَادِيث النَّهْي عَن مدافعة أهل التَّأْوِيل وَمِنْهَا اعْتِقَادهم أَن هَذِه الادلة أخص وَأَن ادلة الْمُعْتَزلَة والشيعة عَامَّة وَهُوَ فِي الْحَقِيقَة مَوضِع النزاع كَمَا سَيَأْتِي فِي ادلة الْمُعْتَزلَة فَيَنْبَغِي تَحْرِير النّظر فِيهِ لَان الْخَاص مقدم على الْعَام وَمِنْهَا عدم تَرْجِيح عدم التفسيق بالمرجحات الْمُتَقَدّمَة لعدم التَّكْفِير الحكم فِيهَا مُتَقَارب وان كَانَ التَّكْفِير أخطر
وَقد نَص أَبُو ذَر رضي الله عنه على رِوَايَة ذَلِك عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثه الْمُتَقَدّم فَقَالَ من قَالَ لاخيه كَافِر أَو قَالَ عَدو الله وَلَيْسَ كَذَلِك الا حَار عَلَيْهِ مُتَّفق على صِحَّته كَمَا مضى
وَأما الشِّيعَة والمعتزلة فاحتجوا على قَوْلهم بانواع من السّمع كَثِيرَة مِنْهَا قَوْله تَعَالَى {فَقَاتلُوا الَّتِي تبغي حَتَّى تفيء إِلَى أَمر الله} وَأهل التَّأْوِيل من الْبُغَاة داخلون فِي هَذِه الْآيَة وان كَانَ سَبَب النُّزُول فِي المصرحين فِيمَا أَحسب فالآية عَامَّة عِنْد الشِّيعَة والمعتزلة أَو عِنْد أَكْثَرهم وَمِنْهَا حَدِيث أبي هُرَيْرَة موفوعا فِي الْفِتَن ليَأْتِيَن على النَّاس زمَان لَا يدْرِي الْقَاتِل فيمَ قتل وَلَا يدْرِي الْمَقْتُول فِي أَي شَيْء قتل قيل وَكَيف ذَاك قَالَ الْهَرج الْقَاتِل والمقتول فِي النَّار أخرجه مُسلم وَعَن عبد الله بن عَمْرو موفوعا سَتَكُون فتْنَة تستنظف الْعَرَب قتلاها فِي النَّار رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَمِنْهَا حَدِيث اذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول فِي النَّار قَالُوا يَا رَسُول الله هَذَا الْقَاتِل فَمَا بَال الْمَقْتُول قَالَ انه كَانَ حَرِيصًا على قتل صَاحبه رَوَاهُ خَ وم ود وس من حَدِيث أبي بكرَة وس من حَدِيث أبي
مُوسَى وَمِنْهَا أَحَادِيث سباب الْمُؤمن فسوق وقتاله كفر وَمِنْهَا أَحَادِيث لَا ترجعوا بعدِي كفرا يضْرب بَعْضكُم رِقَاب بعض وَمِنْهَا بَادرُوا بالاعمال فتنا يصبح الزجل فِيهَا مُؤمنا ويمسي كَافِرًا ويمسي مُؤمنا وَيُصْبِح كَافِرًا وَمِنْهَا وَهُوَ من أصرحهَا حَدِيث عمار وَهُوَ صَحِيح متواتر وَيْح عمار تقتله الفئة الباغية يَدعُوهُم الى الْجنَّة ويدعونه الى النَّار أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَاللَّفْظ لمُسلم وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي جَامع المسانيد أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم وَكَذَلِكَ ابْن الْأَثِير فِي جَامع الاصول
