الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نَاصِر السّنة رَحمَه الله تَعَالَى وَرَضي الله عَنهُ وأرضاه وَكَانَ ذَلِك سنة 323
الطّرف الأول المشبهة والمجسمة
وهم الَّذين نسبوا الله تَعَالَى إِلَى الجسمية وأسندوا إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ كثيرا مِمَّا يسند إِلَى الْجِسْم معَاذ الله
وَقد نقل الإِمَام أَبُو الْحسن الْأَشْعَرِيّ فِي كِتَابه الشَّامِل مقالات الإسلاميين عَن بَعضهم كلَاما فِي حق الله تَعَالَى رُبمَا دلّ على التنقيص والاستهزاء بِاللَّه تَعَالَى فضلا عَن التجسيم وَلَا صلَة لَهُ بِالْعلمِ وَلَا بِالدَّلِيلِ فَقَالَ رَحمَه الله تَعَالَى وَاخْتلفت الروافض أَصْحَاب الْإِمَامَة فِي التجسيم وهم سِتّ فرق فالفرقة الأولى الهشامية أَصْحَاب هِشَام بن الحكم الرافضي يَزْعمُونَ أَن معبودهم جسم وَله نِهَايَة وحد طَوِيل عريض عميق طوله مثل عرضه وَعرضه مثل عمقه لَا يُوفى بعضه على بعض ص 31 وَذكر أَبُو الْهُذيْل فِي بعض كتبه أَن هِشَام بن الحكم قَالَ لَهُ إِن ربه جسم ذَاهِب جَاءَ فيتحرك تَارَة ويسكن أُخْرَى وَيقْعد مرّة وَيقوم أُخْرَى وَإنَّهُ طَوِيل عريض عميق لِأَن مالم يكن كَذَلِك دخل فِي حد التلاشي قَالَ فَقلت لَهُ إيما أعظم إلهك أم هَذَا الْجَبَل وأومأت إِلَى أبي قبيس جبل بِمَكَّة المكرمة قَالَ فَقَالَ إِن هَذَا الْجَبَل يُوفي عَلَيْهِ أَي هُوَ أعظم مِنْهُ
وَذكر ايضا ابْن الراوندي أَن هِشَام بن الحكم كَانَ يَقُول إِن بَين إلهه وَبَين الْأَجْسَام الْمُشَاهدَة تشابها من جِهَة من الْجِهَات وَلَوْلَا ذَلِك مَا دلّت عَلَيْهِ ص 32 وَزعم الْوراق أَن بعض أَصْحَاب هِشَام أَجَابَهُ مرّة أَن الله عز وجل على الْعَرْش مماس لَهُ وَأَنه لَا يفضل عَن الْعَرْش وَلَا يفضل الْعَرْش عَنهُ ص 33
وَقَالَ الذَّهَبِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي تَرْجَمَة أبي عَامر الْعَبدَرِي مُحَمَّد بن سعدون قَالَ ابْن عَسَاكِر بَلغنِي أَنه أَي الْعَبدَرِي قَالَ إِن أهل الْبدع يَعْنِي أهل السّنة يحتجون بقوله تَعَالَى لَيْسَ كمثله شَيْء أَي فِي الإلهية فَأَما الصُّورَة فمثلنا ثمَّ يحْتَج بقوله تَعَالَى {لستن كَأحد من النِّسَاء إِن اتقيتن} أَي فِي الْحُرْمَة العبر فِي خبر من غبر
وَزعم بَيَان بن سمْعَان التَّمِيمِي أَن معنى قَوْله تَعَالَى (كل شَيْء هَالك إِلَّا وَجهه) أَن
الله تَعَالَى يُدْرِكهُ الْهَلَاك وَأَنه لَا يبْقى مِنْهُ إِلَّا وَجهه وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأكْثر مَا أُتِي هَؤُلَاءِ كَانَ من
1 -
غفلتهم عَن تَنْزِيه الله تَعَالَى عَن مشابهة الْخلق ومشابهة أحد من الْخلق لَهُ سُبْحَانَهُ كَمَا قَالَ جل جلاله لَيْسَ كمثله شَيْء وَهُوَ السَّمِيع الْبَصِير {قل هُوَ الله أحد الله الصَّمد لم يلد وَلم يُولد وَلم يكن لَهُ كفوا أحد} وَأَن مَا نسب الله تَعَالَى إِلَى نَفسه من صِفَات وأفعال فَإِنَّمَا هِيَ على وفْق مُرَاده سُبْحَانَهُ فَإِن كَانَ الْعباد يجهلون حَقِيقَة ذَات الله تَعَالَى فأحر بهم أَن يجهلوا صِفَاته فَعَلَيْهِم أَن يُؤمنُوا ويسلموا ويسكتوا لكِنهمْ غفلوا فشبهوا الْخَالِق بخلقه حَتَّى جِسْمه بَعضهم كَمَا رَأينَا.
