المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌قول السلف في الصفات - إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل

[البدر ابن جماعة]

فهرس الكتاب

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌مُقَدّمَة فِي علم التَّوْحِيد

- ‌السّلف الصَّالح يَخُوضُونَ فِي علم التَّوْحِيد

- ‌فصل

- ‌الْكَلَام فِي ذَات الله تَعَالَى وَصِفَاته

- ‌فصل

- ‌افْتِرَاق أمة رَسُول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌الطّرف الأول المشبهة والمجسمة

- ‌الطّرف الثَّانِي: المعطلة

- ‌اوسط

- ‌خُلَاصَة مُعْتَقد أهل السّنة وَالْجَمَاعَة

- ‌فصل

- ‌السّلف وَالْخلف

- ‌قَول السّلف فِي الصِّفَات

- ‌الِاعْتِمَاد على الحَدِيث الصَّحِيح دون الضَّعِيف فِي العقائد

- ‌الْخلف

- ‌ التَّأْوِيل

- ‌قِرَاءَة فِي كتاب

- ‌الشبهه الأولى وَدفعهَا

- ‌الشُّبْهَة الثَّانِيَة وَدفعهَا

- ‌الشُّبْهَة الْخَامِسَة وَدفعهَا

- ‌جماع ابواب إِثْبَات صِفَات الله عز وجل

- ‌فصل

- ‌دعاوى خطيرة لَيْسَ لَهَا دَلِيل شَرْعِي

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌تَرْجَمَة مؤلف إِيضَاح الدَّلِيل فِي قطع حجج أهل التعطيل

- ‌مصنفاته

- ‌مُقَدّمَة الْكتاب

- ‌للْمُصَنف

- ‌بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم

- ‌الْكَلَام على مَا فِي الْكتاب الْعَزِيز من الْآيَات وتأويلها

- ‌بِمَا يَلِيق بِجلَال الله تَعَالَى من الصِّفَات

- ‌الْقسم الثَّانِي فِيمَا ورد من صَحِيح الْأَخْبَار

- ‌فِي صفة الْوَاحِد القهار

- ‌الحَدِيث الأول فِي ذكر الصُّورَة

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث السَّادِس

- ‌الحَدِيث السَّابِع

- ‌الحَدِيث الثَّامِن

- ‌الحَدِيث التَّاسِع

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر

- ‌الحَدِيث الرَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الْخَامِس عشر

- ‌الحَدِيث السَّادِس عشر

- ‌الحَدِيث السَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الثَّامِن عشر

- ‌الحَدِيث التَّاسِع عشر

- ‌الحَدِيث الْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الموفي ثَلَاثِينَ

- ‌الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ

- ‌الْقسم الثَّالِث

- ‌فِي الْأَحَادِيث الضعيفة الَّتِي وَضَعتهَا الزَّنَادِقَة أَعدَاء الدّين وأرباب الْبدع المضلين ليلبسوا على النَّاس دينهم

- ‌الحَدِيث الأول

- ‌الحَدِيث الثَّانِي

- ‌الحَدِيث الثَّالِث

- ‌الحَدِيث الرَّابِع

- ‌الحَدِيث الْخَامِس

- ‌الحَدِيث السَّادِس

- ‌الحَدِيث السَّابِع

- ‌الحَدِيث الثَّامِن

- ‌الحَدِيث التَّاسِع

- ‌الحَدِيث الْعَاشِر

- ‌الحَدِيث الْحَادِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّانِي عشر

- ‌الحَدِيث الثَّالِث عشر

- ‌الحَدِيث الرَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الْخَامِس عشر

- ‌الحَدِيث السَّادِس عشر

- ‌الحَدِيث السَّابِع عشر

- ‌الحَدِيث الثَّامِن عشر

- ‌الحَدِيث التَّاسِع عشر

- ‌الحَدِيث الموفى عشْرين

- ‌الحَدِيث الْحَادِي وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّانِي وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّالِث وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الرَّابِع وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الْخَامِس وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث السَّادِس وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث السَّابِع وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّامِن وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث التَّاسِع وَالْعشْرُونَ

