الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
قَالَ الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم الْعَلامَة قَاضِي الْمُسلمين بدر الدّين بن جمَاعَة
الْحَمد لله الَّذِي حجب الْعُقُول عَن إِدْرَاك ذَاته وَدلّ على وجوده بمصنوعاته وأفعاله وَصِفَاته وَجل عَن شبه التعطيل وشوائب التَّشْبِيه وَتَعَالَى عَن النظير والمثيل والشبيه لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير {لَا إِلَه إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمصير}
وَأفضل الصَّلَاة وَأتم السَّلَام على نبيه مُحَمَّد أشرف الْأَنَام وعَلى آله وَصَحبه الْكِرَام وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحْسَان على الدَّوَام
أما بعد فَإِن الذب عَن الدّين لمن تمكن مِنْهُ فرض وَاجِب وَالرَّدّ على أهل الْبدع أَمر لازب مَعَ أَنه لَا يقدر على الْحمل على الإعتقاد إِلَّا الرب الَّذِي بِيَدِهِ تصاريف قُلُوب الْعباد وَغَايَة المنتصب لإِقَامَة الدَّلِيل بَيَان إبِْطَال حجج أهل التَّشْبِيه والتعطيل {فَمن يرد الله أَن يهديه يشْرَح صَدره لِلْإِسْلَامِ وَمن يرد أَن يضله يَجْعَل صَدره ضيقا حرجا كَأَنَّمَا يصعد فِي السَّمَاء}
وَلما شاع فِي الْخَاصَّة مَذْهَب الْمُعْتَزلَة الْمُؤَدِّي إِلَى التعطيل وَفِي الْعَامَّة مَذْهَب التَّشْبِيه الْمُؤَدِّي إِلَى التجسيم والحلول انتصب أهل الْعلم من أهل الْحق للرَّدّ على المذهبين وَبَيَان الْحق الْمُبين المباين للقولين
فَأَما مَذْهَب الاعتزال فقد مُحي فِي بِلَادنَا رسمه وَلم يبْق فِيهَا إِلَّا ذكره
وَأما مَذْهَب التَّشْبِيه فَإِن جماعات من الأعوام الْعَامَّة المجانيين للْعُلَمَاء الْأَعْلَام
أَحْسنُوا الظَّن فِي بعض من ينْسب ذَلِك إِلَيْهِم فاعتمدوا فِي تَقْلِيد دينهم عَلَيْهِم إِذا كَانَ هَذَا الْمَذْهَب أقرب إِلَى ذهن الْعَاميّ وفهمه {بل كذبُوا بِمَا لم يحيطوا بِعِلْمِهِ}
وَقد ذكرت فِي هَذَا الْمُخْتَصر مَعَاني مَا تمسكوا بِهِ من الْآيَات الْكَرِيمَة وَالْأَخْبَار الصَّحِيحَة والحسنة والسقيمة وَمَا يجب رد مَعَانِيهَا إِلَيْهِ وَيتَعَيَّن حملهَا عَلَيْهِ مِمَّا يَلِيق بِجلَال عَظمته وَكَمَال صِفَاته وقديم عزته على مَا تَقْتَضِيه لُغَة الْعَرَب الَّتِي نزل بهَا الْقُرْآن وَمَفْهُوم ذَلِك بَين عِنْد أهل اللِّسَان قَالَ الله تَعَالَى {وَمَا أرسلنَا من رَسُول إِلَّا بِلِسَان قومه ليبين لَهُم} فَأرْسل سيدنَا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم سيد الْمُرْسلين بِلِسَان قومه الْعَرَبِيّ الْمُبين وَنزل بِهِ الْقُرْآن ونيط بِهِ عُقُود الْإِيمَان وَبِه وَردت أَدِلَّة الْأَحْكَام وَبَيَان الْحَلَال وَالْحرَام