2 -
وَكَانَ من جِهَة بعض النُّصُوص المكذوبة على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مثل
- إِذا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة ينزل الله تَعَالَى بَين الآذان وَالْإِقَامَة عَلَيْهِ رِدَاء مَكْتُوب عَلَيْهِ إِنَّنِي أَنا الله لَا إِلَه إِلَّا أَنا يقف فِي قبْلَة كل مصل مُقبلا عَلَيْهِ إِلَى أَن يفرغ من صلَاته لَا يسْأَل الله عبد تِلْكَ السَّاعَة شَيْئا إِلَّا أعطَاهُ إِيَّاه فَإِذا سلم إلامام فِي صلَاته صعد إِلَى السَّمَاء رَوَاهُ ابْن عَسَاكِر من حَدِيث أنس من طَرِيق أبي عَليّ الْأَهْوَازِي وَهُوَ الْمُتَّهم بِهِ
- رَأَيْت رَبِّي بمنى يَوْم النَّفر على جمل أَوْرَق عَلَيْهِ جُبَّة صوف أَمَام النَّاس أبن عَسَاكِر من حَدِيث لَقِيط بن عَامر من طَرِيق الْأَهْوَازِي أَيْضا وَقَالَ فِيهِ وَفِي الَّذِي قبله كتبهما الْخَطِيب عَن الْأَهْوَازِي تَعَجبا من نكارتهما وهما باطلان
- إِذا أَرَادَ الله أَن ينزل إِلَى السَّمَاء الدُّنْيَا ينزل عَن عَرْشه بِذَاتِهِ أَبُو نعيم فِي التَّارِيخ من حَدِيث أنس عَن طَرِيق مُحَمَّد بن عِيسَى الطرسوسي عَن نعيم بن حَمَّاد عَن جرير عَن اللَّيْث بن أبي سليم عَن بشر عَن أنس ونعيم يَأْتِي بالطامات فَلَا يدْرِي الْبلَاء مِنْهُ أَو من الطرسوسي قلت قَالَ الذَّهَبِيّ فِي كتاب الْعَرْش وَبشر لَا يدْرِي من هُوَ وَلَعَلَّ هَذَا مَوْضُوع
- وروى عبيد بن حنين قَالَ بَيْنَمَا أَنا جَالس فِي الْمَسْجِد إِذْ جَاءَ قَتَادَة بن النُّعْمَان فَجَلَسَ يتحدث ثمَّ قَالَ أَن انْطلق بِنَا إِلَى أبي سعيد الْخُدْرِيّ فَإِنَّهُ قد أخْبرت أَنه اشْتَكَى فَانْطَلَقْنَا حَتَّى دَخَلنَا على أبي سعيد فوجدناه مُسْتَلْقِيا وَاضِعا رجله الْيُمْنَى على الْيُسْرَى فسلمنا عَلَيْهِ وَجَلَسْنَا فَرفع قَتَادَة يَده إِلَى رجل أبي سعيد الْخُدْرِيّ وقرصها قرصة شَدِيدَة فَقَالَ أَبُو سعيد سُبْحَانَ الله يَا ابْن آدم أوجعتني قَالَ ذَلِك أردْت لِأَن الله تَعَالَى لما قضى خلقه اسْتلْقى ثمَّ وضع إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى ثمَّ قَالَ لَا يَنْبَغِي لأحد من خلقي أَن يفعل هَذَا قَالَ أَبُو سعيد لَا جرم لَا أَفعلهُ أبدا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات ثمَّ قَالَ هَذَا // حَدِيث مُنكر // وَفِيه فليح بن سُلَيْمَان لَا يحْتَج بحَديثه قَالَ عبد الله بن أَحْمد بن حَنْبَل مَا رَأَيْت هَذَا الحَدِيث فِي دواوين الشَّرِيعَة الْمُعْتَمد عَلَيْهَا وَعبيد بن حنين قَالَ فِيهِ البُخَارِيّ لَا يَصح حَدِيثه وَفِي الحَدِيث عِلّة أُخْرَى وَهِي أَن قَتَادَة بن النُّعْمَان مَاتَ فِي خلَافَة عمر رضي الله عنه وَعبيد بن حنين مَاتَ سنة خمس وَمِائَة وَله خمس وَسَبْعُونَ سنة فِي قَول الْوَاقِدِيّ فَتكون رِوَايَته عَن قَتَادَة بن النُّعْمَان مُنْقَطِعَة قَالَ الإِمَام أَحْمد ثمَّ لَو صَحَّ طَرِيقه احْتمل أَن يكون رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حدث بِهِ عَن بعض أهل الْكتاب من طَرِيق الْإِنْكَار عَلَيْهِم فَلم يفهم قَتَادَة إِنْكَاره
