المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مقدمة في علم التوحيد - إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل

[البدر ابن جماعة]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌مُقَدّمَة فِي علم التَّوْحِيد

- ‌السّلف الصَّالح يَخُوضُونَ فِي علم التَّوْحِيد

- ‌فصل

- ‌الْكَلَام فِي ذَات الله تَعَالَى وَصِفَاته

- ‌فصل

- ‌افْتِرَاق أمة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الطّرف الأول المشبهة والمجسمة

- ‌الطّرف الثَّانِي: المعطلة

- ‌اوسط

- ‌خُلَاصَة مُعْتَقد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة

- ‌فصل

- ‌السّلف وَالْخلف

- ‌قَول السّلف فِي الصِّفَات

- ‌الِاعْتِمَاد على الحَدِيث الصَّحِيح دون الضَّعِيف فِي العقائد

- ‌الْخلف

- ‌ التَّأْوِيل

- ‌قِرَاءَة فِي كتاب

- ‌الشبهه الأولى وَدفعهَا

- ‌الشُّبْهَة الثَّانِيَة وَدفعهَا

- ‌الشُّبْهَة الْخَامِسَة وَدفعهَا

- ‌جماع ابواب إِثْبَات صِفَات الله عز وجل

- ‌فصل

- ‌دعاوى خطيرة لَيْسَ لَهَا دَلِيل شَرْعِي

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌تَرْجَمَة مؤلف إِيضَاح الدَّلِيل فِي قطع حجج أهل التعطيل

- ‌مصنفاته

- ‌مُقَدّمَة الْكتاب

- ‌للْمُصَنف

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌الْكَلَام على مَا فِي الْكتاب الْعَزِيز من الْآيَات وتأويلها

- ‌بِمَا يَلِيق بِجلَال الله تَعَالَى من الصِّفَات

- ‌الْقسم الثَّانِي فِيمَا ورد من صَحِيح الْأَخْبَار

- ‌فِي صفة الْوَاحِد القهار

- ‌الحَدِيث الأول فِي ذكر الصُّورَة

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث السَّادِس

- ‌الحَدِيث السَّابِع

- ‌الحَدِيث الثَّامِن

- ‌الحَدِيث التَّاسِع

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر

- ‌الحَدِيث الرَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الْخَامِس عشر

- ‌الحَدِيث السَّادِس عشر

- ‌الحَدِيث السَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الثَّامِن عشر

- ‌الحَدِيث التَّاسِع عشر

- ‌الحَدِيث الْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الموفي ثَلَاثِينَ

- ‌الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ

- ‌الْقسم الثَّالِث

- ‌فِي الْأَحَادِيث الضعيفة الَّتِي وَضَعتهَا الزَّنَادِقَة أَعدَاء الدّين وأرباب الْبدع المضلين ليلبسوا على النَّاس دينهم

- ‌الحَدِيث الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السَّادِس

- ‌الحَدِيث السَّابِع

- ‌الحَدِيث الثَّامِن

- ‌الحَدِيث التَّاسِع

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر

- ‌الحَدِيث الرَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الْخَامِس عشر

- ‌الحَدِيث السَّادِس عشر

- ‌الحَدِيث السَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الثَّامِن عشر

- ‌الحَدِيث التَّاسِع عشر

- ‌الحَدِيث الموفى عشْرين

- ‌الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الموفي للثلاثين

- ‌الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ

- ‌الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ

- ‌الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ

- ‌الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ

الفصل: ‌مقدمة في علم التوحيد

‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

‌مُقَدّمَة فِي علم التَّوْحِيد

علم التَّوْحِيد علم يعْنى بِمَعْرِِفَة الله تَعَالَى وَالْإِيمَان بِهِ، وَمَعْرِفَة مَا يجب لَهُ سُبْحَانَهُ وَمَا يَسْتَحِيل عَلَيْهِ وَمَا يجوز سَائِر مَا هُوَ من أَرْكَان الْإِيمَان السِّتَّة وَيلْحق بهَا وَهُوَ أشرف الْعُلُوم وَأَكْرمهَا على الله تَعَالَى لِأَن شرف الْعلم يتبع شرف الْمَعْلُوم لَكِن بِشَرْط أَن لَا يخرج عَن مَدْلُول الْكتاب وَالسّنة الصَّحِيحَة وَإِجْمَاع الْعُدُول وَفهم الْعُقُول السليمة فِي حُدُود الْقَوَاعِد الشَّرْعِيَّة وقواعد اللُّغَة الْعَرَبيَّة الأصيلة

