الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ وَفَائِدَة ذَلِك ثبات الْمُؤمنِينَ على إِيمَانهم وَظُهُور ذَلِك مِنْهُم لمن خالفهم تَشْرِيفًا لَهُم
وَالْأول أظهر وَأقرب إِلَى الْأُصُول واللغة وَأقرب من ان يَقُول الْملك المقرب أَنا ربكُم مَعَ عصمته عَن ذَلِك وَنَحْوه
وَهَذَا الحَدِيث مِمَّا يسْتَشْكل جدا وَقد أوجبت بِحَمْد الله عَن إشكاله
الحَدِيث الثَّالِث
عَن أنس بن مَالك قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا تزَال جَهَنَّم تَقول هَل من مزِيد حَتَّى يضع رب الْعِزَّة فِيهَا قدمه فَتَقول قطّ قطّ وَعزَّتك. . الحَدِيث وَفِي رِوَايَة أبي هُرَيْرَة تَحَاجَّتْ الْجنَّة وَالنَّار قَالَ وَأما النَّار فَلَا تمتلىء حَتَّى يضع الْجَبَّار فِيهَا رجله الحَدِيث
اعْلَم أَن إِجْرَاء هَذَا الحَدِيث وَنَحْوه على ظَاهره محَال على الله لأدلة عقلية ونقلية تَقْتَضِي رده وَضَعفه أَو تَأْوِيله لَا محَالة
فَإِذا امْتنع رده للإتفاق على صِحَّته تعين وجوب تَأْوِيله بِمَا يَلِيق بحلال الله تَعَالَى وبصدق الرَّسُول صلى الله عليه وسلم وَصدق الروَاة
أما لفظ الْقدَم فَقَالَ الْحسن الْقدَم هَهُنَا هم الَّذين تقدم علم الله بِأَنَّهُم من أهل النَّار وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل الَّذين قدمهم الله وقدرهم لَهَا من شرار خلقه وَقَالَ النَّضر بن شُمَيْل هم الْكفَّار وَقَالَ الْأَزْهَرِي الْقدَم الَّذين تقدم القَوْل عَلَيْهِم بتخليدهم فِيهَا نَعُوذ بِاللَّه مِنْهَا فالقدم اسْم لما قدم وَالْهدم لما هدم وَالْقَبْض اسْم لما قبض وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {أَن لَهُم قدم صدق عِنْد رَبهم} أَي مَا قدموه من صَالح الْعَمَل
وَقيل الْقدَم جمع قادم كغيب جمع غَائِب وَيُؤَيّد مَا قَالُوهُ قَوْله فِي تَمام الحَدِيث وَأما الْجنَّة فينشيء الله لَهَا خلقا فاتفق الْمَعْنى فِي الدَّاريْنِ وَهُوَ أَن كل وَاحِدَة مِنْهُمَا تمد بِزِيَادَة من أَهلهَا تمتلىء بهَا وَأما رِوَايَة رجله فَهُوَ إِمَّا من تخييل الرَّاوِي رَوَاهُ بِالْمَعْنَى فَأَخْطَأَ فِيهِ وَإِمَّا أَن الرجل عبارَة عَن جمع كثير كَقَوْلِهِم رجل من جَراد إِذا كَانَ كثيرا منتشرا وَمَعْنَاهُ يضع فِيهَا خلقا كثيرا يشبهون الْجَرَاد فِي كثرتهم وَأما من جعل الْقدَم وَالرجل صفة زَائِدَة لَا ندرى مَا هِيَ فقد تقدم الْكَلَام فِيهِ
وَأعظم من ذَلِك وَأَشد من جعلهَا قدمه تَعَالَى وَقَالَ الْمَعْنى يُخْبِرهُمْ فِيهِ أَن آلِهَتكُم تحترق ورجلي لَا تحترق تَعَالَى الله عَمَّا يَقُوله هَذَا المبتدع وَمَا ابتدعه فِي ذَات الله تَعَالَى وكيفما قَالَه وَالله تَعَالَى يَقُول {لَو كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَة مَا وردوها}
فَإِن احْتج مُحْتَج بِكِتَاب ابْن خُزَيْمَة وَمَا أورد فِيهِ من هَذِه العظائم وَبئسَ مَا صنع من إِيرَاد هَذِه العظائم الضعيفة والموضوعة
قُلْنَا لَا كَرَامَة لَهُ وَلَا أَتْبَاعه إِذا خالفوا الْأَدِلَّة الْعَقْلِيَّة والنقلية على تَنْزِيه الله تَعَالَى بِمثل هَذِه الْأَحَادِيث الْوَاهِيَة وإيرادها فِي كتبهمْ
وَابْن خُزَيْمَة وَإِن كَانَ إِمَامًا فِي النَّقْل والْحَدِيث فَهُوَ عَن النّظر فِي العقليات وَعَن التَّحْقِيق بمعزل فقد كَانَ غَنِيا عَن وضع هَذِه العظائم الْمُنْكَرَات الْوَاهِيَة فِي كتبه
وَاعْلَم أَن من الْعلمَاء مَا جزم بِضعْف هَذَا الحَدِيث وَإِن أخرجه الإمامان لِأَنَّهُمَا وَمن روياه عَنهُ غير معصومين وَذَلِكَ لما قَدمته من الْأَدِلَّة الْعَقْلِيَّة والنقلية
أما النقلية فَقَوله تَعَالَى لأملأن جَهَنَّم من الْجنَّة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ وَقَالَ {لأملأن جَهَنَّم مِنْك وَمِمَّنْ تبعك مِنْهُم} وَهَذَا صَرِيح فِي رد من زعم أَنه قدم الرب تَعَالَى وتقدس عَن ذَلِك فَلَا جَوَاب عَنهُ إِلَّا بِالرَّدِّ إِلَى التَّأْوِيل أورد ذَلِك الحَدِيث
وَأما الْعَقْلِيَّة فَلِأَن الْجنَّة وَالنَّار جمادان فَكيف يتحاجان سلمنَا أَن الله تَعَالَى خلق فيهمَا حَيَاة فقد علما أَن أَفعَال الله كلهَا صَوَاب وَحِكْمَة فَكيف يتحاجان
سلمنَا أَنَّهُمَا لما يعلمَا ذَلِك فالرب تَعَالَى عَالم بِمِقْدَار أهل الثَّوَاب وَالْعِقَاب فَمَا فَائِدَة توسعة تحوج إِلَى إنْشَاء خلق إِن وضع الْقدَم
سلمنَا أَنه يفعل مَا يَشَاء فَهُوَ قَادر على أَن يَفِي تِلْكَ السعَة وَلَا يحْتَاج إِلَى وضع الْقدَم
سلمنَا أَنه لم يَشَأْ ذَلِك فَيلْزم أَن تخمد النَّار وَيَزُول الْعَذَاب عَن أَهلهَا أَو أَن تعْمل النَّار فِي الْقدَم عَادَتهَا تَعَالَى الله عَن ذَلِك وتقدس
سلمنَا أَن الْعَذَاب يبْقى وَلَا تُؤثر النَّار فَالنَّار إِنَّمَا سَأَلت الْمَزِيد من مستحقي الْعَذَاب لَا الْمَزِيد من الْقدَم الَّذِي زعموه فَبَان بِكُل مَا ذَكرْنَاهُ لُزُوم أحد التَّأْويلَيْنِ لَا محَالة