قلت يرحم الله أَحْمد بن حَنْبَل مَا كَانَ أعظم عقله وَهُوَ يقرا وَيسمع حَدِيث رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلم يكن حَاطِب ليل لَا يَقُول بِكُل مَا يقْرَأ وَيسمع من الحَدِيث حَتَّى يعرضه على الْأُصُول
وَلَقَد ثَبت فِي البُخَارِيّ عَن عباد بن تَمِيم عَن عَمه أَنه رأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم مُسْتَلْقِيا فِي الْمَسْجِد وَاضِعا إِحْدَى رجلَيْهِ على الْأُخْرَى // صَحِيح البُخَارِيّ // كتاب الصَّلَاة واللباس وَمُسلم فِي اللبَاس وَأَبُو دَاوُد فِي الْأَدَب
وَقَالَ الإِمَام الْقُرْطُبِيّ رَحمَه الله تَعَالَى فِي تَفْسِيره عِنْد قَوْله تَعَالَى {وَلَقَد خلقنَا السَّمَاوَات وَالْأَرْض وَمَا بَينهمَا فِي سِتَّة أَيَّام وَمَا مسنا من لغوب} ق 38 مَا نَصه قَالَ قَتَادَة والكلبي هَذِه الْآيَة نزلت فِي يهود الْمَدِينَة زَعَمُوا أَن الله تَعَالَى خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فِي سِتَّة أَيَّام أَولهَا الْأَحَد وَآخِرهَا يَوْم الْجُمُعَة واستراح يَوْم السبت فجعلوه
يَوْم رَاحَة فأكذبهم الله تَعَالَى فِي ذَلِك
قَالَ الْحَافِظ أَبُو الْفرج بن الْجَوْزِيّ بَاب ذكر الْأَحَادِيث الَّتِي سَموهَا أَخْبَار الصِّفَات
الحَدِيث التَّاسِع وَالثَّلَاثُونَ من سِتِّينَ حَدِيثا رُوِيَ عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عَن الْمقَام الْمَحْمُود فَقَالَ صلى الله عليه وسلم وَعَدَني رَبِّي عز وجل بالقعود على الْعَرْش هَذَا حَدِيث لَا يَصح عَن رَسُول الله وَقَالَ ابْن عمر {وَإِن لَهُ عندنَا لزلفى وَحسن مآب} قَالَ ذكر الدنو مِنْهُ حَتَّى يمس بعضه وَهَذَا كذب على ابْن عمر
قلت هَذَا الْخَبَر وَقَول مُجَاهِد وَسَيَأْتِي ذكره ذكره الذَّهَبِيّ فِي الْعُلُوّ وانْتهى فِيهِ بعد الْكَلَام الطَّوِيل إِلَى تَقْرِير أَنه بَاطِل وَكَذَا فعل مُخْتَصره السلَفِي مُحَمَّد نَاصِر الدّين الألباني وَالْحَمْد لله
قلت وَكَانَ الإِمَام مُحَمَّد زاهد الكوثري رَحمَه الله تَعَالَى قد سبق السلَفِي مُحَمَّد نَاصِر الدّين إِلَى الحكم بِوَضْع الأبيات الْمَذْكُورَة مَعَ خبر مُجَاهِد وتنسب إِلَى الإِمَام الدَّارَقُطْنِيّ فِي الإقعاد وافترائها عَلَيْهِ رَحمَه الله تَعَالَى والأبيات المفتراة هِيَ
(حَدِيث الشَّفَاعَة عَن أَحْمد
…
إِلَى أَحْمد الْمُصْطَفى مُسْنده)
(وَجَاء الحَدِيث بإقعاده
…
على الْعَرْش أَيْضا فَلَا نجحده)
(أمروا الحَدِيث على وَجهه
…
وَلَا تدْخلُوا فِيهِ مَا يُفْسِدهُ)