لقد أنزل الله تَعَالَى الْقُرْآن على الْعَرَب وَغَيرهم بِلِسَان الْعَرَب وأسلوبهم وبيانهم مَعَ إعجازه هُوَ دون كَلَامهم ففهموه وعقلوا مَعَانِيه وَفسّر لَهُم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بعض مَا احتاجوا إِلَى تَفْسِيره مِنْهُ

وتحدث إِلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على أسلوب الْعَرَب وبيانهم فِيمَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآن الْكَرِيم شرحا وبيانا تقريرا وتفسيرا تَخْصِيصًا وتقييدا كَمَا تحدث بمسائل وَأَحْكَام لم تأت فِي كتاب الله تَعَالَى ففهموا ذَلِك مِنْهُ صلى الله عليه وسلم وعقلوه

ثمَّ حِين دخل فِي الْإِسْلَام غير الْعَرَب لُغَة وجنسا وخفى عَلَيْهِم بعض أساليب الْقُرْآن الْكَرِيم وأعاريبه ومعاني بعض أَلْفَاظه ومقاصدها وَأخذت سليقة الْعَرَبيَّة فِي الْفساد عِنْد بعض الْعَرَب فَدخل لُغَة الْجمع من الطَّرفَيْنِ اللّحن وَالْخَطَأ ألهم الله تَعَالَى عمر وعليا رضي الله عنهما بالتوجه إِلَى تَقْرِير قَوَاعِد الْعَرَبيَّة وأعاريبها فَظهر علم النَّحْو ثمَّ ظَهرت سَائِر عُلُوم الْعَرَبيَّة من صرف وبلاغة ورتبت عُلُوم الْعَرَبيَّة واتسعت وتعددت موضوعاتها حَتَّى أضحى علم الْعَرَبيَّة علما لَهُ قَوَاعِده وأصوله وأساليبه وميادينه وأغراضه ومراميه وَله أَهله وأساتذته وَظَهَرت بِقصد خدمَة كِتَابه الْقُرْآن الْكَرِيم خَاصَّة نقط بعض الْحُرُوف وَوَصلهَا وشكلها وَفصل الْآي والتحزيب وَمَا إِلَى ذَلِك فَكَانَت بذلك الْفَائِدَة الْعُظْمَى فِي حفظ اللُّغَة الْعَرَبيَّة وخدمة كتابها الأول والأعظم

وَإِن ذَلِك من مَعَاني قَوْله تَعَالَى {إِنَّا نَحن نزلنَا الذّكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون} وَالْحَمْد لله

ص: 7

وَحين اتَّصل الْمُسلمُونَ الْعَرَب بِغَيْر الْعَرَب من الشعوب مِمَّن أَسْلمُوا واطمأنت بِالْإِسْلَامِ قُلُوبهم أَو مِمَّن تظاهروا بِالْإِسْلَامِ ليكيدوا لَهُ من الدَّاخِل وصلت إِلَى مسامع الْمُسلمين الْأَوَائِل أُولَئِكَ عقائد ومعارف دينية غير الَّتِي عرفوها فِي الْقُرْآن وَالسّنة ألهم الله تَعَالَى كبار التَّابِعين وأتباعهم التَّوَجُّه إِلَى تَقْرِير قَوَاعِد الْإِسْلَام وأركان الْإِيمَان ومسائلها وبسطها وَضرب الْأَمْثِلَة عَلَيْهَا بِمَا يُوضح ويحقق الْيَقِين عِنْد غير الْعَرَب السَّابِقين خَاصَّة فِي قضايا الإعتقاد ومسائل الْإِيمَان ووفق الله تَعَالَى بعض أُولَئِكَ التَّابِعين لعرض مسَائِل عقائد الآخرين وَبَيَان فَسَادهَا وضلالها من خلال الْقُرْآن وَالسّنة وَالْعقل والفكر السَّلِيم فَظهر علم التَّوْحِيد أَو مَا سمي بِعلم الْكَلَام

