الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمحَال مَا صَحَّ سمع وَلَا عقل وَلَا كشف وَلَا نظر وَلَا علم شَيْء أَلْبَتَّة وَكَأن هَؤُلَاءِ الْقَوْم لم يفرقُوا بَين المحارة والمحال فَأَما من عرف مَا هُوَ الْمحَال وَجوزهُ لم يَصح مِنْهُ بعد ذَلِك دَعْوَى أَنه محق وَأَن خَصمه مُبْطل أبدا لِأَنَّهُ لَا يمْنَع من كَون المحق مُبْطلًا والمبطل محقا والتوحيد شركا والشرك توحيدا إِلَّا كَون ذَلِك محالا والمحال لَا يَقع أَلْبَتَّة فَمن فتح بَاب تَجْوِيز الْمحَال لم يمْتَنع شَيْء من ذَلِك وانسد بَاب الانكار على كل كَافِر وجاحد وَلم يبْق فرق بَين أعرف العارفين وأجن المجانين فيا عجبا كَيفَ يَدعِي مثل هَؤُلَاءِ مَرَاتِب العارفين وَلَا تغني عَنْهُم دَعْوَى دقة التَّفْرِقَة بَين الْعلم وَالظَّن فَإِن الْفرق بَينهمَا فِي الضروريات ضَرُورِيّ بل من الضَّرُورَة انقسام جَمِيع مَا يُمكن الْخَبَر عَنهُ والاعتقاد لَهُ إِلَى مَا جمع الْجَزْم والمطابقة والثبات عِنْد التشكيك وَإِلَى مَا لم يجمعها فالجامع لَهَا هُوَ الْعلم وَإِن اخْتَلَّ الثَّبَات فاعتقاد مقلد المحق أَو الْمُطَابقَة فالاعتقاد الْفَاسِد أَو الْجَزْم فَمَعَ الاسْتوَاء الشَّك وَمَعَ الرجحان الرَّاجِح الظَّن والمرجوح الْوَهم فَعلمت كلهَا بِالضَّرُورَةِ وَإِن اخْتلفت الْعبارَات عَنْهَا فَإِن اخْتِلَاف اللُّغَات والعبارات لَا يحِيل الْمعَانِي
خَاتِمَة الْمُقدمَة
وَاعْلَم أَن منكري الْعُلُوم لم ينازعوا فِي حسن الْعَمَل بهَا بل وَلَا فِي وُجُوبه فَإِنَّهُم انتفعوا بالابصار وتوقوا بِسَبَبِهَا الْوُقُوع فِي المَاء وَالنَّار وَسَائِر المهلكات والأخطار
وَمن عجائب مَا يرْوى عَنْهُم أَن بَعضهم صنف كتابا فِي نفي الْعُلُوم وَمَات لَهُ ولد قد قَارب الْحلم فَقَالَ إِنَّه إِنَّمَا أَسف لمَوْت وَلَده قبل أَن يقْرَأ كِتَابه فِي نفي الْعُلُوم فَقيل لَهُ وَمَا يدْريك أَنه كَانَ لَك ولد وَأَنه مَاتَ وَأَنه لم يقْرَأ وَإنَّك مَوْجُود وَإنَّك صنفت كتابا فَلم يدر مَا يَقُول
وَمن سخف هَؤُلَاءِ لم يذكر الله سُبْحَانَهُ الرَّد عَلَيْهِم فِي كِتَابه وَلَا رسله صلوَات الله عَلَيْهِم وَإِنَّمَا قدمت ذكرهم عِبْرَة لَك حَتَّى لَا تحتفل بِوُجُود الْمُخَالفين للحق الْجَلِيّ وتظن أَنه لَو كَانَ حَقًا جليا لم يُمكن أَن يكون فِيهِ مُخَالف عَاقل بل مُدع لمرتبة الْكَمَال فِي الاسلام كنفاة جَمِيع الْعُلُوم
والأدلة عقلا وسمعا إِلَّا من طَرِيق الْكَشْف ونفاة وجوب الرب والخلق إِلَّا الْوُجُود الْمُطلق الَّذِي هُوَ ذَات الْأَحَد والحضرة الأحدية عِنْدهم وَمَا عداهُ من مَرَاتِب وجود الله وأسمائه الْحسنى كلهَا وَهِي الحضرة الواحدية عِنْدهم وَوُجُود خلقه ملائكتهم ورسلهم وكتبهم وجنهم وانسهم وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَة كل ذَلِك خيال لَا حَقِيقَة لَهُ أبدا مَا عدا الْوُجُود الْمُطلق الَّذِي هُوَ الْأَحَد والحضرة الأحدية عِنْدهم هُوَ عدم مَحْض لَا وجود لَهُ إِلَّا فِي اللَّفْظ والذهن عِنْد سَائِر الْمُحَقِّقين من الْعُقَلَاء فَهُوَ الْمَوْجُود على الْحَقِيقَة عِنْدهم وكل مَوْجُود عِنْدهم مَا عداهُ خيال مِنْهُ كطيف الاحلام لَكِن أحب أَن يرى نَفسه فِيهِ وَنسبَة كل شَيْء إِلَيْهِ نِسْبَة صُورَة دحْيَة إِلَى جِبْرِيل فَهُوَ هُوَ من وَجه وَمَا هُوَ هُوَ من وَجه فَكَذَلِك فَلْيَكُن الضلال الْمُبين وَكفى فِي بَيَان ضلالهم فرقهم بَين الاحد وَالْوَاحد وَبَين الْأَحَد وَبَين الله وَلُزُوم قَوْلهم لإلهين اثْنَيْنِ أحد حَقِيقِيّ وَوَاحِد خيالي وَلم يذكر هَؤُلَاءِ الْغَزالِيّ فِي الرَّد على الاتحادية فِي الْمَقْصد الاسنى لتأخر حُدُوث ضلالهم الْفَاحِش نَعُوذ بِاللَّه من الْغرُور
فَإِذا تقرر أَن اثبات الْعُلُوم هُوَ الْحق والاحوط وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ الشَّرَائِع وَالْفطر وَعمل الْخلق وان الِاضْطِرَار إِلَيْهِ وَإِلَى الْعَمَل بِهِ حَاصِل وَإنَّهُ لَا خطر فِي الْعَمَل بِهَذِهِ الْعُلُوم عِنْد جاحدها أَيْضا ثَبت أَن الْعَمَل بهَا نهج السَّلامَة بِغَيْر شكّ وَلَا خلاف فَهَذَا أولى خلاف تخلصت مِنْهُ بِطيبَة نفس وَأول حق وَاجِب ظَفرت بمعرفته لِأَن مُخَالف الْحق هُنَا يكفر بانكار جَمِيع المعارف الدِّينِيَّة الْمُتَعَلّقَة بِالْقطعِ باثبات الربوبية والنبوات والشرائع الْوَاجِبَات وَهَذَا أَيْضا أول كفر نجوت برحمة الله مِنْهُ وَالْحَمْد لله رب الْعَالمين وَبعد ثُبُوت الْعلم نذْكر شَيْئا من صَحِيح فضائله وَالتَّرْغِيب فِيهِ