- ‌الحَدِيث الموفي للثلاثين

- ‌الحَدِيث الْحَادِي وَالثَّلَاثُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّانِي وَالثَّلَاثُونَ

- ‌الحَدِيث الثَّالِث وَالثَّلَاثُونَ

- ‌الحَدِيث الرَّابِع وَالثَّلَاثُونَ

- ‌الحَدِيث الْخَامِس وَالثَّلَاثُونَ

- ‌الحَدِيث السَّادِس وَالثَّلَاثُونَ

الفصل: ‌قول السلف في الصفات

‌فصل

‌السّلف وَالْخلف

السّلف هم الْعلمَاء الْعُدُول الوارثون عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْحَقَائِق والمعارف والعقائد وَيُمكن أَن يُقَال هم السَّادة الأخيار إِلَى نِهَايَة الْمِائَة الثَّالِثَة من الْهِجْرَة النَّبَوِيَّة الشَّرِيفَة الْمُبَارَكَة وانْتهى إِلَيْهِ تَقْرِيبًا دور تدوين الحَدِيث الشريف وَالْكَلَام على رِجَاله وأعني بأولئك السَّادة الأخيار كبار الْأَئِمَّة الْفُقَهَاء والمحدثين والأصوليين والمفسرين وأمثالهم من عُلَمَاء الْإِسْلَام وتلامذتهم وأتباعهم فِي عصرهم وبعدهم وَعَلِيهِ الْكثير من الْعلمَاء وأتباعهم إِلَى يَوْمنَا هَذَا وَإِلَى مَا شَاءَ الله تَعَالَى

‌قَول السّلف فِي الصِّفَات

السّلف الصَّالح فِي حق صِفَات الله تَعَالَى طَائِفَتَانِ

قَالَت الطَّائِفَة الأولى من السّلف الأَصْل الْإِيمَان بِجَمِيعِ مَا جَاءَ من عِنْد الله تَعَالَى وَصَحَّ عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي حق صِفَات الله تَعَالَى وإمراره على مَا جَاءَ وَاعْتِبَار فهمه هُوَ قِرَاءَته وَعدم الْخَوْض فِيهِ بِشَيْء من الْكَلَام قطّ

قَالَ مُحَمَّد بن الْحسن الشَّيْبَانِيّ تلميذ الإِمَام أبي حنيفَة الثَّانِي رحمهمَا الله تَعَالَى اتّفق الْفُقَهَاء كلهم من الشرق إِلَى الغرب على الْإِيمَان بِالصِّفَاتِ من غير تَفْسِير وَلَا تَشْبِيه وَقَالَ مَا وصف الله تَعَالَى بِهِ نَفسه فقراءته تَفْسِيره ذكره اللالكائي فِي شرح السّنة

وَذكر الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى إِسْحَاق بن مُوسَى الْأَنْبَارِي قَالَ سَمِعت سُفْيَان بن عُيَيْنَة يَقُول مَا وصف الله تبارك وتعالى بِهِ نَفسه فِي كِتَابه فقراءته تَفْسِيره لَيْسَ لأحد أَن يفسره بِالْعَرَبِيَّةِ وَلَا بِالْفَارِسِيَّةِ وَلما سُئِلَ الإِمَام أَحْمد رَحمَه الله تَعَالَى عَن حَدِيث الرُّؤْيَة وَالنُّزُول وَنَحْو ذَلِك قَالَ نؤمن بهَا ونصدق بهَا وَلَا كَيفَ وَلَا معنى شرح السّنة للالكائي

قَالَ عبد الْملك بن وهب كُنَّا عِنْد مَالك بن أنس رَحمَه الله تَعَالَى فَدخل عَلَيْهِ رجل