وكما كَانَت كتابات اللُّغَة الْعَرَبيَّة أول أمرهَا وجيزة ويسيرة ثمَّ توسعت وتعمقت كَذَلِك كَانَ الْأَمر فِي علم التَّوْحِيد وَمَا يُقَال فِي هذَيْن العلمين يُقَال فِي سَائِر الْعُلُوم من التَّفْسِير وعلوم الْقُرْآن من الْفِقْه والْحَدِيث والسيرة والتاريخ

فَبعد أَن كتب التَّابِعِيّ الْجَلِيل الإِمَام أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى (الْفِقْه الْأَكْبَر) الَّذِي لَا يزِيد على سِتّ صفحات من أصُول مسَائِل الإعتقاد رَأينَا بعد ذَلِك من توسع فِيهِ - تبعا للْحَاجة - فشرح الْمَوْجُود وأضاف مَا يرَاهُ من البحوث والموضوعات الَّتِي لَهَا علاقَة بِعلم التَّوْحِيد

وَبعد أَن كتب الْمُحدث الْفَقِيه الإِمَام أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ رَحمَه الله تَعَالَى رسَالَته فِي العقيدة وسماها (بَيَان السّنة وَالْجَمَاعَة) فِي عشر صفحات جَاءَ من يشرحها بعدة بقرون بعشرات من الصفحات ومئاتها وَهَكَذَا ثمَّ توسع وَشرح وأفاض فِي الْكِتَابَة فِي علم التَّوْحِيد الإمامان الجليلان أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ وَأَبُو مَنْصُور الماتريدي رحمهمَا الله تَعَالَى وهما - وَإِلَى الْآن - الْعُمْدَة لمن كتب بعدهمَا فِي علم التَّوْحِيد مثل الباقلاني وَالْغَزالِيّ وَالْفَخْر وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَغَيرهم

قَالَ ابْن حجر الهيتمي رَحمَه الله تَعَالَى نسب علم الْكَلَام إِلَى الْأَشْعَرِيّ لِأَنَّهُ بَين مناهج الْأَوَّلين ولخص موارد الْبَرَاهِين وَلم يحدث فِيهِ بعد السّلف إِلَّا مُجَرّد الألقاب والإصطلاحات وَقد حدث ذَلِك فِي كل فن من فنون الْعلم وَمثل ذَلِك قَوْله

ص: 8

الإِمَام عَليّ الْقَارِي فِي الإِمَام الماتريدي فِي (الثِّمَار الجنية) لَهُ

لقد عرض الْقُرْآن الْكَرِيم لعقائد بعض أهل الشَّرَائِع والعقائد السَّابِقَة بأسلوبه الْخَاص وبإيجاز وَبَين فَسَادهَا وبطلانها بأسلوبه الْخَاص وبإيجاز كَذَلِك فخاطب الْمَلَاحِدَة المعطلة الَّذين يُنكرُونَ الْخَالِق قَائِلا أم خلقُوا من غير شَيْء أم هم الْخَالِقُونَ. أم خلقُوا السَّمَوَات وَالْأَرْض بل لَا يوقنون

وَقد حكى الله تَعَالَى محاورة إِبْرَاهِيم عليه السلام قومه ومحاورته الْجَبَّار نمرودا وَكَيف أفحمهم إِبْرَاهِيم عليه السلام {فبهت الَّذِي كفر وَالله لَا يهدي الْقَوْم الظَّالِمين}

كَمَا حكى سُبْحَانَهُ محاورة مُوسَى عليه السلام للظاغية فِرْعَوْن حَتَّى إِذا قَامَت الْحجَّة على فِرْعَوْن وَقَومه وَلم يبْق لَهُ سلَاح سوى الْبَطْش وَأَرَادَ ذَلِك أهلكه الله تَعَالَى وَمن مَعَه فِي الْبَحْر الَّذِي لَا تغرف فِيهِ بطة ثمَّ لَفظه الْبَحْر ليَكُون آيَة على قدرَة الله تَعَالَى وَصدق مُوسَى عليه السلام وَفَسَاد راي فِرْعَوْن ودعوته