(وَلَا تنكروا أَنه قَاعد
…
ولاتنكروا أَنه يقعده)
وَقد نَسَبهَا ابْن الْقيم فِي كِتَابه بَدَائِع الْفَوَائِد إِلَى الدَّارَقُطْنِيّ وَلم يذكر بطلَان تِلْكَ النِّسْبَة وَكَذَلِكَ فعل صَاحب كتاب مفاهيم يجب أَن تصحح قَالَ الإِمَام الْقُرْطُبِيّ عِنْد تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا} الْإِسْرَاء 79 اختف فِي الْمقَام الْمَحْمُود على اربعة أَقْوَال الأول وَهُوَ أَصَحهَا الشَّفَاعَة للنَّاس يَوْم الْقِيَامَة قَالَه حُذَيْفَة بن الْيَمَان وَفِي البُخَارِيّ عَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ إِن
النَّاس يصيرون يَوْم الْقِيَامَة جثا جماعات أمة تتبع نبيها تَقول يَا فلَان اشفع حَتَّى تَنْتَهِي الشَّفَاعَة إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَذَلِك يَوْم يَبْعَثهُ الله الْمقَام الْمَحْمُود وَذكر الْقُرْطُبِيّ خمس شفاعات للنَّبِي صلى الله عليه وسلم ثمَّ قَالَ القَوْل الثَّانِي إِن الْمقَام الْمَحْمُود إِعْطَاؤُهُ لِوَاء الْحَمد يَوْم الْقِيَامَة قلت وَهَذَا القَوْل لَا تنافر بَينه وَبَين الأول فَإِنَّهُ يكون بِيَدِهِ لِوَاء الْحَمد ويشفع روى التِّرْمِذِيّ عَن أبي سعيد قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنا سيد ولد آدم يَوْم الْقِيَامَة وَلَا فَخر وَبِيَدِي لِوَاء الْحَمد وَلَا فَخر وَمَا من نَبِي يَوْمئِذٍ آدم فَمن سواهُ إِلَّا تَحت لِوَائِي الجديث
القَوْل الثَّالِث مَا حَكَاهُ الطَّبَرِيّ عَن فرقة مِنْهَا مُجَاهِد أَنَّهَا قَالَت الْمقَام الْمَحْمُود هُوَ أَن يجلس الله تَعَالَى مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم مَعَه على كرسيه وروت فِي ذَلِك حَدِيثا هُوَ حَدِيث عَائِشَة وَتقدم أَنه لَا يَصح وعضد الطَّبَرِيّ جَوَاز ذَلِك بشطط من القَوْل وَهُوَ لَا يخرج إِلَّا على تلطف فِي الْمَعْنى وَفِيه بعد وَلَا يُنكر مَعَ ذَلِك أَن يرْوى وَالْعلم يتأوله وَذكر النقاش عَن أبي دَاوُد السجسْتانِي أَنه قَالَ من أنكر هَذَا الحَدِيث فَهُوَ عندنَا مُتَّهم مَا زَالَ أهل الْعلم يتحدثون بِهَذَا من أنكر جَوَازه على تَأْوِيله قَالَ أَبُو عمر وَمُجاهد وَإِن كَانَ أحد الْأَئِمَّة يتَأَوَّل الْقُرْآن فَإِن لَهُ قَوْلَيْنِ مهجورين عِنْد أهل الْعلم أَحدهمَا هَذَا وَالثَّانِي فِي تَأْوِيل قَوْله تَعَالَى {وُجُوه يَوْمئِذٍ ناضرة إِلَى رَبهَا ناظرة} قَالَ تنْتَظر الثَّوَاب لَيْسَ من النّظر قلت ذكر هَذَا فِي بَاب ابْن شهَاب فِي حَدِيث التَّنْزِيل وَرُوِيَ عَن مُجَاهِد أَيْضا فِي هَذِه الْآيَة قَالَ يجلسه على الْعَرْش وَهَذَا تَأْوِيل غير مُسْتَحِيل لِأَن الله تَعَالَى كَانَ قبل خلقه الْأَشْيَاء كلهَا وَالْعرش قَائِما بِذَاتِهِ ثمَّ خلق الْأَشْيَاء من غير حَاجَة إِلَيْهَا بل إِظْهَارًا