ص: 40

فَقَالَ يَا ابا عبد الله {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} كَيفَ استواؤه قَالَ فَأَطْرَقَ مَالك وأخذته الرحضاء ثمَّ رفع رَأسه فَقَالَ {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} كَمَا وصف نَفسه وَلَا يُقَال كَيفَ وَكَيف عَنهُ مَرْفُوع وَأَنت رجل سوء صَاحب بِدعَة أَخْرجُوهُ

وَفِي لفظ لَهُ رَحْمَة الله تَعَالَى بطرِيق يحيى بن يحيى الاسْتوَاء غير مَجْهُول والكيف غير مَعْقُول وَالْإِيمَان بِهِ وَاجِب وَالسُّؤَال عَنهُ بِدعَة وَمَا أَرَاك إِلَّا مبتدعا فَأمر بِهِ فَأخْرج

وَرُوِيَ ذَلِك عَن ربيعَة الرَّأْي أستاذ مَالك رحمهمَا الله تَعَالَى فَقَالَ عبد الله بن صَالح ابْن مُسلم سُئِلَ ربيعَة الرَّأْي عَن قَول الله تبارك وتعالى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} كَيفَ اسْتَوَى قَالَ الكيف مَجْهُول والاستواء غير مَعْقُول وَيجب عَليّ وَعَلَيْك الْإِيمَان بذلك كُله

قَالَ الْبَيْهَقِيّ أخبرنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْحَافِظ قَالَ هَذِه نُسْخَة الْكتاب الَّذِي أملاه الشَّيْخ أَبُو بكر أَحْمد بن اسحاق بن أَيُّوب فِي مَذْهَب أهل السّنة فِيمَا جرى بَين مُحَمَّد بن إِسْحَاق بن خُزَيْمَة وَبَين أَصْحَابه فَذكرهَا وَذكر فِيهَا {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} بِلَا كَيفَ والْآثَار عَن السّلف فِي هَذَا كَثِيرَة وعَلى هَذِه الطَّرِيقَة يدل مَذْهَب الشَّافِعِي رَحمَه الله تَعَالَى وإليها ذهب أَحْمد بن حَنْبَل وَالْحُسَيْن بن الْفضل البَجلِيّ وَمن الْمُتَأَخِّرين أَبُو سُلَيْمَان الْخطابِيّ

الخ

وَقَالَ الإِمَام الْبَغَوِيّ فِي شرح السّنة أهل السّنة يَقُولُونَ الاسْتوَاء على الْعَرْش صفة الله تَعَالَى بِلَا كَيفَ يجب على الرجل الْإِيمَان بِهِ ويكل الْعلم فِيهِ إِلَى الله عز وجل وَذكر خبر الإِمَام مَالك رَحمَه الله تَعَالَى

سُئِلَ الإِمَام أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي حَدِيث النُّزُول فَقَالَ ينزل بِلَا كَيفَ كَذَا فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات ص 456