وَلما جَاءَ أبي بن خلف رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ عظم بَال يفتته وَقَالَ مستهزئا يامحمد أَتَرَى رَبك يحيي هَذَا بعد مَا رم وبلي قَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي صدق ويقين نعم وَيَبْعَثُك الله وَيُدْخِلك النَّار وَأنزل الله سُبْحَانَهُ خَوَاتِيم سُورَة ياسين وَضرب لنا مثلا وَنسي خلقه قَالَ من يحي الْعِظَام وَهِي رَمِيم. قل يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أول مرّة وَهُوَ بِكُل خلق عليم

هَذَا وَأَمْثَاله من مسَائِل الِاعْتِقَاد يجب على الْمُسلمين أَن يعرفوه ويعقلوه إِجْمَالا على الْعَامَّة وتفصيلا على أهل الْعلم والدعوة وعَلى أهل الْقَلَم أَن يكتبوا فِيهِ وينشرو بَين النَّاس

إِلَّا أَنه قد دخل (علم التَّوْحِيد) بعد الْقرن الثَّالِث مَا عده بعض أهل الْعلم فِي وَقت مَا ضَرُورِيًّا من اساليب عقلية وقضايا منطقية فكرية، وفلسفية فِي بعض مسَائِل

ص: 9

الِاعْتِقَاد وَأَحْكَامه مثل إِثْبَات وجوب وجود الْخَالِق وحدوث مَا سواهُ يواجهون بذلك أساليب أَعدَاء الْإِسْلَام ليحاجوهم ويلزموهم الْحق من بَاب (من فمك أدينك) فأضحى علم التَّوْحِيد فِي ذَلِك الْعَصْر عِنْد بعض أهل الْعلم علما معقد الأسلوب معقد الفكرة تقلب الصفحات العديدة فِيهِ دون أَن تقْرَأ فِيهَا آيَة أَو حَدِيثا وابتعد بذلك عَن أسلوب الْقُرْآن الَّذِي يُخَاطب الْعقل والوجدان مَعًا وَيُقِيم الْحجَّة وَيَدْعُو إِلَى الانضواء تَحت لِوَاء الْإِسْلَام قلبا وقالبا وَكفى بِبَيَان كتاب الله تَعَالَى بَيَانا

كَانَ ذَلِك أسلوب الْوَقْت - ولوقت معِين - وَمن جماعات مُعينَة اجْتِهَادًا مِنْهَا ونظرا والمجتهد - أهل الإجتهاد - مثاب أصَاب فِي إجتهاده أَو أَخطَأ

فَإِنَّهُ لَا ريب أَن أسلوب الْقُرْآن وَبَيَان الْقُرْآن وأسلوب الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وَمَا يهديان إِلَيْهِ هما أجدى وَأقرب إِلَى الْحجَّة الْإِقْنَاع فِي ذَلِك الْعَصْر وَفِي كل عصر حَتَّى تقوم السَّاعَة وَالْحَمْد لله

ذكرت أَن بعض التَّابِعين كتبُوا كتابات وجيزة فِي علم التَّوْحِيد إِذْ لم يرَوا أَن يبينوا سوى الْحق بإيجاز وعَلى قدر الْحَاجة فَمن يَقُول إِن السّلف الصَّالح لم يخوضوا فِي علم التَّوْحِيد وَلم يكتبوا فِيهِ وَإِن ذَلِك بِدعَة ضَلَالَة هم مخطئون لِأَن الْإِسْلَام دين الخلود وَمن مُقْتَضى خلوده - وَهُوَ وَحده الْحق - أَن يُقرر كل حَقِيقَة وَأَن يدْفع كل فكرة ضَالَّة أَو عقيدة فَاسِدَة تنشأ فِي الْمُسلمين أَو نحلة ضَالَّة تجابه عقيدة الْإِسْلَام وعقائده وَأَهله وَيسْعَى أَن يضفي بنوره على قُلُوب النَّاس عَامَّة بِإِذن الله تَعَالَى