وخوطبوا على مَا يعرفونه من لغاتهم ويفهمونه من مخاطباتهم من حقائقها ومجازاتها ومفصلاتها ومضمراتها وإشاراتها واستعاراتها وكناياتها ونصوصها وظواهرها وعمومها وخصوصها ومطلقها ومقيدها فَلم يحتاجوا عِنْد نزُول الْكتاب إِلَيْهِم وورود السّنة عَلَيْهِم إِلَى سُؤال عَن مَدْلُول الْأَلْفَاظ لمعرفتهم بمعناها وَلَا بحث عَن محلهَا لفهم مقتضاها
وَلذَلِك لما نزل {أحل لكم لَيْلَة الصّيام الرَّفَث إِلَى نِسَائِكُم} لم يشكوا أَنه الْجِمَاع
{وَلَا تجْعَل يدك مغلولة إِلَى عُنُقك وَلَا تبسطها كل الْبسط} لم يشكوا أَنه الْبُخْل والجود
{وأنزلنا الْحَدِيد} لم يشكوا أَن معنى الْإِنْزَال فِيهِ الْخلق وَكَذَا أنزل لكم
من الْأَنْعَام ثَمَانِيَة أَزوَاج)
فَكَذَلِك لم يشكوا أَن مَالا يَلِيق بِجلَال الله تَعَالَى لم يرد فِي قَوْله تَعَالَى {اسْتَوَى على الْعَرْش} وَهُوَ مَعكُمْ أَيْنَمَا كُنْتُم وَنَحْوه من الْآيَات وَمن السّنة ينزل رَبنَا كل يَوْم إِلَى سَمَاء الدُّنْيَا الْحجر الْأسود يَمِين الله فِي الأَرْض الْقلب بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن فَإِن الله قبل وَجهه
كل ذَلِك وَنَحْوه لم يشكوا أَن مَا لَا يَلِيق بِجلَال الرب تبارك وتعالى غير مُرَاد وَأَن المُرَاد بذلك الْمعَانِي اللائقة بجلاله تَعَالَى من مجازات الْأَلْفَاظ وتأويلها لما فَهموا مِنْهُ لم يسْأَلُوا عَنهُ وَلَو لم يفهموا مِنْهُ مَا يَلِيق بِجلَال الرب تَعَالَى لسألوا عَنهُ وَبَحَثُوا
وَكَيف لَا وَقد سَأَلُوا عَن الْمَحِيض وأموال الْيَتَامَى والأهلة والإنفاق وَلبس الْإِيمَان بالظلم وَصَلَاة الْمُصَلِّين إِلَى بَيت الْمُقَدّس من المتوفين قبل تَحْويل الْقبْلَة
فَكيف يتركون السُّؤَال عَن صِفَات الرب الْعلية عِنْد عدم فهم مَا ورد فِيهَا مَعَ أَن معرفَة الله تَعَالَى أصل الْإِيمَان ومنبع الْعرْفَان وَلَكِن لما انْتَشَر الْإِسْلَام فِي الأَرْض وَدخل فِيهِ من لَا يعرف تصاريف لِسَان الْعَرَب من الْأَعَاجِم والأنباط والتبس عَلَيْهِم اللِّسَان الْعَرَبِيّ بالعرفي لعدم علمهمْ بتصاريفه من حَقِيقَة ومجاز وكناية واستعارة وَحذف وإضمار وَغير ذَلِك وَقع من وَقع فِي التجسيم وَطَائِفَة فِي التعطيل وَتَفَرَّقَتْ الآراء فِي الْكَلَام على الذَّات وَالصِّفَات كَمَا أخبر الصَّادِق صلى الله عليه وسلم عَن فرق الْأمة الكائنة بعده
فَاحْتَاجَ أهل الْحق إِلَى الرَّد على مَا ابتدعوه وَإِقَامَة الْحجَج على مَا تقولوه وانقسموا إِلَى قسمَيْنِ
أَحدهمَا أهل التَّأْوِيل وهم الَّذين تجردوا للرَّدّ على المبتدعة من المجسمة والمعطلة وَنَحْوهم من الْمُعْتَزلَة والمشبهة والخوارج لما أظهر كل مِنْهُم بدعته ودعا إِلَيْهَا
فَقَامَ أهل الْحق بنصرته وَدفع عَنهُ الدَّافِع بِإِبْطَال بدعته وردوا تِلْكَ الْآيَات المحتملة وَالْأَحَادِيث إِلَى مَا يَلِيق بِجلَال الله من الْمعَانِي بِلِسَان الْعَرَب وأدلة الْعقل وَالنَّقْل ليحق الله الْحق بكلماته وَيبْطل الْبَاطِل بحججه ودلالاته