قَالَ الإِمَام أَبُو جَعْفَر الطَّحَاوِيّ فِي بَيَان السّنة وَالْجِمَاع وَتقول إِن الله تَعَالَى يغْضب ويرضى وَلَيْسَ كَأحد من صِفَات الورى قَالَ شَارِحه الشَّيْخ عبد الْغَنِيّ الميداني صَاحب اللّبَاب فِي شرح الْكتاب فِي الْفِقْه الْحَنَفِيّ رَحمَه الله تَعَالَى لِأَنَّهُ تَعَالَى مُنْفَرد بصفاته لذاته فَكَمَا لَا تشبه ذَاته الذوات فصفاته لَا تشبه الصِّفَات لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير وَلَا يؤولان بِأَن المُرَاد ببغضه وَرضَاهُ إِرَادَة الانتقام ومشيئة الإنعام أَو المُرَاد غايتهما من النقمَة أَو النِّعْمَة قَالَ فَخر الْإِسْلَام الإِمَام الْبَزْدَوِيّ على بن مُحَمَّد صَاحب الْمَبْسُوط فِي الْفِقْه الْحَنَفِيّ وَيَقَع فِي 30 جُزْءا وَهُوَ مطبوع فِي أُصُوله إِثْبَات الْيَد وَالْوَجْه حق عندنَا لكنه مَعْلُوم بِأَصْلِهِ متشابه بوصفه وَلَا يجوز إبِْطَال الأَصْل بِالْعَجزِ عَن دَرك الْوَصْف وَإِنَّمَا ضلت الْمُعْتَزلَة من هَذَا الْوَجْه فَإِنَّهُم ردوا الْأُصُول لجهلهم بِالصِّفَاتِ على وَجه الْمَعْقُول فصاروا معطلة ثمَّ قَالَ وَأهل السّنة وَالْجَمَاعَة أثبتوا مَا هُوَ الأَصْل الْمَعْلُوم بِالنَّصِّ أَي الْآيَات القطعية والدلالات اليقينية وتوقفوا فِيمَا هُوَ من الْمُتَشَابه وَهُوَ الْكَيْفِيَّة وَلم يجوزوا الِاشْتِغَال بِطَلَب ذَلِك كَمَا وصف الله تَعَالَى الراسخين فِي الْعلم فَقَالَ يَقُولُونَ آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا وَمَا يذكر إِلَّا أولو الْأَلْبَاب

وَقَالَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين بن مُحَمَّد بن عابدين صَاحب حَاشِيَة ابْن عابدين على الدّرّ الْمُخْتَار رحمهمَا الله تَعَالَى فِي بحث المتشابهات من كَلَام وَمن هَذَا الْقَبِيل الْإِيمَان بحقائق مَعَاني مَا ورد من الْآيَات وَالْأَحَادِيث المتشابهات كَقَوْلِه تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} و {يَد الله فَوق أَيْديهم} وَقَوله عليه الصلاة والسلام ينزل رَبنَا كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا الحَدِيث مَا ظَاهره يفهم أَن الله تَعَالَى لَهُ مَكَان وجارحة فَإِن السّلف كَانُوا يُؤمنُونَ بِجَمِيعِ ذَلِك على الْمَعْنى الَّذِي أَرَادَ الله تَعَالَى وَأَرَادَ رَسُوله صلى الله عليه وسلم من غير أَن تطالبهم أنفسهم بفهم حَقِيقَة شَيْء من ذَلِك حَتَّى يطلعهم الله تَعَالَى عَلَيْهِ

وَقَالَ التَّابِعِيّ الْجَلِيل الإِمَام أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْفِقْه الْأَكْبَر لَهُ لَهُ يَد وَوجه وَنَفس كَمَا ذكره الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن من ذكر الْوَجْه

ص: 41

يغْضب ويرضى وَلَيْسَ كَأحد من صِفَات الورى قَالَ شَارِحه الشَّيْخ عبد الْغَنِيّ الميداني صَاحب اللّبَاب فِي شرح الْكتاب فِي الْفِقْه الْحَنَفِيّ رَحمَه الله تَعَالَى لِأَنَّهُ تَعَالَى مُنْفَرد بصفاته لذاته فَكَمَا لَا تشبه ذَاته الذوات فصفاته لَا تشبه الصِّفَات لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير وَلَا يؤولان بِأَن المُرَاد ببغضه وَرضَاهُ إِرَادَة الانتقام ومشيئة الإنعام أَو المُرَاد غايتهما من النقمَة أَو النِّعْمَة قَالَ فَخر الْإِسْلَام الإِمَام الْبَزْدَوِيّ على بن مُحَمَّد صَاحب الْمَبْسُوط فِي الْفِقْه الْحَنَفِيّ وَيَقَع فِي 30 جُزْءا وَهُوَ مطبوع فِي أُصُوله إِثْبَات الْيَد وَالْوَجْه حق عندنَا لكنه مَعْلُوم بِأَصْلِهِ متشابه بوصفه وَلَا يجوز إبِْطَال الأَصْل بِالْعَجزِ عَن دَرك الْوَصْف وَإِنَّمَا ضلت الْمُعْتَزلَة من هَذَا الْوَجْه فَإِنَّهُم ردوا الْأُصُول لجهلهم بِالصِّفَاتِ على وَجه الْمَعْقُول فصاروا معطلة ثمَّ قَالَ وَأهل السّنة وَالْجَمَاعَة أثبتوا مَا هُوَ الأَصْل الْمَعْلُوم بِالنَّصِّ أَي الْآيَات القطعية والدلالات اليقينية وتوقفوا فِيمَا هُوَ من الْمُتَشَابه وَهُوَ الْكَيْفِيَّة وَلم يجوزوا الِاشْتِغَال بِطَلَب ذَلِك كَمَا وصف الله تَعَالَى الراسخين فِي الْعلم فَقَالَ يَقُولُونَ آمنا بِهِ كل من عِنْد رَبنَا وَمَا يذكر إِلَّا أولو الْأَلْبَاب

