المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌خَاتِمَة فِي حب من أحبه الله وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم - إيثار الحق على الخلق في رد الخلافات

[ابن الوزير]

الفصل: ‌ ‌خَاتِمَة فِي حب من أحبه الله وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم

‌خَاتِمَة

فِي حب من أحبه الله وَرَسُوله صلى الله عليه وسلم وَأمر بحبه من الْقَرَابَة وَالصَّحَابَة وَقد دلّت النُّصُوص الجمة المتواترة على وجوب محبتهم وموالاتهم وَأَن يكون مَعَهم فَفِي الصَّحِيح (لَا تدْخلُوا الْجنَّة حَتَّى تؤمنوا وَلَا تؤمنوا حَتَّى تحَابوا وَفِيه الْمَرْء مَعَ أحب)

وَمِمَّا يخص أهل بَيت رَسُول لله صلى الله عليه وسلم قَول الله تَعَالَى {إِنَّمَا يُرِيد الله ليذْهب عَنْكُم الرجس أهل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرا} كَمَا ثَبت فِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رضي الله عنها وَقَوله تَعَالَى {قل لَا أَسأَلكُم عَلَيْهِ أجرا إِلَّا الْمَوَدَّة فِي الْقُرْبَى} كَمَا روى تَفْسِيرهَا مَرْفُوعا امام أهل الحَدِيث أَحْمد بن حَنْبَل والملا فِي سيرته وَالطَّبَرَانِيّ فِي معجمعه الْكَبِير والاوسط من حَدِيث حبر الامة وبحرها عبد الله بن الْعَبَّاس رضي الله عنهما

ويعضد ذَلِك من كتاب الله تَعَالَى قَوْله عز وجل {ألحقنا بهم ذُرِّيتهمْ} وَقَوله تَعَالَى {وَكَانَ أَبوهُمَا صَالحا} واجماع الامة وتواتر الاخبار بشرع الصَّلَاة عَلَيْهِم فِي تشهد الصَّلَاة واختصاصهم بِهِ أَو بالاجماع على دُخُولهمْ فِيهِ فَيجب لذَلِك حبهم وتعظيمهم وتوقيرهم واحترامهم وَالِاعْتِرَاف بمناقبهم فانهم أهل آيَات المباهلة والمودة والتطهير وَأهل المناقب الجمة وَالْفضل الشهير

وَقد ذكر مناقبهم امام أهل الحَدِيث وَالسّنة فِي عصره الْمُحب الطَّبَرِيّ وصنف فِي ذَلِك كِتَابه ذخائر العقبى فِي مَنَاقِب ذَوي الْقُرْبَى وَيَا لَهُ من

ص: 416

كتاب وَافق اسْمه مُسَمَّاهُ وَصدق لَفظه وَمَعْنَاهُ وَكَذَلِكَ دلّت النُّصُوص المتواترة على وجوب حب أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَآله وَرَضي الله عَنْهُم وأرضاهم وتعظيمهم وتكريمهم واحترامهم وتوقيرهم وَرفع مَنْزِلَتهمْ والاحتجاج باجماعهم والاستنان بآثارهم واعتقاد مَا نطق بِهِ الْقُرْآن الْكَرِيم وَالذكر الْحَكِيم من انهم خير أمة أخرجت للنَّاس وَفِيهِمْ يَقُول الله تَعَالَى {وَالَّذين مَعَه أشداء على الْكفَّار رحماء بَينهم تراهم ركعا سجدا يَبْتَغُونَ فضلا من الله ورضوانا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوههم من أثر السُّجُود} الْآيَة

وَفِي تَعْظِيم حق أهل الْبَيْت يَقُول رَسُول الله صلى الله عليه وسلم (سِتَّة لعنتهم لعنهم الله وَذكرهمْ الي أَن قَالَ والمستحل من عِتْرَتِي لما حرم الله تَعَالَى رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَالْحَاكِم من حَدِيث عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رضي الله عنها

وَفِي تَعْظِيم حق الصَّحَابَة رضي الله عنهم يَقُول صلى الله عليه وسلم (اذا سَمِعْتُمْ من يلعن أَصْحَابِي فَقولُوا لعنة الله على شركم) رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ

وَكَذَلِكَ يجب حب الْمُؤمنِينَ عُلَمَائهمْ وعامتهم ونصيحتهم واكرامهم لما ثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ لَا يُؤمن أحدكُم حَتَّى يحب لاخيه الْمُؤمن مَا يحب لنَفسِهِ وَقد تقدم فِي مَسْأَلَة الْوَعْد والوعيد فَوَائِد تعلق بِحكم الخالطين من الْمُسلمين وخصوص الْمُؤمنِينَ والتحذير من مشاحنتهم واضمار الغل لَهُم والمحافظة على ذَلِك والتواصي بِهِ على مُقْتَضى مَا وصف الله تَعَالَى بِهِ الْمُؤمنِينَ من التواصي بِالْحَقِّ وَالصَّبْر والمرحمة جعلنَا الله من العاملين بذلك وَهُوَ الْهَادِي لَا اله الا هُوَ نعم الْمولى وَنعم النصير لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على كل شَيْء قدير وَهُوَ حَسبنَا وَنعم الْوَكِيل