وَالْقسم الثَّانِي الْقَائِلُونَ بالْقَوْل الْمَعْرُوف بقول السّلف وَهُوَ الْقطع بِأَن مَا لَا يَلِيق بِجلَال الله تَعَالَى غير مُرَاد وَالسُّكُوت عَن تعْيين المُرَاد من الْمعَانِي اللائقة بِجلَال الله تَعَالَى إِذا كَانَ اللَّفْظ مُحْتملا لمعاني تلِيق بِجلَال الله تَعَالَى
فالصنفان قاطعان بِأَن مَا لَا يَلِيق بِجلَال الله تَعَالَى من صِفَات الْمُحدثين غير مُرَاد وكل مِنْهُمَا على الْحق
وَقد رجح قوم من الأكابر الْأَعْلَام قَول السّلف لِأَنَّهُ أسلم وَقوم مِنْهُم قَول أهل
التَّأْوِيل للْحَاجة إِلَيْهِ وَالله أعلم
وَمن انتحل قَول السّلف وَقَالَ بتشبيه أَو تكييف أَو حمل اللَّفْظ على ظَاهره مِمَّا يتعالى الله عَنهُ من صِفَات الْمُحدثين فَهُوَ كَاذِب فِي انتحاله بَرِيء من قَول السّلف واعتداله
وَإِذا ثَبت أَن الله تَعَالَى خاطبنا بلغَة الْعَرَب وَأَن مَا لَا يَلِيق بجلاله غير مُرَاد فَنَقُول إِن اللَّفْظ الْعَرَبِيّ الْمُتَعَلّق بِالذَّاتِ المقدسة أَو الصِّفَات الْعلية إِمَّا أَن يحْتَمل مَعَاني عدَّة أَو لَا يحْتَمل إِلَّا معنى وَاحِدًا فَإِن لم يحْتَمل إِلَّا معنى وَاحِدًا يَلِيق بجلاله تَعَالَى
برهَان من ربكُم وشفاء لما فِي الصُّدُور) و {بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين} وليدبروا آيَاته وليتذكر أولو الْأَلْبَاب و {قد جَاءَكُم من الله نور وَكتاب مُبين} و {لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم} وَنَحْو ذَلِك وَالله أعلم
وَلذَلِك لَا تكَاد تَجِد آيَة من الْآيَات الْمُشْتَملَة على مَا يتَوَهَّم مِنْهُ صفة المخلوقين إِلَّا مقرونة بِمَا يشْعر بالتنزيه أَو تَفْسِير المُرَاد بِهِ إِمَّا مُتَقَدما أَو مُتَأَخِّرًا كَقَوْلِه تَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير وَكَقَوْلِه تَعَالَى {مَطْوِيَّات بِيَمِينِهِ} و {ثمَّ اسْتَوَى على الْعَرْش مَا لكم من دونه من ولي} و {بل يَدَاهُ مبسوطتان ينْفق كَيفَ يَشَاء} و {يَد الله فَوق أَيْديهم فَمن نكث} وَنَحْو ذَلِك من الْآيَات الْكَرِيمَة
وَلَو خَاطب الله تَعَالَى الْخلق فِيمَا يتَعَلَّق بِذَاتِهِ المقدسة وَصِفَاته الْكَرِيمَة بِمَا لَا يفهم لَهُ معنى لَكَانَ منافيا لقَوْله تَعَالَى {بِلِسَان عَرَبِيّ مُبين} {هَذَا بَيَان للنَّاس وَهدى} {لتبين للنَّاس مَا نزل إِلَيْهِم} {تِلْكَ آيَات الْكتاب وَقُرْآن مُبين}
وَبِهَذَا يرد قَول من قَالَ إِن الْوَجْه عبارَة عَن صفة لَا نَدْرِي مَا هِيَ وَكَذَلِكَ الْيَد والضحك وَالْحيَاء وَغير ذَلِك من الصِّفَات
وَكَذَلِكَ قَول من يَقُول وَجه لَا كوجهنا وَيَد لَا كيدنا ونزول لَا كنزولنا وَشبه ذَلِك