وَقَالَ الشَّيْخ عَلَاء الدّين بن مُحَمَّد بن عابدين صَاحب حَاشِيَة ابْن عابدين على الدّرّ الْمُخْتَار رحمهمَا الله تَعَالَى فِي بحث المتشابهات من كَلَام وَمن هَذَا الْقَبِيل الْإِيمَان بحقائق مَعَاني مَا ورد من الْآيَات وَالْأَحَادِيث المتشابهات كَقَوْلِه تَعَالَى {الرَّحْمَن على الْعَرْش اسْتَوَى} و {يَد الله فَوق أَيْديهم} وَقَوله عليه الصلاة والسلام ينزل رَبنَا كل لَيْلَة إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا الحَدِيث مَا ظَاهره يفهم أَن الله تَعَالَى لَهُ مَكَان وجارحة فَإِن السّلف كَانُوا يُؤمنُونَ بِجَمِيعِ ذَلِك على الْمَعْنى الَّذِي أَرَادَ الله تَعَالَى وَأَرَادَ رَسُوله صلى الله عليه وسلم من غير أَن تطالبهم أنفسهم بفهم حَقِيقَة شَيْء من ذَلِك حَتَّى يطلعهم الله تَعَالَى عَلَيْهِ

وَقَالَ التَّابِعِيّ الْجَلِيل الإِمَام أَبُو حنيفَة رَحمَه الله تَعَالَى فِي الْفِقْه الْأَكْبَر لَهُ لَهُ يَد وَوجه وَنَفس كَمَا ذكره الله تَعَالَى فِي الْقُرْآن فَمَا ذكره الله تَعَالَى فِي القرآنمن ذكر الْوَجْه

ص: 42

وَالْيَد وَالنَّفس فَهُوَ لَهُ صِفَات بِلَا كَيفَ وَلَا يُقَال إِن يَده قدرته وَنعمته لِأَن فِيهِ إبِْطَال الصّفة وَهُوَ قَول أهل الْقدر والإعتزال لَكِن يَده صفته بِلَا كَيفَ وغضبه وَرضَاهُ صفتان من صِفَاته تَعَالَى بِلَا كَيفَ

وَقَالَ الْمُحَقق المتقن الشَّيْخ شُعَيْب الأرنؤوط مُحَقّق سير أَعْلَام النبلاء للذهبي وَشرح السّنة لِلْبَغوِيِّ وَزَاد الْمسير لِابْنِ الْجَوْزِيّ وَغَيرهَا فِي مُقَدّمَة أقاويل الثِّقَات فِي تَأْوِيل الْأَسْمَاء وَالصِّفَات للشَّيْخ مرعي بن يُوسُف الْحَنْبَلِيّ وَلَا بُد لي من التنويه على أَن مَذْهَب السّلف لَا يضرّهُ أَن يكون بعض المنتسبين إِلَيْهِ قد أثبتوا خطأ صِفَات الله تَعَالَى اعْتِمَادًا على أَحَادِيث ضَعِيفَة واهية الْتبس عَلَيْهِم أمرهَا لأَنهم لَيْسُوا من أهل الشَّأْن فَإِن صنيعهم هَذَا لَا علاقَة لَهُ بِصِحَّة وسلامة الْمنْهَج الذى انْتهى اليه السّلف فَمَا كَانَ من هَذَا الْقَبِيل مِمَّا هُوَ منشور فِي بعض الْكتب يرد وَلَا يقبل وَيتبع فِي ذَلِك الْقَاعِدَة الْعَامَّة فِي هَذَا الْبَاب وَغَيره فِي الِاعْتِمَاد على مَا صَحَّ من الْأَحَادِيث ورد مَا سواهُ