والاولى لكل حَازِم أَن يشْتَرط فِي كل مَا يَعْتَقِدهُ من المشكلات الْمُخْتَلف فِيهَا ان يكون مُوَافقا لما هُوَ الْحق عِنْد الله تَعَالَى وَأَن لَا يكون فِيهِ مُخَالفَة لشَيْء من كتب الله تَعَالَى وَلَا لما جَاءَت بِهِ رسل الله تَعَالَى عَلَيْهِم أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام وان كَانَ الْوَقْف حَيْثُ يجوز أحزم وَأسلم فان الْعِصْمَة مُرْتَفعَة والثقة بالفهم أَو الانصاف غير مُفِيد للْعلم الضَّرُورِيّ بالسلامة من ذَلِك

ص: 417

وَقد ورد فِي الحَدِيث مَا يدل على نفع ذَلِك كَمَا تقدم فِي حَدِيث زيد بن ثَابت فِي آيَة آخر مَسْأَلَة التَّكْفِير والتفسيق وَلَو لم يكن الا ان هَذَا الِاشْتِرَاط آخر مَا فِي الوسع من طلب النجَاة

وَأَنا أشهد الله عز وجل بأني مشترط لذَلِك فِي كل مَا يحسن مني اشْتِرَاطه فِيهِ ويكون أحوط لي فِي ديني وَأقرب الى رضوَان رَبِّي سبحانه وتعالى مَعَ اخْتِيَار الْوَقْف فِي المشكلات الْمُخْتَلف فِيهَا حَيْثُ لَا يجب الْقطع بِأحد الِاحْتِمَالَيْنِ تقبل الله ذَلِك مني وثبتني وهداني وَلَا وكلني الى نَفسِي طرفَة عين وَلَا حول وَلَا قُوَّة الا بِاللَّه عَلَيْهِ توكلت واليه أنيب

وَهَذَا آخر هَذَا الْمُخْتَصر الْمُبَارك إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَأما الْكَلَام فِي الْخلَافَة ومناقب الْقَرَابَة وَالصَّحَابَة فَلَا يَتَّسِع لَهُ هَذَا الْمُخْتَصر فان الْكَلَام فِيهِ كثير جدا وإفراده بمجلد يحِق لَهُ بل يقل لَهُ عِنْد من يعرف مَا ورد فِي ذَلِك وَمَا قَالَه أهل الْعلم فِيهِ وَإِنَّمَا أوردت فِي هَذَا الْمُخْتَصر مَا يصلح أَن يكون مُقَدّمَة من مُقَدمَات تَفْسِير كتاب الله تَعَالَى كَمَا ذكرته فِي هَذَا الْمُخْتَصر من أَنْوَاع التَّفْسِير مِنْهُ فِي النَّوْع الأول مِنْهَا وَالله تَعَالَى يتَقَبَّل مني مَا وهب من ذَلِك ويبارك فِيهِ رَبنَا تقبل منا انك أَنْت السَّمِيع الْعَلِيم فانما الْبركَة وَالْخَيْر كُله بِيَدِهِ سُبْحَانَهُ وَمِنْه وَبِه وَله فَلهُ الْحَمد كُله كَمَا يَنْبَغِي لكريم وَجهه وَله الشُّكْر وَله الثَّنَاء لَا أحصي ثَنَاء عَلَيْهِ هُوَ كَمَا أثنى على نَفسه سبحانه وتعالى

ثمَّ اني أختم هَذَا الْمُخْتَصر الْمُبَارك باني أسْتَغْفر الله وأسأله التجاوز عني والمسامحة فِي كل مَا أَخْطَأت فِيهِ من هَذَا الْمُخْتَصر وَغَيره فَانِي مَحل الْخَطَأ والغلط وَالْجهل وَأَهله وَهُوَ سبحانه وتعالى أهل الْمَغْفِرَة وَالسعَة والمسامحة والغنى الْأَعْظَم والكريم الأكرم عَن مضايقة الْمَسَاكِين والجاهلين اذ كَانَ تَعَالَى عز وجل غَنِيا عَن عرفان العارفين غير متضرر بِجَهْل الْجَاهِلين وَآخر كَلَامي كَاف لَهُ أَن الْحَمد لله رب الْعَالمين وصلواته على سيدنَا مُحَمَّد خَاتم النَّبِيين وعَلى آله الطاهرين الطيبين وَصَحبه الرَّاشِدين وَلَا حول وَلَا قُوَّة الا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم

ص: 418