قَالَ الْحميدِي أخرجه كَذَلِك أَبُو بكر البرقاني وَأَبُو بكر الاسماعيلي قبله وَذكره ابْن حجر فِي قتال الْبُغَاة من تلخيصه عَن اثْنَي عشر صحابيا وَذكر عَن ابْن عبد الْبر انها تَوَاتَرَتْ بِهِ الاخبار وان أصح الحَدِيث وَعَن أَحْمد بن حَنْبَل انه رُوِيَ من ثَمَانِيَة وَعشْرين طَرِيقا وَذكر الذَّهَبِيّ فِي تَرْجَمَة عمار من النبلاء كثيرا من طرقه وَحكم بِصِحَّتِهِ بل بتواتره وَذكر ان يَعْقُوب بن أبي شيبَة الامام الثِّقَة الْحَافِظ سمع أَحْمد بن حَنْبَل سُئِلَ عَنهُ فَقَالَ فِيهِ حَدِيث صَحِيح عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وروى الذَّهَبِيّ مَعَ ذَلِك أَحَادِيث أخر قَاتل عمار وسالبه فِي النَّار بل ان الله يعادي عَدو عمار ويغضب لغضب عمار رضي الله عنه وَحَدِيث عمار هَذَا من اعلام النُّبُوَّة الْكِبَار وَلذَلِك ذكره جُمْهُور من صنف فِي المعجزات النَّبَوِيَّة وَاحْتَجُّوا على انه مَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ بَان مُعَاوِيَة وَأهل الشَّام حِين سَمِعُوهُ لم ينكروه وَذكر الْقُرْطُبِيّ فِي تَذكرته وَالْحَاكِم فِي عُلُوم الحَدِيث ان القَوْل بِمُقْتَضَاهُ اجماع أهل السّنة يَعْنِي ان من حَارب عليا عليه السلام فَهُوَ بَاغ عَلَيْهِ وانه عليه السلام صَاحب الْحق فِي جَمِيع تِلْكَ الحروب وَمِنْهَا مَا ورد فِي تَخْصِيص قتل الْمُسلم وقتاله من الْوَعيد الشَّديد وان رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ ان الله أبي عَليّ فِي الْقَاتِل وَفِي حَدِيث ابْن عمر لَا يزَال الْمُؤمن فِي فسحة من دينه مَا لم يصب دَمًا حَرَامًا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَرُوِيَ من حَدِيث عبَادَة بن الصَّامِت مَرْفُوعا من قتل مُؤمنا فاغتبط بقتْله لم يقبل الله مِنْهُ صرفا وَلَا عدلا قَالَ د فِي حَدِيث عبَادَة عَن يحيى بن يحيى الغساني فِي معنى اغتبط بقتْله قَالَ الَّذين يُقَاتلُون فِي الْفِتْنَة فَيقْتل أحدهم فَيرى انه على هدى لَا يسْتَغْفر الله تَعَالَى يَعْنِي من ذَلِك وَالْأَخْبَار فِي ذَلِك أَكثر من أَن تحصى
وَقد ذكرت فِي العواصم فِي مَسْأَلَة الْوَعيد أَحَادِيث كَثِيرَة رائعة فِي تَعْظِيم الْقَتْل وَذكرهَا هُنَا يخرجنا على معنى الِاخْتِصَار وَمِنْهَا وَهُوَ أقوى من هَذِه الْأَشْيَاء انه تَوَاتر عَن الصَّحَابَة انهم كَانُوا يَعْتَقِدُونَ فِي الْبَاغِي على أَخِيه الْمُسلم وعَلى امامه الْعَادِل انه عَاص آثم وَأَن التَّأْوِيل فِي ذَلِك مفارق للِاجْتِهَاد فِي الْفُرُوع فانهم لم يتعادوا على شَيْء من مسَائِل الْفُرُوع وتعادوا على الْبَغي وَكَذَلِكَ أَجمعت الْأمة على الِاحْتِجَاج بسيرة عَليّ عليه السلام فِي قِتَالهمْ وَلَيْسَ الْمُجْتَهد المعفو عَنهُ يُقَاتل على اجْتِهَاده وَيقتل ويهدر دَمه
وَأما الاحاديث الَّتِي تقدّمت فِي مُعَارضَة هَذِه فَلَا تبلغ مرتبتها فِي الصِّحَّة والشهرة وَلَو بلغت لم تعارضها فانها دَالَّة على اثم أهل الْفِتَن وانما فِيهَا انه خفف على هَذِه الْأمة عَذَابهَا فِي ذَلِك الذَّنب وَجعل عَذَابهَا بِالسَّيْفِ فِي دنياها وَهَذَا أولى أَن يكون حجَّة على تَحْرِيم ذَلِك وَعدم قبُول الِاجْتِهَاد فِيهِ فانه لَو قبل مِنْهُ لم يستحقوا عَلَيْهِ عذَابا لَا فِي الدُّنْيَا وَلَا فِي الْآخِرَة بالاجماع بل يسْتَحقُّونَ عَلَيْهِ المثوبة وَالثنَاء من الله سبحانه وتعالى