لقدرته وحكمته وليعرف وجوده وتوحيده وَكَمَال قدرته وَعلمه بِكُل أَفعاله المحكمة وَخلق لنَفسِهِ عرشا اسْتَوَى عَلَيْهِ كَمَا شَاءَ من غير أَن صَار مماسا لَهُ أَو كَانَ الْعَرْش لَهُ مَكَانا قيل هُوَ الْآن على الصّفة الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا من قبل أَن يخلق الْمَكَان وَالزَّمَان فعلى هَذَا القَوْل سَوَاء فِي الْجَوَاز أقعد مُحَمَّد على الْعَرْش أَو على الأَرْض لِأَن اسْتِوَاء الله تَعَالَى على الْعَرْش لَيْسَ بِمَعْنى الِانْتِقَال والزوال وتحويل الْأَحْوَال من الْقيام وَالْقعُود وَالْحَال الَّتِي تشغل الْعَرْش بل هُوَ مستو على عَرْشه كَمَا أخبر
عَن نَفسه بِلَا كَيفَ وَلَيْسَ إقعاده مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم مُوجبا لَهُ صفة الربوبية أَو مخرجا لَهُ عَن صفة الْعُبُودِيَّة بل هُوَ رفع لمحله وتشريف لَهُ على خلقه وَأما قَوْله فِي الْأَخْبَار مَعَه فَهُوَ بِمَنْزِلَة قَوْله {إِن الَّذين عِنْد رَبك} آخر الْأَعْرَاف و {رب ابْن لي عنْدك بَيْتا فِي الْجنَّة} التَّحْرِيم 11 و {وَإِن الله لمع الْمُحْسِنِينَ} آخر العنكبوت وَنَحْو ذَلِك كل ذَلِك عَائِد إِلَى الرُّتْبَة والمنزلة والحظوة والدرجة الرفيعة لَا إِلَى الْمَكَان
أَقُول إِنَّمَا نقلت كَلَام الْقُرْطُبِيّ على طوله فِيمَا نقل عَن مُجَاهِد مَعَ أَنه مَبْنِيّ على أصل بَاطِل لَا يَصح ويعارض الصَّحِيح من الحَدِيث وَقد بلغ التَّوَاتُر الْمَعْنَوِيّ من أجل أَن يُقَاس عَلَيْهِ فِيمَا يَصح مِمَّا يجب تَأْوِيله تَنْزِيها لله تَعَالَى عَن مشابهة الْخلق وَذكر السُّيُوطِيّ فِي كِتَابه تحذير الْخَواص من أَحَادِيث الْقصاص تَحْقِيق الدكتور مُحَمَّد الصَّباح أَن الإِمَام الطَّبَرِيّ بلغه أَن قَاصا جلس فِي بَغْدَاد فروى فِي تَفْسِير قَوْله تَعَالَى {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك مقَاما مَحْمُودًا} أَنه يجلسه على عَرْشه فَلَمَّا بلغه ذَلِك احتد على ذَلِك وَبَالغ فِي إِنْكَاره وَقَالَ إِن حَدِيث الْجُلُوس على الْعَرْش محَال ثمَّ أنْشد
(سُبْحَانَ من لَيْسَ لَهُ أنيس
…
وَلَا لَهُ فِي عَرْشه جليس)
والقصة على طرافتها ذكرهَا ياقوت الْحَمَوِيّ فِي مُعْجم الْبلدَانِ 18 - 57 وَأَبُو حَيَّان فِي الْبَحْر الْمُحِيط 6 \ 72، 73 ونعوذ بِاللَّه من الخذلان
قَالَ ابْن حزم الظَّاهِرِيّ ذهبت طَائِفَة إِلَى القَوْل بِأَن الله تَعَالَى جسم وحجتهم فِي ذَلِك أَنه لَا يقوم فِي الْمَعْقُول إِلَّا جسم أَو غَرَض فَلَمَّا بَطل أَن يكون تَعَالَى عرضا ثَبت أَنه جسم وَقَالُوا إِن الْفِعْل لَا يَصح إِلَّا من جسم وَإِن الْبَارِي تَعَالَى فَاعل فَوَجَبَ أَنه جسم فَأجَاب أما فَسَاد قَوْلهم إِنَّه لَا يقوم فِي الْمَعْقُول إِلَّا جسم أَو عرض فَإِنَّهَا قسْمَة نَاقِصَة وَإِنَّمَا الصَّوَاب أَنه لَا يُوجد فِي الْعَالم إِلَّا جسم أَو عرض وَكِلَاهُمَا يَقْتَضِي بطبيعته وجود مُحدث لَهُ فبالضرورة نعلم أَنه لَو كَانَ مُحدثا جسما أَو عرضا لَكَانَ يَقْتَضِي فَاعِلا فعله ولابد فَوَجَبَ بِالضَّرُورَةِ أَن فَاعل الْجِسْم وَالْعرض لَيْسَ جسما وَلَا عرضا وَهَذَا