فَيُقَال لَهُم هَذِه الْمعَانِي الْمُسَمَّاة إِن لم تكن مَعْلُومَة وَلَا معقولة لِلْخلقِ وَلَا لَهَا مَوضِع فِي اللُّغَة اسْتَحَالَ خطاب الله الْخلق بهَا لِأَنَّهُ يكون خطابا بِلَفْظ مهمل لَا معنى
لَهُ وَفِي ذَلِك مَا يتعالى الله عَنهُ أَو كخطاب عَرَبِيّ بِلَفْظ تركي لَا يعقل مَعْنَاهُ بل هَذَا أبعد مِنْهُ لِأَن سامع اللَّفْظ التركي يُمكن مراجعتهم فِي مَعْنَاهُ عِنْدهم وَهَذَا على قَول هَؤُلَاءِ لَا يُمكن أَن يعلم مَعْنَاهُ إِلَّا الله فَيكون خطابا بِمَا يحير السَّامع وَلَا يفِيدهُ شَيْئا وَيلْزم مِنْهُ مَالا يخفى على الْعُقَلَاء مَا يتقدس خطاب الله عَنهُ
فَإِذا حملناه على معنى صَحِيح يَلِيق بجلاله لُغَة وعقلا ونقلا انْشَرَحَ الصَّدْر وَاسْتقر على علم وَسلم من عرُوض الوساوس والشكوك كَمَا تقدم
وَلذَلِك نقُول لَو أَنه تَعَالَى لَو لم يخلق لنا سمعنَا وبصرا وعلما وقدرة لما فهمنا خطابه لقَوْله تَعَالَى سميع بَصِير عليم قدير فخاطبنا بِمَا نفهم مَعْنَاهُ من إِدْرَاك المسموعات والمبصرات والمعلومات وَنَحْو ذَلِك مَعَ قيام الدَّلِيل على تنزيهه من التَّشْبِيه بالمخلوقين فقد بَان بِمَا ذكرنَا أَن حَقِيقَة مَذْهَب السّلف السُّكُوت عَن تعْيين المُرَاد من الْمعَانِي اللائقة بجلاله من ذَلِك اللَّفْظ الْمُحْتَمل لِأَن المُرَاد معَان لَا تفهم وَلَا تعقل وَلَا وضع لَهُ لفظ يدل عَلَيْهِ لُغَة بل عبر عَنهُ بِلَفْظ يُوهم غَيره أَو لَا يفهم لَهُ معنى
وكل ذَلِك أَمْثَال لما ذَكرْنَاهُ من أَن الْقُرْآن وَالسّنة بَيَان وَهدى فَمن اعْتقد مَذْهَب السّلف الْمَذْكُور أَو مَذْهَب التَّأْوِيل الْحق فَهُوَ على هدى
وَمن اعْتقد ظَاهرا لَا يَلِيق بجلاله تَعَالَى أَو مَا لَا يفهم مَعْنَاهُ أصلا فمبتدع
فَإِن قيل فَمَا تَقول فِي الْحُرُوف الْمُقطعَة فِي أَوَائِل السُّور
قلت الْجَواب عَنهُ من أوجه
الأول أَنَّهَا مَحْمُولَة على مَا قَالَه ابْن عَبَّاس حبر الْأمة وترجمان الْقُرْآن وَهُوَ إِن كل حرف دَال على كلمة فَمَعْنَى {الم} أَنا الله أعلم وَأفضل وَذَلِكَ مَعْرُوف من لُغَة الْعَرَب قَالَ
(قلت لَهَا قضي فَقَالَت قَاف
…
لَا تحسبي أَنا نَسِينَا الألطاف)
وَقَالَ آخر
(نادوهم إِلَّا ألجموا أَلا تا
…
قَالُوا جَمِيعًا كلهم ألافا)
فَمَعْنَى الأول أَلا تَرْكَبُونَ وَالثَّانِي فاركبوا
وَقَالَ آخر
(بِالْخَيرِ خير وَإِن شرا فا
…
وَلَا أُرِيد الشَّرّ إِلَّا أَن تا)
معنى الأول فَمثله وَالثَّانِي يُريدهُ
الثَّانِي بَيَان أَن الْقُرْآن كَلِمَاته من حُرُوف كلماتهم فليأتوا بِمثلِهِ إِن منعُوا الإعجاز فِيهِ وَأتوا بِنصْف الْحُرُوف الَّتِي مِنْهَا يتركب أَكثر الْكَلَام تَنْبِيها على الْبَاقِي وَالْمرَاد الْجَمِيع
قَالَ الشَّاعِر
(لما رَأَيْت أَنَّهَا فِي حطى
…
أخذت مِنْهَا بقرون شمط)
أَرَادَ فِي أبجد هوز حطي إِلَى آخرهَا
الثَّالِث أَنَّهَا أَسمَاء السُّور كَمَا جَاءَ عَن ابْن عَبَّاس وَغَيره فِي ذَلِك أَنَّهَا أَعْلَام عَلَيْهَا