وَأما الرَّجَاء والشفاعة للْمُسلمين فقد تقدم مَا فِيهِ من الْقُرْآن والتواتر الا فِي قَاتل الْمُؤمن مُتَعَمدا وَمِنْهَا ان النَّبِي صلى الله عليه وسلم سمي فَسَاد ذَات الْبَين الحالقة تحلق الدّين لَا تحلق الشّعْر وَلَو كَانَ الِاجْتِهَاد فِيهَا سائغا لم يَصح ذَلِك وَمِنْهَا أَن الْفَرِيقَيْنِ اجْتَمعُوا على تهليك الْخَوَارِج والنصوص دلّت على ذَلِك
فان قيل انما هَلَكُوا بِمُجَرَّد اعْتِقَادهم التَّكْفِير
قيل لَا سَبِيل الى الْقطع بذلك بل قد ورد مَا يدل على ان الْقَتْل أعظم من التَّكْفِير وَذَلِكَ حَدِيث ثَابت بن الضَّحَّاك مَرْفُوعا وَفِيه وَمن قذف مُؤمنا بِكفْر فَهُوَ قَاتله وَتقدم القَوْل فِي صِحَّته وشواهده كَثِيرَة قَالُوا وَأما أَحَادِيث النَّهْي عَن دفاع المتأولين فَلَيْسَ الْعلَّة فِيهَا قبُول اجتهادهم أَلا ترَاهُ يَقُول فِيهَا كن كخير ابْني آدم يبوء باثمة واثمك فَيكون من أَصْحَاب النَّار رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي بكرَة وَلم يكن ابْن آدم الْقَاتِل لِأَخِيهِ معفوا عَنهُ وَالله تَعَالَى يَقُول عَن أَخِيه {إِنِّي أُرِيد أَن تبوء بإثمي وإثمك}
) بل هَذَا من أخص أَدِلَّة الْمُعْتَزلَة وأقواها لانه فِي أهل التَّأْوِيل بالِاتِّفَاقِ والاثم مَنْصُوص
وَقد جود ابْن جرير الطَّبَرِيّ الْكَلَام فِي هَذَا الْفَصْل وَنَقله ابْن بطال فِي شرح البُخَارِيّ وَأما قَوْله {وَمن يقتل مُؤمنا مُتَعَمدا} وَحَدِيث كل ذَنْب عَسى الله أَن يغفره الا الرجل يقتل الْمُؤمن مُتَعَمدا فَالْمُرَاد الِاحْتِرَاز من خطأ الْيَد لَا خطأ الاستحلال بِدَلِيل مَا ذَكرْنَاهُ وبدليل سِيَاق الْآيَات من أَولهَا فِي قتل الْخَطَأ وَكَلَام الْمُعْتَزلَة مَعَ كَثْرَة شواهده غير نَص فِي مَحل النزاع فانه يُمكن أَن يكون هَذَا الْوَعيد بالنَّار فِي الْفِتَن مُخْتَصًّا بالفتن الَّتِي الدَّاعِي اليها هُوَ الْهوى وَالْكبر وَحب الرياسة والمنافسة فِي الدُّنْيَا بل هُوَ الظَّاهِر فِي كثير من الْأَحَادِيث وَمن أَحْوَال أهل تِلْكَ الْفِتَن وَلَو اجتهدوا لعرفوا الْحق لاهله ومنتهى الامر ان يؤديهم الِاجْتِهَاد الى الْوَقْف
وروى الْحَاكِم فِي الْمُسْتَدْرك فِي مَنَاقِب عمار والذهبي فِي النبلاء فِي مناقبه أَيْضا عَن ابْن عمر مَا يدل على ذَلِك وانما الْكَلَام مَفْرُوض فِيمَن وَفِي الِاجْتِهَاد حَقه وَلذَلِك أَجمعت الْأمة على الْعَفو عَن الْمُجْتَهدين من أَئِمَّة الْعلم فِي معرفَة أَحْكَام الدِّمَاء وَالْقَتْل فِي الْحُدُود وَالْقصاص فِي مسَائِل الْفُرُوع الْمُخْتَلف فِيهَا الْمَعْمُول فِيهَا بأقوالهم كالخلاف فِي قتل تَارِك الصَّلَاة وَقتل الْحر بِالْعَبدِ وَنَحْو ذَلِك حَيْثُ لم يكن الْهَوِي سَبَب اخْتلَافهمْ وَظهر مِنْهُم التَّحَرِّي فِي الصَّوَاب وبذل الْجهد فِي تعرفه وتوفية الِاجْتِهَاد حَقه وَهَذَا زبدة مَا عَرفته من أَدِلَّة الْفَرِيقَيْنِ على جِهَة الاشارة وَالله الْهَادِي والموفق الى الصَّوَاب