قلت وَمَا نسب إِلَى ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما أَنه قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى {اسْتَوَى على الْعَرْش} اسْتَقر على الْعَرْش وَقد امْتَلَأَ بِهِ أَو صعد إِلَيْهِ أَو اسْتَوَت عِنْده الْخَلَائق وَمَا إِلَى ذَلِك فَذَلِك من رِوَايَة أبي صَالح وَمُحَمّد بن مَرْوَان الْكَلْبِيّ قَالَ الْبَيْهَقِيّ كلهم مَتْرُوك عِنْد أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ لَا يحتجون بِشَيْء من رواياتهم لِكَثْرَة الْمَنَاكِير فِيهَا وَظُهُور الْكَذِب مِنْهُم فِي رواياتهم وَنقل عَن حبيب بن أبي ثَابت كُنَّا نُسَمِّيه دروغ زن يَعْنِي أَبَا صَالح مولى أم هانىء وَذكره بِسَنَدِهِ إِلَى عَليّ بن الْمَدِينِيّ قَالَ سَمِعت يحيى بن سعيد الْقطَّان يحدث عَن سُفْيَان قَالَ قَالَ الْكَلْبِيّ قَالَ لي ابو صَالح كل مَا حدثتك كذب

وَعَن سُفْيَان عَن الْكَلْبِيّ قَالَ قَالَ لي أَبُو صَالح انْظُر كل شَيْء رويت عني عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما فَلَا تروه

وَقَالَ أَبُو مُعَاوِيَة قُلْنَا للكلبي بَين لنا مَا سَمِعت من أبي صَالح وَمَا هُوَ قَوْلك فَإِذا الْأَمر عِنْده قَلِيل

ص: 43

وَقَالَ يحيى بن معِين الْكَلْبِيّ لَيْسَ بِشَيْء وَقَالَ الإِمَام البُخَارِيّ مُحَمَّد بن مَرْوَان الْكَلْبِيّ الْكُوفِي صَاحب الْكَلْبِيّ سكتوا عَنهُ وَلَا يكْتب حَدِيثه الْبَتَّةَ قلت وَكَيف يجوز أَن تكون مثل هَذِه الْأَقَاوِيل صَحِيحَة عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما ثمَّ لَا يَرْوِيهَا وَلَا يعرفهَا أحد من أَصْحَابه الْأَثْبَات مَعَ شدَّة الْحَاجة إِلَى مَعْرفَتهَا وَمَا تفرد بِهِ الْكَلْبِيّ وَأَمْثَاله يُوجب الْحَد لله تَعَالَى وَالْحَد يُوجب الْحَدث لحَاجَة الْحَد إِلَى حاد خصّه بِهِ والباري قديم لم يزل وَقد علم المشتغلون بالتفسير والْحَدِيث أَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما هُوَ أَكثر من افتري عَلَيْهِ من أقاويل فِي التَّفْسِير والْحَدِيث وَلَعَلَّ ذَلِك كَانَ لمكانته رضي الله عنه من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ودعائه لَهُ أَن يفقهه الله فِي الدّين ويعلمه التَّأْوِيل ولكونه ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَإنَّك لتجد لَهُ تفاسير عدَّة فِي آيَة وَاحِدَة وتجد فِيهَا تنافرا وتعارضا وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه أَلا لَيْت من يعد رِسَالَة دكتوراة أَن يكْتب فِي ابْن عَبَّاس رضي الله عنه وجوانبه الْعَظِيمَة فِي الْعُلُوم ويمحص تمحيصا مَا رُوِيَ عَنهُ من أَقْوَال فِي التَّفْسِير وَفِي الإعتقاد وَأَحَادِيث فِي ذَلِك وَذَاكَ