الرَّابِع أَنَّهَا أَقسَام أقسم الله بهَا لشرفها بتركيب كَلِمَات كِتَابه مِنْهَا وَلذَلِك ذكر نصفهَا الَّذِي هُوَ أغلب فِي الْكَلَام
الْخَامِس أَنَّهَا أَمَارَات لأهل الْكتاب على نبوة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم أَنه ينزل عَلَيْهِ كتابا فِيهِ حُرُوف مُفْردَة
السَّادِس أَنَّهَا نزلت كَذَلِك لتستغرب فَيكون أدعى إِلَى سماعهم لِلْقُرْآنِ
السَّابِع عَن أبي الْعَالِيَة أَن المُرَاد بهَا حِسَاب الْجمل ليدله على مغيبات تكون وكل ذَلِك مُحْتَمل للغة وَالله أعلم
وَاعْلَم أَن فرق الْمُسلمين وَإِن تباينوا فِي الْمسَائِل الْمُتَعَلّقَة بِالذَّاتِ وَالصِّفَات متفقون على تَأْوِيل بعض الْآيَات وَالْأَخْبَار فَمن الْآيَات
{بل يَدَاهُ مبسوطتان} {وَلَا تجْعَل يدك مغلولة إِلَى عُنُقك} لم يقل أحد إِن المُرَاد بهَا الْجَوَارِح {وَنحن أقرب إِلَيْهِ} {واسجد واقترب} {فَإِنِّي قريب} لم يقل إِن المُرَاد قرب الْمسَافَة وَمِنْهَا {وَهُوَ مَعكُمْ} {إِنَّنِي مَعَكُمَا} . لم
يقل أحد إِن الْمَعِيَّة هَهُنَا المقاربة بِالذَّاتِ وَنَحْو ذَلِك من الْآيَات الْمُتَّفق على تَأْوِيلهَا
فَأَما الَّذِي يجوز التَّأْوِيل فِي بعض دون بعض هَل هُوَ إِلَّا تحكم وَتجوز لذَلِك هَكَذَا
وَمن الْأَخْبَار قلب الْمُؤمن بَين أصبعين من أَصَابِع الرَّحْمَن رَوَاهُ مُسلم فَإِن كل عَاقل يعلم أَنه لَيْسَ لله تَعَالَى فِي كل صدر مُؤمن أصبعان وَأَن ذَلِك مؤول قطعا بِمَا سَنذكرُهُ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَمِنْهَا كنت سَمعه الَّذِي يسمع بِهِ وبصره الَّذِي يبصر بِهِ وَيَده الَّتِي يبطش بهَا وَإِن تقرب مني شبْرًا تقربت مِنْهُ ذِرَاعا وَإِن أَتَانِي يمشي أَتَيْته هرولة
وَكَذَلِكَ قَوْله مَرضت فَلم تعدني واستطعمتك فَلم تطعمني واستكسوتك فَلم تكسني أَنا جلس من ذَكرنِي الْكِبْرِيَاء رِدَائي وَالْعَظَمَة إزَارِي
كل ذَلِك لَا يشك عَاقل لَا يرتاب أَن ظَاهر ذَلِك غير مُرَاد وَمن خالجه عقله بِخِلَاف مَا قُلْنَاهُ فَغير مُسْتَحقّ لخطاب أورد جَوَاب
وَكَذَلِكَ الْحجر الْأسود يَمِين الله فِي أرضه
وَكَذَلِكَ دَعْوَى قدم الْقُرْآن مَعَ كَونه حرفا وصوتا فَإِن الْقدَم والحرف وَالصَّوْت لَا يَجْتَمِعَانِ لما علم من حد الْقَدِيم والحادث وَكَيف يعقل اجْتِمَاع الصَّوْت بِالْبَاء وَالسِّين وَالْمِيم فضلا عَمَّا زَاد على ذَلِك فِي آن وَاحِد
وَمن لَا يقفون يقف الْعقل الَّذِي جعله الله تَعَالَى دَلِيلا عَلَيْهِ وعَلى صِفَاته
كَيفَ يقفوا يقف وَيقدم عَلَيْهِ ضَعِيف الحَدِيث الْمَنْقُول وموضوعاته لم يسْتَحق كلَاما بل جَوَابه سَلاما
وَسَيَأْتِي الْكَلَام على مَعَاني مَا ورد فِي الْكتاب وَالسّنة الصَّحِيحَة وَالْأَحَادِيث الضعيفة إِن شَاءَ الله تَعَالَى