نعم إِن بعض السّلف كره الْخَوْض فِي محاورة أهل الْأَهْوَاء والضلالات لما فِي ذلكمن نقل أَقْوَالهم ثمَّ تفنيدها وَذَلِكَ مِمَّا يشغل الْقلب وَقد يَظْلمه ويشغل عَن الأهم من الْعُلُوم عِنْدهم - كَمَا نقل من إِنْكَار الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل على الإِمَام الْحَارِث المحاسبي رحمهمَا الله تَعَالَى خوضه فِي مسَائِل الإعتقاد وَالرَّدّ على أهل الضلال - وَأما إِذا حقت الْمَسْأَلَة وتحققت الْحَاجة فهم يَقُولُونَ فِيهَا بعقولهم الْعَظِيمَة من خلال أصُول الدّين لِأَن حفظ العقائد أهم الْعُلُوم وأولاها وَلَقَد سمى الإِمَام أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى علم التَّوْحِيد الْفِقْه الْأَكْبَر وَلَقَد قيل إِن الإِمَام أَحْمد بن حَنْبَل رَحمَه الله تَعَالَى كتب رِسَالَة فِي الرَّد على الْجَهْمِية وَالله أعلم بِصِحَّة ذَلِك

ص: 10

قَالَ القَاضِي أَبُو الْمَعَالِي عبد الْملك من أعتقد أَن السّلف الصَّالح رضي الله عنهم نهوا عَن معرفَة الْأُصُول وتجنبوها أَو تغافلوا عَنْهَا وأهملوها فقد اعْتقد فيهم عَجزا وأساء بهم ظنا لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل فِي الْعقل وَالدّين عِنْد كل من أنصف من نَفسه أَن الْوَاحِد مِنْهُم يتَكَلَّم فِي مَسْأَلَة الْعَوْل وقضايا الْجد - مِيرَاث - وكمية الْحُدُود وَكَيْفِيَّة الْقصاص بفصول ويباهل عَلَيْهَا ويلاعن ويجافي فِيهَا ويبالغ أَو يذكر على إِزَالَة النَّجَاسَات عشْرين دَلِيلا لنَفسِهِ وللمخالف ويشقق الشّعْر فِي النّظر ثمَّ لَا يعرف ربه الْآمِر خلقه بالتحليل وَالتَّحْرِيم والمكلف عباده للترك والتعظيم

فهيهات أَن يكون ذَلِك وَأَنَّهُمْ أهملوا تَحْرِير أدلته وَإِقْرَار أسئلته وأجوبته فَإِن الله تَعَالَى بعث مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم فأيده بِالْآيَاتِ الباهرة والمعجزات الْقَاهِرَة حَتَّى أوضح الشَّرِيعَة وَبَينهَا وعلمهم مواقيتها وعينها فَلم يتْرك لَهُم أصلا من الْأُصُول إِلَّا بناه وشيده وَلَا حكما من الْأَحْكَام إِلَّا أوضحه ومهده لقَوْله سُبْحَانَهُ وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس مَا نزل إليم ولعلهم يتفكرون فاطمأنت قُلُوب الصَّحَابَة لما عاينوا من عجائب الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وشاهدوا من صدق التَّنْزِيل ببدائة الْعُقُول والشريعة غضة طريه متداولة بَينهم فِي مواسمهم ومجالسهم يعْرفُونَ التَّوْحِيد مُشَاهدَة بِالْوَحْي وَالسَّمَاع ويتكلمون فِي أَدِلَّة الوحدانية بالطباع مستغنين عَن تَحْرِير أدلتها وتقويم حجتها وعللها كَمَا أَنهم كَانُوا يعْرفُونَ تَفْسِير الْقُرْآن ومعاني الشّعْر وَالْبَيَان وترتيب النَّحْو وَالْعرُوض وفتاوي النَّوَافِل والفروض من غير تَحْرِير الْعلَّة وَلَا تَقْوِيم الْأَدِلَّة

ثمَّ لما انقرضت أيامهم وتغيرت طباع من بعدهمْ وَكَلَامهم وخالطهم أَقوام من غير جنسهم وَطَالَ بالسلف الصَّالح وَالْعرب العرباء عَهدهم وأشكل عَلَيْهِم تَفْسِير الْقُرْآن ومرن عَلَيْهِم غلط اللِّسَان وَكثر المخالفون فِي الْأُصُول وَالْفُرُوع واضطروا إِلَى جمع الْعرُوض والنحو وتمييز الْمَرَاسِيل من المسانيد والآحاد من التَّوَاتُر وصنفوا التَّفْسِير وَالتَّعْلِيق وبينوا التدقيق وَالتَّحْقِيق وَلم يقل أحد إِن هَذِه كلهَا بدع ظَهرت وَأَنَّهَا محالات جمعت ودونت بل هُوَ الشَّرْع الصَّحِيح والرأي القويم وَكَذَلِكَ هَذِه الطَّائِفَة - يَعْنِي عُلَمَاء التَّوْحِيد - كثر الله عَددهمْ وقوى عَددهمْ بل هَذِه الْعُلُوم أولى