برهَان يضْطَر إِلَيْهِ كل ذِي حس بضرورة الْعقل وَلَا بُد
وَأَيْضًا فَلَو كَانَ الْبَارِي تَعَالَى عَن إلحادهم جسما لاقتضى ذَلِك ضَرُورَة أَن يكون لَهُ زمَان وَمَكَان وهما غَيره وَهَذَا إبِْطَال التَّوْحِيد وَإِيجَاب الشّرك مَعَه تَعَالَى لشيئين سواهُ وَإِيجَاب أَشْيَاء مَعَه غير مخلوقة وَهَذَا كفر الْفَصْل فِي الْملَل والأهواء والنحل \ 2
وَقَالَ أَبُو الْفضل التَّمِيمِي رَئِيس الْحَنَابِلَة بِبَغْدَاد أنكر أَحْمد من قَالَ بالجسم وَقَالَ إِن الْأَسْمَاء مَأْخُوذَة من الشَّرِيعَة واللغة وَأهل اللُّغَة وضعُوا هَذَا الِاسْم على ذِي طول وَعرض وسمك وتركيب وَصُورَة وتأليف وَالله سُبْحَانَهُ خَارج عَن ذَلِك وَلم يَجِيء فِي الشَّرِيعَة ذَلِك فَبَطل نَقله الْبَيْهَقِيّ فِي مَنَاقِب الإِمَام أَحْمد ص 42
وَقَالَ عبد القاهر الْبَغْدَادِيّ رَحمَه الله تَعَالَى الْمَسْأَلَة الْحَادِيَة عشرَة من هَذَا الْفَصْل فِي حكم المجسمة والمشبهة كل من شبه ربه بِصُورَة الْإِنْسَان من البيانية والمغيرية والجواربية والهشامية المنسوبة إِلَى هِشَام بن سَالم الجواليقي فَإِنَّمَا يعبد إنْسَانا مثله وَيكون حكمه فِي الذَّبِيحَة وَالنِّكَاح كَحكم عَبدة الْأَوْثَان فِيهَا وَكَذَلِكَ من زعم أَن بعض النَّاس إِلَه أَو أدعى حُلُول روح الْإِلَه فِيهِ على مَذْهَب الحلولية كَمَا قالته الخطابية فِي جَعْفَر الصَّادِق وكما قالته الزرامية فِي أبي مُسلم صَاحب دَعْوَة بني الْعَبَّاس وكما قالته المبيضة فِي الْمقنع فَهُوَ عَابِد وثن وَأما جسمية خُرَاسَان من الكرامية فتكفيرهم وَاجِب لقَولهم إِن الله تَعَالَى لَهُ حد وَنِهَايَة من جِهَة السّفل وَمِنْهَا يماس عَرْشه ولقولهم بِأَن الله تَعَالَى مَحل للحوادث وَإِنَّمَا يرى الشَّيْء بِرُؤْيَة تحدث فيهويدرك مَا يسمعهُ بِإِدْرَاك يحدث تَعَالَى الله عَمَّا يصفونَ وَلَوْلَا حُدُوث الْإِدْرَاك فِيهِ لم يكن مدْركا لصوت وَلَا لمرئي وَقد افسدوا بِإِجَازَة حُلُول الْحَوَادِث فِي ذَات الله تَعَالَى لأَنْفُسِهِمْ دلَالَة الْمُوَحِّدين على حُدُوث الْأَجْسَام بحلول الْحَوَادِث وَإِذا لم يَصح على أصولهم حُدُوث الْعَالم لم يكن لَهُم طَرِيق إِلَى معرفَة صانع الْعَالم فصاروا جاهلين بِهِ وَكَيف يحكم بإيمَانهمْ وهم يَقُولُونَ إِنَّه لَيْسَ فِي قلب أحد إِيمَان وَكَيف يكون مُؤمنا من يَقُول إِن إيمَانه كأيمان الْمُنَافِقين الْكَفَرَة باعتقاد الْكفْر وَسَائِر فرق الْأمة يكفرونهم وهم يرَوْنَ