وَظهر من قَالَ بِغَيْر دَلِيل من الْكتاب وَالسّنة إِن الله تَعَالَى اسْتَوَى بِذَاتِهِ فَوق الْعَرْش بَدَلا من {اسْتَوَى على الْعَرْش} الثَّابِت بِنَصّ الْقُرْآن الْكَرِيم وَإِن الله بَائِن من خلقه قَالَ الإِمَام الكوثري رَحمَه الله تَعَالَى وَلَفظ بَائِن من خلقه لم يرد فِي كتاب وَلَا سنة وَإِنَّمَا أطلق من أطلق من السّلف بِمَعْنى نفي الممازجة ردا على جهم لَا بِمَعْنى الابتعاد بالمسافة تَعَالَى الله عَن ذَلِك كَمَا صرح بذلك فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات وَأما لفظ فَوق الْعَرْش فَلم يرد مَرْفُوعا إِلَّا فِي بعض طرق حَدِيث الأوعال من رِوَايَة ابْن مندة فِي التَّوْحِيد وَعبد الله بن عميرَة فِي سَنَده مَجْهُول الْحَال وَلم يدْرك الْأَحْنَف فضلا عَن الْعَبَّاس

وَقَالَ السلَفِي مُحَمَّد نَاصِر الدّين الألباني فِي مُقَدّمَة مُخْتَصر كتاب الْعُلُوّ للْإِمَام الذَّهَبِيّ بعد كَلَام وَمن هَذَا الْعرض تبين أَن هَاتين اللفظتين بِذَاتِهِ بَائِن لم تَكُونَا معروفتين فِي عهد الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم قلت وَلَا فِي عهد التَّابِعين

ص: 44

كَالْعلمِ تعين حمله عَلَيْهِ وَإِن احْتمل مَعَاني تلِيق بجلاله تَعَالَى فَهَذَا مَحل الْكَلَام بَين قَول السّلف والتأويل كَمَا تقدم

وَقد رَجَعَ قوم التَّأْوِيل لوجوه

الأول: أَنا إِذا ركعنا الْأَلْسِنَة عَن الْخَوْض فِيهِ وَلم نتبين مَعْنَاهُ فَكيف بكف الْقُلُوب عَن عرُوض الوساوس وَالشَّكّ وَسبق الْوَهم إِلَى مَالا يَلِيق بِهِ تَعَالَى

الثَّانِي أَن انبلاج الصُّدُور بِظُهُور الْمَعْنى وَالْعلم بِهِ أولى من تَركه بصدد عرُوض الوساوس وَالشَّكّ وَمن ذَا الَّذِي يملك الْقلب مَعَ كَثْرَة تقلبه

الثَّالِث أَن الِاشْتِغَال بِالنّظرِ الْمُؤَدِّي إِلَى الصَّوَاب وَالْعلم أولى من الْوُقُوف مَعَ الْجَهْل مَعَ الْقُدْرَة على نَفْيه

الرَّابِع أَن السُّكُوت عَن الْجَواب إِن اكْتفي بِهِ فِي حق الْمُؤمن الْمُسلم الْمُوفق والعامي فَلَا يَكْتَفِي بِهِ فِي جَوَاب المنازع من مُبْتَدع أَو كَافِر أَو مصمم على التَّشْبِيه والتجسيم

الْخَامِس أَن السُّكُوت مُنَاقض لقَوْله تَعَالَى {هَذَا بَيَان للنَّاس} وَقد جَاءَكُم

ص: 40