ص: 11

تجمعها لحُرْمَة علومها فَإِن مَرَاتِب الْعُلُوم تترتب على حسب معلوماتها والصنائع تكرم على قدر مصنوعاتها فَهِيَ من فَرَائض الْأَعْيَان وَغَيرهَا إِمَّا فَرَائض الكفايات أَو كالمندوب وَالْمُسْتَحب فَإِن من جهل صفة من صِفَات معلومه لم يعرف الْمَعْلُوم على مَا هُوَ بِهِ وَمن لم يعرف الْبَارِي سُبْحَانَهُ على مَا هُوَ بِهِ لم يسْتَحق اسْم الْإِيمَان وَلَا الْخُرُوج يَوْم الْقِيَامَة من النيرَان

وَقَالَ الإِمَام الْجُوَيْنِيّ رَحمَه الله تَعَالَى رَأَيْت إِبْرَاهِيم الْخَلِيل عليه الصلاة والسلام فِي الْمَنَام فَأَهْوَيْت لِأَن أقبل رجلَيْهِ فَمَنَعَنِي من ذَلِك تكريما لي فاستدبرت فَقبلت عَقِبَيْهِ فَأَوَّلْته الرّفْعَة وَالْبركَة تبقى فِي عَقبي ثمَّ قلت يَا خَلِيل الله مَا تَقول فِي (علم الْكَلَام) فَقَالَ يدْفع بِهِ الشّبَه والأباطيل

وَأحب أَن أنبه إِلَى أَمر هام وَهُوَ أَنهم يعنون بِعلم التَّوْحِيد الْوَاجِب على الْمُسلم تَحْصِيله أَنه لَا يجب على الْمُسلم معرفَة مصطلحات علم التَّوْحِيد أَو الْكَلَام من الصَّانِع والهيولي والجوهر وَالْعرض وأمثالها بل الْمَقْصُود أَنه يجب على الْمُكَلف أَن يعرف الصَّانِع المعبود سُبْحَانَهُ بدلائله الَّتِي نصبها على توحيده سُبْحَانَهُ واستحقاقه جل جلاله نعوت الربوبية وَالْمَقْصُود حُصُول النّظر وَالِاسْتِدْلَال الْمُؤَدِّي إِلَى معرفَة الله تَعَالَى وَإِنَّمَا اسْتعْمل المتكلمون تِلْكَ الْأَلْفَاظ من الْجَوْهَر وَالْعرض على سَبِيل التَّقْرِيب والتسهيل على المتعلمين وَالسَّلَف الصَّالح وَإِن لم يستعملوا هَذِه الْأَلْفَاظ فَلم يكن فِي معارفهم خلل وَالْخلف الَّذين استعملوا هَذِه الْأَلْفَاظ لم يكن ذَلِك لطريق الْحق مباينة

وَلَا فِي الدّين بِدعَة كَمَا أَن الْمُتَأَخِّرين من الْفُقَهَاء عَن زمن الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ رضوَان الله عَلَيْهِم استعملوا أَلْفَاظ الْفُقَهَاء من الْعلَّة والمعلول وَالْقِيَاس ثمَّ لم يكن استعمالهم لذَلِك بِدعَة وَقل مثل ذَلِك فِي الْمُحدثين الَّذين أوجدوا مصطلحات وعناوين مُعينَة فِي رُوَاة الحَدِيث وفنونها من حَيْثُ الْقُوَّة والضعف وَالْقَبُول والرفض وَلم يكن اسْتِعْمَال ذَلِك مِنْهُم بِدعَة مُنكرَة معَاذ الله وَإِنَّمَا هِيَ اصْطِلَاحَات خَاصَّة قَامَت بِكُل فن وَلَا مشاحة فِي الِاصْطِلَاح

ص: 12